Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد 75 عاما... لماذا ظلت ساعة "يوم القيامة" مهمة حتى اليوم؟

اتسع نطاقها لترصد الانهيار البيئي والتغير المناخي والتكنولوجيات المدمرة

ساعة "يوم القيامة" اكتسبت اسمها من الصحف عام 1968 (أ ف ب)

قبل 75 عاماً ابتكر العلماء الذين عكفوا على إنتاج أول سلاح نووي في العالم، ساعة رمزية مزجت بين الفن والسياسة، سعوا من خلالها إلى تحذير العالم كل عام من قرب تدمير البشرية لنفسها، أطلقوا عليها في البداية اسم الساعة الذرية، قبل أن يتحول اسمها في الستينيات إلى "ساعة يوم القيامة"  التي أصبحت مع تأثيراتها الثقافية والسياسية الواسعة، الأكثر شهرة خلال القرن العشرين، واستمرت قوتها في القرن الحادي والعشرين، فلماذا حافظت ساعة "يوم القيامة" على ديمومتها وأهميتها في عيد ميلادها الـ75؟

100 ثانية

بصرف النظر عن التوقيت الذي تخبرك به ساعتك، فإن ساعة "يوم القيامة" أشارت قبل أيام، إلى أنه لم يتبق من الزمن سوى 100 ثانية فقط حتى منتصف الليل، وهي الفترة الزمنية الرمزية التي تحددها مجموعة من العلماء بين اللحظة الحالية وبين وقوع كارثة تُنهي العالم كما نعرفه الآن. وبهذه الساعة الأيقونة ذات العد التنازلي المخيف، يسلط العلماء الضوء على الشبكة المعقدة من المخاطر الكارثية التي تواجه البشرية، ليس فقط للتنبيه بأخطار الأسلحة النووية كما كانت الحال عام 1947، حينما تم تدشين الساعة لأول مرة، بل للتحذير من مجموعة لا تقل خطورة على مستقبل البشرية، مثل أسلحة الدمار الشامل والانهيار البيئي والتغير المناخي والتكنولوجيات المدمرة، وهو تقليد بدأ عام 2007 ليشمل أي تهديد وجودي عالمي من صنع الإنسان.

نشأت فكرة ساعة "يوم القيامة" بعد عامين من نهاية الحرب العالمية الثانية، وإسقاط قنبلتين نوويتين فوق هيروشيما وناغازاكي ومقتل أكثر من 200 ألف شخص، إذ حلمت مجموعة من العلماء والباحثين الذين عملوا على أول أسلحة نووية في مشروع مانهاتن، بساعة "يوم القيامة" باعتبارها استعارة تحذيرية لصانعي القرار السياسي ولعامة الناس. وتمكنوا بالفعل من تطويرها ضمن ما كان يسمى نشرة علماء الذرة، التي أصبحت أيضاً مجلة بهذا الاسم، لتبدأ الساعة في العمل عام 1947 عبر ضبطها على سبع دقائق حتى منتصف الليل. وظلت عقارب الساعة تتحرك إلى الأمام والخلف خلال سنوات الحرب الباردة وسط تهديدات باحتمالية سقوط القنابل النووية قريباً على عواصم العالم، والقلق الذي أصاب الأميركيين الذين كانوا يحفرون الملاجئ، ويطلبون من الأطفال الاحتماء تحت مكاتب مدارسهم في حالة حدوث هجوم نووي.

أخطار مستمرة

وعبر العقود التالية، تحرك عقرب الساعة ذهاباً وإياباً، في أعقاب تطوير  مزيد من القنابل الهيدروجينية المدمرة، وحالات الإنذارات الكاذبة النووية، وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، التي ربما تكون أخطر مواجهة في التاريخ. ومنذ ذلك الحين، أدى سباق التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق إلى تكديس الدول لترسانات ضخمة من أخطر أسلحة الحرب النووية، التي بلغت ذروتها خلال الثمانينيات بوصولها إلى 60 ألف رأس نووي.

وعلى الرغم من انخفاض أعداد هذه الرؤوس النووية إلى حوالى 9000 سلاح نووي فقط، إلا أنها لا تزال كافية لإبادة البشرية مرات عدة، وهو ما يؤكده جون ميكلين، رئيس تحرير نشرة علماء الذرة، بأن التهديد النووي لن يختفي بأي شكل، لأن استخدام أي عدد كبير من تلك الأسلحة النووية سيغير الحضارة بطريقة رهيبة، سواء تم ذلك بسبب حوادث أو نتيجة سوء التقدير أو الاستخدام الإرهابي، ولهذا فإن احتمالية حدوث انفجارات نووية عالية ما زال مقلقاً للغاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مزيد من النووي

وتوافق إرين ماكدونالد، المحللة في برنامج الأمن العالمي على هذا التقييم، استناداً إلى أن الولايات المتحدة احتفظت بكثير من سياسات حقبة الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن، وأبقت على وجود صواريخ باليستية عابرة للقارات في حالة تأهب قصوى على سبيل المثال.

وفي عام 2016، بدأ الرئيس الأميركي باراك أوباما برنامج تحديث نووي بقيمة تريليون دولار، الذي يبدو أنه كان له تأثير في تشجيع المنافسين مثل روسيا والصين على بناء ترساناتهم الخاصة. وأضاف دونالد ترمب ما يسمى بالأسلحة النووية منخفضة القوة، وهي أسلحة يمكن إطلاقها من الغواصات، كما سحب ترمب وجورج دبليو بوش الولايات المتحدة من جميع معاهدات الحد من الأسلحة مع روسيا باستثناء واحدة، في حين انتشرت ملكية الأسلحة النووية أيضاً في بقاع أخرى من الأرض، بما في ذلك إسرائيل، وكوريا الشمالية، والهند، وباكستان.

وطوال هذه العقود لم يتراجع مؤشر ساعة "يوم القيامة" إلا لفترة وجيزة هي 17 دقيقة قبل منتصف الليل، حينما وقعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أول معاهدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية "ستارت 1" وتم حل الاتحاد السوفياتي.

بين المدح والذم

لكن ساعة "يوم القيامة" التي اكتسبت اسمها من الصحف فقط عام 1968، واعتمدت النشرة الاسم رسمياً عام 1972، لم تسلم من المنتقدين الذين رأوا أنها حيلة سياسية غير مثمرة وغير مفيدة للناس وصانعي السياسات، استناداً إلى أنها تحمل قدراً كبيراً من المبالغة، وأنها تعتبر كل شيء يمثل أزمة.

لكن كتاباً آخرين اعتبروا أن ساعة "يوم القيامة" بما حملته من تأثير ثقافي، انعكست في ألحان الموسيقيين وفي البرامج التلفزيونية وبعض الأفلام، كانت مفيدة بشكل أو بآخر من خلال تسليط الضوء على الأخطار التي يصنعها الإنسان. وفي كتابهما الجديد المثير للقلق الذي يحمل عنوان: "ساعة يوم القيامة في عمر 75"، يتتبع روبرت إلدر وجيه سي غابل تاريخ ساعة "يوم القيامة"، التي اعتبرها المؤلفان أقوى تصميم إعلامي في القرن العشرين، كما اعتبرت راشيل برونسون، الرئيسة والمديرة التنفيذية لنشرة علماء الذرة، أنها تجمع بين قوة الفن والعلم.

مكونات إضافية

وإذا كان علماء الذرة الأوائل عرفوا أن الأسلحة النووية هي أول اختراع بشري يمكن أن يقضي حرفياً على الحضارة الإنسانية، إلا أنهم أدركوا أيضاً أنه سيكون هناك مزيد من التهديدات، ولهذا أصبحت مكونات سيناريو "يوم القيامة" المحتمل أكثر عدداً الآن من أي وقت مضى، حسبما يقول رئيس تحرير النشرة جون ميكلين.

ومن بين هذه المكونات، تغير المناخ، والتهديدات البيولوجية، والذكاء الاصطناعي، والمعلومات المضللة، وكثير من القضايا الناشئة التي يمكن أن تهدد كوكب الأرض، التي يشير بعض العلماء مثل كاثرين هايهو، الأستاذة في جامعة تكساس للتكنولوجيا، إلى أنه من منظور المناخ، يجب أن تتحرك ساعة "يوم القيامة" الآن أقرب قليلاً إلى منتصف الليل، لأنه خلال وباء كورونا، انخفضت انبعاثات البشر بصفة مؤقتة بنحو 7 في المئة خلال عام 2020، لكن وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، عاد البشر إلى مستويات أعلى من تلك التي كانوا عليها قبل الجائحة.

وتحذر برونسون وزملاؤها من تهديدات أخرى، ففي حين أن الوباء ليس على وشك القضاء على البشرية، إلا أنه نذير بالتهديدات المقبلة، وقد تنتقل الفيروسات الأخرى الأكثر خطورة من الحيوانات إلى البشر، وقد تظهر أنواع جديدة من التقنيات التخريبية، بما في ذلك الأسلحة السيبرانية والأسلحة البيولوجية والذكاء الاصطناعي وأسلحة الطائرات من دون طيار.

ومع التهديدات المستمرة والخطيرة التي تشكلها الأسلحة النووية وتغير المناخ والتقنيات التخريبية، يفضل كثيرون الإبقاء على مؤشر ساعة "يوم القيامة" على بعد 100 ثانية حتى منتصف الليل، وهو أعلى مستوى من الخطر الذي تم تسجيله حتى الآن بينما العالم يزداد توتراً. 

المزيد من تحقيقات ومطولات