Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السينما النظيفة" في مصر... هل أصبحت لعنة تطارد أصحابها؟

نجوم أوائل الألفية حققوا شهرتهم بأفلام تخاصم المشاهد الجريئة والجمهور لا يزال يقف لهم بالمرصاد

"صعيدي في الجامعة الأميركية" أحد الأفلام التي راج معها مصطلح السينما النظيفة (يوتيوب)

ربع قرن تقريباً مضى على اقتحام مصطلح "السينما النظيفة" عالم الأفلام المصرية، الذي كان غامضاً في البداية تماماً، ويوحي لسامعيه بأنه يجب أن يتنكر لكل ما شاهده على شاشة الفن السابع في ما قبل، لأنه قد يكون "ملوثاً". بالطبع تلك السذاجة في التفكير كانت نابعة من ارتباك المعنى الذي كان جديداً بالكلّية. ففي هذا الوقت، كانت الانتعاشة الكبرى لتيار الأفلام الكوميدية لجيل محمد هيندي وأشرف عبد الباقي والراحل علاء ولي الدين، ثم منى زكي وياسمين عبد العزيز وغادة عادل وأحمد السقا، ولاحقاً كريم عبد العزيز ومحمد سعد وأحمد حلمي.

وكانت حنان ترك سبقت كل هؤلاء بأعمال قوية وجادة وتصنف على أنها جريئة في بعض الأوقات، إذ كانت من الممثلات الشابات اللاتي عملن مع المخرج يوسف شاهين وتلامذته ونجحت في أن تثبت موهبتها في مجموعة أعمال لافتة، ولكنها أيضاً انضمت إلى ركب ما سُمّي بـ"سينما الأسرة" قبل أن تعتزل الفن من الأساس. أما من بقي يحاول تثبيت أقدامه في المجال من هذا الجيل، فقد مر بمراحل عاصفة وكثيرة وفي كل خطوة كان يطارده المصطلح الذي لطالما ارتبط بوجوه هذه الحقبة.

سينما نظيفة أم إيرادات كثيرة؟

الجمهور استدعى التعبير مجدداً هذه الأيام بعد الهجوم الشرس الذي تعرّضت له منى زكي بسبب دورها في فيلم "أصحاب ولا أعز" أول إنتاج سينمائي عربي لمنصة "نتفليكس" العالمية، فالفنانة تنال يومياً كمّاً كبيرا من الانتقادات، بحجة أنها تعارض قناعتها السابقة وتخالف تصريحاتها بأنها ضد المشاهد الجريئة، على الرغم من أنها في الفيلم تبدو محتشمة في ملابسها، ولكن على ما يبدو أن البعض استفزته ألفاظ عدة والمشهد الذي يحمل إيحاءً من بعيد.

بالحديث عن مصطلح "السينما النظيفة"، هناك من يرى أنه ظهر قبل فترة نهاية التسعينيات بنصف قرن على الأقل، وكان يُقصد به الأفلام عالية الجودة، ولم يكُن يشير آنذاك بشكل أو بآخر إلى فكرة الجرأة أو غيره، ولكن في النهاية، فإن الانتشار الأقوى والأكثر شعبية له كان مع عودة الإنتاج السينمائي في مصر لانتعاشته الكبرى بعدد كبير من أفلام شباب الممثلين حينها، وغالبيتها دار في عالم الأكشن والكوميديا والرومانسية الخفيفة، من دون أي ملابس كاشفة أو مشاهد قبلات.

بالطبع كان هناك مخرجون كثر يرفضون هذه الموجة وظلوا على قناعتهم وقدموا أفلامهم بطريقتهم، ولكن الإنتاج الأكبر كان يتزعمه رواد تلك الموجة وبالفعل انتعش شباك التذاكر وحققت الأفلام إيرادات ضخمة، بينها "إسماعيلية رايح جاي" و"صعيدي في الجامعة الأميركية" و"همام في أمستردام" وغيرها، فكانت سوق الإنتاج السينمائية في مصر قبيل هذه الفترة شهدت ركوداً ملحوظاً، وبعدها نجح فيلم "إسماعيلة رايح جاي" عام 1997 بموازنته المحدودة وقصته الخفيفة المضحكة، وتمسك المنتجون بهذه النوعية، وحينها كان النجوم يصرحون أنهم ضد مشاهد العريّ والقبلات.

هل هي مراجعات متأخرة؟!

على مدار الأعوام الأخيرة، حدثت مراجعات وعبّرت فنانات عن أن هذا المصطلح الذي تمسّكن به في بدايتهن كان مضللاً تماماً، خصوصاً أنهن كن قليلات الخبرة، بل إن منى زكي قالت إن هذا المصطلح عطّلها كثيراً". وظهرت في فيلم "إحكي يا شهرزاد" عام 2009 من تأليف وحيد حامد وإخراج يسري نصر الله الذي صُنّف بالجريء حينها. ولكن "نجمة السينما النظيفة" لقب ظل يطاردها ولهذا رأى البعض أن "الهجوم الأخير عليها وعلى كثير من نجوم جيلها ربما يعود سببه إلى ملاحقة هذه الوصف بنوع الأعمال التي روجوا لها، بالتالي اتهمها المشاهدون بالتناقض".

اللافت أنه في أعقاب انتشار هذه الموجة، ظهرت أفلام تحاول تعويض الجمهور بمشاهد حركة، فاحترف بعض النجوم وشركات الإنتاج ما سُمّي لاحقاً بسينما "البلطجة"، وهي أفلام البطل الشعبي الذي يعيش في حي يقطنه خارجون عن القانون، وعلى الأغلب يحاول البطل الانتقام من ظالميه باحتراف أعمال العنف أيضاً، وهي نوعية أفلام تجارية وجدت معارضة أيضاً، ولكنها حققت نجاحاً واتُّهم محمد رمضان بأنه أبرز رواد هذه النوعية، وعلى الرغم من أن مصطلح "السينما النظيفة" واجه اعترضات نقدية كثيرة، ولكن شباك التذاكر كانت له الكلمة النهائية، فازدهرت أفلام المنتجين الذين يتبنّونه، ولكن هل ربحت السينما؟!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يرى الناقد السينمائي إيهاب التركي أن "مصطلح السينما النظيفة مهين للفن، ولا مثيل له في العالم"، مشيراً إلى أن "بعض المنتجين والفنانين والنقاد أسهموا في صك المصطلح وترسيخه، ظناً منهم أنهم بذلك يتقربون إلى الجمهور المحافظ". وأوضح التركي، "الحقيقة، هناك فرق كبير بين هذا المصطلح الجاهل وبين نوعية الأفلام المحافظة وجمهورها العائلة والصغار، فأفلام العائلة موجودة في كل العالم، وأشهر نماذجها أفلام ديزني، ولكن خارج هذا الإطار، فالسينما تناقش كل شيء. والمشاهدون ليسوا أطفالاً نراقب ما يتابعونه، ثم نمنع ما لا يتوافق مع شروطنا".

ويلفت التركي النظر إلى أن "هذا التعبير مثلاً ركز على كل ما يتعلق بالمرأة والجنس، في حين تهاون مع العنف والتنمر والعنصرية في الأفلام"، واعتبر أن "المصطلح زاد من تدهور مستوى السينما، فرواده في سينما التسعينيات قدموا نوعية ركيكة وسطحية من الأفلام التي احتلت شباك التذاكر وجعلت من أنصاف موهوبين، نجوماً وقتلت فكرة الإبداع وحرية التفكير".

من يدفع الثمن؟

تغلل المصطلح بشدة على مدار تلك الأعوام، ولكن حتى مع مرور كل هذا الوقت وتبدّل القناعات والاعتراف بقيمة السينما، بعيداً من أي مسميات أو مصطلحات، هل سيظل هذا التعبير شبحاً يطارد من صعدوا على أكتافه؟

يذكر الناقد إيهاب التركي أن "الأمر وصل إلى أن أنصار ما يُسمّى بالسينما النظيفة زايدوا حتى على دور جهاز الرقابة على المصنفات الفنية نفسه"، وأوضح، "الأفكار الرجعية المتشددة ترسخت وحوّلت السينما المصرية إلى مسخرة يتباهى فيها البعض بالرداءة والسطحية"، وتابع، "على من رفع راية السينما النظيفة وتخلى عنها، إعلان هذا صراحة وعلى منى زكي تحمّل تبعات شيء شاركت فيه وأفكار شاركت في رعايتها حتى توحشت وهاجمتها بعد دورها في ’أصحاب ولا أعز‘، فشراسة الهجمة المضادة للفيلم أكبر من مجرد مهاجمة فيلم متواضع، وتأليف بعض المهاجمين لمشاهد وتفاصيل غير موجودة في الفيلم دليل أن هناك تياراً ممنهجاً يقف خلفها، تيار يرى ما بناه من صرح سمّاه بالسينما النظيفة ينهار أمامه، فهذا التيار وأنصاره يحاربان ما يحدث من انفراجة في عقلية صناع السينما لترهيب كل من يجرؤ ويحاول تغيير وضع السينما واتهامه بالانحلال والترويج للرذيلة".

بالطبع كثير من الفنانين روّجوا لمصطلح "السينما النظيفة" وكانوا يحرصون على تأكيد هذا بشكل أو بآخر في تصريحاتهم المتداولة خصوصاً في أوائل الألفية، ولكن الحقيقة أن هناك من خرج من هذا الجدال منذ البداية، بينهم منة شلبي على سبيل المثال، فكانت اختياراتها للأعمال مختلفة تماماً، وأيضا هند صبري خصوصاً في بدايتها بالسينما المصرية.

يرى البعض أن المستفيدين من عبارات نظافة وطهارة السينما كانوا يغازلون الجمهور لتحقيق نجومية ومكاسب وظلوا متمسكين بآرائهم لوقت طويل، ويؤكد التركي أن "دعم هذا المصطلح أسهم فيه بشكل أساس الجمهور وشجع عليه وكذلك شخصيات محسوبة على الإعلام والفن"، وتساءل، "مثلاً حتى الآن لم نقرأ أو نسمع رسائل قوية تدعم حرية الرأي والتعبير من رموز السينما النظيفة، وعلى رأسهم السقا وهنيدي وأحمد حلمي نفسه، كما أن عليهم دعم حرية الفن والتبرّؤ من مصطلح السينما النظيفة المهين قبل دعمهم لمنى زكي".

اقرأ المزيد

المزيد من سينما