Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما لجأ فون تراير إلى شكسبير لتوصيف الحياة الفاسدة في "المستشفى"

مسلسل "المملكة" مكّن التلفزيون من التفوق على الشاشة العريضة في مبادرة ستتفاقم

مشهد من "المملكة" في حلقاته الأولى (موقع المسلسل)

حتى ولو قرَّرت في لعبة جوائز تلفزيونية أن "تلجأ إلى صديق" للحصول على جواب عن سؤال يتعلق باسم المسلسل التلفزيوني الدنماركي الأشهر، ستعجز بالتأكيد عن الحصول على الجواب. فمن ذا الذي يمكنه أن يعرف جواباً لهذا السؤال "العجيب". ومع ذلك، إن كان "الصديق" من محبي سينما لارس فون تراير، ثمة احتمال كبير بأن يسعفك، بشرط أن يتذكر ما ينسى عادةً، وهو أن هذا المخرج السينمائي الكبير الذي ضخ أهم المهرجانات السينمائية في أوروبا بأفلام منحته جوائز أساسية، يحدث له بعض الأحيان أن يدنو من الشاشة الصغيرة. وهذه الأحيان كان من أهمها تلك المرة التي حقق فيها مسلسل "المملكة" الذي انتشر في أنحاء العالم، وكان من بين خصائصه أنه أعاد إلى الذاكرة واحداً من أبرز التعابير الشكسبيرية من دون أن تكون له علاقة حقيقية بشكسبير، إذا استثنينا كون التعبير يتحدث من خلال أميرها الشاب "هاملت" في المسرحية المعروفة، عن ذلك الفساد الذي يمكن القول مع ذلك أن الدنمارك كانت منه براء، ولكن الأمر لن يكون كذلك طبعاً في المسلسل المعاصر.

الفساد في المستشفى الدنماركي

"كل شيء فاسد في مملكة الدنمارك". هذه العبارة ترد في مسرحية "هاملت"، لكنها منذ دوّنها قلم شكسبير أوائل القرن السابع عشر، اتخذت حياتها الخاصة وصارت تضرب مثلاً على الفساد في أي بلد كان. أو في أي مكان كان. من هنا، حين أطلق لارس فون تراير اسم "المملكة" على أول مسلسل تلفزيوني كبير حققه، كان الاسم يشير، من ناحية إلى مستشفى كبير تتمحور حوله وفيه أحداث المسلسل، ومن ناحية أخرى إلى عبارة شكسبير. فإن تذكرنا أن فون تراير دانماركي، وأن المستشفى يقع في الدنمارك، ندرك كيف أن الدائرة هنا تكتمل، وكيف أن مخرجاً مبدعاً تمكن، في كلمة واحدة من أن يقول كل ما يريد قوله. أو بالأحرى: من أن يمهد لما سيقوله، ليس فقط في الحلقات عديدة التي يتألف منها المسلسل، بل كذلك في حلقات عديدة أخرى، كونت جزءاً ثانياً منه عرض في عنوان "المملكة 2". وكان هذه المرة أميركياً اقتبسه الكاتب ستيفن كينغ من المسلسل الدنماركي في صياغة من المؤكد أنها لم ترقَ لفون تراير، الذي عاد وكتب، مع شريكه في كتابة المسلسل الأول، حلقات جديدة من المفترض أنها كانت قيد التصوير، عائدة إلى الدنمارك من جديد خلال النصف الثاني من العام الماضي 2021 لتشكل حين تعرض حدثاً فنياً بالغ الأهمية، وذلك على ضوء مستجدات كورونا التي لم يكن لها وجود أيام المسلسلين الدنماركي الأول والأميركي.

عودة إلى الجذور بعد ربع قرن

مهما يكن لا بد من الإشارة إلى أن بين "المملكة" الأولى و"المملكة" الثانية، لم يمر سوى ثلاث سنوات - بين 1994 و1997، هي من ضمن السنوات الفاصلة بين أول نجاح سينمائي كبير للارس فون تراير، فيلمه "أوروبا" (1991)، الذي فاز في "كان" بجائزة لجنة التحكيم الكبرى مشاركة مع "خارج الحياة" للبناني الراحل مارون بغدادي، وبين أول اندفاعة نحو "السعفة الذهبية" في مسار هذا الفتى السينمائي المشاكس "تحطيم الأمواج" (1996)، ما يعني أن فون تراير، في الوقت الذي كان الذين أولعوا بفيلمه "أوروبا"، وكانوا قبل ذلك قد رصدوا حضور خصوصيته السينمائية المتميزة في أول أفلامه "عنصر الجريمة" الذي صُوِّرَ جزء منه في مصر (1984)، ثم في "وباء" (1987)، ينتظرون منه تحقيق عمل سينمائي روائي ثانٍ، انصرف، وسط ما يشبه التكتم إلى تحقيق الحلقات الأربع، التي أتى مؤلفاً منها ذلك المسلسل الذي أقام الدنمارك، حينها، ولم يقعدها، لكن الفترة التي فصلت بين "المملكة" الأميركي والمسلسل الدنماركي الجديد باتت تتجاوز ربع القرن، والمتوقع أن تكون الإثارة هذه المرة كبيرة بالنظر إلى أن "كورونا مرت من هنا" فأضافت رعباً على رعب كان كبيراً في الماضي القريب.

ظواهر ومواقف وعلاقات

ذلك أن المسلسل، وفي اختصار شديد، يتحدث من خلال مجموعة من الظواهر والمواقف والعلاقات، عن الفساد المستشري في ذلك المستشفى - الرمز، ولكن في عمل مغلف بمشاهد الرعب والأشباح والأرواح، وما إلى ذلك. غير أن اللافت أيضاً، هو أن ثمة مواقف كثيرة في المسلسل تدور حول ممارسات، غامضة، لطبيب نفسي يدعى ستيغ هلمر سويدي الأصل... وهذه المشاهد يدور بعضها فوق سطح مبنى المستشفى من مكان يطل على الشاطئ السويدي، ما يجمع - رمزياً - بين ما يحدث في الدنمارك وفي السويد، وسط ذلك "الملكوت" الذي إذا كان يذكر بالفساد، فإنه يذكر بالموت أيضاً.

هذا المسلسل حقق نجاحاً كبيراً، بل إنه وحتى قبل اقتباسه في مسلسل أميركي حول هو نفسه، إلى فيلم طويل عرض على شاشات السينما في مناطق مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، لكن لارس فون تراير، وعلى غير عادته لم يُبدِ رضا كبيراً عن ذلك التحويل الاختزالي، بل قال إنه حقق العمل للتلفزة، في طول إجمالي وصل إلى خمس ساعات وأي اختزال منه يضر به. ولعل ما حدث على هذا النحو للعمل، هو ما دفع بفون تراير إلى أن يوافق في عام 1997 على تحقيق الجزء الثاني من "المملكة" في أربع حلقات أخرى، استكملت الأولى، لكنها في عُرف كُثر لم ترقَ إلى مستوى المجموعة الأولى، بل جاءت أشبه بمحاكاة حرفية لها، ناقصة بعض الإنجازات التقنية، كالتصوير بألوان السيبيا ومحاولة عقلنة الشر ونتائجه. وهنا لا بد من أن نذكر أن ستيفن كنغ، كاتب روايات الرعب الأميركي الشهير "كاري"، "الإشراق"، "كريستين" و"مينرريري" بين أعمال أخرى اقتبس منذ سنوات قليلة عمل فون تراير التلفزيوني الكبير هذا، في مسلسل أميركي لم يحقق من النجاح النقدي ما كان حققه عمل الدنماركي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التلفزة المستبعدة

مهما يكن، لا بد من أن نذكر هنا أن "المملكة" الأصلي في جزأيه، لم يكن التجربة التلفزيونية الأولى، ولن تكون الأخيرة لفون تراير، الذي انبنت سمعته كلها أصلاً على حضوره السينمائي العالمي القوي، كما انبنى جزء من سمعته على نظرية "الدوغما 95" التي كان طلع بها مع مجموعة من زملائه المخرجين الشبان من أجل صنع سينما قوية ومتقشفة لا اصطناع فيها حتى ولا إضاءة زائدة أو موسيقى. لقد بدا حضور فون تراير السينمائي قوياً خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين، إلى درجة أن ما من أحد كان ليتصور أن الرجل يمكن أن يبدع تلفزيونياً. كان المعتقد بأن شاشة التلفزة أصغر من طموحاته. غير أن الذين اعتقدوا هذا، لم يتنبهوا إلى أن في سيرة فون تراير ما يفيد بأنه، على صعيد التلفزة بخاصة، كان من كبار المجربين، والداعين إلى التجديد. والحقيقة أن مسلسلي "المملكة" الأولين والمرجح أن الجديد سيتبعهما في ذلك هما اللذان يقولان في طريقهما كيف أن فون تراير تمكن من تعميم مبادئ الدوغما لتصل أيضاً إلى التلفزة، وتقوله بعض أعمال تلفزيونية أخرى لهذا المبدع، حسبنا هنا أن نذكر بعضها، مع الإشارة إلى أن بعض هذا البعض لم يعرض أبداً لأسباب وقضايا ربما تتعلق بمزاج فون تراير المتقلب وغرابة أطواره. ففي سنة 1988 حقق هذا المخرج فيلماً تلفزيونياً بعنوان "ميديا" عن سيناريو سينمائي كان ورثه عن المخرج الدنماركي الكبير كارل دراير ينطلق من الأسطورة الإغريقية المعروفة. وفي عام 1994، حقق فون تراير مسلسلاً في 6 حلقات عنوانه "غرفة المدرس". وفي عام 1996، كتب لمخرجين متعددين مسلسل "ماراتون" في 8 حلقات، لكن هذا المسلسل حول إلى عمل إذاعي. أما بين عامي 1998 - 1999، فقد اكتفى بإنتاج مسلسل "مياه هادئة" في 26 حلقة. وفي سنة 2000، تعاون مع زملاء له، من جماعة الدوغما لكتابة وإخراج فيلم تلفزيوني بعنوان "دي. داي". وكل هذا قد يفاجئ معجبي لارس فون تراير الذين يكتشفون مدهوشين أن هذا الذي يعتبر "السينمائي بامتياز" لم يتوانَ عن تجربة حظه – وبنجاح - في التلفزة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة