Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نمط الباروك... عظمة وثراء حسي وديناميكية

من أكثر الأساليب الفنية تنميقاً وإتقاناً زخرفياً ولا يقتصر على العمارة

يخاطب الفن والتصميم الباروكي حواس المشاهد بشكل مباشر (موقع انسبلاش)

يعود الظهور الأول لنمط الباروك في روما، إيطاليا، إلى العقود الأخيرة من القرن السادس عشر، وازدهر خلال الفترة الممتدة بين 1590 - 1720، بينما لما يظهر بشكل واضح في مناطق أخرى، مثل ألمانيا وأميركا الجنوبية، حتى القرن الثامن عشر، إذ امتد تأثيره من إيطاليا وفرنسا إلى بقية أوروبا، ثم إلى أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية والوسطى، ليتحول بعدها إلى أسلوب عالمي.

مخالفة السائد

لا يقتصر لفظ "فن الباروك" على العمارة والتصميم الداخلي، بل يمتد تاريخياً ليشمل معظم الميادين الفنية والثقافية، من الأدب والتصميم والنحت والرسم والموسيقى والأوبرا والرقص والمسرح وغيرها من الفنون البصرية التي جرى إنتاجها خلال حقبة من تاريخ الفن الغربي، التي تزامنت تقريباً مع القرن السابع عشر.

ويشتق هذا المصطلح من الكلمة الإيطالية "barocco"، التي استخدمها الفلاسفة خلال العصور الوسطى للإشارة إلى شيء غير مألوف، ومن الكلمة البرتغالية "barroco"، وتعني اللؤلؤة أو الحجر غير المنتظم، وقد استدل بهذا الوصف للتعبير عن الفنون المخالفة للتقاليد السائدة والمناهضة لمفهوم الفن الكلاسيكي (المثالي).

وفي النقد الفني، أصبحت كلمة Baroque تصف أي شيء غير منتظم أو غريب أو بعيد عن القواعد والنسب التي جرى تحديدها خلال عصر النهضة.

مخاطبة الحواس

كانت الصفات الأكثر ارتباطاً بأسلوب الباروك هي العظمة والثراء الحسي والديناميكية والحيوية والميل إلى طمس الفروق بين الفنون المختلفة، إذ يتميز هذا النمط بالحركة المبالغ فيها، والتفاصيل الواضحة الموظفة ببراعة لإنتاج الدراما والعظمة في النحت والرسم والعمارة والأدب والرقص والموسيقى.

خاطب الفن والتصميم الباروكي حواس المشاهد بشكل مباشر، وجذب الفكر قبل المشاعر، وعكس قبل كل شيء توترات عصره الدينية، وصورة المجتمع الهرمي والأبوي، لا سيما رغبة الكنيسة الكاثوليكية في روما لإعادة فرض نفسها في أعقاب حركة الإصلاح البروتستانتي، فتطور باستخدامه من قبل رجال السلطة في الكنيسة والحكم والطبقة الأرستقراطية، لغاية اكتساب صفات الثراء والعظمة، لإقناع وإثارة إعجاب الأتباع، في عصر تركز هاجس رجالاته على تسخير الفن في خدمة الدين، ببناء القصور الباروكية الفخمة التي تعبر عن سلطتهم.

مشبع بالعاطفة

ومن أجل أداء دوره الدعائي، كانت تميل أعمال الباروك إلى أن تكون أعمالاً فنية عامة واسعة النطاق، مثل اللوحات الجدارية الضخمة والفريسكو وعقود القصور والكنائس، واستخدام الحلزونات الدوامة لنقل إحساس قوي بالحركة، واختيار أنظمة الألوان المترفة القوية، لغاية الإبهار والمفاجأة.

وجاء كأسلوب مفعم بالقوة والواقعية ومشبع بالعاطفة لجعل الفن يخدم الدين، فاستغل قدر الإمكان المناظر الطبيعية الحضرية، كما يتضح من ساحة القديس بطرس، المؤدية إلى بازيليك القديس بطرس في روما، إذ قام مصممها جان لورينزو برنيني، المعماري ومُخطِط المدن وواحد من أعظم مهندسي الباروك، بإحاطة الساحة بأربعة صفوف من الأعمدة الكورنثية المتقاربة الضخمة، لإيصال الانطباع للزوار باحتضان الكنيسة الكاثوليكية لهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحس الدرامي

من السمات المهمة للفن والتصميم الباروكي، استخدام الشخصيات البشرية، التي ساعدت سواء كانت مجازية أو مقدسة أو أسطورية، في تحويل العمل إلى حالة درامية استخدمت لنقل رسائل معينة وإثارة مشاعر المشاهد، مع التركيز على توظيف تعبيرات الوجه والوضعيات والإيماءات واستخدام الأقمشة لإضافة تفاصيل درامية مثيرة.

ومن أبرز الأمثلة، التي تمثل دراما فن البورتريه الباروكي تمثال نصفي لملك إنجلترا تشارلز الثاني، الذي صور بأسلوب حيوي متحرك، عن طريق إمالة رأسه إلى الجانب الأيمن، مع شعر مستعار متقن ومنساب على ربطة عنق فاخرة من الدانتيل، يحيط جسده وشاح من الجوخ يتموج في الهواء في لقطة درامية متحركة.

وكان هذا النوع من الصور، هو الأكثر شيوعاً وانتشاراً لملوك وأرستقراطيي فرنسا في القرن السابع عشر، وإنجلترا في فترة لاحقة، فقد مثلت تقليداً للصورة البراقة والمهيبة التي تؤكد بشكل لا لبس فيه مكانة الملك وعظمته.

لا قواعد

اعتمد هذا الطراز بشكل كبير على الموهبة الفردية بدلاً من القواعد الواضحة، لذلك نجد اختلافات كبيرة في تنفيذ المباني الباروكية، كما نلاحظ تبني الطرز المتكلفة وتنفيذها إلى حدها الأقصى، فجاءت المباني الباروكية ديناميكية ودرامية أيضاً، تتقيد في قواعد العمارة الكلاسيكية وتكسرها في الآن نفسه، كما استبدلت الخطوط المستقيمة لعصر النهضة بمنحنيات متدفقة، أما في التصاميم الداخلية، فقد شيدت الديكورات الداخلية بعناية لإنتاج تأثيرات مذهلة للضوء والظل، فظهرت سقوف الغرف المطلية كما لو كانت مفتوحة على السماء، بينما توسعت القباب والأسقف وزودت بنوافذ مخفية لإضاءتها، وتركز الاهتمام على المساحات الجريئة والقباب والكتل الكبيرة، كما يتضح من قصر Queluz الوطني في البرتغال.

ويُعتبر قصر فرساي من المعالم الباروكية العظيمة، حيث اهتم لويس الرابع عشر بزخرفته بالحليات والعناصر المعمارية باهظة التكلفة، فقد بني القصر على مراحل بدءاً من قصر ريفي معد بقصد الصيد بناه لويس الثالث عشر، ثم وسعه لويس الرابع عشر ليكون قصر للسكن الدائم.

التدهور

في نهاية القرن السابع عشر، دخل الطراز الباروكي في حالة تدهور كما إيطاليا البلد الراعي له، وبانتقال النفوذ الأوروبي إلى فرنسا، بدأ نمط جديد ومتناقض من الفن الزخرفي في الظهور، سرعان ما تجلى في العمارة وجميع أشكال الديكور الداخلي والأثاث والطلاء والنحت وتصميم الخزف، وعرف باسم روكوكو "Rococo".

وبحلول منتصف القرن الثامن عشر، أصبح أسلوب الباروك غير متناسب مع المزاج العام السائد في ذلك الوقت، الذي ركز بشكل متزايد على العقل والبحث العلمي، وتحول الفن والتصميم بعيداً من استخدام العاطفة والدراما والخيال، وعاد إلى أسلوب أبسط مستوحى من العصور الكلاسيكية القديمة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات