Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعيد المشاريع الأخيرة أبناء جدة السعودية إلى مدينتهم؟

خسرت المدينة الساحلية كثيراً من كفاءاتها الوظيفية في السنوات الماضية بسبب تراجع الاستثمار فيها

شهدت جدة تسرباً كبيراً للكفاءات الوظيفية خلال السنوات الماضية (رويترز)

تعيش مدينة الرياض السعودية سنواتها الأكثر انتعاشاً من الناحية الاقتصادية، بخاصة بعد أن أعلنت نيتها مضاعفة عدد سكانها إلى 16 مليون نسمة، في مسعى لتحويلها إلى ثقل اقتصادي للدولة الخليجية التي تبحث عن إعادة تقديم نفسها دولياً منذ إطلاق رؤية 2030.

رغبة العاصمة أتت مدفوعة باستثمارات رأسمالية ضخمة حفزت القطاع الخاص على الإنتاج لاستثمار التدفقات المالية التي تصب في الرياض بالتحديد، ما جعلها مدينة أكثر ربحية وذات قوة شرائية استثنائية، الأمر الذي دفع الشركات في السعودية والخليج إلى الانتقال للعاصمة وجذب أفضل الكفاءات الوظيفية من كل المدن بأعلى الأجور.

حمى الاستقطابات هذه وصلت إلى جدة، المدينة التي عُدت في فترة من الفترات العاصمة الاقتصادية للسعودية، لتخسر المدينة أفضل كفاءاتها الوظيفية لصالح الشركات المنتقلة إلى الرياض، التي بدأت تستقطبهم بصفتهم ذوي تأهيل عالٍ صُقلوا في سوق كانت في فترة من الفترات الأكثر نضجاً على مستوى العمل الخاص.

عمليات تجميل "العروس"

أحد أسباب فشل جدة في الحفاظ على موظفيها لصالح الرياض هو ضعف الاستثمار فيها، ويعود السبب في ذلك إلى تركيز الحكومة في السنوات الماضية على تطوير البنية التحتية للمدينة وتأجيل المشاريع الضخمة، إلى حين إصلاح المدينة التي تعاني كثرة العشوائيات وسوء خدمات التصريف التي توقعها فريسة لموسم الأمطار سنوياً.

وتخضع "عروس البحر الأحمر" حالياً لعمليات تجميلية، بعد أن أُعلن عن ملامحها الجديدة بإزالة جميع "التشوهات"، فتحت مشرط الإزالة تتعرض المدينة لمشروع ضخم يستهدف هدم أكثر من 60 حياً عشوائياً. وكانت أمانة جدة قد أعلنت مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي انتهاءها من إعداد مشروع المخطط التنظيمي الأول للمناطق العشوائية التي تغطي 32 حياً، تمتد مساحتها على أكثر من 214 مليون متر مربع، منها فقط 24 مليون متر مربع مملوكة بصكوك شرعية، والبدء فعلياً في إزالة تلك الأحياء.

وشملت أعمال الإزالة حتى الآن أحياء، الكرنتينا، وبترومين، والقريات، وغليل، والثعالبة، والنزلة اليمانية 1، والنزلة اليمانية 2، والنزلة اليمانية 3، ومدائن الفهد 1، والسبيل، والهنداوية، والبلد 6، والبلد 7، والعمارية، والصحيفة، والكندرة، والثغر، والبغدادية الشرقية.

 

وأوضحت الأكاديمية المتخصصة في السياسات السكانية والتنمية، الكاتبة في شؤون التنمية الوطنية، عبلة مُرشد، أن مشروع هدم الأحياء القديمة العشوائية في مدينة جدة يعد من "السياسات التطويرية المهمة التي تشهدها منطقة مكة المكرمة ومحافظة جدة بخاصة، لما تتضمنه تلك المناطق من تراكمات لمخالفات متنوعة تختفي بين الأحياء وبيوتها الشعبية المتلاصقة، مما يعقد عملية السيطرة الأمنية عليها ويعيق عملية ضبطها وتحسين بنيتها التحتية"، وعليه فإن الهدم هو شرط أساسي لبدء عملية تنمية تعيد للمدينة قيمتها الاقتصادية.

الاستعداد لأكبر المشاريع

وهناك فرصة اقتصادية تنتظر البوابة السعودية الساحلية، إذ تملك جدة العديد من المقومات الاستثمارية والاقتصادية، من ضمنها الموقع الذي يجعلها منطقة لوجيستية استراتيجية، الأمر الذي وضعها على قائمة المشاريع الكبرى المستقبلية بعد اكتمال تطوير البنية التحتية.

ومن ضمن هذه المشاريع "مشروع وسط جدة"، بإجمالي استثمارات تصل إلى 75 مليار ريال (20 مليار دولار)، خصصت لتطوير 5.7 مليون متر مربع بتمويل صندوق الاستثمارات العامة ومجموعة من المستثمرين، ويهدف المشروع إلى صناعة وجهة عالمية في قلب جدة بإطلالة مباشرة على البحر الأحمر تسهم في تعزيز المكانة الاقتصادية للمدينة، كما يستهدف المشروع "تحقيق قيمة مضافة لاقتصاد المملكة بـ47 مليار ريال (12.50 مليار دولار) بحلول عام 2030، وسيضم المشروع أربعة معالم رئيسة هي دار أوبرا، ومتحف، واستاد رياضي، والأحواض المحيطية والمزارع المرجانية"، بالإضافة إلى عشرة مشاريع ترفيهية وسياحية نوعية أعلن عندها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أما مشروع الخمرة اللوجيستي، فيعد أكبر منطقة لوجيستية تشمل منطقة إيداع جمركي وإعادة تصدير. والهدف أن تتحول إلى مركز عالمي للخدمات اللوجيستية، توفر نفاذاً سهلاً وسريعاً إلى أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا.

وتمتد منطقة الخمرة على مساحة 2.378.085 متراً مربعاً، بإجمالي مسطحات بناء تصل إلى 1.265.832 متراً مربعاً، ما سيجعل منها بوابة لوجيستية رئيسة على البحر الأحمر، إذ لا تبعد سوى مسافة 25 كم عن ميناء جدة الإسلامي.

وقال المحلل والكاتب الاقتصادي فضل البوعينين "تمتلك مدينة جدة مقومات استثمارية واقتصادية ولوجيستية مهمة، وستزيد المشروعات الجديدة من أهميتها ومن مقوماتها الاقتصادية بخاصة بعد تنفيذ مشروع تطوير العشوائيات الذي ينتظر أن يعيد لمدينة جدة نضارتها، ويزيد في جاذبيتها للمستثمرين والباحثين عن الفرص الوظيفية والعيش في بيئة حضارية ذات جودة حياة، بعد تطوير تلك الأحياء واستكمال مرافقها وخدماتها، وتعزيزها بالأبراج والمجمعات التجارية والفنادق ومراكز الإيواء النوعية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد البوعينين أن انعكاس مشروع وسط جدة على الاقتصاد الكلي وخلق الوظائف والفرص الاستثمارية أمر في غاية الأهمية، حيث سيسهم في تحقيق "قيمة مضافة لاقتصاد المملكة بما يقرب من 47 مليار ريال (12.50 مليار دولار) بحلول عام 2030"، كما سيسهم في خلق الوظائف والفرص الاستثمارية الداعمة للقطاع الخاص، وزاد "تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية من المكاسب المتوقعة أيضاً، وستفتح مراحل التطوير الأولى المجال أمام القطاع الخاص المحلي للمشاركة في تطوير وتشغيل قطاعات اقتصادية واعدة، وستكسبهم الخبرات العالمية من خلال الشراكات مع شركات التطوير الأجنبية".

هجرة معاكسة إلى جدة

وتوقع محللون اقتصاديون أن تخلق المشروعات الجديدة في مدينة جدة هجرة معاكسة مدعومة بالفرص الاستثمارية والتجارية والوظيفية، تستعيد بها المدينة أبناءها وكفاءاتها الذين انتقلوا في السنوات الخمس الأخيرة.

إذ يرى البوعينين أن "استثمار الساحل، والمساحات المهملة فيه، وإعادة تطوير الواجهة البحرية وتحويلها إلى منطقة حيوية ووجهة سياحية وسكنية وتجارية لن تنعكس إيجاباً على الحركة الاقتصادية والتجارية وجودة الحياة وقطاع الإيواء فحسب، بل ستسهم في خلق بيئة جاذبة تسهم في تطوير المحافظة"، مشيراً إلى أن مدينة الرياض تحولت في الآونة الأخيرة إلى محور جذب للكفاءات والباحثين عن فرص العمل المتميزة والفرص الاستثمارية والتجارية، ما فرض أن تكون هناك هجرة من المدن الأخرى نحوها، وهو ما يتوقع أن جدة مقبلة عليه مستقبلاً.

وأضاف "من المتوقع أن تسهم المشروعات الجديدة بجدة في خلق هجرة معاكسة مدعومة بالفرص الاستثمارية والتجارية والوظيفية"، مؤكداً أن تحقيق التنمية المتوازنة يسهم بشكل كبير في خلق فرص للعمل والفرص الاستثمارية بأنواعها.

من جهته، توقع علي الحازمي، وهو محلل وكاتب اقتصادي، أنه وبحلول 2025 ستكون هناك هجرة معاكسة إلى جدة بعد اكتمال المراحل الأولى للمشاريع الكبيرة، وبداية العودة بشكل تدريجي لمن غادرها، مبيناً أن عودة من غادروها من كفاءات مرتهنة بسرعة انتهاء المشاريع بمدينة جدة.

وقال "الهجرة التي نشهدها من مدن ومناطق عدة إلى العاصمة تعود إلى تحول الأخيرة إلى مركز للأعمال، كما استحدث صندوق الاستثمارات العامة شركات كثيرة خلال السنوات الثلاث الماضية مع وجود حوافز مغرية للكفاءات، إضافة إلى احتضان الرياض الفروع الرئيسة للشركات ومقرات الجهات الحكومية".

وأضاف "المشاريع الكثيرة في جدة ستكون نقلة نوعية ستؤثر حتماً في عودة أبنائها، فكلما أسرعنا في إنجاز هذه المشاريع داخل جدة ستكون العودة أسرع والعكس صحيح".

بدورها، أوضحت الدكتورة مُرشد أن عمليات الهدم التي تشهدها المدينة الساحلية بهدف التطوير والتنظيم ستكون لها إيجابيات كثيرة على المحافظة، التي تتضمن بناء بنية تحتية جديدة وإنشاء مشاريع تخدم تنويع الاقتصاد المستهدف بما يسهم في توفير الكثير من فرص العمل للمواطنين في المنطقة، ويحد من "نزيف الكفاءات بسبب توفير فرص عمل جديدة خارجها، بل وسيسهم في عودة بعض الذين تركوها بسبب انحسار فرص العمل النوعية".