Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة أوكرانيا تحول بوصلة السياسات الأميركية حيال غاز شرق المتوسط

سحبت واشنطن دعمها لمشروع خط أنابيب "إيست ميد" وهو القرار الذي عدّه مراقبون "هدية" لاسترضاء تركيا

عللت واشنطن قرارها بسحب تأييدها لخط أنابيب "إيست ميد" بثلاثة أمور (أ ف ب)

بشكل مفاجئ، سحبت واشنطن دعمها لمشروع خط أنابيب الغاز شرق المتوسط الذي يعرف بـ"إيست ميد"، والذي يهدف لنقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، حيث يمتد نحو 1900 كيلومتر تحت سطح البحر بتكلفة نحو 7 مليارات دولار، وهو المشروع الذي دعمته إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بموجب ما يعرف بآلية (3+1) التي تم إطلاقها في مارس (آذار) 2019.

وجاء قرار إدارة الرئيس جو بايدن على الرغم من تأكيدها مراراً دعم آلية (3+1)، وهو ما أكدته مجدداً الخارجية الأميركية في بيانها الخاص بسحب دعمها لخط أنابيب "إيست ميد"، والذي أوضحت فيه استمرار التزامها بربط طاقة شرق المتوسط بأوروبا. وقالت، "نحن نحول تركيزنا إلى الموصلات الكهربائية التي يمكنها دعم كل من مصادر الغاز والطاقة المتجددة"، مشيرة إلى أن واشنطن تحول اهتمامها الآن إلى تعزيز تقنيات ومصادر الطاقة النظيفة.

وفيما تدعم الولايات المتحدة الآن مشاريع مثل خط الربط الكهربائي تحت سطح البحر، لنقل الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة في شمال أفريقيا إلى أوروبا، عبر مصر واليونان، والربط الكهربائي الأوروبي الآسيوي المقترح لربط شبكات الكهرباء الإسرائيلية والقبرصية والأوروبية، قال بيان الخارجية الأميركية إن مثل هذه المشاريع لن تربط أسواق الطاقة الحيوية فحسب، بل ستساعد أيضاً في إعداد المنطقة لانتقال الطاقة النظيفة.

وما يجعل القرار مثيراً للجدل هو خطوات عدة اتخذتها واشنطن، سواء خلال إدارة ترمب أو بايدن للتقارب مع دول شرق المتوسط، ولا سيما قبرص واليونان. ففي عام 2019، وافق الكونغرس الأميركي على مشروع قانون بشأن التعاون مع دول شرق المتوسط في قطاع الطاقة، حين اعتبر صانعو القرار في واشنطن، آنذاك، أن التعاون سيكون بمثابة ثقل موازن لهيمنة الطاقة الروسية في السوق الأوروبية. وسعى مشروع القانون الجديد إلى جعل الولايات المتحدة لاعباً رئيساً في سوق الغاز بشرق البحر المتوسط، وتعزيز العلاقات العسكرية مع اليونان، وهو ما دعمته واشنطن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بتوقيع اتفاق لتوسيع وتمديد اتفاقية للتعاون الدفاعي المتبادل مع أثينا لمدة خمس سنوات وتجديده تلقائياً، والذي ينطوي أيضاً على منح القوات الأميركية استخداماً أوسع لأربع قواعد عسكرية إضافية في اليونان. بالإضافة إلى ذلك، رفعت واشنطن حظر الأسلحة المفروض على قبرص منذ أربعة عقود.

البيئة والاقتصاد

وعللت واشنطن قرارها بسحب تأييدها لخط أنابيب "إيست ميد" بثلاثة أمور تتعلق بالأساس المنطقي للمشروع، وشكوك بشأن الجدوى الاقتصادية والقضايا البيئية. فخط الأنابيب الذي يمتد بطول 550 كيلومتراً فوق الأرض و1350 أسفل سطح البحر، ويهدف لضخ 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً مع احتمال مضاعفة الرقم، أثار شكوكاً بشأن القدرة على استكماله بحلول عام 2025 مثلما هو مخطط له في مذكرة التعاون، التي تم توقيعها بين اليونان وقبرص وإسرائيل عام 2020.

ربما يكون السبب المتعلق بالقضايا البيئية هو الأكثر واقعية بالنظر إلى سياسة الإدارة الأميركية، التي تتبنى المشروعات الصديقة للبيئة في إطار توجه عالمي لمكافحة تغيير المناخ، وقد أعلنت عن هدف للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2025، وهو الأمر نفسه الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي، إذ تأمل أوروبا في قيادة العالم نحو التحول الكامل إلى مصادر الطاقة المتجددة. وعلى الرغم من أن القارة العجوز تعترف بالغاز الطبيعي كبديل أقل تلوثاً من الفحم، فإنه لا يزال ينتج كميات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري.

وتعتمد أوروبا بشكل رئيس على شراء الغاز من روسيا، ونتيجة لتوترات جيوسياسية، عانت أوروبا في الفترة الأخيرة أزمة طاقة أسفرت عن ارتفاع تكلفة الكهرباء، وهو ما يدفعها للبحث عن تنويع مصادر الطاقة لديها، ما جعل مشروع "إيست ميد" ذا جدوى لديها. ومع ذلك، فإن المدة الزمنية التي سيستغرقها المشروع جنباً إلى جنب مع السياسيات البيئية الجديدة في أوروبا، خلقت شكوكاً.

ويتفق المراقبون الأوروبيون على أن مشروع "إيست ميد" كان محل جدل منذ الإعلان عنه على صعيد قضايا الجدوى الاقتصادية والبيئة. وقال تشارلز إليناس، الرئيس التنفيذي لشركة "إي سي قبرص للهيدروكربونات الطبيعية"، في تعليقات لصحيفة "إثنوس"، اليونانية، إن مثل هذا المشروع كان يمكن تنفيذه قبل 10 سنوات، وليس الآن. وأشار إلى أن خط "إيست ميد" ليس مجدياً اقتصادياً ويصعب تنفيذه تقنياً، مضيفاً أن "سعي أوروبا للانتقال إلى الطاقة النظيفة ومصادر الطاقة المتجددة جعل الأمر أكثر صعوبة".

ووفقاً لنيكول تسافوس، المتخصص في الطاقة والشؤون الجيوسياسية لدى مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن، فإن التوقعات الخاصة بالمشروع كانت دائماً صعبة، فإنشاء وتشغيل خط الأنابيب نفسه مكلف، وسيكافح السوق في جنوب شرقي أوروبا لاستيعاب الكميات اللازمة لتشغيل خط الأنابيب، خصوصاً في ظل المنافسة من الموردين الآخرين.

ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى تقليل استخدام الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 25 في المئة بحلول عام 2030 والتخلي عنه تماماً بحلول عام 2050. ووفقاً لتسافوس، فإن صفقة أوروبا الخضراء ألقت مزيداً من الشكوك حول مشروعات خطوط الأنابيب التي تمتد فترة تغطية استثماراتها المالية بين 15 أو 20 عاماً. ويضيف أنه "ما لم يتماش خط الأنابيب مع تحولات الطاقة في أوروبا، فمن غير المرجح أن يتم ضخ التمويل... هذه الرياح المعاكسة كانت واضحة منذ سنوات".

أزمة أوكرانيا

وعلى الرغم من الحقائق البيئية والاقتصادية التي تحيط بمشروع "إيست ميد"، غير أن الواقع السياسي على الصعيد العالمي والتوتر الأميركي - الروسي لعب دوراً كبيراً في الموقف الأميركي الذي ربما يرتبط بأزمة أوكرانيا وسط احتمالات واسعة بتعرضها لغزو من روسيا. فالتوتر المشتعل بين موسكو وواشنطن ربما دفع الأخيرة لمحاولة استرضاء تركيا، التي تعارض مشروع "إيست ميد"، في محاولة لجذبها نحو المعسكر الغربي بعد ميلها تجاه روسيا في الآونة الأخيرة، لا سيما اتجاهها نحو شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي "أس-400".

وتتنازع تركيا مع اليونان وقبرص حول بعض المناطق البحرية شرق المتوسط التي تزعم أحقيتها بها، وذهبت لعقد اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا عام 2019، متجاهلة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 (UNCLOS) التي تحدد المناطق الاقتصادية الخالصة للدول على أنها تمتد 200 ميل من شواطئها. ومراراً، أرسلت تركيا سفن المسح الزلزالي في المناطق الواقعة تحت سيادة قبرص واليونان ما أدى لنشوب التوترات، على الرغم من تراجعها في نهاية المطاف تحت ضغوط أوروبية وأميركية. وعقب الإعلان عن مشروع "إيست ميد"، حذر وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، أن أي مشروع يتجاهل تركيا، التي لديها أطول خط ساحلي في شرق البحر المتوسط، لا يمكن أن ينجح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب وسائل إعلام يونانية، فإن الأميركيين يعتقدون أن مشروع "إيست ميد" تسبب في توترات في المنطقة، بالتالي فإنهم يرغبون من اللاعبين المعنيين التركيز على مشاريع أخرى، من شأنها تحقيق الاستقرار السياسي في منطقة شديدة التوتر. وما إن تسربت أنباء عن سحب واشنطن دعمها لمشروع خط أنابيب "إيست ميد" احتفلت وسائل الإعلام التركية، الموالية للحكومة بالقرار. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعليقات للصحافيين خلال زيارته لألبانيا، إن مثل هذه المشاريع لا يمكن أن تنجح بمعزل عن تركيا.

تركيا كعضو في "الناتو" لديها التزامات تجاه حلفائها الغربيين، وتحديداً في ما يتعلق بالأمن، لكن أخيراً، تسبب شراء تركيا منظومة الدفاع الصاروخي (أس-400) في خلاف عميق مع الولايات المتحدة، التي قامت رداً على ذلك باستبعاد تركيا من برنامج طائرات "أف-35" عام 2019، وفرضت عقوبات على كيانات تركية بموجب "قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات". وأخيراً، تعالت الأصوات داخل الكونغرس لرفض طلب أنقرة شراء 40 مقاتلة جديدة من نوع "أف-16".

تركيا لاعب مهم

وتلعب تركيا دوراً مزدوجاً في أزمة أوكرانيا، فمن جانب ترتبط بمصالح مع كييف، وقد وقعت أخيراً صفقة كبرى لبيع المسيرات ما أثار غضب روسيا، كما تقف تركيا لاعباً محورياً في البحر الأسود والمنطقة التي تقع على مفترق طرق مهم بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. فبموجب اتفاقية "مونترو" لعام 1936، تسيطر تركيا على مضيقي البوسفور والدردنيل، وهما بوابة الوصول إلى المياه الدافئة، حيث البحر المتوسط وما وراءه. ومن ثم، تسعى موسكو إلى تنسيق مزيد من التقارب مع أنقرة لكسب مزيد من النفوذ على المضايق التركية، وهو ما لا يرغبه الغرب بالتأكيد.

وبالنسبة إلى الغرب، فإن الموقع الاستراتيجي للبحر الأسود يضعه في مكانة مهمة لأمن الجناح الجنوبي الشرقي لحلف "الناتو" والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، وكان احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم والوجود العسكري لها في جورجيا وتعزيز قدراتها العسكرية في المنطقة، بمثابة تقويض للأمن الأوروبي، ومن ثم فإن احتلالها مزيد من المناطق في أوكرانيا يفاقم الوضع، لكن من الناحية التاريخية، فإن البحر الأسود يمثل منطقة نفوذ خاص لروسيا، إذ إنها تعتبر هذه الكتلة المائية منطقة أمنية عازلة مهمة، كما أنها منطقة حيوية لاستراتيجيتها الجغرافية الاقتصادية، لإظهار القوة والنفوذ الروسيين في البحر المتوسط، وحماية روابطها الاقتصادية والتجارية مع الأسواق الأوروبية الرئيسة، وجعل جنوب أوروبا أكثر اعتماداً على النفط والغاز من روسيا.

تركيا باعتبارها أحد اللاعبين في أزمة أوكرانيا، كان على الولايات المتحدة أن تسترضيها بطريقة ما، وربما ليس أفضل من قضية غاز شرق المتوسط التي تثير نزاعاً بين تركيا وقبرص واليونان، ومن ثم فإن تجميد "إيست ميد" هو الأمر الأكثر إغراء لأنقرة. ويقول بامبوس كريسوستومو، مدير البحوث والعلاقات الدولية في جامعة قبرص للتكنولوجيا، "منذ البداية، عارضت تركيا مشروع خط الأنابيب. لهذا السبب يبني الأميركيون جسوراً... هم يريدون تركيا كحليف محتمل في حال اشتعال الصراع مع روسيا في أوكرانيا".

وأضاف كويسوستومو في تعليقات لموقع "غريك تايمز"، "يجب ألا ننسى أن سبب توقيع الأتراك على المذكرة التركية - الليبية (مذكرة تفاهم لتحديد الحدود البحرية) وبناء نظرية الوطن الأزرق كان، من بين أمور أخرى، منع خط أنابيب إيست ميد، وفي النهاية منحهم الأميركيون مرادهم ووضعوه على طبق (كهدية)".

ويعتقد مراقبون أن القرار الأميركي كان مرتباً سلفاً مع الأتراك، بالنظر إلى امتناع أنقرة عن اتخاذ أي رد فعل عندما عادت شركة "إكسون موبيل" الأميركية إلى أعمال التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، وهي نفسها المنطقة التي تزعم تركيا حقوقاً فيها.

المزيد من سياسة