Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسرح الإنجليزي جون أوزبورن قبل أن يتبنى الغضب منهجا واسما وتيارا

"عدو شخصي" سبقت مسرحيته الأولى ثم ضاعت فهل أخفاها مؤلفها؟

الكاتب المسرحي الإنجليزي جون أوزبورن (غيتي)

كانت مسرحية "انظر إلى الوراء بغضب" للكاتب المسرحي الإنجليزي جون أوزبورن، ولا تزال، من الشهرة الى درجة أنها تكاد لا تُذكر إلا وحدها من بين نتاجاته، ويعتبرها كُثر مسرحيته الأولى، التي أطلقت عند ظهورها في لندن عام 1957، منشورة قبل عام من تقديمها الأول على الخشبة، ما سيُسمى منذ ذلك الحين "مسرح الغضب"، أو "مسرح الشبان الغاضبين" كتيار مسرحي متكامل لن يلبث أن يمارس تأثيره على "السينما الحرة" في بريطانيا كما على فنون عديدة، ناهيك عن ارتباطه اللاحقة بأغاني "الطبقة العاملة" التي أطلقها فريق "البيتلز" من ليفربول ومن هامبورغ.

في انتظار التفرد والمجد

وكانت كذلك من الشهرة، بحيث نسي كُثر أن أوزبورن جرّب حظه قبلها بثلاث مسرحيات، صحيح أنه كتبها مع آخرين، اثنتان منها فقط قدمتا على الخشبة، قبل "انظر إلى الوراء بغضب"، فيما ستُقدَم الثالثة بعد هذه المسرحية "التأسيسية" في عام 1958 نفسه. ولربما كان المؤرخون على حق على أية حال، نظراً إلى أن أزبورن لم يكن بالتالي متفرداً في كتابة تلك المسرحيات الثلاث، إذ كتبها مع رفاق له، منهم ستيلا ليندن وأنطوني كريغتون، بالتالي كان عليه أن يشق طريقه مع هؤلاء قبل أن يجعل من "انظر إلى الوراء بغضب" مسرحيته الأولى الحقيقية التي فتحت الطريق واسعاً أمام كتّاب مجايلين له سيسيرون في ركب غضبه خالقين جديداً لم يكن له سابق على قوته في المسرح البريطاني، وإن كان يستمد جذوره الواقعية من النرويجي إبسن والروسي تشيخوف والأميركيَين آرثر ميلر وكليفورد أوديتس، وربما تنيسي ويليامز أيضاً. وفي عودة منا هنا الى مسرح أزبورن قبل أن ينهمر غضباً على الحياة الاجتماعية والفنية الإنجليزية، قد يكون من المفيد أن نتوقف عند المسرحتين اللتين أتى تقديمها سابقاً لمسرح الغضب، ومهّدتا له.

الشيطان في داخله والعدو شخصي

المسرحيتان هما بالطبع "الشيطان في داخله"، التي كتبها أوزبورن في عام 1950، وهو بالكاد تجاوز العشرين من عمره، مع ستيلا ليندن، وعُرفت بعنوانها الثانوي "صرخة للحب"، لتُقدَم في العام نفسه؛ و"عدو شخصي" التي كتبها مع أنطوني كريغتون في عام 1954 لتُقدم في العام نفسه، سابقةً مسرحية "الغضب" بأربع سنوات. والحال أن أوزبورن حين اشتغل مع ليندن على المسرحية الأولى كان قد انطلق في عمله المسرحي كممثل في شيفيلد. وهو سيبقى متجولاً خارج لندن كممثل في وقت راح يجابه فيه صعوبات جمة في محاولته إقناع المنتجين اللندنيين بتقديم أول مسرحية كتبها بمفرده. فهؤلاء كانوا مترددين كثيراً إزاء ضخّ عاصمة المسرح في العالم، بعمل متقشف عابق بالغضب كتبه ممثل ريفي لم يسمع باسمه أحد، ولكن المعجزة سرعان ما حدثت وعُرضت "أنظر إلى الوراء بغضب" في العاصمة. صحيح أن النقد جاء سلبياً أول الأمر، ولكن سرعان ما راح جمهور نخبوي ونقاد أكثر انفتاحاً يتقبلون المسرحية كجزء من مناخ غضب شبابي عام. فكانت النتيجة أن عُرضت المسرحية لمدة ثمانية عشر شهراً متتالياً، فيما راح النقاد الكبار يراجعون مواقفهم منها، مؤكدين اكتشاف موهبة مسرحية جديدة، بل حتى إن تياراً بأسره راح ينطلق منها معلناً سيره على خطى أوزبورن. ورأى هذا أنه إذ حقق تلك الانطلاقة المباغتة وحده لم يعد عليه أن يعود إلى التعاون مع رفاق آخرين، بل حتى وجد أنه لم يعد في حاجة حتى إلى الحديث عن أي من مسرحياته السابقة. وهكذا انطوى ذكرها، وبات مسرح أوزبورن يؤرَّخ بوصفه ابتدأ مع "انظر إلى الوراء بغضب"، أما المسرحيات السابقة، ولا سيما منها تَينك اللتين قُدمتا على المسرح الريفي قبل هذه، فيُعتبران ما – قبل – مسرح الغضب.

المسرحية الضائعة

وعلى الرغم من الأهمية اللاحقة التي ستُسبَغ على مسرحيات أوزبورن الثلاث تلك فإن "الشيطان في داخله" ستنال القدر الأكبر من الأهمية لمجرد أن نص السابقة عليها، "عدو شخصي"، ظل يُعتبر مفقوداً منذ تقديمها للمرة الأولى، بالنظر الى أن الممثلة ستيلا ليندن التي كانت حبيبة أزبورن الأولى، ظلت تحتفظ بنسخة وحيدة من "الشيطان في داخله" كذكرى عن سنوات علاقتها وعملها مع أوزبورن، فيما تناسى هو "عدو شخصي" فاعتُبرت ضائعة وغابت عن السمع حتى عام 2008 حين عُثر على نسخ عدة منها في أرشيف لورد تشامبرلين في المكتبة البريطانية، لتعود إلى الحياة من جديد بعد 14 عاماً على رحيل أوزبورن (1994) الذي لا شك ما كان من شأنه أن يرضى عن تلك العودة لو كان لا يزال حياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خارج البلاد

تنفرد "عدو شخصي" بين مسرحات أوزبورن بكونها الوحيدة التي تدور أحداثها في الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً في عام 1953 الذي أنجز فيه أوزبورن كتابتها مع صديقه كريغتون، بالتالي يمكن النظر إليها على أنها محاولة في محاكاة نوع معين من المسرح الواقعي الأميركي، ولكن بشكل لا يحمل ما يعد بالغضب الذي سيطبع مسرح أوزبورن لاحقاً. أما المكان الذي تدور فيه الأحداث فهو بالتحديد دارة آل كونستانت في بلدة أميركية صغيرة متخيَلة تُسمى لانغلي سبرينغز، ومن حول أفراد تلك العائلة التي تُقدَم إلينا منذ البداية مثالية، انطلاقاً من مشهد أول يصور لنا الانسجام داخل تلك العائلة التي يمكن القول إنها تجسد تصوراً معيناً للحلم الأميركي مرتبطاً بأخلاقية أميركية. وهذه الأخلاقية سنلاحظ أنها مجسّدة في السيدة كونستانت التي تحتفل العائلة في الفصل الافتتاحي بعيد ميلادها، هي التي تُعرف في البلدة باستقامتها ومرحها وأخلاقها بشكل عام، تلك الأخلاق التي تُعتبر تجسيداً لأخلاقية تلك البلدة النموذجية، في وقت يجسد السيد كونستانت بدأبه وعمله واستقامته وإحساسه البسيط بنجاحه، ذلك الحلم الأميركي الشهير.

ابن قتيل وآخر أفسده كتاب

والحقيقة أن الحديث يدور خلال عيد مولد السيدة كونستانت من ناحية من حول أن غداً هو يوم ذكرى مقتل دونالد، الابن الأكبر للعائلة، وهو يدافع عن القيم الأميركية خلال الحرب الكورية، ومن ناحية ثانية من حول النزهة التي سيقوم بها الابن الأصغر للعائلة إيرني ضمن الإطار الجامعي، حيث يدرس. وذات لحظة خلال تلك السهرة العائلية اللطيفة وفيما كانت شقيقة إيرني ودونالد، كاريل، المشارِكة في الحفلة بدورها مع زوجها، صهر العائلة، سام، تقلّب بين حوائج لأخيها إيرني، تكتشف كتاباً بين أوراقه مقدَماً إليه من صاحب مكتبة في البلدة، يدعى وارد، تمتلئ صفحاته بعبارات وأفكار هدامة تكشف عن نزعة شيوعية لديه، لا شك، كما تستنتج أن إيرني يتأثر بها، ولكن هنا تتذكر أن الشقيق الراحل بدوره كان صديقاً لوارد، وكثيراً ما يلتقيه ويناقشه. فما الحكاية؟ هل وصل "العدو الأحمر" إلى داخل هذا البيت ليقوّض سعادة هذه العائلة؟ والأخطر من هذا: هل قُتل دونالد وهو يحارب في صفوف الجيش الأميركي عدواً يعتنق هو أفكاره؟ وهل لذلك، كي يسمم أفكار الولدين ويخترق استقامة آل كونستانت وأميركيتها؟ كان وارد لا يكف عن إهداء دونالد وإيرني كتباً لا شك أنها محظورة.

هجوم على العدو الداخلي

انطلاقاً من هنا، تشن كاريل خلال السهرة هجوماً عنيفاً على إيرني كما على ذكرى دونالد "الشهيد رغم أنفه" كما تقول. ولكن هنا وفيما كانت في عز ثورتها على شقيقَيها كما على مفسدهما المدعو وارد، تصل برقية من قيادة الجيش تخبر العائلة وسط سيل من الاعتذارات على خطأ غبر مقصود كان قد ارتُكب، بأن دونالد لم يمت في الحقيقة، بل هو حي يرزق وسيصل إلى الديار قريباً. وهنا تتوقف ثورة كاريل، ولكن إلى حين، حيث يمكننا أن نتخيل الصراع الذي ستشهده الفصول التالية من المسرحية بين عدة عواطف ومواقف تتوزع بين السرور بعودة دونالد والغضب عليه، دون أن يخلو ذلك كله، بالتأكيد، من تبسيطية على النمط الأميركي تمثله أخلاقيات الأم ومثالية الأب مقابل غضب كاريل. تبسيطية لن يكون غريب معها أن نفترض أن أوزبورن هو الذي أخفى المسرحية جاعلاً الجميع يفترض أنها ضاعت إلى الأبد، ولا سيما في وقت كان فيه مسرحه التالي قد توجه وجهةً بالغة الاختلاف.

المزيد من ثقافة