Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحولت طائرات الـ "درون" إلى سلاح حروب المستقبل؟

إيران وتركيا تحت المجهر بسبب نقل وتصدير الطائرات المسيرة

قادة في الجيش الإيراني يعاينون طائرات مسيرة محلية الصنع (أ ف ب)

دق الهجوم الأخير من قبل الحوثيين على مطار أبوظبي جرس إنذار إزاء تحول طائرات الـ "درون" من كونها سلاحاً تستخدمه دول متقدمة تكنولوجياً مثل الولايات المتحدة لاستهداف الإرهابيين، إلى أداة مثيرة للقلق بسبب انتشارها لدى الميليشيات والعناصر غير الخاضعة لسلطة الدول، والمجموعات الإرهابية أو بيعها إلى دول أخرى من دون ضوابط للاستخدام، وهو بات أصبح يهدد الأمن العالمي بشكل ملحوظ، بخاصة مع تزويد إيران العديد منها إلى الميليشيات التابعة لها في الشرق الأوسط، فضلاً عن تصدير تركيا طائراتها المتطورة إلى مناطق النزاع في القوقاز وأوكرانيا وليبيا وإثيوبيا، فهل أصبحت هذه التكنولوجيا بلا رادع لتهيمن على حروب المستقبل، أم أن الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) وغيرها يمكن أن تجد ما يوقف خطرها؟

سلاح المستقبل

يبرز دور التكنولوجيا وأنظمة الأسلحة الآلية في الحرب الحديثة كموضوع مسيطر في النقاشات الجارية داخل "الناتو"، بما في ذلك صياغة مفهوم استراتيجي جديد يتم فيه تحديد الحروب، بـ"البايت" والبيانات الضخمة بقدر ما يتم تحديدها بالذخيرة والرصاص والبوارج الحربية على حد وصف الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ.
ولم تكن الطائرات من دون طيار المعروفة باسم الطائرات المسيرة أو الـ "درون" سوى دليل حي على وصف ستولتنبرغ إذ أصبحت السلاح المفضل، ليس فقط للدول والحكومات الرسمية، بل أيضاً للميليشيات التي لا تخضع لسلطة الدولة والجماعات الإرهابية، وهو ما يثير قلقاً متزايداً حول العالم، نظراً إلى أن هذه الطائرات رخيصة نسبياً وأثبتت فعاليتها في العمليات الهجومية والدفاعية، وتتطور بسرعة بالغة، ويُعد استهدافها أمراً مكلفاً ومرهقاً.
ولهذه الأسباب يتزايد الطلب العالمي على التطبيقات العسكرية والمدنية لطائرات الـ "درون"، إذ تتصور بعض التوقعات أن سوق طائرات الـ "درون" العسكرية سينمو من حوالى 11.3 مليار دولار في عام 2021 إلى حوالى 26.1 مليار دولار في عام 2028، ويعود ذلك إلى أن الدمج الناجح للتقدم في إدارة البيانات والذكاء الاصطناعي في تقنيات هذه الطائرات والاستخدام الموسع لها في مهمات، تبدأ من جمع المعلومات الاستخبارية والمراقبة وتصل إلى إدارة الحدود، فضلاً عن فائدتها المرنة في مكافحة الإرهاب والعمليات القتالية، وهو ما يغذي الطلب عليها مستقبلاً.  

غير أن انتقال طائرات الـ "درون" إلى يد الجماعات غير النظامية والميليشيات والجماعات الإرهابية أو بيعها إلى دول وحكومات من دون ضوابط، أو انتقالها لأطراف ثالثة أصبح عملاً محفوفاً بالأخطار على الرغم من الربح المادي والنفوذ السياسي الذي يمكن أن تحققه هذه العمليات، إذ يمكن أن تجد بلدان المصدر نفسها فجأة في دائرة الضوء، وتواجه مجموعة من الأسئلة الصعبة، مثل مستوى التدقيق الذي تستخدمه في نقل أو تصدير هذه الأسلحة، وتتعلق هذه الأسئلة بشكل خاص بكل من إيران وتركيا.

تهديد مستمر

وأشار تقرير نشرته صحيفة الـ "إيكونيميست" إلى أن إيران أصبحت المزود الدائم والثابت لطائرات الـ "درون" لوكلائها، ليس في العراق فقط ولكن أيضاً في اليمن وسوريا ولبنان وقطاع غزة، إذ أضحت هذه الطائرات السلاح المفضل لإيران في الحرب غير المتكافئة، ففي ظل غياب القوة الجوية الحديثة من الطائرات الإيرانية التي يعود تاريخها إلى عهد الشاه قبل الإطاحة به عام 1979، استثمر النظام الإيراني بكثافة في الصواريخ البالستية وصواريخ كروز وطائرات الـ "درون" والتي تكون غالباً نسخاً غير تقليدية، مصنوعة من مكونات متوافرة تجارياً، وفق خبراء من معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، ومع ذلك تجري طهران تحسينات عليها في محاكاة لطائرات الـ "درون" الأميركية مثل "آركيو 170" الشبحية.
وتحقق إيران نطاقاً واسعاً من التوتر الأمني من خلال توزيع هذه الطائرات أو تقنيات صنعها على حلفائها في أنحاء الشرق الأوسط، وبالتالي تهدد أهدافاً من البحر المتوسط ​​إلى المحيط الهندي والخليج العربي، وغالباً ما يتم تسليم الطائرات في مجموعات ويتم تجميعها محلياً بأقل قدر من المساعدة من إيران، بهدف الحفاظ على مبدأ الإنكار والغموض، ففي الصيف الماضي تعرضت نقطة عسكرية أميركية في التنف داخل شمال شرقي سوريا لهجوم من خمس طائرات درون موجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي أس"، غير أنها فشلت في إصابة أحد بأذى، لكن المسؤولين الأميركيين ألقوا باللوم على إيران، وفرضت إدارة بايدن عقوبات على الأشخاص والشركات المرتبطة ببرنامج طائرات الـ "درون".
وامتد الخطر إلى الأسطول الخامس الأميركي إذ أعلن قائده براد كوبر أن إيران زادت بشكل كبير من استخدامها لطائرات الـ "درون" في المواجهات البحرية غير الآمنة مع الأسطول الأميركي في المنطقة، سواء من حيث قدراتها أو كثافة النشاط، مشيراً خلال كلمة ألقاها أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والمعهد البحري الأميركي إلى اختلاف الأمر بشكل كبير بعد الهجوم على السفينة التجارية الإسرائيلية ميرسر ستريت في يوليو (تموز) الماضي، حين ضربت طائرة درون إيرانية الصنع من طراز كاميكازي السفينة من خلال التحليق والاصطدام بها.

صراع مع إسرائيل

من جانبها، تصارع إسرائيل طائرات الـ "درون" منذ العام 2004 عندما حلقت طائرة إيرانية الصنع فوق البلاد من دون اعتراضها، وبث "حزب الله" صوراً للحدث، ولكن منذ ذلك الحين اعترضت إسرائيل حوالى 12 طائرة درون بما في ذلك واحدة بدا أنها كانت متجهة إلى المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا في عام 2012، كما شنت إسرائيل ضربات جوية ضد الطائرات الإيرانية وأنظمة التحكم الخاصة بها على الأرض في سوريا عام 2018.
ولم يكن للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران أي تأثير على جهود إنتاج هذه الطائرات لأن العديد من المكونات اللازمة لصناعة تلك الأسلحة هي أجزاء جاهزة يمكن شراؤها عبر الإنترنت بسهولة، وينفذها في كثير من الأحيان وكلاء المشتريات الذين يعيشون في الدول الغربية ويرسلونها إلى ممثلي "المحور الإيراني" عبر نظام البريد الدبلوماسي الخاص بطهران، بحسب ما يقول مركز آلما الإسرائيلي الذي يقدر عدد طائرات الـ "درون" الموجودة بحوزة إيران حالياً بنحو 2000 طائرة تتكون من أنظمة غير مأهولة مختلفة مصممة لجمع المعلومات الاستخبارية وضرب أهداف أرضية أو جوية، أو تنفيذ هجوم انتحاري من خلال الاصطدام بقوة في الهدف.

خطر أوسع

غير أن هذا التهديد لا يقتصر على الشرق الأوسط وحسب، إذ تعمل طائرات الـ "درون" الإيرانية الآن في عدد من الدول الأفريقية وفي فنزويلا على بعد 2000 كيلومتر من ولاية فلوريدا الأميركية، وهو ما جعل وزارة الخزانة الأميركية تنتقد توسيع جيش طائرات الـ "درون" وتصفه بأنه تهديد للسلام ومزعزع للاستقرار الدولي.
لكن طائرات الـ "درون" الإيرانية لا تحمل عادة ذخائر دقيقة التوجيه مثل الطائرات الأميركية، وإنما تكون الطائرة نفسها هي القنبلة الموجهة، التي تطير نحو الهدف وتنفجر مثل "روبوت كاميكازي"، حيث تستغني إيران عن روابط الأقمار الاصطناعية التي تتيح للقوات الغربية التحكم في طائراتها من الجانب الآخر من العالم، وبدلاً من ذلك تتحكم في تشغيل الطائرات من خلال أدوات تحكم لاسلكية أو يمكن للطائرات توجيه نفسها باستخدام نظم تحديد المواقع "جي بي أس" المستخدم في أجهزة الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد 40 عاماً منذ صنع أول طائرة درون إيرانية في عام 1984، طورت إيران قدرات تشغيلية متقدمة للغاية في هذا القطاع، إذ تم الحصول على بعض المعرفة التكنولوجية من خلال نسخ التقنيات الغربية التي حصلت عليها إيران بعد سقوط الطائرات الأميركية والإسرائيلية في أيدي قواتها، ومع ذلك لا تعتمد إيران على تكنولوجيا الطائرات الغربية، إذ تمكنت من الوصول إلى مستواها المتقدم الحالي من خلال جهودها المستقلة.

هل من رد؟

في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ذكر موقع "بريكينغ ديفينس" الدفاعي الأميركي أنه رداً على الاستخدام المتزايد لطائرات الـ "درون" الإيران، كثفت الولايات المتحدة وإسرائيل عملياتهما ضد صناعة الطائرات الإيرانية من دون طيار، كما أوضح الجنرال كوبر أن الأسطول الخامس للولايات المتحدة كثف أيضاً استخدامه للطائرات البحرية من دون طيار وسفن السطح غير المأهولة والمركبات غير المأهولة تحت الماء على مدى الأشهر الماضية، إذ شكل فرقة العمل 59 في سبتمبر (أيلول) 2021 للمساعدة في تسريع اندماجها تكنولوجياً ضمن عملية التشغيل الآلي.
ويبدو أن المشكلة التي تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل ودولاً أخرى هي أنه لم يكن هناك دفاع سهل ضد طائرات الـ "درون" الإيرانية، إذ أمضت واشنطن وقتاً طويلاً في تجهيز طائرات الـ "درون" الأميركية بالتكنولوجيا لقتل المتمردين، وتجاهلت أهمية محاربة الدول التي لديها طائرات مماثلة.

مشكلة تركيا

في المقابل، تستفيد تركيا من الأداء الجيد لطائراتها الـ "درون" المنتجة محلياً في مسارح العمليات التي تتراوح من سوريا وليبيا إلى جنوب القوقاز وأثيوبيا وأوكرانيا، إذ تسعى أنقرة إلى زيادة عديد طائرات الـ "درون" التي تبيعها إلى دول أخرى بشكل مطرد، لكن هذا النجاح كان له ثمن، فتركيا تجتذب الانتباه الدولي وفي بعض الأحيان تجتذب الانتقادات بشأن سياسات تصدير هذه الطائرات من دون ضوابط.

وكان آخر مثال في ديسمبر (كانون الأول) 2021 عندما أعربت الولايات المتحدة عن مخاوفها الإنسانية في شأن استخدام الطائرات التركية في إثيوبيا، إذ يستمر الصراع بين الحكومة والمقاتلين في منطقة تيغراي مع تداعيات خطرة على السكان المدنيين، ومرة أخرى وجدت أنقرة نفسها في مرمى النيران حينما صدرت طائراتها من طراز "بيرقدار 2" إلى أوكرانيا واستخدمتها كييف في قصف مدفعية هاوتزر تستهدف قواتها، مما أثار غضب روسيا لانتهاك "اتفاق مينسك"، لكن الغريب أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو رفض هذه الانتقادات قائلاً إن الطائرات تنتمي لأوكرانيا على الرغم من تصنيعها في تركيا كنوع من التملص من أي مسؤولية.

لكن في حين أنه صحيح أن الطائرة المعنية تنتمي إلى أوكرانيا وأن كييف وحدها لديها السلطة التقديرية في شأن استخدامها، فإن الاقتراح القائل بأن الموردين يمكنهم التخلص من أي مسؤولية بعد بيع الأسلحة هو أمر آخر، إذ يتعارض هذا التفسير مع روح السلوك المسؤول وراء آليات مراقبة الصادرات التي تعد تركيا طرفاً فيها، كما لا يستقيم أن تنتقد أنقرة تزويد دول أخرى حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه منظمة إرهابية، بالسلاح، بينما هي تفعل الشيء نفسه.
ولهذا يرى الباحث في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي ألبير كوشكون أن تركيا تحتاج إلى اتخاذ خطوات ملموسة لترسيخ صورتها كمصدر مسؤول لطائرات الـ "درون"، من خلال أن تكون أكثر شفافية بشأن معاملات الطائرات بهدف منع التكهنات حول التعاملات التركية والأخطار التي يمكن أن تترتب على ذلك.

المزيد من تقارير