Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي حقيقة تباطؤ التضخم في السودان؟

يرى مراقبون أن الاقتصاد السوداني في أوج ضعفه فهناك عرض كبير للسلع مقابل انخفاض الطلب

يتوافر في موسم الشتاء بالسودان إنتاج كبير من الخضراوات والفواكه مقابل أسعار منخفضة مقارنة بفصل الصيف (أ ف ب)

في ظل المعاناة التي يشهدها المواطن السوداني جراء التدهور المريع في النواحي الاقتصادية نتيجة توقف عجلة الإنتاج وتعطل حركة التنقل داخل العاصمة الخرطوم وبين مدن البلاد الأخرى، بسبب الاحتجاجات التي اندلعت منذ قرابة ثلاثة شهور للمطالبة بحكم مدني، تفاجأ متخصصون بالشأن الاقتصادي بصدور تقرير عن جهاز الإحصاء في السودان الأحد 16 يناير (كانون الثاني) الحالي، أشار إلى أن التضخم تباطأ إلى 318.21 في المئة على أساس سنوي في ديسمبر (كانون الأول) 2021 مقابل 339.58 في المئة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، وفي وقت بلغ التضخم 359.09 في المئة خلال 2021 ارتفاعاً من 163.26 في المئة عام 2020.
فما واقع وأسباب تراجع التضخم في السودان بالنظر إلى ما هو معاش على أرض الواقع، وكيف ينظر المراقبون إلى مستقبل الاقتصاد السوداني نظراً إلى تطورات الأوضاع السياسية؟

ركود وإحجام

في السياق، رأى الباحث المالي والاقتصادي محمد الناير أن "انخفاض التضخم خلال الفترة الماضية لم يكن على المستوى العام للأسعار في معدل وتيرة الزيادة، فحتى الآن لم تعد الأسعار إلى معدلاتها الطبيعية، لكن كما هو معتاد دائماً يتوافر في موسم الشتاء إنتاج كبير من الخضراوات والفواكه مقابل أسعار منخفضة مقارنة بموسم الصيف، إلى جانب استقرار سعر الصرف وإن كان لا يعتبر استقراراً مستداماً بسبب الإحجام عن الاستيراد نظراً إلى زيادة سعر الدولار الجمركي، والركود الذي تعانيه الأسواق الاستهلاكية".
وتوقع الناير أن "يؤدي ارتفاع أسعار الخبز وغلاء الكهرباء التي تم تجميد زيادة أسعارها التي تعدت أخيراً الـ 600 في المئة إلى زيادة معدلات التضخم، وبالتالي يصبح ما تحقق من مؤشرات إيجابية لا معنى له"، مؤكداً أن "المؤشرات الحالية للوضع الاقتصادي ليست حقيقية، فإذا نظرنا إلى المشهد العام نجده متأزماً بخاصة من الناحيتين السياسية والأمنية، إذ أنهما يمثلان الضلعين الرئيسين للتحسن الاقتصادي، فمن المستحيل في ظل هذه التهديدات والتوترات أن يتحقق نمواً اقتصادياً".
وبين الباحث الاقتصادي السوداني أن "المناخ العام في البلاد حالياً غير مؤات لوضع أي برامج اقتصادية ما لم يحدث انفراج في الأزمة السياسية التي ألقت بظلالها السلبية على الحياة ككل. كما أن الحديث حول رفع الحد الأدنى للأجور في موازنة 2022 بزيادة تصل إلى 400 في المئة، لا تسد رمق أسرة صغيرة ليومين فقط، ناهيك عن تحديات هذه الموازنة في مجالات الصحة والتعليم وكيفية تغطية العجز وغيرها من التعقيدات".

وأكد الناير أن "السودان من ناحية اقتصادية يعد من البلدان الواعدة كونه يمتلك موارد كبيرة في باطن الأرض وظاهرها، فضلاً عن موقعه الاستراتيجي، لكن كي يستفيد من هذه الثروات والإمكانات لا بد من حدوث استقرار سياسي، وهذا لن يتأتى إلا بإحداث تنازلات من كل المكونات السياسية والعسكرية، وهو ما يدفع ويحفز المجتمع الدولي نحو تقديم المساعدات والمعونات والدخول في شراكات استثمارية كبيرة ما يسهم بشكل كبير في نهضة البلاد اقتصادياً".

خط الفقر

من جانبه، أوضح الباحث في علوم الاقتصاد حسن السنوسي أن "ما حدث من انخفاض في التضخم خلال الربع الأخير من عام 2021، جاء نتيجة ارتفاع معدل الركود في الأسواق قياساً بأسعار الدولار إلى جانب انخفاض دخل الأسر السودانية، مما أدى إلى خفض استهلاكها اليومي من السلع الضرورية، كما أن توقف برنامج "ثمرات" المقدم من البنك الدولي لدعم الأفراد وحمايتهم من آثار السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة السودانية عبر تطبيقها سياسات صندوق النقد الدولي القائمة على رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية، أحدث خللاً في مداخيل الأفراد الذين أصبح 80 في المئة منهم عند خط الفقر".
ومضى السنوسي قائلاً إن "الاقتصاد السوداني الآن في أوج ضعفه، فهناك عرض كبير للسلع مقابل انخفاض في الطلب، كما تراجعت الأسعار بشكل ملحوظ خلال الأشهر الستة الماضية، وعلى الرغم من ذلك ضرب الكساد الأسواق فضلاً عن توقف حركة النقل بين المدن وداخلها بخاصة العاصمة الخرطوم".
ونوه إلى أن "تحسن الاقتصاد له عوامل عدة غائبة تماماً عن المشهد السوداني، فالتنمية متوقفة تماماً سواء في مجال الطرق أو المستشفيات أو الكهرباء أو التعليم وغيرها من القطاعات الخدمية، إضافة إلى توقف حركة الاستثمار الأجنبي بسبب عدم الاستقرار السياسي، وبالتالي فإن اقتصاد السودان على حافة الانهيار، مما يستدعي بذل جهود لإعادة بنائه بطريقة شاملة".

تحفيز المنتجين

في السياق، أشار الباحث الاقتصادي هيثم محمد فتحي إلى أن "التضخم يعرف بأنه ارتفاع في الأسعار والكلف وما ينتج من ذلك من تدهور في القوة الشرائية للنقود، فضلاً عن أنه يتسبب في زيادة الكتلة النقدية المتداولة، كما أن انخفاض معدل التضخم لا يعني بالضرورة تراجع أسعار السلع، لكنه يعني تراجعاً في الرقم القياسي لأسعار السلع الاستهلاكية، فالمواطن يشعر بإنخفاض أسعار السلع في حال زيادة دخله الشهري، بيد أن الزيادة في الأسعار أمر مطلوب من أجل تحفيز المصنعين والمنتجين على زيادة إنتاجهم في الأسواق على أن تكون نسبة زيادة الأسعار معقولة".
ولفت فتحي إلى أن "تراجع التضخم مؤشر جيد إلى استقرار الأسعار والاتجاه نحو انخفاضها في المرحلة المقبلة"، مبيناً أن "‏متوسط التضخم السنوي في السودان مرتبط صعوداً وهبوطاً بزيادة الكتلة النقدية المطبوعة".
وأكد أن ارتفاع المستوى العام للأسعار يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية مما يترك آثاراً على أفراد المجتمع من منتجين ومستهلكين ومستوردين ومصدرين، منوهاً بأن "جزءاً كبيراً من ارتفاع أسعار السلع هو انعكاس لأسعار عوامل الإنتاج، ويعني ذلك ارتفاع كلف الإنتاج وانخفاض الأرباح، فينخفض عامل التشجيع لدى المنتجين على الإنتاج".

اتحاد العوامل

وأرجع الباحث الاقتصادي أسباب التضخم المالي في السودان إلى "زيادة حجم الإصدار النقدي لتمويل عجز الموازنة العامة (إصدار من دون تغطية)، إضافة إلى نقص الصادرات وزيادة حجم الاستيراد، إذ يُعد الجنيه السوداني من أكثر العملات التي تعاني التضخم في العالم"، معتبراً أن "الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات أكبر مؤشر إلى التضخم المالي في البلاد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى أن "المأزق الحقيقي الحالي للحكومة السودانية هو عدم رغبة أي دولة في منح السودان مبالغ مالية، وهو الأساس الخاطئ الذي بنت عليه الحكومة الانتقالية معالجة الأوضاع الاقتصادية بالحصول على دعم خارجي من دون أن يتحقق شيء من تلك الأماني، على الرغم من مؤتمرات شركاء السودان والتعهدات التي طرحها المانحون من دون أي نتيجة على الأرض".

وأشار فتحي إلى أن "الاقتصاد السوداني يعيش حالياً مرحلة اتحاد العوامل المتمثلة بالتضخم وضعف الإنتاج والصادرات وانفلات الكتلة النقدية والعامل النفسي وحال من عدم الثقة وسط قطاع الأعمال والمستهلكين والمستثمرين"، مشدداً على أنه "لا مخرج من هذه المرحلة سوى الاعتماد على صادرات الذهب كحل سريع يستدعي تنظيمه والاستفادة من عوائده".
وعبر عن اعتقاده بأن "الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان حالياً هي الأكبر في تاريخه، إذ أصبح المشهد الاقتصادي أكثر قتامة من المشهد السياسي بالنظر إلى تراجع أسعار المحاصيل بسبب توقف حركة البيع والشراء، وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية في البلاد، وتوقف دعم بعض السلع الأساسية مثل الخبز، وتدني المداخيل في القطاعين العام والخاص، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم وانهيار أسعار صرف الجنيه".

نمو حقيقي

وكان المتحدث الرسمي في وزارة المالية السودانية أحمد الشريف أشار في تصريح سابق لـ "اندبندنت عربية" إلى أن "هناك جهوداً مبذولة للحصول على موارد ذاتية خاصة بعد التوقف الموقت للمساعدة الخارجية، فالآن كل أجهزة الدولة تعمل على تحسين الأوضاع بصورة أفضل، بخاصة في ما يتعلق بمعاش المواطنين والهيكل الراتبي وتحقيق نسبة نمو عالية، فضلاً عن تحفيز الانتاج والإنتاجية، وقد جاء قرار تجميد زيادة سعر الكهرباء برداً وسلاماً، إذ يعتبر من بشائر الخير".
وحول وصفه للوضع الاقتصادي الحالي أجاب الشريف، "لا أستطيع القول إن هناك أزمة فعلية، لكن البلاد في مرحلة انتقال وهي من أصعب المراحل، لأن برامج وخطط كثيرة لا تكتمل بشكل سريع، فقد يكون هناك بطء لكن لا بد من أن تكون هناك آليات مساعدة وصحيحة لتحقيق التطلعات المأمولة".

وأعرب عن تفاؤله بعبور هذه المرحلة بسلام وأمان، "بخاصة إذا وضعت كل الأشياء في شكلها الصحيح وأنهيت الأزمة السياسية بالسرعة المطلوبة باعتبار أن السياسة والاقتصاد متلازمتين".

وأضاف، "لا أعتقد أن غياب الحكومة لأكثر من شهرين أثر في الوضع الاقتصادي، لأن هياكل الدولة تعمل بتناغم تام، وصحيح أن وجود الوزراء يزيد ديناميكية الأداء ويجعل اتخاذ القرار سريعاً، لكن ما دام هناك وكلاء تنفيذيين قياديين فإن التأثير لا يكون كبيراً".
ولفت إلى أن موازنة الدولة للعام الجديد تهدف إلى تحقيق معدل نمو حقيقي موجب وخفض التضخم وإحداث استقرار في سعر الصرف وتحسين معاش الناس، إلى جانب توجيه الاستدانة من الجهاز المصرفي لمشاريع التنمية، وتحسين معاش الناس ومرتبات العاملين بالدولة وتوجيه جزء مقدر لزيادة حجم الإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات الضرورية الأخرى".
ولفت إلى أن "الموازنة تشمل جملة سياسات مالية أهمها تمكين وزارة المالية من تحقيق وصايتها على المال العام ومعالجة تشوهات الأسعار وضبط الأسواق وتهيئة المناخ الجاذب للاستثمار المحلي والأجنبي وتوفير مدخلات الإنتاج الكافية كماً ونوعاً، وضبط وترشيد الإنفاق العام وترتيب الأولويات بالتركيز على القطاعات الإنتاجية، كما تضمن مشروع الموازنة عدداً من الموجهات العامة أبرزها تحقيق متطلبات ولاية وزارة المالية على المال العام وتحديد مشاريع قومية وولائية متوسطة وقصيرة المدى لأجل إزالة الفوارق التنموية وإزالة العوائق في القطاعات الإنتاجية والخدمية، ومراجعة هياكل ومستويات الأجور وتحسينها في ضوء مؤشر الأرقام القياسية للمحافظة على مستوي الدخل الحقيقي وإزالة المفارقات في الأجور".
وأشار الشريف إلى أن "مشروع موازنة 2022 يستمد مرجعياته من الوثيقة الدستورية الانتقالية والبرنامج الثلاثي للاستقرار والتنمية الاقتصادية (2021- 2023) ومخرجات سلام جوبا والبرامج المتفق عليها مع مؤسسات التمويل الدولية وأهداف التنمية المستدامة ومخرجات المؤتمر الاقتصادي والورقة الاستراتيجية".
وأكد أن "هناك توجهات بأهمية أحداث تحولات جذرية في السياسات الاقتصادية عبر الموازنة الجديدة وتسخير كل إمكانات الدولة لزيادة الإنتاج من أجل التصدير، فضلاً عن حشد الموارد الداخلية واستنهاض الهمم للحفاظ على مكتسبات ثورة ديسمبر، وتضمين الملاحظات التي ذكرت كافة في إعداد تقرير الموازنة وتعديلها توطئة لعرضها على الاجتماع المشترك".