Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما خيارات الردع لدى أميركا مع تصاعد نذر الحرب في أوكرانيا؟

تشمل نقل أسلحة متطورة إلى كييف وتقديم المشورة العسكرية ودعم التمرد

مع وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بشكل عاجل إلى كييف، الأربعاء 19 يناير (كانون الثاني)، للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبيل لقاء آخر مرتقب مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف، الجمعة، بدا لوهلة أن الدبلوماسية لم تمت وأنه ما زالت هناك نافذة صغيرة يمكن أن تجنب الجميع الحرب، لكن شعوراً بالتشاؤم خيم على صانعي القرار في واشنطن نتيجة نذر سوء عدة اتخذتها موسكو وجعلت البيت الأبيض يعلن أن روسيا قد تغزو أوكرانيا في أي وقت، ما دفع إدارة بايدن إلى التلويح بخيارات جديدة إذا فعلها الرئيس بوتين ونفذ ما يخشاه الغرب، فما الخيارات الأميركية، وهل يمكن أن تردع الكرملين؟   

نذر الحرب

قبل إعلان جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض أن روسيا قد تشن هجوماً على أوكرانيا في أي وقت، ارتفعت حدة التوترات بين روسيا والولايات المتحدة بشكل لافت، فبدأت القوات الروسية بالوصول إلى بيلاروس لإجراء تدريبات عسكرية يعتقد الغرب أن الكرملين قد يستخدمها في شن غزو على أوكرانيا عبر حدودها مع بيلاروس، بما يمكن الروس من الوصول إلى العاصمة الأوكرانية كييف بشكل أسرع. كما أشارت تقارير إلى سحب عدد من الموظفين وعائلاتهم من السفارة الروسية في كييف على الرغم من نفي موسكو هذه الأنباء، فيما أشار مسؤولون أوكرانيون إلى زيادة الحشد العسكري على الحدود، حيث نشرت روسيا المزيد من الطائرات التي تتراوح بين 20 و30 مقاتلة من طراز "سوخوي -34" انضمت إلى طائرات هليكوبتر متمركزة بالقرب من أوكرانيا، في حين اتهمت الولايات المتحدة، روسيا قبل أيام بتحريك مجموعة من النشطاء في شرق أوكرانيا للقيام بعملية عسكرية أو تخريبية كاذبة كي تستخدمها موسكو في تبرير الغزو.
وبينما نشرت صحف غربية وأميركية توقعات بأن تشن روسيا غزواً كاملاً لإسقاط الحكومة الموالية للغرب في كييف، رجح خبراء عسكريون آخرون أن تكون العملية الروسية محدودة للغاية في شرق أوكرانيا بهدف تأمين جسر بري إلى شبه جزيرة القرم، والذي ضمته روسيا في عام 2014، وربما إعلان مناطق في شرق البلاد استقلالها عن أوكرانيا.

خيارات جديدة

وبسبب هذه التوترات والمعلومات الاستخباراتية، شرعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في دراسة مجموعة خيارات جديدة لاستخدامها ضد روسيا، بما في ذلك توفير مزيد من الأسلحة لأوكرانيا لمقاومة الاحتلال الروسي المتوقع، في محاولة لرفع الأكلاف عن الرئيس فلاديمير بوتين إذا قرر غزو جارته السوفياتية السابقة. وعكست المناقشات بين المسؤولين الأميركيين، شعوراً بالتشاؤم مع استمرار روسيا في رفع مستويات قوتها في الأيام القليلة الماضية، عقب المحادثات الدبلوماسية التي جرت، الأسبوع الماضي، مع المسؤولين الروس والتي لم تسفر عن أي انفراج يمكن البناء عليه، بسبب تشبث كل طرف بمواقفه.
وإضافة إلى بحث كيفية مساعدة الجيش والحكومة الأوكرانيين على صد الغزو المحتمل، تقيم الولايات المتحدة خياراتها لتعزيز قدرة القوات الأوكرانية على مقاومة احتلال روسي محتمل، حيث أوضح مسؤولون في إدارة بايدن لوسائل إعلام أميركية، أن ذلك يشمل احتمال تزويد الجيش الأوكراني بذخيرة إضافية، ومدافع ميدان، وصواريخ جافلين المضادة للدبابات، وأنظمة صواريخ مضادة للطائرات، والتي من المحتمل أن تأتي من الحلفاء في الناتو.
في غضون ذلك، كان مسؤولو البنتاغون يضعون خيارات لكيفية مساعدة الولايات المتحدة في تأجيج حملة مقاومة مستمرة في أوكرانيا، تُكبد روسيا أعلى التكاليف الممكنة في أعقاب الغزو المتوقع بما في ذلك تقديم المشورة العسكرية للأوكرانيين، إضافة لما سبق وأعلنه مسؤولون في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بأنه سينشر حال غزو روسيا لأوكرانيا مزيداً من القوات في دوله في شرق أوروبا وهي على الأرجح دول البلطيق الثلاث ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا إضافة إلى بولندا، وهو آخر شيء يريده الرئيس بوتين الذي كان يرغب في خفض أو إزالة الوجود العسكري الغربي في هذه البلدان والامتناع عن نشر صواريخ يمكن أن تهدد موسكو انطلاقاً من هذه الدول.

أدوار استخباراتية

وفي حين قال الرئيس بايدن، إن إرسال قوات قتالية أميركية إلى أوكرانيا لخوض حرب مع روسيا أمر غير مطروح على الطاولة، إلا أن قوات العمليات الخاصة الأميركية تتناوب التحرك بالفعل داخل وخارج البلاد لتدريب القوات الأوكرانية، فضلاً عن إمكانية أن تقدم وكالات أخرى بعض الدعم مثل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بخاصة وأن مدير الوكالة وليام بيرنز، كان في كييف، الأسبوع الماضي، للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومناقشة المخاطر على أوكرانيا.
وتواصل وكالة الاستخبارات المركزية العمل على برنامج في الولايات المتحدة لتدريب مسؤولي الاستخبارات الأوكرانيين وعدد من الوكلاء الخاصين على جمع المعلومات الاستخبارية، كما صرح مسؤولون حاليون وسابقون لموقع "ياهو نيوز". وفي حين رفض متحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية التوضيح لشبكة "سي أن أن" ما إذا كان البرنامج يساعد في تدريب تمرد أوكراني مرتقَب، إلا أن مسؤولي الاستخبارات السابقين المطلعين عليه يقولون، إن البرنامج يتضمن نوع التدريب السري شبه العسكري اللازم لجمع المعلومات الاستخباراتية في منطقة حرب.
في ذات الوقت، اعترف مسؤولون أوكرانيون أنهم على اتصال يومي مع نظرائهم الأميركيين، استعداداً لمجموعة متنوعة من السيناريوهات المختلفة التي يمكن أن يتخذها الروس، مؤكدين أن الأوكرانيين سيقاتلون من كل نافذة إذا دخل الروس إلى أوكرانيا.

عقوبات مالية

وبينما هددت واشنطن وحلفاؤها الغربيون بسلسلة إجراءات عقابية غير مسبوقة ضد روسيا لثنيها عن التفكير بغزو أوكرانيا، استعدت الولايات المتحدة لفرض عقوبات مالية على العملاء الموالين لروسيا داخل أوكرانيا وهو إجراء بديل عن استهداف الحكومة الروسية في الوقت الراهن، لكنه يشير إلى أن الإجراءات الأميركية العقابية ستكون جاهزة للتنفيذ.
وعلى الرغم من التهديد الأميركي، تأمَل الولايات المتحدة وحلفاؤها تحقيق انفراجة دبلوماسية بعدما فشلت أربع جولات من المحادثات الأسبوع الماضي في تضييق الفجوة بين موسكو والدول الغربية، وما سيفعله الوزير بلينكن هو أن يسلط الضوء بوضوح شديد على أن هناك طريقاً دبلوماسياً يمكن المضي قدماً فيه، بينما يترك للرئيس بوتين والروس اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا سيعانون من عواقب اقتصادية وخيمة جراء العقوبات المنتظرة، أم لا.

خطط بوتين

وفيما يستعد المسؤولون الأميركيون لكل السيناريوهات، إلا أنهم لا يعرفون ما هي خطط بوتين، أو ما إذا كان اتخذ قراره بالغزو، إذ أشار مسؤولون اطلعوا على المعلومات الاستخباراتية، إلى أن هناك أدلة على أن روسيا تخطط لمحاولة الاستيلاء على كييف والإطاحة بالحكومة الأوكرانية. كما اعتبروا أن نشر قوات من المنطقة العسكرية الشرقية لروسيا في بيلاروس الإثنين (17 يناير)، أمر ينذر بالسوء تزامناً مع سلسلة الهجمات الإلكترونية التي استهدفت أوكرانيا، الأسبوع الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وينطبق عدم اليقين أيضاً على المسؤولين الأوكرانيين الذين لم يتوصلوا إلى استنتاج بأن بوتين اتخذ قراره، بينما يستمر حشد مزيد من القوات الروسية على طول الحدود الأوكرانية وفي بيلاروس المجاورة، ما يؤكد استمرار التصعيد.

هل كل الخيارات مطروحة؟

بعد جولة المحادثات الفاشلة بين كبار المسؤولين الأميركيين والروس بشأن الحد من الأسلحة النووية والأمن الأوروبي والأزمة في أوكرانيا، سأل أحد الصحافيين مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، إذا ما كانت كل الخيارات مفتوحة، وكان الرد أنه إذا غزت روسيا أوكرانيا، فإن الخيارات التي سيتم استخدامها تشمل تغييرات في القوات والقدرات التي ستنشرها الولايات المتحدة وحلف الناتو في شرق أوروبا لتعزيز قوة دفاع الحلفاء على أراضي هذه الدول.
لكن مجرد طرح هذا التساؤل يثير كثيراً من القلق بالنسبة لبعض خبراء الحد من التسلح مثل داريل كيمبل، المدير التنفيذي لجمعية الحد من التسلح، وايرا هيلفاند، مؤسس فرع الولايات المتحدة للأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية، ففي تحليل نشره موقع "جست سيكيوريتي" وهو منتدى أميركي متخصص في قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية، فإن مفهوم "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة"، قد يعني في نزاع يشمل القوى النووية، الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية، حتى لو لم تكن تلك هي النية في هذه الحالة، ولهذا يحذر الخبراء جميع القادة الأميركيين والروس من التفكير في استخدام مثل هذه الأسلحة في أي صراع محتمل، لأنه لا يوجد فائزون في حرب نووية.

أخطار الحرب النووية

ويستند تقييم خبراء الحد من السلاح، إلى أنه بمجرد استخدام الأسلحة النووية في نزاع يشمل خصوماً مسلحين نووياً، حتى ولو كانت على نطاق محدود يتضمن حفنة من القنابل الأصغر بحجم قنبلة هيروشيما، فلا يوجد ضمان بأن الصراع لن يتصاعد ويصبح نووياً في جميع أنحاء العالم، وهو ما حذر منه جنرال سلاح الجو جون هيتين، قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية، حينما قال في عام 2018 إنها تنتهي بشكل سيئ، ومعنى السيئ هنا، هو أنها تنتهي بحرب نووية عالمية.
وعلى الرغم من أن الرئيسين بايدن وبوتين وزعماء بريطانيا وفرنسا والصين، وهي دول مسلحة نووياً تمتلك حق الفيتو في مجلس الأمن، أصدروا بياناً مشتركاً في الثالث من الشهر الجاري، أعلنوا فيه وجهة نظرهم بأن الحرب النووية لا يمكن كسبها، ويجب عدم خوضها أبداً، إلا أن قادة الدول النووية الخمسة قالوا أيضاً، بشكل ينذر بالسوء، إن الأسلحة النووية يجب أن تخدم أغراضاً دفاعية لردع العدوان ومنع الحرب، ولهذا فإن هذه اللغة الواسعة، تشير إلى أنهم قد يفكرون في استخدام الأسلحة النووية للدفاع عن أنفسهم ضد مجموعة واسعة من التهديدات، بما في ذلك التهديدات غير النووية.

الحاجة للتذكير

صحيح أن الأزمة الحالية قد لا تؤدي، إذا أسيء التعامل معها، إلى حرب مدمرة أوسع وطويلة الأمد بين القوات الروسية والأوكرانية، ولكنها قد تؤدي إلى دوامة تصعيد أكثر حدة، وإن لم تكن مقصودة، بحيث تشمل الناتو والقوات الروسية، وكلاهما يمتلك أسلحة نووية في تصرفه.
وبينما يدرك الجميع الخطر الرهيب الذي تشكله الأسلحة النووية، إلا أن القادة غالباً ما يحتاجون إلى تذكير، ففي عام 2020، نشر باحثون في برنامج برينستون للعلوم والأمن العالمي تقديراً لما قد يحدث إذا اختار قادة روسيا أو الناتو استخدام الأسلحة النووية أولاً في صراع داخل أوروبا، قبل أن يمتد ليصبح كارثة عالمية، حيث أشاروا إلى أن عشرات الملايين سيموتون في أول 45 دقيقة.
وقيّمت دراسة سابقة مفصلة نُشرت في عام 2002 العواقب المباشرة للصراع النووي الذي أعقب الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، وخلصت إلى أنه إذا وصل 350 فقط من إجمالي 1450 من الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية في الترسانة الروسية، إلى أهداف صناعية أو عسكرية رئيسة في الولايات المتحدة، سيموت ما بين 70 و100 مليون أميركي في الساعات الأولى من الانفجارات والحرائق. ويمكن للرئيس الأميركي أن ينتقم بسرعة باستخدام ما يصل إلى 1350 سلاحاً نووياً عبر صواريخ وقاذفات بعيدة المدى، ونحو 160 رأساً نووياً عبر قاذفات مقاتلة أقصر مدى متمركزة في أوروبا.

تأثيرات عالمية

ليس هذا فحسب، فسيتعرض كثير من الناس لجرعات مميتة من الإشعاع، وسيلحق التدمير بالبنية التحتية الاقتصادية الكاملة للولايات المتحدة، بما في ذلك خدمات الإنترنت، والشبكة الكهربائية، ونظام توزيع الغذاء، والنظام الصحي، والنظام المصرفي، وشبكة النقل، وخلال الأسابيع والأشهر التالية، ستموت الغالبية العظمى من أولئك الذين لم يتوفوا في الهجوم الأولي جراء تعرضهم للجوع والتسمم الإشعاعي والأمراض الوبائية، وسيتسبب الهجوم المضاد الأميركي في نفس المستوى من الدمار في روسيا، وإذا كان الناتو متورطاً في الحرب، فإن كندا وأوروبا ستعاني أيضاً من نفس المصير الذي سيمتد إلى المناطق الجغرافية القريبة منها سواء كان ذلك في الشرق الأوسط وأميركا الوسطى أو الدول المجاورة لروسيا في الجنوب والشرق.
وتشير الدراسات العلمية الحديثة إلى أن الغبار والسخام الناتج عن التبادل النووي في حال تفجير ما بين 100 و200 رأس نووي، من شأنه أن يخلق تأثيرات مناخية دائمة وكارثية قادرة على تدمير إنتاج الغذاء وتؤدي إلى المجاعة في أجزاء كثيرة من العالم.
ولهذا يرى بعض خبراء الحد من التسلح أن نزع فتيل الأزمة الحالية في أوكرانيا ومعالجة المخاوف الأمنية الروسية والأوروبية الأوسع نطاقاً، ضرورة ملحة من شأنها أن تشجع الطرفين على التفاوض بشأن اتفاقية لتقليص التدريبات العسكرية الكبيرة وتجنب المواجهات العسكرية بين القوات الروسية وقوات الناتو، وفي أعقاب ذلك السعي إلى التوصل لاتفاق بعدم نشر صواريخ متوسطة المدى في أوروبا أو في غرب روسيا.

المزيد من متابعات