Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما وراء تجديد السودان شكواه في مجلس الأمن حول حلايب؟

درجت الخرطوم سنوياً في بداية كل عام على تجديد شكواها ضد القاهرة حول المثلث المتنازع عليه

الحل بالوفاق في مثلث حلايب سيعزز العلاقات بين مصر والسودان (اندبندنت عربية - حسن حامد)

لطالما احتلت قضية مثلث حلايب دوراً رئيساً في العلاقات السودانية - المصرية، مع مرور رؤساء مختلفين على البلدَين، غير أن تصعيدها الأخير منذ تسعينيات القرن الماضي ألقى بظلال قاتمة على القضية، وأصبحت العودة إلى ما قبل هذا العقد، غير يسيرة.

وفي حين يدور نقاش فيما إذا كانت هناك نقطة توافق حول حلول محتملة، فإن السودان درج سنوياً في بداية كل عام على تجديد شكواه ضد مصر في مجلس الأمن الدولي حول المثلث المتنازع عليه، الذي يضم مناطق حلايب وشلاتين وأبو رماد، ويطل على ساحل البحر الأحمر، وتبلغ مساحته نحو 20.5 ألف كيلومتر مربع.

ويأتي ذلك كإجراء روتيني للإبقاء على الملف في أجندة المجلس، إذ إنه ما لم يتم تجديد الشكوى كل ثلاث سنوات متواصلة يجري حذفها تلقائياً من الأجندة.

بداية الشكوى

وتعود الشكوى إلى يناير (كانون الثاني) 1958، حين بدأت حكومة السودان استعدادها لعقد انتخابات برلمانية في حلايب، فأرسلت الحكومة المصرية مذكرة احتجاج باعتبار أن حلايب تتبع لها بموجب اتفاقية الحكم الثنائي لعام 1899، ثم أعقبتها بإرسال فرقة عسكرية إلى المنطقة.

وفي فبراير (شباط)، أرسلت مصر مذكرة أعلنت فيها عزمها على إجراء استفتاء الوحدة مع سوريا في تلك المنطقة، فرفض السودان ذلك. ثم التقى وزير الخارجية السوداني محمد أحمد المحجوب بالرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي طلب من المحجوب عدم إجراء انتخابات سودانية مقابل سحب طلب الاستفتاء المصري في المنطقة.

وبعد فشل الطرفين في الوصول إلى اتفاق، رفع السودان في 20 فبراير 1958 شكوى رسمية لمجلس الأمن وبعد اجتماعه في 21 فبراير، أصدر قراراً وسحب عبد الناصر الفرقة العسكرية، وسُمح للسودان بإجراء انتخاباته، وحُفظت شكواه للتجديد.

استند هذا النزاع إلى أنه بعد فتح اللورد هربرت كتشنر السودان عام 1898 صدر وصف جديد لخط الحدود بين السودان ومصر، أوان الاحتلال الثنائي الإنجليزي المصري للسودان، وفق اتفاقية احتفظت بوضع المنطقة القانوني فكان وصف الحدود هو خط عرض 22 من البحر الأحمر إلى الحدود الليبية.

بعد ذلك، انتبهت الإدارة البريطانية إلى أن هذه المنطقة داخل مصر شمال خط 22 وفي السودان جنوب خط 22 تقطنها مجموعات قبلية من إثنية واحدة، وهم قبائل البشاريين، والعبابدة والبجة فحدث تعديل من قِبل الوزير المختص بالحدود التابع للتاج البريطاني بإضافة مثلث حلايب وشلاتين في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1902، فأصبحت المنطقة شمال خط 22 ضمن التعديل الإداري، وأن يكون المثلث تحت إدارة وإشراف حكومة الخرطوم التي كانت مصر طرفاً فيها.

ومنذ ذلك الوقت وحتى استقلال السودان في عام 1956، كان البلدان راضخين لهذا التعديل الذي يُطلق عليه في القانون الدولي مصطلح "التصرفات اللاحقة للدول"، وقدمها السودان إلى الأمم المتحدة بعد انضمامه لها، وهي شاملة حلايب وشلاتين وأبو رماد.

تطورات على الأرض

على الرغم من النزاع على هذا المثلث الحدودي منذ استقلال السودان عام 1956 فإنه ظل مفتوحاً أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين. لكن في عام 1992 اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن النفط في المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية، ثم قدم السودان مذكرة لمجلس الأمن والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية في عام 1993 يشتكي من غارات جوية على حدوده. ثم رفض الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك المشاركة في مفاوضات وزراء خارجية الاتحاد الأفريقي لحل النزاع.

وتأزمت الأوضاع بعد محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995 في أثناء حضوره للمشاركة في مؤتمر القمة الأفريقية. بعدها دخل الجيش المصري حلايب وأحكم سيطرته عليها، وفي عام 2000 سحب السودان قواته من حلايب، وأبقى على كتيبة واحدة موجودة حتى الآن في المنطقة. أما السيادة على المثلث فمصر تعدها جزءاً منها حسب الخرائط الرسمية المصرية للخط الحدودي 22.

وعندما اعتمد السودان منطقة حلايب دائرة انتخابية سودانية تابعة لولاية البحر الأحمر في انتخابات عام 2010، إذ أقرّت المفوضية القومية للانتخابات السودانية حق التصويت لأهالي المنطقة، واجهت المفوضية صعوبات لوجيستية أعاقت قيامها على أرض الواقع. لكن، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 أجرت الحكومة المصرية انتخاباتها البرلمانية، وشملت المثلث.

وفي فبراير الماضي، قدم السودان احتجاجاً رسمياً ضد مفوضية الاتحاد الأفريقي، بسبب اعتماده خريطة قدمتها بعثة مصر للاتحاد تضم مثلث حلايب وشلاتين ضمن حدود مصر الجنوبية، وهي مخالفة لخريطة مصر عندما انضمت إلى الاتحاد الأفريقي عام 1964، وقبل ذلك عند انضمامها إلى الأمم المتحدة عام 1945.

وردت المفوضية بأنها لا تتبنى موقف أي من البلدين بشأن هذه القضية. وكانت هناك خلفية أخرى لهذا الاحتجاج، وهي قيام مصر بفتح باب تقديم عروض لاستكشاف النفط والغاز في البحر الأحمر قبالة المثلث في مارس (آذار) 2019.

ويرى البعض أنه لم يحدث توافق بين البلدين، وأن السودان حينما عرض التفاوض حول الأزمة، ورفضته مصر رضخ النظام السوداني السابق، بسبب الضغط عليه بإمكانية فتح ملف محاولة اغتيال مبارك.

"تنظيم العربان"

قال رئيس المفوضية القومية للحدود السودانية معاذ تنقو، "إن ما جرى في عام 1902 كان من أجل حماية سكان النوبة بإعادة أراضيهم التي اقتُطعت منهم في عهد المهدية، كما اقتطعت أسوان لبناء سد أسوان الأول، وكانت تابعة للوحدة الإدارية بمدينة عطبرة".

وبيّن، "في عام 1902 أجرى وزير الداخلية المصري مصطفى فهمي باشا، ترتيباً إدارياً فقط حافظ على اسم السودان، منح بموجبه حكومة السودان بواسطة الحكم الإنجليزي - المصري سلطة إدارة هذا المثلث بعد استعادة أراضي السودان من الثورة المهدية، وذلك تسهيلاً لتحرك سكان هذه المنطقة لممارسة نشاطهم الاقتصادي، خصوصاً أنهم قبائل تعيش على نشاط الرعي والتجارة بين حدود مصر شمالاً والسودان جنوباً عبر خط عرض 22، واعتُمد ذلك رسمياً وفق قانون (تنظيم العربان) الذي صدر عام 1905، وكان يتم بموجبه تنظيم القبائل إدارياً".

وأكد تنقو أنه "لم توجد أي قوات مصرية عسكرية أو وجود إداري في هذه المنطقة خلال الفترة من 1505 إلى 1992، فقد كانت تابعة لمديرية سواكن، ولم تُضم إلى السودان إلا في يوليو (تموز) 1899".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"عدم الإذعان"

وأوضح رئيس المفوضية القومية للحدود السودانية، "إذا لم توافق مصر على التحكيم الدولي الذي طلبه السودان، فإن السودان سيواصل الشكوى والاحتجاج لدى مجلس الأمن". ويرى تنقو أن "ما تقوم به مصر من تمصير للمثلث، ونشر القوات المصرية، وتغيير نظام الإدارات الأهلية، وتبعية الخدمات والصحة والتعليم لجمهورية مصر، وتجنيس المواطنين، لن يشرعن القضية، ولن يثني السودان عن الاستمرار في تجديد المطالبة في مجلس الأمن".

وأضاف، "هناك سوابق قضائية في محكمة العدل الدولية، وحسب ميثاق الأمم المتحدة، لم تفلح معها التغييرات التي تجريها بعض الأطراف المتنازعة، بالتالي لن يقيدها تغيير الهوية في مثلث حلايب أو التبعية الإدارية، ومن أمثلة ذلك الحكم في قضية النزاع بين ليبيا وتشاد، وبين مالي وبوركينافاسو، وبين نيجيريا والكاميرون".

وأكد تنقو أن "السودان يحافظ على ما يُسمى في القانون الدولي (عدم الإذعان) باستمرار الشكوى، وتكمن أهميته في أن السودان لم يذعن لفرض حالة الأمر الواقع من قِبل مصر لضم مثلث حلايب، إذ يرى أن حقه في إدارة المنطقة منصوص عليه في اتفاقية 1902، خصوصاً أن مصر لم تعترض على ذلك الوضع قبل استقلال السودان وأثناء الوجود البريطاني".

منطقة تكامل

ذكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، جهاد عودة أن "حل أزمة حلايب يكمن في إيجاد صيغة للتكامل تشمل المثلث بتفعيل الحريات الأربع باعتماد إجراءاتها كاملة". ولم يستبعد عودة طرح تفاهم ما حول الموضوع بين حكومتي البلدين باعتبار المنطقة أحد مجالات التعاون والتنسيق المشترك، ومرت عليها حكومات كثيرة من دون أن تتغير، وتحويل الحدود المشتركة إلى مناطق تجارة بينية كما كانت في الماضي، ومثل كثير من دول المنطقة.

وأضاف، "التوقيت غير مناسب لأي تصعيد من أي نوع، سواء من جانب مصر أو السودان. وحتى مطالبة السودان بالتحكيم تتوقف على الحكومة القادمة بعد انقضاء فترة الحكومة الانتقالية. أما الآن وفي ظل تعقيدات الوضع السياسي، وعدم الاستقرار في السودان، واستمرار الصراع السياسي، فإن الوقت غير مناسب لإثارة هذه القضية".

وتابع، "أي اتفاق بخصوص حلايب سينعكس إيجاباً على حل أزمة سد النهضة الإثيوبي باعتبار وحدة موقف وهدف مصر والسودان تجاه استمرار أديس أبابا في عدم الاستجابة لأي حل بخصوص الخلاف حول مياه النيل".

وتوقع أن الحل بالوفاق سيعزز العلاقات بين البلدين، وسيجعلها نموذجاً إقليمياً، تشابه "المنطقة المحايدة" بين السعودية والكويت، وبين العراق والكويت وغيرها.

محركات معقدة

إن تطوير استراتيجية للتوافق حول الحدود يتطلب فهماً للمحركات المعقدة لما حدث من تصدعات بين البلدين في ظروف سابقة، وما يحدث الآن. وباعتراف الطرفين بأنه ليس متوقعاً أن تصل العلاقات إلى نقطة المواجهة، بسبب عدة عوامل، من بينها تهديد الحرب الحدودية المفتوحة من جهة إثيوبيا، وفي إقليم دارفور وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة، واستمرار الثورة السودانية، والتدخلات المتوقعة إذا ساءت الأمور في الخرطوم، إضافة إلى الحاجة إلى وحدة البلدين تجاه المهددات الإقليمية والأزمات المعلقة مثل سد النهضة.

وهذا النزاع إذا لم يجرِ الاتفاق حوله بالوسائل الودية والمفاوضات المباشرة بين السودان الذي يطالب بالتحكيم بينما ترفضه مصر، فإن المصير النهائي سيكون الوصول إلى محكمة العدل الدولية للبت فيه.

وعلى الرغم من بُعد تصور اللجوء إلى التحكيم، فهو كآخر الحلول يحصر الخلاف في دراسة الوثائق المرتبطة بهذا المثلث، وكونه سودانياً أو مصرياً، أو الوصول إلى إدارة مشتركة له، يعتمد على القرار النهائي الذي سيكون ملزماً للطرفين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير