Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معدلات الفائدة الحقيقية السالبة تعني أن أمام وزارة المالية هامشا للاستثمار

الحكومات في الأغلب لا تفهم أهمية معدلات الفائدة السوقية المنخفضة أو السالبة أو لا تستغلها

في بريطانيا، تفترض وزارة المالية في تقييمها الخاص للمشاريع البعيدة الأجل أن معدلات الفائدة سترتفع، ما سيسبب ضرراً اقتصادياً جدياً وغير ضروري (غيتي)

بعد أسبوعين من الرؤى الكارثية المتعلقة باحترار العالم [الاحتباس الحراري وزيادة درجات الحرارة]، قد يكون من المطمئن الالتفات إلى اقتصاد اليوم الخارج من الجمود العميق الذي تسببت فيه القيود والإغلاقات أثناء انتشار "كوفيد".

ومن المغري اعتبار العالم يعود إلى سابق عهده، على الرغم من أن هذه العودة تجري بانتعاش متفاوت، يتسم بتعطل في الإمدادات، لا سيما في مجال الطاقة، وبطفرة في معدل التضخم. لكن ثمة بعض الجوانب المزعجة جداً. والجانب الأكثر لفتاً للنظر هو ما يجري على صعيد معدلات الفائدة.

لقد اعتدنا على فكرة تدني معدلات الفائدة جداً – قريباً من الصفر. فبعد توقف قلب الاقتصاد [الصدمة الاقتصادية] الناجم عن الأزمة المالية عام 2008، استُخدم المال السهل - معدلات الفائدة المتدنية جداً والتيسير الكمي- لإبقاء المريض على قيد الحياة. وبقي نظام العناية الفائقة هذا قائماً خلال معظم العقد ثم أثبت أنه ضروري خلال الإغلاقات المفروضة بسبب "كوفيد". لكن هل من المؤكد أن هذا مجرد حالة طارئة مؤقتة؟ ومتى سيعود "الوضع الطبيعي"؟

ثمة ثرثرة لا تنتهي حول التاريخ والطريقة الخاصين بعودة المصارف المركزية، من خلال تحكمها بمعدلات الفائدة القريبة الأجل، وعودة أسواق رأس المال، من خلال أثرها في معدلات الفائدة البعيدة الأجل، إلى معدلات أعلى للفائدة، وحول التحديات التي سيتسبب بها ذلك للمقترضين. وهناك أمر يجري التغاضي عنه وهو أن معدلات الفائدة، إذا أُخذ التضخم في الاعتبار، تصبح سالبة بشدة. وبعبارة بسيطة، يدفع من يدخرون ثمن هذا الشرف؛ وتقبض الجهات الجديرة بالاقتراض، لا سيما الحكومات، ثمن الاستثمار.

مثلاً، يحقق حملة السندات البريطانية المرتبطة بمؤشر التضخم التي تستحق بعد سنتين عائداً يساوي ناقص أربعة في المئة وحملة السندات الأبعد أجلاً أكثر قليلاً – ناقص اثنين في المئة. والرقمان الأميركيان أعلى قليلاً لكنهما مع ذلك سالبان. وتباع السندات الحكومية الألمانية التي تستحق بعد 30 سنة عارضة على مشتريها عوائد صفرية في حين يعني معدل التضخم أن الاستثمارات ستعاني نمواً سالباً. ويصح الأمر نفسه على السندات اليابانية، وتروي سندات الشركات قصة مشابهة.

أما الصين فهي البلد المهم الوحيد الذي يمتلك معدلات مرتفعة للفائدة تعكس اهتمام السلطات بلجم نهم استثماري جامح ومشوب في الأغلب بالهدر. وفي الأسواق الناشئة الرائدة، مثل البرازيل وتركيا، يشعر المقرضون بالذعر من وقوع مشاكل ائتمانية في المستقبل لذلك لا تملك هذه البلدان ترف رأس المال الرخيص.

لكن عموماً وفي مختلف أرجاء العالم المتقدم، تقدر أسواق رأس المال أن معدلات الفائدة، بالقيمة الحقيقية، ستكون سالبة خلال الجيل المقبل. وأطلق الاقتصادي الأميركي لاري سامرز على هذا الوضع اسم "الركود العلماني".

في خلفية هذه الظاهرة تفوق رغبة المجتمع في الادخار (في الأقل في البلدان الغنية) أكثر بكثير الرغبة الجماعية للشركات والحكومات في الاستثمار. وفي الظروف الطبيعية، من شأن ذلك أن يؤدي إلى انهيار في الطلب وركود. لكن المصارف أبعدت هذا الاحتمال إذ اتبعت سياسة تنص على "طباعة النقود".

والآن ومع إطفاء الطابعات، علينا أن ننظر في المشكلة الكامنة. ثمة عوامل مختلفة في شرح اختلال الميزان بين مدخرات الأفراد واستثمار الحكومات والقطاع الخاص. فالمجموعات السكانية التي تتقدم في العمر تميل إلى الادخار. ويدخر الأغنياء أكثر من الناس الأفقر، وعلى الرغم من أننا نعاني تفاوتاً أكبر، يبرز عدد أكبر من الأغنياء كل عام. وجمدت الجائحة غرائزهم مع إغلاق المتاجر ومؤسسات الضيافة أبوابها، ما أجبر الناس على الادخار.

وفي الوقت نفسه، تتردد الحكومات والشركات والأفراد في الاستثمار بسبب الغموض الذي يكتنف مسار الجائحة والمخاوف من الدين المتراكم. وتضررت البيئة العامة للأعمال بعوامل مثل الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، و"بريكست"، والتوترات الجيوسياسية الحالية بين الصين والولايات المتحدة. ويصب المال في شركات التكنولوجيا الفائقة، لكن الاستثمارات الجارية لا تكفي لامتصاص المدخرات كلها.

قد تبدو هذه المسائل مجردة، لكن تداعياتها جدية للعالم الحقيقي. فلأن المصارف وسائر المؤسسات المالية لم تعد تستطيع تحقيق عوائد من موجوداتها من الأصول المالية "الآمنة"، يغريها تبني سلوكيات أكثر مخاطرة. وذلك يعني عملياً اقتراض مزيد من المال -الرفع المالي- للاستثمار في أصول محفوفة بمخاطر أكبر وتحمل عوائد أعلى، مثل المشتقات المعقدة أو الرهون العقارية التي ترتفع فيها نسبة القروض إلى قيمة العقارات.

وهناك بالتالي ضغوط متزايدة للتخفيف من التنظيمات التي سادت بعد الأزمة المالية، وفرضت على المؤسسات امتلاك مزيد من رأس المال في ميزانياتها العمومية للتحوط من مخاطر التوقف عن تسديد القروض. وتسمع عبارات مثل "نحتاج إلى تعزيز تنافسية المصارف" في شكل أكثر تواتراً وثمة تنازلات يجري تقديمها. ونعرف أين يؤدي ذلك – إلى أزمات مالية كتلك التي عرفناها عام 2008.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالنسبة إلى الأفراد، وصناديق التقاعد ومؤسسات إدارة الثروات التي تشرف على مالنا، يدفع الإحباط من العوائد السالبة أو المثيرة للسخرية على الودائع المصرفية والاستثمارات الشخصية "الآمنة" الأخرى إلى البحث عن عوائد أعلى في أنشطة محفوفة بمخاطر أكبر. وتعد الأسهم مثالاً، فقد ازدهرت البورصات -مع الاستثناء اللافت لبريطانيا بعد "بريكست"- لا سيما أسهم شركات التكنولوجيا الفائقة.

وعلى نحو أكثر جدية، انتقل المال إلى العقارات حيث يوجد احتمال معقول للتربح من الأسعار المتزايدة للبيوت. فمن لندن وملبورن وبرلين وسان فرانسيسكو واستكهولم إلى طوكيو وبكين وسيول ومكسيكو سيتي، تقفز أسعار البيوت مطلقة دوامة تحقق نفسها بنفسها من تضخم الأصول. وعلى الرغم من وجود فقاعات أصول أيضاً في العملات المشفرة والمنتجات المالية الغريبة، لا شيء يتفوق تماماً على العقارات، ربما لأن المالك يمتلك شيئاً ملموساً ومفيداً، يتجاوز مجرد مخزون من القيمة.

والتداعيات الاجتماعية عميقة. تقترح دراسة أجرتها "ماكينزي" في عشرة بلدان أن أسعار المنازل ازدادت ثلاثة أضعاف في المتوسط في العقدين الأولين من القرن، ما قوض بشدة تطلعات الشباب إلى شراء مسكن ذي سعر معقول أو استئجاره؛ وهذا، بدوره، يضعف قدرتهم على الإنفاق. وفي شكل عام، في هذه البلدان العشرة تساوي العقارات ثلثي الثروة الصافية للأسر. ولأن الاستثمار العقاري لا يضيف إلى الأداء الاقتصادي والنمو في المستقبل، هو غير منتج ويشكل عاملاً معرقلاً بعيد الأجل للاقتصاد.

كان الرئيس الصيني، الشيوعي اسمياً، هو من أشار إلى الحقيقة البديهية التي تفيد بأن المساكن هي للسكن وليس للمضاربة. وتبدو محاضرته مزعجة في شكل خاص، إذ يملك حصة كبيرة من العقارات -ولا سيما في لندن- مضاربون مقيمون خارج البلاد.

ينص أحد الدروس المستقاة من السنوات القليلة الأخيرة على أن الاستثمار الخاص، حتى حين تكون معدلات الفائدة منخفضة جداً أو سالبة، لن يتدفق بالضرورة بسبب الغموض السياسي أو غياب الطلب. لذلك على الحكومات أن تتدخل. لكن الحكومات في الأغلب لا تفهم أهمية معدلات الفائدة السوقية المنخفضة أو السالبة أو لا تستغلها. وفي المملكة المتحدة، فإن وزارة المالية -إذ تتوقع أن ظاهرة معدلات الفوائد عبارة عن أثر قريب الأجل- تتوقع في تقييمها الخاص للمشاريع البعيدة الأجل أن معدلات الفائدة سترتفع، ما سيسبب ضرراً اقتصادياً جدياً وغير ضروري.

والنتيجة هي تطبيق معدلات مرتفعة في شكل غير ضروري للفائدة على كل شيء من قروض الطلاب إلى قروض "الصفقة الخضراء" المخصصة للعزل الحراري المنزلي، ما قوض فعلياً برنامجاً قيماً بيئياً. وقوضت برامج قليلة المخاطرة ومهمة بيئياً، مثل مشروع طاقة الأمواج في جنوب ويلز، لأنها لم تستطع تحقيق عوائد سريعة. يا لها من حماقة.

في الواقع، يمثل استخدام استثمارات القطاع العام لـ"إعادة البناء في شكل أفضل" جزءاً مهماً من الاستجابة للمشكلة الكبرى المتمثلة في معدلات الفائدة الحقيقية المتدنية جداً والسالبة في الأغلب والإفراط الهيكلي في المدخرات في مقابل الاستثمارات. فالاستدانة بغرض تمويل هذه الاستثمارات رخيصة جداً، وتقلل إلى الحد الأدنى المخاطر المترتبة على خدمة الديون في الأجل البعيد. واستثمارات القطاع العام، إذا نشرت في شكل منطقي، تنتج عوائد أيضاً. ويمكنها تجديد البنية التحتية الخاصة بالنقل والطاقة، وهذا أمر تدعو الحاجة إليه بشدة للانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الكربون.

حتى الكونغرس الأميركي المنقسم والخلافي نفسه أدرك هذه النقطة الأساسية وأقر مشروع قانون البنية التحتية. واتخذ الاتحاد الأوروبي الخطوات الصغيرة الأولى باتجاه تعزيز الاستثمار الممول بالائتمان على النطاق الأوروبي. ومن ناحية أخرى، تخفض وزارة المالية البريطانية الاستثمار في مشاريع السكك الحديدية في شمال إنجلترا، الأمر الذي يثير الإحباط لدى الذين يرون فرصة فريدة لاستغلال توافر رأس المال الرخيص.

قد لا تكون معدلات الفائدة الحقيقية السالبة موضوعاً سهلاً للتندر السياسي، وهي غريبة جداً على الصعيد الاقتصادي، لكنها تمثل حقيقة مهمة من حقائق الحياة الاقتصادية الحالية، تهملها وزارة المالية المحافظة دائماً لدينا، ويرتب هذا الإهمال بعض التكاليف.

السير فينس كايبل هو الزعيم السابق للديمقراطيين الليبراليين، وعمل وزير دولة للأعمال والابتكار والمهارات بين عامي 2010 و2015

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء