لا يحظى وزير المالية ريشي سوناك بكثير من الدعم أثناء بحثه عن تبريرات إيجابية للاقتصاد البريطاني في 2022.
ومن المتوقع أن يظل نمو الأجور دون مستوى التضخم طوال عام 2022، وفقاً لتوقعات "ريزولوشن فاونديشن"، وهي مؤسسة فكرية اقتصادية تدرس مستويات المعيشة. وحسب تعبيرها، "التوقعات المتوسطة الأجل للأجور غير مؤكدة لكنها بعيدة كل البعد من أن تكون وردية".
ونتيجة لذلك، ينبغي على الأسر أن تتوقع زيادة كبيرة جداً ومثقلة لكاهلها، بمعدل 1200 جنيه استرليني اعتباراً من أبريل (نيسان) المقبل، في ظل زيادة الضرائب وأسعار الطاقة.
واضطر بعض مسؤولي الخزانة إلى إلغاء عطلة الموسم، بعد أن كشف "بنك إنجلترا" في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2021، عن أنه بات يعتقد الآن أن التضخم قد يصل إلى ستة في المئة في ربيع 2022. ولا يستطيع سوى قلة من المسؤولين تُذكر أن يتذكروا الوقت الذي كان فيه نمو الأسعار قوياً للغاية. وتبلغ توقعات البنك المركزي ثلاثة أضعاف مستوى التضخم المستهدف الذي حدده "بنك إنجلترا" باثنين في المئة.
وفي المقابل، تتوقع ثلة من خبراء الاقتصاد الحصول على قدر كبير من المساعدات من شارع "ثريدنيدل" [في القلب المالي للندن] في الأشهر المقبلة. وليس بإمكان أسعار الفائدة المحلية المرتفعة أن تمنع زيادة أسعار الطاقة في الأسواق الدولية.
إذاً، ماذا بمقدور مكتب رئيس الوزراء أن يفعل حيال ذلك؟ بوسعه أن يأمل في أن تتوقف الأجور عن الازدياد ضمن القطاعات كلها، لأن نمو الأجور قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تغذية التضخم، وبالتالي الاستمرار في هذه الدوامة. كان هذا السيناريو كالكابوس في سبعينيات القرن العشرين، بحسب ما نقلته إلى صحيفة "اندبندنت"، جيل ريتر الزميلة البارزة في مبادرة "المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة" أخيراً، وهو أسوأ المخاوف التي يمكن أن تواجهها وزارة الخزانة.
إذ تستطيع وزارة الخزانة أن تعيد النظر في الزيادة الضريبية في أبريل المقبل بهدف المساعدة في دفع تكاليف إصلاحات هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" عقب الجائحة، من خلال زيادة اشتراكات التأمين الوطني. وسيلجأ هؤلاء في نهاية المطاف إلى تمويل الرعاية الاجتماعية على خلفية زيادة المتقدمين في السن بين السكان.
ولكن هذا من شأنه أن يجبر وزير المالية على الاقتراض أكثر، خصوصاً إذا استمر نمو الناتج المحلي الإجمالي في فقدان الزخم أو حتى التأرجح السلبي في النصف الأول من 2022. وبالتالي، سوف يكون حريصاً على تجنب مزيد من الاقتراض، عقب اضطراره بالفعل إلى تقديم مبالغ ضخمة لدعم الاقتصاد خلال فترة الجائحة.
وبعد التكاليف الباهظة لبرنامج الإجازة المدفوعة، وإجراءات التخفيف الأخرى التي سعت إلى مساعدة الشركات والمستهلكين أثناء فترة فرض قيود "كوفيد-19"، يعارض عديد من أعضاء البرلمان والوزراء في مجلس الوزراء، تبديد مزيد من الأموال.
ومن غير المرجح طرح تخفيضات ضريبية سريعة لتخفيف الضغط على ميزانيات الأسر. وعلى الرغم من أن ميزانية سوناك أكدت طموحه في أن يكون وزيراً للضرائب المنخفضة، فإن العبء الضريبي بلغ الآن أعلى مستوياته منذ أوائل الخمسينيات من القرن العشرين.
وكذلك كلف وزير المالية المسؤولين وضع مخطط لخفض الضرائب في الأسابيع الأخيرة، بهدف تقديم التقارير في وقت مبكر من 2022، ومن المقرر أن يدلي سوناك ببيان الربيع في مارس (آذار) 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، ليس من الواضح إذا كان سوناك سيعلن عن خطط خفض الضرائب في أوائل 2022، لا سيما أن الخزانة ترغب في الحصول على ميزانية سنوية واحدة كل خريف.
واستطراداً، يعتبر الاستثمار في المهارات والبنية الأساسية، إلى جانب عدم تشديد أنظمة الهجرة، من الطرق الممكنة في تعزيز الإنتاجية، أو إحداث نمو "ذهبي" فتزيد الأرباح والأجور من دون التسبب في زيادة التضخم. وقد أظهرت وزارة الخزانة حرصها على محاولة التركيز على هذه المجالات، في ظل طموحات تسود مجال السياسة العامة كتلك الواردة في مراجعة تصفير الانبعاثات.
ومع ذلك، شكل نمو الإنتاجية "الكأس المقدسة" بالنسبة إلى عدد من الحكومات، وهو أمر لا طائل منه. وفي الحالات التي أثمرت فيها جهود السياسة العامة لم تحقق أي منها مكاسب قصيرة الأجل.
إن سوناك حريص للغاية على تعزيز الإنتاجية، وقد أجرى دراسة شخصية وثيقة للقضية، لكنه سوف يدرك أيضاً أن هذه الدراسة لا تجرى بين عشية وضحاها في مواجهة التضخم المتزايد.
ومن المرجح أن يكون التأثير في أفقر الأسر في المملكة المتحدة شديداً إلى الحد الذي سيجبر الحكومة على اتخاذ إجراء. ويتمثل السؤال الأصعب في مدى استمرارية نمو الناتج المحلي الإجمالي الضعيف الذي حققته المملكة المتحدة في الأشهر الأخيرة، إذا كان المستهلكون، خصوصاً أولئك الذين أضافوا إلى مدخراتهم أثناء عمليات الإغلاق، قلقين للغاية بشأن الاقتصاد إلى درجة أنه لا يمكنهم الخروج إلى الأسواق وإنفاق المال [المتراكم لديهم].
وسوف تشعر الأسر بالضيق في 2022، لكن قد يكون هناك بعض الطلب المحتجز الذي يمكن الاستفادة منه بعد أن تخف حدة انتشار "أوميكرون". ومن شأن ذلك أن يساعد في تحسين التوقعات بشأن قدرة المستشار على الاقتراض، استناداً إلى قواعده المالية.
ومع ذلك، سيظل لسوناك عدد قليل من الأدوات في مستودع أسلحته إذا لم ينفق المدخرون مدخراتهم في 2022. وسوف يكون من المحزن أيضاً أن تستمر الأجور في الارتفاع، ذلك لأن الشركات قد تضطر إلى خفض عدد الموظفين كي تقدم زيادات في رواتب الموظفين الرئيسيين تتناسب مع التضخم. وقد يؤدي ارتفاع الأجور إلى زيادة تفاقم التضخم.
وعلى الرغم من أن ذلك التضخم المحلي المتعلق بالأجور، يشكل أمراً يستطيع "بنك إنجلترا" معالجته، فإن رفع سعر الفائدة الرئيس يضيف إلى تكاليف اقتراض الشركات والأسر، ما قد يوقف نمو الناتج المحلي الإجمالي.
والواقع أن فرض ضغط قوي ودائم على المداخيل في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة المقبلة، الأمر الذي بدأت بعض توقعات التضخم والناتج المحلي الإجمالي في التلميح إليه، قد يكون مكلفاً للغاية في واقع الأمر. وليس هناك من مثل عن التخفيض [الفعلي في المداخيل] أشد قوة، مما يظهر عند مراجعة المبلغ المتبقي لدى المرء في حسابه المصرفي حينما تحل نهاية الشهر.
© The Independent