Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل قضية نوفاك ديوكوفيتش قومية وسياسية أو مسألة امتيازات؟

لو سمح له بخوض المنافسة سيتحول ديوكوفيتش منارة للصرب، ومعارضي التلقيح وسيستقطب جماهير أخرى وقضاياها أيضاً

المعركة لا تدور رحاها فحسب بين أستراليا وديوكوفيتش (غيتي)

بين فترة وأخرى، يظهر أن مصير فرد واحد قد يكشف النقاب عن التوتر الخفي المستمر بين الرياضة والسياسة. لكن من النادر أن تجتمع كل تلك التناقضات معاً على نحو حاد كما جرى في الأسبوعين الماضيين في مساعي نوفاك ديوكوفيتش للمشاركة في منافسات دورة أستراليا المفتوحة للتنس.

لاعب التنس رقم واحد في العالم، وهو صربي وطني [قومي] وفخور بذلك، كان يأمل ليس فقط بالدفاع عن لقبه في فردي الرجال ولكنه يسعى للحصول على شرف كسر الرقم القياسي كفائز بــ 21 بطولة عالمية، بالتالي ليتحول إلى اللاعب الأكثر نجاحاً على مستوى العالم. هذا الطموح المزدوج أعطى مشاركته في (دورة أستراليا المفتوحة للتنس) بعداً إضافياً. للمسألة أيضاً بعد آخر، فبعمر الـ34 يعتبر ديوكوفيتش معمراً نسبة للاعتبارات الرياضية. فإذا فوت الفرصة الماثلة أمامه في أستراليا، فإن هذه الفرصة لن يمكنه تعويضها مرة أخرى.

كل شيء بدا وكأنه يصب في مصلحة ديوكوفيتش (وأهدافه)، عندما غادر متجهاً إلى ملبورن في أستراليا في الرابع من يناير (كانون الثاني)، وفي حوزته ما كان يبدو أنها تأشيرة دخول صالحة، أصدرت له على أساس "استثناء طبي". من الناحية النظرية، توفر له تلك التاشيرة حق دخول أستراليا بغض النظر عن سجله الخاص بتلقيه اللقاحات أم لا. ولكن الأمور ساءت وبسرعة كبيرة.

حقه في الاستثناء الطبي ــ منح على ما يبدو من قبل منظمي دورة أستراليا للتنس وولاية فكتوريا ــ هذا الحق رفضته سلطات الهجرة الأسترالية الفيدرالية في مطار ملبورن. وقد تم التحفظ عليه في عزلة تامة، ثم نُقل على رغم معارضته إلى فندق مخصص لعزل الوافدين وفق إجراءات كوفيد. بعد أربعة أيام، أفرج عن ديوكوفيتش بعد نجاح عملية استئناف قانونية عكست رأي السلطات الفيدرالية التي اعتبرت أن الاستثناء الطبي ــ  تم إصداره على أساس نتيجة فحص كوفيد جاءت إيجابية في ديسمبر (كانون الأول) ــ وهو لا يمنحه حق دخول البلاد بشكل مضمون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما إن كان سيسمح له بخوض المنافسة فما زال ذلك أمراً غير محسوم قبل أيام على إنطلاق البطولة. لقد تم إدخال اسمه ضمن لائحة المشاركين وتوزيع المباريات يوم الخميس ــ لكن السحب [على أسماء من سيلعب بمواجهة من] تم تأخيره على ما يبدو لأسباب لا تتعلق بديوكوفيتش. لكن ومن جديد قام وزير الهجرة الأسترالي أليكس هوكي Alex Hawke، بإلغاء تأشيرة اللاعب ــ مجدداً.

ويتوقع أن يتصدى فريق دفاع ديوكوفيتش للقرار الجديد في المحكمة، ولكن وكما يبدو الموقف، فإن اللاعب الصربي يواجه إمكانية ترحيله من أستراليا. وهذا ما أدى إلى الصدام العظيم بين كل من الحكومة الأسترالية ومنظمي دورة التنس واللاعب الصربي العنيد والطموح، وإجراءات مواجهة كوفيد القاسية المتبعة في تلك البلاد. 

ومن خلال الأخذ والرد الجاري يمكننا ملاحظة عالمين متوازيين (يحكمان القضية): عالم النخبة الذين يجوبون كوكب الأرض من دون توقف على متن طائراتهم الخاصة ومراكبهم الفاخرة، وإلى حد كبير غير عابئين بما يفرضه فيروس كوفيد من إجراءات ورسميات، ثم هناك العالم الآخر. فإلى أي درجة نجحت هذه النخبة الصغيرة بالاستمتاع بحرية السفر والتنقل بواسطة الاستثناءات على أنواعها، وهو ما كان أمراً مستتراً ومحمياً وراء الأبواب المغلقة.  

كانت هناك دول مثل المملكة المتحدة، حيث لم تكن هناك حاجة ولمدة طويلة لمثل هذه الشروط، لأن حدود البلاد بقيت مفتوحة. لكن حادثاً وقع في أيام الجائحة الأولى عندما ردت سلطات مدينة مرسيليا الفرنسية طائرة خاصة قادمة من بريطانيا، أظهر القدرات الحكومية لو شاءت أداء دورها (أي عدم منح أي استثناء).

ولا بد من التذكير هنا، أنه حتى في الظروف الطبيعية، لطالما تنقل كبار الرياضيين، مثل نجوم الموسيقى وغيرهم بطرق خاصة تختلف عن طريقة سفرنا [نحن من عامة البشر]. فهم يوظفون أخصائيين يزيلون عنهم عناء المنغصات اليومية الصغيرة التي ترافق هذه السفريات مما يسمح للنجوم بالتركيز من دون عوائق على ما من شأنه زيادة تفوقهم. 

وهذا أمر تضاعفت أهميته خلال زمن كوفيد. فعندما سافرت خلال الفترات التي رفعت فيها القيود بعض الشيء عن حركة التنقل الدولي خلال العامين الماضيين، تطلب الأمر دراسة كم هائل من الشروط والإجراءات التي تتغير باستمرار، إضافة لضرورة التسلح بعدد كبير من الوثائق إما ورقياً أو إلكترونياً.

إذا كانت لدى الحكومة الأسترالية ــ وكما يبدو ــ أي أسئلة عن موثوقية بيانات ديوكوفيتش، فبإمكانه أن يدعي وبصدق أن لا صلة له بها (لم يكن من تولى أمرها)، فأي أخطاء ربما ارتكبها فريق مساعديه.  لكن هذا لن يحول دون ترحيله، على رغم أن ما يقوله قد يتبين أنه صحيح (غير كاذب).

لكن المعركة المفتوحة حالياً لا تقتصر على مواجهة بين ديوكوفيتش ودولة أستراليا. فهي معركة أيضاً بين السلطات المنظمة للعبة التنس في أسترليا الحريصة على مشاركة نجوم اللعبة الكبار في منافساتها، بالإضافة إلى حكومة فيكتوريا المحلية، التي تستضيف دورة التنس ولديها اعتبارات مماثلة تتعلق أيضاً بمكانتها وهيبتها، في مواجهة سلطات البلاد الفيدرالية.

لا يمكنني أن أجد أي دولة فيدرالية لا تحتكر حق منح تأشيرات الدخول إلى البلاد عبر أجهزتها الفيدرالية. وتنحصر تلك السلطات بوزير الهجرة الأسترالي ــ وهو استخدمها في هذه القضية. وإذا هو لم يطبقها فماذا كان ليقال عن سلطات كانبيرا؟

القضية تتخذ بعداً أكثر حساسية لأن حكومة رئيس الوزراء سكوت موريسون Scott Morrison على موعد مع انتخابات جديدة في أبريل (نيسان) المقبل. علماً أنه وعلى مدى العامين الماضيين، شهدت أستراليا تطبيق أقسى الإجراءات في مواجهة انتشار فيروس كوفيد، مقارنة ببقية الدول على رغم أن هذه الإجراءات شهدت مقاومة (اعتراضات) كانت من الأعنف أيضاً.

حتى المهاجرين من أبناء أستراليا لم يسمح لهم في العودة إلى ديارهم، والاستثناءات التي كانت مطبقة في دول كثيرة ــ مثل السماح بالسفر لزيارة قريب على فراش الموت ــ لم يؤخذ بها من ضمن الإجراءات المطبقة في أستراليا. لذا، خلف منح مثل هذا الاستثناء لأحد نجوم لعبة كرة المضرب أثراً سلبياً إلى حد كبير في الرأي العام في أستراليا، ولو سمح له بالمشاركة في الدورة، فإن ذلك كان سيتسبب بمزيد من الاستياء الشعبي.

موقف ديوكوفيتش المعلن المتحفظ عن تناول اللقاحات زاد من صعوبة الموقف. فمهما تكن أسبابها، بدت طبقة النخبة من الرياضيين مترددة في تناول اللقاحات أكثر من غيرها ــ ولاعبو كرة القدم في المملكة المتحدة هم مثال جلي على ذلك. فمعارضون للقاحات على هذا المستوى من الأشخاص البارزين يعتبرون عاملاً غير مساعد للحكومات في كل مكان، فيما هي (الحكومات) تحاول جاهدة إقناع الناس بضرورة التطعيم ليس فقط من أجل سلامتهم الشخصية ولكن أيضاً من أجل الصالح العام. هذه النخبة تثير أيضاً غضب المطعمين (الملقحين) من بين عامة الناس مما يعطي انطباعاً ــ على غرار حفلات مقر عشرة داونينغ ستريت الحكومي البريطاني ــ بازدواج المعايير (والمعاملة): من "لهم" شروط خاصة، وشروط أخرى تنطبق على "العامة".

في النهاية، للقضية أيضاً عامل مؤثر صربي. فكل التطورات التي شهدتها قضية ديوكوفيتش في مواجهته مع السلطات الأسترالية تابعته جماعات ترفع أعلاماً صربية من المقيمين الصرب في أستراليا، والذين يعتبرون نجم التنس [ديوكوفيتش] بطلهم حيث اشتبك هؤلاء مراراً بعناصر الشرطة. والصورة النمطية هذه وربما غير العادلة الملتصقة بالصرب ودولة صربيا ربما لم تصب في مصلحته [ديوكوفيتش] بسبب السمعة المتردية لبلاده عالمياً.  

وربما بعض مما يجري سببه تاريخي ويتعلق بكيفية شن الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش الحرب على كوسوفو في نهاية التسعينيات، وبعض ما يجري يعكس أيضاً ــ ومرة جديدة الصورة النمطية ــ حول كيفية النظر إلى دولة صربيا وتوجهها شرقاً نحو روسيا، فيما الجارة والعدوة كرواتيا تنحاز غرباً وهي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي. بالنسبة لمن لا يعرف، قد ينظر إلى الصرب ــ مرة جديدة عن حق أو باطل ــ بأنهم يكابدون مظلومية ويبدو أن ما يعانيه ديوكوفيتش قد أضاف مظلومية جديدة.

لم يؤد عناد ديوكوفيتش وأحياناً تصرفاته وعباراته الوقحة ــ ومواقف أفراد عائلته العلنية ــ  أي خدمة لهم، مما يترك سؤالاً حقيقياً من دون جواب، حيال المدى الذي طبعت فيه قومية ديوكوفيتش وأيضاً/أو شخصيته، مسيرته المهنية والشخصية. هل كان سيعامل بنفس الطريقة لو كان فرنسياً أو كندياً؟

وهل كان ليلهم هذا الكم من العدوانية في أوساط الرأي العام، وليس فقط في أستراليا، لو كان قد اشتكى بنسبة صخب أقل ضد الفندق حيث تم عزله وحجره؟ أو لنقل، لو قام بالدعوة لاعتماد ظروف عزل أفضل من أجل الجميع، بدلاً من إصراره على أنه كنجم رياضي خارق، كان يستحق معاملة أفضل.

بالطبع، عندما تم احتجازه، كان يمكنه أن يكون أكثر رقياً وأن يختار المسارعة في مغادرة أستراليا (تحديداً كما قالت برحب وسعة السلطات الأسترالية بأن له حرية الرحيل). لكن وبالطبع، لم يكن ذلك ليحدث. فهو لا يريد مجرد خوض المنافسة بمشاركته، ولكنه يود الفوز وتحطيم (تجاوز) الرقم القياسي. فطموحه الكبير نفسه هو ما حمله إلى قمة بطولات لعبة التنس حيث هو اليوم وبالتأكيد ذلك ما طبع مواقف التحدي التي يعتمدها.   

المشكلة اليوم هي أنه لو سمح له حتى بالمشاركة في البطولة، سيكون نوفاك ديوكوفيتش محط أنظار أنصاره من الصرب والمشككين باللقاحات من جهة، وجموع منتقديه على الجهة المقابلة، ما يهدد بمواجهات خطيرة وحقيقية في الشارع بين الجانبين. وفي حال منعه من المشاركة في البطولة، سيشكو نادي المعجبين به من سوء معاملته المجحفة ويعتقدون وإلى الأبد أن بطلهم قد تم حرمانه من مكانته المستحقة في التاريخ جراء التمييز والخروج على القواعد والسياسة والأحكام المسبقة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء