Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذكرى إنجاز اتفاقية "بريكست" لحظة تفكر وإدراك أكثر منها احتفالية

استطلاع للرأي أظهر أن 60 في المئة من الناس يعتقدون أن "بريكست" لا تسير على ما يرام أو سارت بشكل أسوأ مما كانوا يتوقعون

استئناف مفاوضات مرحلة ما بعد بريكست بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة للمرة الأولى هذا العام (رويترز)

عموماً، أنا من محبي مناسبة أعياد الميلاد. لكن، مع "بريكست" السؤال هو بأي ذكرى علينا أن نحتفل؟ في هذا الشهر تحل الذكرى الأولى لاتفاقية التجارة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة TCA، وهي "الصفقة" التي تم التوصل إليها عشية عيد الميلاد في عام 2020.

وفي ديسمبر (كانون الأول) كان يمكننا الاحتفال بالذكرى الثانية لـ"إنجاز اتفاقية "بريكست"" “getting Brexit done” وهذه كانت النتيجة التي لا مفر منها نتيجة انتخابات 2019 العامة البريطانية، والتي أمنت أغلبية برلمانية لاتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة للمؤمنين الحقيقيين بــ""بريكست"" تصادف في هذا الشهر أيضاً ذكرى اليوبيل الماسي الذي يحتفل بانطلاق مسيرة معارضة وطنية انتهت بطريق مسدود، حين بدأت المحادثات لحصول المملكة المتحدة على عضوية المجموعة الاقتصادية الأوروبية قبل ستين عاماً.

هل هذه المناسبة هي ذكرى أم لحظة إدراك (وتفكر في ما جرى تحديداً)؟ فنتائج استطلاع للرأي أجري أخيراً يظهر أن 60 في المئة من الناس يعتقدون أن عملية الخروج من أوروبا المعروفة بــ""بريكست"" قد جرت على نحو سيئ ــ أو جرت بشكل أسوأ مما كانوا يتوقعون ــ ويشارك 42 في المئة ممن أدلوا بأصواتهم لصالح عملية الخروج بهذا التقييم السلبي لعملية "بريكست"، ولكن هذا لا يعكس كل الصورة (فنادراً ما تكتمل الصورة بخصوص مواقف البريطانيين من أوروبا). فسارت على نحو "سيئ" قد تعني شيئاً مختلفاً باختلاف الناس الذين استخدموا كلمة "سيئ" لوصف اتفاقية "بريكست".

لطالما كان الحال في بريطانيا أن دعم فكرة الخروج (أو دعم مبدأ البقاء في أوروبا) قد جاء [تحدّر] من كل البيئات السياسية في المملكة المتحدة، ودعم الناس "بريكست"، أو رفضوها لأهداف ومخاوف مختلفة. وأنا من المتابعين المخضرمين لهذا النقاش في البلاد.

ففي ضفة المؤيدين لأوروبا كان هناك تجمع "أمة واحدة" One Nation المكون من الناخبين المحافظين، ومن الليبراليين ومن حزب العمال والديمقراطيين الاشتراكيين. وفي ضفة المشككين بأوروبا (أي دعاة الخروج) تجمع متمردون من حزب المحافظين مثل إينوك باول Enoch Powell، واشتراكيون مثل توني بن Tony Benn، ومن غُلاة الموالين للتاج البريطاني في ألستر Ulster في إقليم إيرلندا الشمالية، وعلى رأسهم القس إيان بايزلي Reverend Ian Paisley. وإلى يومنا هذا يستمر الائتلاف المؤيد لـ"بريكست" ــ وحتى هؤلاء الذين يعربون عن خيبة أملهم من "بريكست" ــ على الرغم من انقسام رغبات أعضائه التي تختلف من شخص لآخر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

البعض توقع أن تعود عليهم عملية الخروج بفوائد سريعة، مثل توفير رساميل أكبر لصالح "هيئة الصحة الوطنية" NHS، وأكثر من ذلك، أن توفر عملية الخروج فرص عمل بمردود أفضل بعد أن أصبحت الوظائف شاغرة منذ مغادرة العمال البولنديين المملكة المتحدة. البعض آمن أيضاً بفوائد بعيدة الأمد جراء "بريكست"، ونتيحة إعادة تفعيل سياسات بريطانيا الاجتماعية والاقتصادية (ربما بشكل مختلف ومتناقض في بعض الأحيان.). البعض الآخر اعتبر أن مدى تأثير "بريكست" على الاقتصاد أمر ثانوي أمام تحقيق المبادئ الأساسية لـ"بريكست"، لا سيما تلك التي تتعلق بالسيادة، فــ"استرجاع السيطرة" taking back control على الحدود والقوانين البريطانية هو الأهم بالنسبة لهؤلاء.

بالنسبة لمن هم ضمن المجموعة الأخيرة، "بريكست" نجحت في مجرد أن بريطانيا لم تعد عضواً في الاتحاد الأوروبي بغض النظر عن تبعات عملية الخروج، لأنها أعادت بسط ثقتهم وأملهم بأن الحكومة ستنفذ ما صوتوا من أجله... "المسح لآراء مواقف البريطانيين الاجتماعي" British Social Attitudes survey الذي أجراه السير جون كيرتيس John Curtice وآليكس سكولز Alex Scholes أظهر قوة تلك المشاعر بين شرائح المؤيدين للخروج من أوروبا.

لكن ذلك الاستطلاع كان قد أجري قبل الانهيار الأوسع نطاقاً الذي شهدناه أخيراً في الثقة بهذه الحكومة ومصداقيتها. فالتحليل الذي قدمه السير جون (كيرتيس) حول نتائج الاستطلاع تشير إلى أن نسبة المؤيدين للخروج Leavers ممن صوتوا لصالح حزب المحافظين كانت قد بلغت 74 في المئة، لكن تلك النسبة انخفصت إلى 53 في المئة، لكن من غيروا مواقفهم لم يحددوا بعد ولاءاتهم واختياراتهم للمرحلة المقبلة.

على ما يبدو فإن بين أيدينا معطيات جديدة بالأرقام تساعدنا في تقييم أثر "بريكست" على الاقتصاد (البريطاني) على المدى القريب، لكنها أرقام مبدئية وغير مكتملة ويصعب فهم سياقها في ظل تطورات أخرى كثيرة، خصوصاً إجراءات الإغلاق المتعلقة بــ"كوفيد-19"، وصدمة أزمة الطاقة، والاختلالات في سلاسل الإمداد، والتي أثرت في الحركة التجارية.

مركز الإصلاح الأوروبي The Centre for European Reform توسل بأسلوب في البحث يقترح ــ المقارنة بين الأداء الاقتصادي للدول خلال جائحة "كوفيد-19"، وخلص إلى أنه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي سجل الميزان التجاري في المملكة المتحدة تراجعاً في استيراد السلع الأوروبية بلغ 16 في المئة عما كان عليه الوضع السابق لو لم تغادر بريطانيا السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي (الأوروبي).

أرقام مختلفة تتعلق بأداء قطاع الخدمات بين أبريل 2019 وأبريل 2021 تظهر أن صادرات ذلك القطاع قد سجلت تراجعاً بنسبة الضعفين مقارنة بالصادرات إلى الدول خارج الاتحاد الأوروبي ــ كما أبرزت تلك الأرقام تراجعاً مماثلاً في حجم الواردات بنسبة متناسقة.

وبما أن التجارة في قطاع الخدمات تعتمد بشكل خاص على استمرار حرية الحركة البشرية [تنقل الناس] بين الدول، خلفت أثراً مباشراً على هذا القطاع ــ خذ مثلاً قطاع الإبداع (الثقافي والفني)، حيث لم يعد في مقدور الفنانين والعاملين التنقل بحرية خلال جولاتهم الأوروبية European tours. والضربة الأكبر التي قد يتلقاها هذا القطاع (الخدمات) لا تزال متوقعة: ففشل (وزير شؤون "بريكست" المستقيل) اللورد فروست في التفاوض على معادلة يعتد بها للقواعد الناظمة لقطاع الخدمات المالية على المدى البعيد سيسمح للمراكز المالية الأوروبية بالاستحواذ على أجزاء من هذه التجارة البريطانية المربحة.

التداعيات الاقتصادية الكاملة لـ"بريكست" لم تبدأ بالظهور فعلياً بعد. فكثير من الإجراءات الجمركية على الحدود وعمليات الشرطة للتثبت عبر الكشف على البضائع من استيفائها للشروط والمعايير المشتركة والتزامها بقوانين السوق الأوروبية الموحدة لم تدخل حيز التنفيذ بعد. وحتى الآن، لم نرَ أي توجه من قبل المملكة المتحدة للتخلي عن نظام المعايير الأوروبية المعمول به، والذي لا يزال قائماً.

البعض في قطاعات صناعية، مثل قطاع الصناعات الكيماوية، يبدو أنه نجح في التحذير من أن الشركات والمستهلكين سيتكبدون تكاليف غير ضرورية لو أرادت المملكة المتحدة وضع كتاب معايير خاص بها تهدف المملكة من خلاله فقط إلى طباعة علم الاتحاد "يونيون جاك" union jack عليه. أكبر "نجاحات" "بريكست" المسجلة حتى الآن يمكن رصدها في مجال المفاوضات التجارية مع الدول من خارج الاتحاد الأوروبي، حيث اعتمدت على "القطع واللصق" [من كتب معايير أوروبية ومحاكاتها] خلال كتابتها الاتفاقيات الجديدة مع شركائها [الجدد].

وهنا يكمن اللغز، والذي يحير الكثير من دعاة الخروج Brexiteers: إذا كان مفهوم النجاح يعتمد على تفادي ثمن الاختلاف، فلماذا كان علينا مغادرة الاتحاد الأوروبي في الأصل؟

كانت هناك خطوة محددة واحدة تبرهن عن هذا الاستقلال البريطاني الجديد: لا سيما إنفاذ الإجراءات الخاصة بالهجرة المفروضة على العمال الأوروبيين، والتي تقنن عمليات دخولهم إلى بريطانيا عبر نظام هجرة يعتمد على النقاط (مقتبس من النظام المعمول به في أستراليا). ومن عواقب هذا النظام نقص في العمالة تحديداً في مجال توفير السائقين لعمليات النقل البري بالشاحنات. كما أن من المرجح تسجيل نقص في توفير اليد العاملة الموسمية التي تسهم في قطف الفاكهة والورد.  

حين جمع كافة جزئيات هذه الأدلة والقصص، تبدو التقديرات التي نشرها مكتب المسؤولية عن الموازنة البريطانية Office of Budget Responsibility الأقرب للحقيقة حول الثمن الحقيقي الذي تكبده القطاع التجاري [من جراء "بريكست"]: والذي يساوي خسارة دائمة ــ وجرحاً لا يندمل ــ نسبته خسارة نحو 4 في المئة إجمالي الناتج الوطني في بريطانيا GDP.

كل ما سبق يفشل حتى في احتساب الأثر التراكمي للشعور بالضيق على المدى البعيد، والذي سيسود عندما تتوصل الشركات العالمية الكبرى إلى نتيجة هي أن المملكة المتحدة، خارج السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، لم تعد جد مجزية [جذابة] كوجهة للاستثمارات الحرة.

لطالما فهم مؤيدو الخروج Brexiteers والرصينون من بينهم هذه المخاطر، وقاموا بالترويج لنظام اقتصادي جديد يقوم على الانفتاح والمنافسة ويشجع على الأعمال الريادية، لكن ذلك يعارض الغرائز الطبيعية للمؤيدين لـ"بريكست" الآخرين الساعين لتحقيق نظام يعتمد على مبادرة الدولة وتدخل حكومتها.

فغياب استراتيجية متكاملة وواضحة لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي تبدو وكأنها أحد أسباب استقالة اللورد فروست من منصبه على ر أس مفاوضات "بريكست". والسبب الآخر المضمر وغير المعلن وراء هذه الاستقالة تكمن في أنه استنتج غياب الأمل في أن تفضي محاولاته تنقيح بروتوكول إيرلندا الشمالية الذي تولى هو وبوريس جونسون المفاوضة عليه، في اتفاقية "بريكست" من تشريع إقامة حدود ناظمة [تنظم الالتزام بأطر انتقال البضائع] بين بريطانيا وإقليم إيرلندا الشمالية: وهو أمر يهز توزيع التوازن الدقيق للقوى السياسية في [الإقليم] الشمالي.  

المواجهة المستمرة مع الاتحاد الأوروبي ستؤدي إلى مزيد من تسميم العلاقات مع أوروبا. في المقابل، سيقوض ذلك فرص تحقيق التقدم حيال حل قضايا تقنية عالقة كثيرة في علاقات ما بعد بدء تطبيق "بريكست" (في صدارة هذه الأمور التوصل لتفاهم حيال الخدمات المصرفية)، والتي سيصبح تحقيقها أكثر صعوبة. الشروع في حرب تجارية عملياً سيؤدي إلى إلحاق الضرر الكبير بالاقتصادات الضعيفة أصلاً جراء جائحة "كوفيد-19". وبما أن المملكة المتحدة قد أصبحت لاعباً أصغر في المعادلة، ستكون المملكة المتحدة من أكبر الخاسرين. فتعنت المملكة المتحدة يثير غضب إدارة بايدن ويضعف قوة "العلاقات المميزة" [تقليدياً] مع الولايات المتحدة الأميركية.

البديل الذي لا مفر منه هو الاستسلام بخصوص قضايا وضع المعايير التنظيمية الكبرى، والقبول بمبدأ الانجراف الذي لا مفر منه نحو إعادة توحيد الجزيرة الإيرلندية. واللورد فروست لم يرضَ البقاء بمنصبه ليشهد على عملية الاستسلام هذه.

بدلاً من ذلك، صار ذلك الشرف المشكوك فيه [تولي مهمة عسيرة لا تحظى بتأييد] من نصيب وزيرة الخارجية، ليز تروس Liz Truss. فهي من الممكن أن تنجح في قلب كارثة سياسية وتحويلها إلى فرصة. التعاون السياسي والأمني على نطاق واسع مع أوروبا قد تبدد إلى حد كبير بعد أن جرى استثناؤه من اتفاقية التعاون والتجارة في العام الماضي.

رئيسة المفوضية الأوروبية استبعدت عن قصد أي إشارة إلى المملكة المتحدة في سياق كلمتها السنوية التي توجهها إلى الاتحاد الأوروبي، والتي استمرت لساعة كاملة. على الرغم من أن القدرات البريطانية في مجال الدفاع والاستخبارات قد تشكل إضافة أساسية للجهود الأوروبية المشتركة في مجال ردع الدولة الروسية بقيادة الرئيس بوتين مثلاً.

لا ضيم في إظهار قليل من النوايا الحسنة (خلال فترة أعياد نهاية العام)، وإبداء استعداد بريطاني للتعاطي بإيجابية (في مجال القضايا العالقة مع أوروبا) من شأنه أن يسهم كثيراً في إذابة الجليد الذي ألمّ بالعلاقات مع أوروبا. فمن المحتمل كثيراً أن يكون بوريس جونسون مستعداً للإقدام على مثل تلك الخطوة عبر إعادة اختراع نفسه ــ ومن جديد ــ هذه المرة ليظهر بشكل رجل الدولة ــ في الزمن القليل المتبقي له كرئيس للحكومة.

إن المتطرفين من دعاة الخروج سيكونون ببساطة من آخر أصدقائه وقضاياه الذين يضحي بهم بعد انتهاء مدة صلاحيتهم وجدواهم [لتنفيذ مصالحه]. فمن المعقول جداً بالنسبة لجونسون أن يعيد بعث دراسته الثانية التي نشرت لأول مرة في 2016، والتي يروج فيها للجدوى من ضرورة تحقيق علاقات تعاون وطيدة مع أوروبا. وحصول ذلك سيعتمد إلى درجة كبيرة على ما إذا كانت السيدة تروس [وزيرة الخارجية البريطانية] ستقرر مساعدة مديرها [بوريس جونسون] على القيام ببعض الحركات البهلوانية السياسية من أجل الصالح العالم، أو ستنحاز للقوميين العنصريين الطبيعيين [بالفطرة] من نادي العواجيز [المسنين] geriatrics الصغير الذي تتشكل غالبية حزب المحافظين من أعضائه.

وبما أن هؤلاء يمثلون القاعدة الناخبة للزعيم الجديد لحزب المحافظين البريطاني، بالتالي رئيس الحكومة، فإنها ــ ومثل بوريس جونسون في عام 2016 ــ ستجد نفسها بصدد اتخاذ القرار للاختيار بين أن تصبح "زعيمة سياسية بكل معنى الكلمة"، أو أن تختار مجرد إنجاح مشوارها السياسي [وتكليله بمجرد الوصول إلى كرسي السلطة].

© The Independent

المزيد من آراء