Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسباب استعجال الجزائر فتح الخط البحري مع موريتانيا

أبرزها تقليص مدة الشحن واستهداف منطقة غرب أفريقيا ذات الكثافة السكانية العالية

الرئيسان الجزائري والموريتاني يشرفان على توقيع اتفاقيات تعاون بين بلديهما (وكالة الأنباء الجزائرية)

تستعجل الجزائر، حالياً، فتح خط بحري مع موريتانيا، كان الرئيس عبد المجيد تبون قد أمر به، خلال ترؤسه اجتماعاً لمجلس الوزراء في 2 يناير (كانون الثاني) الحالي، الأمر الذي أثار الانتباه، نظراً للاهتمام الذي توليه السلطات الجزائرية لهذا المشروع.

اهتمام لافت

وبعد أقل من أسبوع عن قرار الرئيس الجزائري، بدأت الاستعدادات والتحضيرات، حيث عقد وزير النقل عيسى بكاي، اجتماعاً في هذا الإطار، وأكد ضرورة مراعاة كل الجوانب التنظيمية واللوجيستية، وتخصيص كل الإمكانات المادية والبشرية لإنجاح هذه العملية، نظراً للطلب المسجل من طرف المتعاملين الاقتصاديين الراغبين في ولوج هذه السوق الواعدة.
ودعا الوزير الجزائري إلى العمل بالتنسيق بين كل المؤسسات القطاعية المختصة في مجال النقل، والاعتماد على خبرتها وعلاقاتها لاستقطاب المتعاملين الراغبين في تصدير منتجاتهم إلى موريتانيا ومختلف دول غرب أفريقيا، عن طريق توفير قواعد لوجيستية ووسائل نقل وخدمات في المستوى لضمان الجدوى الاقتصادية والديمومة، ما سيسهم في إرساء ديناميكية اقتصادية بين البلدين، ومع باقي دول الجوار الأفريقي.
وجاء في بيان الرئاسة الجزائرية، عقب اجتماع مجلس الوزراء، أن "رئيس الجمهورية أمر وزير النقل بفتح خط بحري مع الجمهورية الإسلامية الموريتانية في أقرب الآجال"، حيث تندرج هذه التعليمات في سياق تعزيز العلاقات الجزائرية - الموريتانية التي تم تأكيد أهميتها خلال زيارة الدولة التي قام بها نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الجزائر، بدعوة من الرئيس تبون.

ليس استعجالاً

وفي السياق، رفض المؤرخ الموريتاني، علي مروان أبو، اعتبار "تسارع الخطوات استعجالاً، وإنما التوجه المغاربي يملي التكامل، والوقت حان لتتحرك هذه البلدان في سبيل دفع عجلة التكامل الاقتصادي بينها، وبخاصة تلك التي تربطها حدود مشتركة، وتجد لها امتداداً اقتصادياً وتجارياً يشمل حتى غرب أفريقيا"، موضحاً أن "موريتانيا كما وُصِفت قديماً، تشكل همزة وصل بين الشمال والجنوب الأفريقي، كما أن السوق الموريتانية تحتاج إلى انخراط الجزائر في هذا الفضاء لتشكيل ديناميكية تبادل بينها وبين الجوار، وهي قيمة مضافة لا غنى عنها".
واعتبر المؤرخ أبو، أن "العلاقات كانت، ولا تزال، قوية بين الجزائر وموريتانيا، إلا أن العامل الاقتصادي لم يكن نشطاً، وقديماً قيل أن الاحتكاك يولّد النور"، مضيفاً أن "الظروف الاقتصادية في هذه الآونة صعبة بفعل الجائحة، وتنويع الشركاء وتعدد الموارد المتبادلة من دول الشمال ينبغي تكثيفه مع المغرب ومصر لأنهما من الشركاء العرب الذين تتزايد أرقام أعمالهم مع موريتانيا، وبكلمة واحده فإن تعدد المعابر والطرق البحرية التجارية رافد مهم في التنمية الاقليمية"، رافضاً ربط الاستعجال بالتوتر بين الجزائر والمغرب. وقال: "لا رابط بين ذلك وذاك، ما عدا أن زيارة الرئيس الموريتاني إلى الجزائر جاءت أثناء فترة من التوتر بين الأشقاء، ورجاؤنا أن تكون هذه الزيارة أسهمت في التخفيف من حدة الغضب، فالتعامل مع الجزائر لا يلغي التعامل مع المغرب، والعكس".

الظروف الاقتصادية

في سياق متصل، رأى أستاذ القانون الدولي المهتم بشؤون المغرب العربي، الموريتاني سيد أمحمد شماد، أن "الخط البحري تستعجله الظروف الاقتصادية للمنطقة، بخاصة بعد اكتمال أشغال ميناء شرشال في الجزائر"، مشيراً إلى أنه "يمكن القول إن هذا الخط تأخر نسبياً، إذ كان يُفترض افتتاحه منذ عقود". وأضاف أن "السوق الموريتانية أصبحت تُعتبر بوابة غرب أفريقيا، وتشكل مرتكزاً مهماً بالنسبة للشركات العالمية، وعليه فإن الخط يتيح مزيداً من فرص الاستثمار البيني بين البلدَين الشقيقين والجارَين، الجزائر وموريتانيا".
وتابع شماد، أن "الاستعجال الذي أظهرته الجزائر، ربما تمليه وتتداخل فيه المصالح الاقتصادية البينية التي تتمثل في تلبية بعض الحاجيات في السوقين الموريتانية والجزائرية، هذا من جهة، كما قد يتعلق الأمر بالتوجهات السياسية المتقاربة بين البلدين، بخاصة في إطار الاتحاد الأفريقي من جهة ثانية"، مبرزاً أن "التوتر الحاصل بين الجزائر والمغرب يضفي بظلاله على المنطقة ككل، ولكن قد لا يكون هو الدافع الرئيس لمثل قرار كهذا بهذا الحجم من الأهمية الاقتصادية". وشدد على أنه "من المعلوم أن السوق الموريتانية تأثرت بالهزات التي حدثت بخصوص معبر الكركرات في الصحراء الغربية، ما حتّم على صنّاع القرار البحث عن بدائل تكون أقرب وأكثر سلاسة وبعيدةً عن التأثر بالنزاع المحتدم في الصحراء الغربي"، وبطبيعة الحال تكون الجزائر الخيار الأول والأفضل نظراً لثرواتها الزراعية المعتبرة، وكذلك مواردها البترولية التي يمكنها تغطية حاجات السوق الموريتانية في إطار تبادل اقتصادي مُجدٍ وفعّال".


الانفتاح

على الجانب الجزائري، اعتبر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، أن "الاستعجال محاولة الانفتاح الكامل على السوق الموريتانية والأفريقية بشكل عام، نظراً لكثرة الطلب على المنتجات الجزائرية، وبخاصة المواد الغذائية والزراعية، وأيضاً لرفع حجم المبادلات التجارية". وقال إن "العلاقات بين البلدين تشهد حركة واسعة ونشاطاً كبيراً بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الموريتاني إلى الجزائر، والتي أثمرت كثيراً من الاتفاقيات".

أفضلية في السوق

من جهة أخرى، بيّن أستاذ الاقتصاد، أحمد الحيدوسي، أنه "بعد انهيار أسعار النفط في عام 2014، والذي يمثل المورد الرئيس للجزائر من العملة الصعبة، بدأت الحكومة تفكر في بديل للمحروقات، لذلك شاهدنا ارتفاع أصوات الطبقة السياسية والاقتصادية التي تنادي برفع حجم الصادرات خارج المحروقات بالنظر إلى الجغرافيا السياسية والاقتصادية للجزائر. كما أن تقييم الشراكة مع الاتحاد الأوروبي على مدة 15 سنة، كان في صالح الطرف الأوروبي من خلال استيراد أكثر من 300 مليار دولار مقابل تصدير 15 مليار دولار فقط، بالإضافة إلى اتفاقية منطقة التبادل الحر العربية الكبرى، حيث نجد أن صادرات الجزائر قليلة بسبب وجود السوق قرب منتجات دول جنوب شرقي آسيا التي تمتلك قدرات تنافسية هائلة يصعب منافستها، ليبقى الفضاء الأفريقي الذي انضمت إليه الجزائر رسيما في ديسمبر (كانون الأول) 2019".
وعبّر الحيدوسي عن اعتقاده أن "أفضل فضاء يمكن للجزائر أن تلعب فيه دوراً مهماً، هو أفريقيا، وخير دليل على ذلك هو عندما أقرّت الحكومة الجزائرية فتح معبر حدودي مع موريتانيا في عام 2018، ارتفعت الصادرات الجزائرية نحو موريتانيا من مليوني دولار إلى أكثر 53 مليون دولار، وهي مرشحة للارتفاع أكثر باستكمال تعبيد الطريق من تندوف على الحدود الجزائرية نحو مدينة الزورات في موريتانيا بمسافة نحو 800 كيلومتر"، مبرزاً أن "التعجيل بفتح خط بحري مباشر يسهم في منح المنتجات الجزائرية أفضلية في السوق من خلال تقليص مدة الشحن، بعكس ما كانت عليه في السابق مع التوقف في الموانئ الإسبانية أو المغربية، كما تعول الجزائر من خلال هذا الخط على الغرب الأفريقي، أو ما يُعرف بمنطقة الأكواس ذات الكثافة السكانية العالية".