Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تم تأجيل المواجهة بين "حماس" وإسرائيل؟

إيران في قلب ما يجري، وزيارة مستشار الأمن القومي الأميركي رام الله أعادت التنسيق مع الفلسطينيين للواجهة

أقارب الأسير الفلسطيني هشام أبو هواش المحتجز لدى إسرائيل يحتفلون بعد أن أنهى إضرابه عن الطعام (رويترز)

على الرغم من حسم ملف الأسير هشام أبو هواش، والاتفاق عن الإفراج عنه في وقت لاحق والإعلان عن فك إضرابه عن الطعام بعد 141 يوماً، وترحيب حركة "الجهاد" باعتباره من عناصرها بالإعلان الإسرائيلي، إلا أن كل الشواهد المحتملة تشير إلى أن المواجهة قادمة لا محالة، وأن كل ما جرى ومحاولة حركتي "حماس" و"الجهاد" إظهاره على أنه انتصار كبير ما هو إلا "زحزحة" لما هو قادم، وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية للتعامل بهدوء مرحلي حذر ومحسوب، مع  مراقبة تبعات ما يجري، ولكن المؤكد أن ما دار، ويبدو في إطاره الشكلي، قد حسم من تطورات سياسية وأمنية سيظل مستمراً، وفي حالة استنفار لاحتمالات وقوع مواجهة مرتقبة، ولو بالخطأ، بخاصة بعد أن سقطت مروحية إسرائيلية في البحر المتوسط أمام سواحل حيفا أثناء الأزمة، وهي تابعة للجيش الإسرائيلي من نوع "عتليف"  وتم منع النشر في الحادث، ثم سربت الرقابة العسكرية بعض الأنباء تباعاً، وأهم ما تم طرحه هو بدء تحقيق عسكري لن تعلن تفاصيله على الملأ، وقد يتم توظيفه لاحقاً في إطار قواعد الاشتباك المرتقبة مع حركتي "حماس" و"الجهاد".

موقف تصعيدي

جاء التصعيد الأخير، الذي حسم  خلال الساعات الأخيرة بقضية الإعلان عن الإفراج المرحلي للأسير هشام أبو هواش من قبل حركة "حماس" في ملف الأسرى، وعلى الرغم من أن ملف الأسرى ظل ساكناً منذ سنوات، ويفتح دائماً من خلال الحديث عن صفقة تبادل الأسرى المؤجلة، إلا أن وتيرته  تصاعدت بعد إصدار تشريع إسرائيلي يسمح بفرض مزيد من القيود على السجون الإسرائيلية، ويقر بدخول الجيش للتعامل، بل، وفض التظاهرات، في إشارة لعدم قدرة قوات الشرطة الإسرائيلية في حسم هذا الملف، الأمر الذي سيؤدي لمزيد من التعقيدات الأمنية في الفترة المقبلة، إن هذا هو المعلن، ولكن يبدو في خلفية الأحداث أمر آخر مرتبط برغبة حركة "حماس" في حسم ملف صفقة تبادل الأسرى باعتبارها الأهم، وقد أدرجت في تفاصيلها أسرى "سجن جلبوع"، في إشارة رمزية مهمة لما جرى في عملية هروبهم وبما يحمل من دلالات مهمة، كما أعلنت عن مخططها لإتمام الصفقة، والكرة الآن في الملعب الإسرائيلي وليس لـ "حماس"، كما يتصور الأمر، بعد أن وصلت مراحل التنفيذ لحدودها القصوى، وبعد أن تم الاتفاق على الأسماء النهائية، وخلت من اسم مروان البرغوثي وأحمد سعدات.

هدف مصلحي

ويتركز الهدف الرئيس لحركة "حماس" في التعامل مع تبعات أزمة الأسرى عموماً وأزمة الأسير أبو هواش على وجه الخصوص في جملة من الاعتبارات الأخرى، بعضها ما يمكن القول إن وراءه رغبة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة في الظهور، وتمركز صلاحياته في ظل صراع على المواقع في المكتب السياسي وخارجه، وظهور خالد مشعل وقيادات وازنة ومرشحة أن تؤدي دوراً كبيراً في صنع القرار داخل الحركة، ولهذا خرج إسماعيل هنية يربط ملف الأسير أبو هواش بعد إضرابه لمدة طويلة بملفات أخرى، ويؤكد وجود الخيارات والبدائل، ويشير إلى التصنيع المحلي للصواريخ وامتلاك سلاح الردع المتمثل في الصواريخ، وسلاح استراتيجي متمثل بالأنفاق، وسلاح التصدي للدبابات والآليات العسكرية، وتوفير خطة المواجهة مع إسرائيل عبر 70 مليون دولار من إيران والشعوب العربية، وأن الحرب الأخيرة هي بروفة للتحرير، وأن إيران تدعم المقاومة في فلسطين، وأن العلاقات معها ممتدة منذ 30 عاماً، والرسالة مفهومة بأن "حماس" علاقاتها هيكلية مع إيران في الأساس. فما العلاقة بين كل هذا وملف الأسرى؟

ظهور هنية

من الواضح من رسائل إسماعيل هنية أن المواجهة قادمة والاستعداد لها مستمر، لكن الرسالة ليست رسالة ردع بالمعنى العام، ما يوحي أن الخروج للمواجهة سيتم، ولهذا كانت الرسائل التي وراءها إيران لرفع الضغوطات الراهنة في إطار المواجهة الإيرانية- الإسرائيلية غير المباشرة، والتي تحاول إسرائيل تصعيدها والتأكيد على وصول إيران لمرحلة العتبة النووية، وفي المقابل، سعت إيران لإدخال الوكيلين "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في أتون ما سيجري، والمتوقع أن يتمدد إلى "حزب الله" في لبنان و"الحشد الشعبي" في العراق، وهو ما قد ينطبق على التيار الحوثي الذي ما زال يؤدي دوره في هزّ الاستقرار في الخليج العربي في إطار سلسلة من المشاهد التي تعمل من ورائها إيران بالأساس تحت مسميات متعددة ومرتبطة بملفات لا تدعو لكل هذا التصعيد في ظل الاستعداد للمرحلة الثانية من إعمار القطاع، وإعلان القاهرة عن هذا،  فإذا بمصادر من حركة "الجهاد" تزج بدور الوسيط المصري في ملف الأسير الهواش. فما إذأ علاقة القاهرة بما يجري من تطورات شكلية في ملف الأسرى؟

وحتى اللحظة لم يجب أحد من قيادات "حماس" و"الجهاد" على الرغم من توالي التصريحات على لسان بعض المسؤولين في الحركتين.

الحضور الإيراني

ويأتي التصعيد الذي هدأ، وهو تصعيد كان منضبطاً في ظل مخطط كل طرف مع ترحيل المواجهة المباشرة التي يستعد لها الطرفان، بخاصة أنها ستعيد تموضع السياسات داخل الحركة، وقد تؤدي إلى حسم بعض الوقائع لا سيما وأن حالة عدم الاستقرار، على الرغم من النفي المتكرر، داخل الحركة مستمر، وعلى الرغم من إجراء الانتخابات الداخلية، بخاصة أن خطاب حركة "حماس" السياسي والإعلامي يبدو متضارباً ومتناقضاً، وملف الأسرى ضمن ملفات يتم توظيفها جيداً عند الضرورة، مثلما يجري في ملف الدعوة لإجراء الانتخابات للتأكيد على أن الحركة تملك كل البدائل لمحاولة الدخول في المواجهة والإعلان عن قدراتها التسليحية الكبيرة، ومصادر تمويلها، ووضع إيران في جملة مهمة في سياق ما تستقوي به من خيارات، بخاصة أن حركة "حماس" تعلم أن الوسيط المصري يتحرك انطلاقاً من ثوابت في التعامل لا يمكن تجاوزها، وبعد أن أحكم سيطرته علي منطقة الحدود بعد التعديل الذي جرى في البرتوكول الأمني مع إسرائيل، وهو ما تحفظت حركة "حماس" على تفاصيله من دون أن تعلن على الملأ، الأمر الذي قد يؤدي لمزيد من تغيير الوضع الراهن على طول الـ 14 كيلومتراً بين مصر والقطاع، وبعد أن استكملت إسرائيل ترتيباتها الأمنية هي الأخرى مع القطاع خلال الأسابيع الأخيرة، أي أن "حماس" أصبحت في مأزق حقيقي من الجانبين، الأمر الذي سيتطلب بالفعل تحريك المشهد التفاوضي الراهن وتحسين شروطه، وإتمام صفقة تبادل الأسرى وربما الضغط على الجانب المصري لإتمامها من خلال دوره تجاه الجانب الإسرائيلي بالأساس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ظل تقييم لقيادات "حماس" بتحسن العلاقات المصرية- الإسرائيلية بما يسمح بالانتقال إلى الخطة باء في التعامل بين حركة "حماس" وإسرائيل، بخاصة أن الحركة فوجئت بأن الرئيس محمود عباس زار إسرائيل والتقى بوزير الدفاع بيني غانتس في مخطط واضح للسلطة الفلسطينية للاقتراب من الحكومة الإسرائيلية مرحلياً وبصورة تدريجية، وهو ما يخطط له مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الذي طلب من الرئيس محمود عباس الاستمرار في هذا النهج لحين بدء الاتصالات السياسية عقب ترتيب الأجواء داخل الائتلاف الحكومي، بالتالي، فإن حركة "حماس" تتخوف من إعادة تعويم دور السلطة إسرائيلياً وأميركياً، وهو ما سيؤثر في دور الحركة في التعامل، ويعيد التأكيد على مشروعية السلطة وتحركاتها الراهنة، بالتالي، فإن الذهاب إلى مواجهة محسوبة قادمة، وإتمام المؤجل سيكون علي رأس الأولويات بصرف النظر عن توقيت الدخول في مواجهة  تستهدف تحريك المشهد الراهن.

موقف إسرائيل

لا تزال إسرائيل تتعامل انطلاقاً من مبدأ أن التهدئة مقابل التهدئة والأمن مقابل الأمن، وعدم إضاعة الوقت في حوارات سياسية، فالحكومة الإسرائيلية تؤكد جدارة استمرارها في الحكم، وأنها تتجاوز مرحلة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وليست لديها الرغبة في التماهي مع طرح حركة "حماس" أو إتمام صفقة تبادل الأسرى في هذا التوقيت، وأن القرار سيصدر عندما يتفق قادة الائتلاف وليس فقط شريكا الائتلاف نفتالي بينيت ويائير لبيد، وهذا هو الأهم، ومن ثم فإن الحكومة الإسرائيلية ستمضي في التعامل مع السلطة الفلسطينية، وستستمر في التنسيق الأمني والاستراتيجي، ولن تتوقف.

كما ستكون عين إسرائيل الراهنة ليس على القطاع، وإنما على الوكلاء الآخرين الذين يتحركون بدعم وتوجيه إيران، وهنا مكمن الخطورة السياسية والاستراتيجية، بخاصة أن إسرائيل تريد تنحية، أو على الأقل تحييد الموقف الراهن لمواقف هؤلاء الأطراف، لا سيما أن الرهانات الإسرائيلية بأن المواجهة الفعلية مع إيران بدأت بالفعل، ولن يكون هناك تراجع سواء باستمرار الأعمال التخريبية التي تستهدف المنشآت النووية، أو توجيه ضربة تكتيكية لتحريك المشهد التفاوضي لصالح إدارة الرئيس جو بايدن. بالتالي، فإن رؤية الحكومة الإسرائيلية تجاه التعامل مع حركة "حماس" يمتد إلى الوكلاء الآخرين مثل حركة "الجهاد الفلسطيني" و"حزب الله".

ومن المتوقع أن تستمر الحكومة الإسرائيلية في محاصرة حركة "حماس"، ولن تمنحها المزيد من الفرص للمناورة، أو العمل أو إعادة التفاوض كما تتوهم الحركة، لا سيما أن توجهها في الإقليم لم يعد بالصورة السابقة سواء تجاه الأردن وسوريا على الرغم من محاولات المكتب السياسي لحركة "حماس" استعادة دفء العلاقات مع سوريا والأردن، كما أن إعادة تمركز خياراتها تجاه تركيا وقطر ومصر مرتبط بتغيير استراتيجية التحرك، والتعامل، وباعتبار أن "حماس" حركة "نفعية"، فإنها تعمل على خيارات متعددة، وفي القلب مصالحها الكبرى في إطار استراتيجية واقعية تتجاوز الأيديولوجيات عكس ما هو شائع ومتردد، وهو ما برز في مواقفها التي تغيرت في وثيقتها وميثاقها تجاه إقامة الدولة الفلسطينية، وقبولها فعلياً بحدود الخامس من يونيو (حزيران) 1967.

تدرك، إذاً، الحكومة الإسرائيلية أن أي مواجهة مرتقبة تعد لها "حماس" ستكون مدفوعة بخيارات محددة تتجاوز إتمام صفقة تبادل الأسرى، أو إعادة تعريف الحركة في نطاقها، بخاصة أن الحركة تواجه خيارات صعبة ليست في التمويل أو صراع القيادات، وإعادة ترتيب الأولويات، وإنما في الخطوة التالية، وهو ما يعني أن الحركة، وفقاً للمنظور الإسرائيلي، تعاني حالة من عدم وضوح الرؤية أو التصور، بالتالي، فإن أي مواجهة مرتقبة هي مراوحة في المكان نفسه، وفي ظل قناعات الأطراف المعنية بأن "حماس" باتت تمثل إشكالية حقيقية في التعامل، وأنها تضر بالمشهد الفلسطيني العام، ما يتطلب إعادة تدوير سياسات التعامل سواء في المواجهة العسكرية، أو ضبط المشهد بالاستمرار في حالة تثبيت الهدنة والإقرار باستراتيجية الأمر الواقع وإطالة أمد التهدئة.

كما يمكن التأكيد على أن حركة "حماس" معنية كذلك بمواصلة التحرك في مسار التسوية، إلا أنها تبدو مستاءة من وتيرة التقدم في المحادثات التي تجرى عبر الوسيط المصري في محاولة لتثبيت التسوية. ولهذا كان الرد الإسرائيلي الأخير حتمياً لأن ذلك جزء من معادلة الردع، لكن الحكومة الإسرائيلية غير معنية بالتصعيد في هذا التوقيت، لتركيزها على أولويات أخرى وهو ما جعلها تزايد وتسعى لاستثمار قضية الأسير هشام أبو هواش ومحاولة ركوب موجة الانتصار جنباً إلي جنب حركة "الجهاد الإسلامي".

المزيد من تحلیل