Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا اختار هشام عشماوي درنة لتكون ملاذه الأخير؟

نصّب نفسه أميراً لتنظيم "المرابطين" الإرهابي يضع الخطط والتكتيكات لمقاتليه الذين يواجهون الجيش الوطني الليبي بعد أن جاءها فاراً يطلب الأمان

تسلمت السلطات المصرية، قبل يومين، من نظيرتها الليبية الإرهابي المطلوب لديها هشام عشماوي وحارسه الشخصي بهاء أبو المعاطي، بعد زيارة قام بها مدير الاستخبارات المصري اللواء وائل عباس إلى منطقة الرجمة قرب بنغازي، حيث مقر القيادة العامة للجيش الليبي. يأتي ذلك بعد ثمانية أشهر من القبض على عشماوي ورفيقه في مدينة درنة شرق ليبيا، إثر عملية نوعية نفذها الجيش الوطني على وكر إرهابي يتحصن فيه عشماوي ورفاقه في حي المغار القديم بالمدينة، أثناء حربه لتطهيرها من الجماعات الإرهابية التي سيطرت عليها سنوات.

لماذا درنة؟

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا اختار هشام عشماوي "درنة" من دون غيرها من المدن الليبية والعربية، ليتحصن فيها بعد فراره من مصر، ملاحقاً بأحكام وتهم عدة على خلفية ارتكابه "جرائم إرهابية" قائمتها تطول وأهوالها تفزع.

ويقول الصحافي الليبي محمد عرابي "في الحقيقة عندما وصل عشماوي إلى درنة كان فيها كل ما يحتاج إليه إرهابي فار من وجه العدالة، ويبحث عن مكان مناسب لاستئناف وتعزيز نشاطاته المتطرفة، فدرنة كانت إمارة إسلامية حقيقية ممولة بالمال والسلاح، وتلجأ إليها العناصر المتطرفة من كل حدب وصوب".

بيئة خصبة وجاهزة

عندما وصل هشام إلى درنة "وجد بيئة خصبة لممارسة نشاطه الإرهابي، فالعناصر الإرهابية تحيط به وتحميه، والسلاح متوافر والمدينة تحت سيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة بالكامل، والمشاهد اليومية في درنة هي تماماً ما يفضل هشام التعايش معه وفيه، فالاغتيالات لعناصر الجيش والشرطة تتكرر بشكل يومي، والتفجيرات بالمفخخات هي ما اعتاد عليه أهل المدينة منذ سنوات، والنفوس تزهق والرؤوس تتدحرج من على أكف حامليها بذريعة التكفير".

كانت درنة المدينة الجميلة التي تتوسط جبل وبحر وشلال، وعند وصول هشام كانت ترزح تحت قبضة التنظيمات السلفية الجهادية، إذ كانت مقراً لتنظيمات متطرفة شتى، انتشرت فيها معسكرات لتدريب أفراد هذه التنظيمات، وحصلت على المال اللازم لتمويل نشاطاتها، وأنشأ أفراد من "الجماعة الليبية المقاتلة" التابعين للقاعدة، كتيبة "بو سليم" المتطرفة، التي لا تعترف بالجيش والانتخابات ومؤسسات الدولة، كما أنشأ تنظيم "أنصار الشريعة" فرعاً له في المدينة عام 2012.

وفي عام 2014 اندمج التنظيمان، "بو سليم" و"أنصار الشريعة"، في تنظيم واحد أسموه "مجلس شورى مجاهدي درنة"، استخدم الدين وسيلة لبسط نفوذه، إضافة إلى امتهانه القوة والقمع لإرهاب المدنيين وإخضاعهم، كما مورست عمليات الجلد وقطع الرؤوس على الملأ لإرهاب المدنيين.

ومثل حال جميع التنظيمات الإرهابية، فقد انشق عدد من المسلحين عن مجلس شورى المجاهدين، وبايعوا تنظيم داعش، وسيطروا على مناطق واسعة من المدينة، واصطدمت الميليشيات المقاتلة في ما بينها في أغسطس (آب) 2015، لرفض عناصر القاعدة في درنة مبايعة البغدادي، وانتهى القتال بهزيمة داعش، وبسط تنظيم القاعدة سيطرته على المدينة بالكامل، وهو التنظيم الذي ينتمي إليه هشام وزملاؤه الفارين من العدالة المصرية، حركياً وفكرياً، ما جعل درنة بالنسبة إليهم جنة منشودة وملاذاً لا مثيل له.

القاعدة ودرنة علاقة قديمة

وتُعرف درنة منذ سنوات في ليبيا كونها عاصمة الجماعات الجهادية في البلاد، وبدأت علاقة التنظيمات الراديكالية بالمدينة في تسعينيات القرن الماضي، عن طريق الجماعة الليبية المقاتلة التي يقودها المتشدد الإسلامي المعروف عبد الحكيم بالحاج، التي شكلت شبكات من المتطرفين لها في المدينة سراً، مستغلة طبيعة المدينة الجغرافية والثقافية، المُحاطة بالجبال، ما وفر مواقع خفية لتدريب عناصرها، بعيداً من أعين النظام، وكونها مدينة لها طبيعة روحية وأهمية دينية في ليبيا، بسبب دفن عدد من صحابة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيها عندما دخلوها لفتحها، ما جعلها تسمى بمدينة الصحابة وجعل أهلها عبر العصور يميلون "للتدين والمتدينين"، وهذا جعلهم مادة مستهدفة ومناسبة لنشر الفكر السلفي الجهادي.

واكتشف نظام القذافي حينها هذا النشاط المتطرف، فشن حملة عسكرية عام 1996 هدفت لاستئصال هذه الجماعات من المدينة، وهو ما نجح فيه بعد عام من المناوشات والمطاردة على سفوح الجبال وفي الكهوف المنتشرة قرب المدينة.

ماذا فعل العشماوي في درنة؟

عقب وصوله إلى درنة، نصّب عشماوي نفسه أميراً لتنظيم "المرابطين" الإرهابي، وقال العميد أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي في ذلك الوقت، خلال مؤتمر صحافي "إن ضابطاً مصرياً سابقاً يقود جماعة متشددة في درنة"، من دون أن يكشف عن اسمه، "وصار هشام العشماوي أميراً مُطاعاً في درنة، يعطي الأوامر ويضع الخطط والتكتيكات لمقاتليه الذين يواجهون الجيش الليبي، بعد أن جاءها فاراً يطلب الأمان".

ويقول المتحدث باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري إن "هشام عشماوي كان مسؤولاً عن تدريب جماعات إرهابية في درنة، بدعم من جهات أجنبية تدعم الإرهابيين في ليبيا وتنقلاتهم في المنطقة".

عيون القاهرة على درنة

وجود عشماوي في درنة فتح عيون مصر على المدينة وخطرها على الأمن القومي المصري، واعتبر العميد خالد عكاشة، عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف أن "اهتمام القاهرة، بعملية تحرير درنة، كان نابعاً بالأساس من كونها جزءاً من عملية مكافحة الإرهاب في المنطقة، وتحريرها يحقق قدراً كبيراً من معادلة الأمن محلياً وإقليمياً، ناهيك عن أنه ينظر لدرنة، بأنها الأقرب للحدود المصرية، واستردادها للقوات المسلحة الليبية، سيحقق استقراراً لها ولدول الجوار".

ويرى عكاشة أن "تطهير بؤرة واسعة مثل درنة، تتحصن فيها الجماعات الجهادية، التي تستثمر الانفلات الأمني في ليبيا، كان سيكبح وقتها محاولاتها المستمرة، باتجاه تجميع قواتها، وإعادة تنظيم صفوفها، ومعاودة الهجوم، في الداخل أو الخارج، خصوصاً ونحن نتحدث في خضم فصل جديد، عن المقاتلين العائدين من مناطق عدة حول العالم، والمتجولين في المنطقة، حيث تربطهم صلات تنظيمية وفكرية بالخارج وشبكات من الدعم المختلفة."

وبناء على ما ذكر، تعاونت السلطات المصرية مع الجيش الليبي ودعمته سراً وجهراً لهزيمة التنظيمات المتطرفة في درنة، لما تشكله من خطر على الأمن القومي للبلدين مجتمعين، وهو ما نجح فيه بعد حرب امتدت لعامين كاملين، وتكللت بإسقاط رأس من أخطر وأكبر رؤوس الإرهاب، ليس في ليبيا ومصر فحسب، بل في المنطقة بأسرها، بعد أن كتب فصلاً دموياً من تاريخها بعمليات إرهابية نفذ بعضها وخطط للبعض الآخر.

المزيد من العالم العربي