Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي متناسل الفصول

التكاليف الحقيقية – والمتعاظمة – لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوقع الاتفاق التجاري المرتبط ببريكست، لندن، ديسمبر 2020 (ليون نيل / رويترز)

يبدو من المستغرب الوصول إلى الذكرى الأولى فحسب لأمر يهيمن على الحياة في المملكة المتحدة منذ نصف عقد. فبالنسبة إلى البريطانيين الذين رغبوا في مغادرة الاتحاد الأوروبي، سيبقى تاريخ إحياء الذكرى دائماً 23 يونيو (حزيران): اليوم الذي اختار فيه الناخبون البريطانيون الخروج من طريق استفتاء. فتلك اللحظة كانت حين بدأت المملكة المتحدة في شكل غير رسمي إجراءات الطلاق مع الاتحاد الأوروبي، مطلقة ما أصبح يُعرَف ببريكست. ومع ذلك، لم "يُنجَز" بريكست أخيراً إلا قبل ساعة من منتصف ليل ليلة رأس السنة عام 2020 – أو هكذا زعم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون – وذلك مع انتهاء مرحلة انتقالية استغرقت سنة، وخروج المملكة المتحدة في شكل كامل من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي التابعين للاتحاد الأوروبي. فبعد 45 سنة من عضوية المشروع الأوروبي، غرد البريطانيون خارج السرب وساروا على الدرب بمفردهم.

وبعد سنة، ثمة أدلة متزايدة على أن بريكست أنزل الخسائر بالاقتصاد البريطاني، لكن على الرغم من زعم جونسون، لا يزال كثير من تفاصيل الانفصال بحاجة إلى تحديد، وتظل تكاليفه ومنافعه الحقيقية مجهولة. فالحكومة البريطانية لم تطبق في شكل كامل الاتفاقية الأوروبية البريطانية حول التجارة والتعاون – أي القواعد والشروط التي وافق الطرفان على التفاوض والاتجار وفقها. ومن أسباب ذلك حجب أزمة "كوفيد-19" [نتائج] وزن قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي على المستوى السياسي والأثر الاقتصادي. فمن خلال تأخير التطبيق الكامل للاتفاق، تؤخر المملكة المتحدة التداعيات الخاصة بالترتيبات التجارية الجديدة.

لكن بعض الضرر الاقتصادي اتضح بالفعل. وفق دراسة أجراها جون سبرينغفيلد، وهو باحث اقتصادي في مركز الإصلاح الأوروبي، سجلت تجارة السلع البريطانية في سبتمبر (أيلول) 2021 تراجعاً بنسبة 11.2 في المئة، أو 8.5 مليار جنيه استرليني (11.5 مليار دولار)، عن مستواها المتوقع في حال بقاء المملكة المتحدة في السوق الموحدة والاتحاد الجمركي التابعين للاتحاد الأوروبي. وبدأت المرحلة التالية لبريكست أيضاً في ترك تداعيات سياسية. فهناك إشارات إلى أن التحالف المؤيد لمغادرة الاتحاد الأوروبي، الذي أوصل جونسون في انتخابات كاسحة في ديسمبر (كانون الأول) 2019، قد يكون أقل استقراراً مما افترضه كثر في بداية الأمر.

بدأ العام الماضي بشعور من التفاؤل: لقد أمل كثر بأن يكون عام 2021 فاتحة مرحلة جديدة من العلاقات البريطانية - الأوروبية. تجنبت اتفاقية التجارة والتعاون التي جرى التوصل إليها في ديسمبر 2020 أسوأ السيناريوهات. فالمملكة المتحدة لن يواجهها التعطل السياسي والاقتصادي والدبلوماسي الكبير الذي كان لينجم عن انسحاب "من دون اتفاق" ناظم. واعتقد البعض بأن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع وضع معظم الشروط المستقبلية للتعاون التجاري، قد يستطيعان استخدام هذه الأسس لإعادة بناء علاقاتهما وفق شروط ودية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن فحوى الاتفاق كانت هزيلة ولا يعتد بها. فقد استنتج مكتب مسؤولية الميزانية في المملكة المتحدة أن الترتيب التجاري الجديد بالكاد يتجاوز في بعض الجوانب الشروط الخاصة في أي اتفاقية عادية للتجارة الحرة (بقدر ما توجد اتفاقيات كهذه) [من دون امتيازات تفضيلية] فالحكومة البريطانية رفضت دعم المواءمة مع قواعد الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ستتقلص إلى حد كبير. واقتضى التحول المفاجئ إلى حد ما – من الترتيبات التجارية داخل السوق الموحدة والاتحاد الجمركي الخاصين بالاتحاد الأوروبي إلى الترتيبات الأكثر مرونة التي تنطوي عليها اتفاقية التجارة والتعاون الجديدة – تعديلاً كبيراً في الإجراءات التي يعتمدها المتاجرون بين السوقين. وإلى ذلك، ترتب على توقيع الاتفاق في اللحظة الأخيرة أن الحكومة البريطانية أصدرت بعض التوجيهات للتجار قبل يوم واحد فقط من دخول الترتيبات الجديدة حيز التنفيذ، ما تسبب ببعض الإرباك إذ اضطرت الشركات إلى التعامل بسرعة مع واقع الشروط التجارية الجديدة.

والواقع أن المملكة المتحدة لم تضع بعد السلسلة الكاملة التي تتطلبها الاتفاقية من الضوابط على البضائع التي تدخل البلاد من الاتحاد الأوروبي. وتحذر الحكومة البريطانية الآن التجار من الضوابط الجديدة التي ستُطبَّق على مراحل خلال الأشهر المقبلة، مع احتمال فرض ضوابط معلقة في يوليو (تموز) 2022. وبهذا المعنى، وكما هي الحال في كثير من الأوجه الأخرى، لا يزال بريكست بعيداً عن الإنجاز.

وإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك مجالات واسعة من السياسات لم تُعالَج بعد. فاتفاقية التجارة والتعاون لم تتضمن أي آليات للتنسيق الرسمي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في شأن السياسات الخارجية والأمنية، وبدت الحكومة البريطانية في وقت لاحق مترددة في التعاون مع الاتحاد الأوروبي حتى في غياب آليات رسمية. وهذا أمر غير مستدام، نظراً إلى التحديات التي يواجهها الجانبان من نظام دولي يزداد اضطراباً.

الطفل المشكلة

لعل المسألة الأكثر أهمية التي لم تُحَل في ملحمة بريكست تبقى مسألة إيرلندا الشمالية – أو ما أُطلِق عليه "الطفل العنيد" طوال إجراءات الطلاق الفوضوية هذه. فالمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ملتزمان رسمياً بالتمسك باتفاق الجمعة العظيمة، الذي يضمن السلام في إيرلندا منذ عام 1998. ونظراً إلى الحاجة – التي أجمع عليها الجانبان – إلى تجنب الحدود "الصلبة" [حدود مراقبة تخضع لإجراءات جمركية وغيرها من الإجراءات] حيث ستسيطر نقاط التفتيش المادية [الفعلية] على حركة البضائع والأشخاص بين إيرلندا الشمالية وإيرلندا، كان أمام المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي خياران.

أولاً، كان بوسع المملكة المتحدة ككل أن تظل من ضمن أجزاء من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي الخاصين بالاتحاد الأوروبي، بالتالي تجنب الحاجة إلى فرض ضوابط على الحدود الإيرلندية. وبدلاً من ذلك، وجب فرض ضوابط على السلع التي تدخل إلى السوق الأوروبية الموحدة عبر الحدود بين الشرق والغرب داخل المملكة المتحدة، وعبر الحدود بين بريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية.

وخلال محادثات بريكست، اتفقت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على الخيار الأخير في ما أصبح يُسمَّى ببروتوكول إيرلندا الشمالية، وهو ملحق للاتفاقية الأكبر الخاصة بالانسحاب. لكن بعد وقت قصير من توقيع جونسون البروتوكول، صُوِّر في فيلم وهو يطمئن المصدرين القلقين في إيرلندا الشمالية بأن الحاجة لن تدعو إلى معاملات إضافية لشحن البضائع إلى بقية أنحاء المملكة المتحدة – وهو بيان مضلل في أحسن الأحوال. وفي الأشهر الأخيرة، كثفت الحكومة البريطانية الضغط على الاتحاد الأوروبي، ولم تحاجج فقط بأن بروكسل كانت صارمة أكثر مما ينبغي في شأن الضوابط، بل أيضاً بأن محكمة العدل الأوروبية لم تعد جهة تناط بها الصلاحيات الحاسمة في إنفاذ البروتوكول في إيرلندا الشمالية.

وهكذا، بعد سنة من توقيع اتفاقية التجارة والتعاون، وبعد سنتين من التفاوض على بروتوكول إيرلندا الشمالية، لا يزال الجانبان عالقين في نزاع حول كيفية جعل بريكست يعمل في إيرلندا الشمالية من دون تعطيل التجارة أو السلام المبرم هناك [بوساطة أوروبية]. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الجانبان سيتمكنان من التوصل إلى تسوية مرضية. وفي حال عدم حصول ذلك، يبقى من الممكن أن تستخدم المملكة المتحدة المادة 16، وهي بند طارئ من البروتوكول يسمح لأي من الجانبين بتعليق أجزاء من الاتفاق إذا اعتقد بأن عجلة الترتيبات لا تدور. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى التهديد بالانتقام والانتقام المضاد، الأمر الذي قد ينطوي على فرض رسوم جمركية، ما يقوض حتى الشروط المحدودة نسبياً للترتيبات التجارية الحالية.

اقتصاديات الأزمة

على الرغم من الادعاءات بأن بريكست استُكمِل، لا تزال آثاره السياسية والاقتصادية في طور التحديد لأن قواعد الطريق لا تزال قيد الاختبار. والأكثر من ذلك، نظراً إلى الضرر الاقتصادي الذي أحدثه "كوفيد-19"، أن الأثر الاقتصادي لمغادرة السوق الموحدة والاتحاد الجمركي الأوربيين حجبه فعلياً الأثر الأكبر (في الوقت الراهن) للجائحة. ففي قطاعات الاقتصاد البريطاني كلها تقريباً، يشعر الجمهور بأن الجائحة تسبب ألماً أكثر من بريكست.

ومن المنصف القول إن بعض المدافعين عن بريكست تمكنوا من اكتشاف الجانب الإيجابي لذلك. في "توداي"، البرنامج الإخباري الرئيس لـهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، استخدم وزير المالية المحافظ السابق نورمان لامونت، المؤيد المتحمس لبريكست، استحالة التمييز بين أثر "كوفيد-19"، وأثر بريكست كوسيلة لتجنب السؤال حول ما إذا كان لبريكست أثر سلبي في الاقتصاد البريطاني.

من المؤكد أن آثار بريكست و"كوفيد-19" تعمل جنباً إلى جنب، ما يسبب تراكمات ونواقص في قطاعات متعددة. وأظهرت دراسة حديثة أن من الواضح أن كلاً من "كوفيد-19" وبريكست مسؤول عن بعض المشكلات والعثرات. مثلاً، هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن شح البنزين الذي شهدته البلاد في سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) كان يعود في جزء منه إلى بريكست. ومع ذلك، فإن النقص في سائقي الشاحنات، الذي كانت له آثار في توافر بعض البضائع في المتاجر، على الرغم من تفاقمه بسبب بريكست، مرده كذلك إلى الجائحة.

وعلى الرغم من الخلفية المربكة للجائحة، هناك أسباب وجيهة، كما ذُكِر أعلاه، للاعتقاد بأن بريكست بدأ بالفعل في التأثير سلباً. وعلاوة على ذلك، قدر مكتب مسؤولية الميزانية التابع للحكومة البريطانية الأثر الإجمالي في الأجل المتوسط من مجمل الناتج المحلي البريطاني بنسبة أربعة في المئة، مع تحقق حوالى خُمسَي هذا الأثر بالفعل. وتشير تقديرات أخرى، مثل تلك التي أجرتها مؤسسة "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة" مع مركز الأداء الاقتصادي التابع لكلية لندن للاقتصاد، إلى أن الأثر يتراوح بين 5.8 و7.0 في المئة.

ولن تتوزع هذه التكاليف بالتساوي. فالأدلة المبكرة تشير إلى أن الآثار الأكثر وضوحاً لبريكست ملموسة في المناطق التي أيد فيها معظم الناخبين الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016، وحيث يوجد أكبر عدد من الموظفين ذوي المهارات المنخفضة. بالتالي، لن يقتصر أثر بريكست على التعافي الاقتصادي التالي لـ"كوفيد-19" وعلى الأداء الاقتصادي الوطني بعد ذلك، بل قد يعيق أيضاً محاولات الحكومة البريطانية "تحقيق المساواة" في البلاد، على حد تعبير جونسون، من خلال الحد من التباين في الثروات بين مناطقها الأكثر ثراء وفقراً.

بطبيعة الحال، من الصعب أن نعرف ما إذا كان الناخبون سيلاحظون نمواً افتراضياً في الناتج المحلي الإجمالي لم يختبروه أبداً، أو ما إذا كانوا أكثر ميلاً إلى ملاحظة زيادات ضريبية. فقد أشار الخبير الاقتصادي إيان مولهيرن إلى أن الزيادات الأخيرة في الضرائب – بما في ذلك 29 مليار جنيه من الضرائب الإضافية التي من المتوقع أن تفرضها الحكومة بحلول عام 2025 – لم يكن ثمة حاجة إليها لو بقيت المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة الصافية لبريكست على المالية العامة نحو 30 مليار جنيه سنوياً.

ومع ذلك، لا يبدي ببساطة أي حزب سياسي اهتماماً بإعادة التفاوض على بريكست وفق هذه الشروط. ذلك لأن لا إشارة تُذكَر إلى أن الشعب البريطاني بدأ يغير رأيه في شأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من الإجماع بين الخبراء الاقتصاديين في التيار السائد على أن أثر بريكست سيكون سلبياً بشدة (حتى لو اختلفوا حول حجم هذا الأثر).

في كل من الانتخابات العامة لعام 2019 والانتخابات المحلية لعام 2021، جمع جونسون أولاً ما كان ائتلافاً من مؤيدي مغادرة الاتحاد الأوروبي، ثم حافظ عليه للوصول إلى السلطة ومن ثم تعزيزها. ونال في ديسمبر 2019 دعماً من 75 في المئة من الذين صوتوا لمغادرة الاتحاد الأوروبي. وتحدث سراً عن فكرة مفادها بأن "الإبقاء على بريكست منجزاً" يمكن أن يشكل جزءاً من سعيه إلى إعادة انتخابه. ومن الواضح أن قاعدة من قواعد "فرق تسد" تؤدي دوراً. فبريكست يلاقي ترحيباً في صفوف قاعدته المحافظة، لكنه يقسم المعارضة العمالية التي تحتاج إلى جذب مؤيدي مغادرة الاتحاد الأوروبي إذا قُيِّضت لها أي فرصة لاستعادة السلطة. ولهذا السبب، في منتصف عام 2021، توقع بعض المحللين البريطانيين بثقة أن جونسون سيبقى في السلطة لعقد آخر.

تغير في المجال السياسي؟

لكن في وقت أقرب، برزت دلائل على أن بريكست لم يعد عامل الجذب الانتخابي الذي كان عليه يوماً. يوضح استطلاع حديث أُجرِي لصالح منظمتي، "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة"، درجة من القلق في شأن أثر بريكست: اعتقد 56 في المئة من المشاركين أن بريكست كان له أثر سلبي في إمدادات الأغذية والبضائع، واعتقد 51 في المئة بأنه أثر سلباً في تكاليف المعيشة. ووفق الاستطلاع، يشعر ثلث من صوتوا لمغادرة الاتحاد الأوروبي الآن بأن تكاليف المعيشة تأثرت سلباً ببريكست. وإذا أصبحت هذه المشكلات أكثر حدة، قد تعوض أي أثر حاشد يأمل جونسون في الاستفادة منه من معركة عامة حول بروتوكول إيرلندا الشمالية.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الحقيقة المتمثلة في أن من صوتوا لمغادرة الاتحاد الأوروبي الذين يعتقدون بأن أداء جونسون سيء يفوقون عدداً للمرة الأولى نظراءهم الذين يعتقدون بأنه يبلي بلاء حسناً. فبعد فوزه عام 2019، قال 74 في المئة ممن صوتوا للمغادرة إنه كان يقوم بعمل جيد. ومع انتشار الجائحة، ارتفع هذا العدد في أبريل (نيسان) 2020 إلى 86 في المئة. وانخفض هذا العدد الآن إلى 38 في المئة. لا يدوم الامتنان طويلاً في المجال السياسي.

ومن ناحية أخرى، للمرة الأولى، يبدأ حزب العمال المعارض – مبدئياً – محاولة لاستخدام بريكست كسلاح. فالانقسامات داخل الحزب حول المسألة كانت قد أدت في السابق إلى نهج أكثر حذراً، إذ فضل كير ستارمر، زعيم المعارضة، تجنب الموضوع تماماً بدلاً من المخاطرة بوقوع نزاعات داخلية. لكن في وقت ليس ببعيد، طرح ستارمر شعار "جعل بريكست ينجح". إنها طريقة للتشكيك في كيفية تعامل الحكومة مع بريكست، بدلاً من إلقاء ظلال من الشك على قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي في المقام الأول.

مع مرور الوقت وتراجع الجائحة على ما يُؤمَل، سيكون من الأصعب إلقاء اللوم على الأداء الاقتصادي البريطاني المتعثر المستمر على الإغلاقات وغيرها من القيود المفروضة بسبب "كوفيد-19". بالتالي، من المحتمل أن يكون لحزب العمال بعض النجاح في ربط النتائج الاقتصادية المخيبة للآمال بالاتفاق الذي أبرمه جونسون في شأن بريكست واستمرار عدم اليقين في شأن استقرار الاتفاق.

التقدم

يمكن أن يكون التوقع ممارسة عقيمة، ويصح الأمر أكثر عندما يتعلق الأمر بالمجال السياسي البريطاني المعاصر. فبعد كل شيء، قبل أقل من سنة، وبينما كانت حكومة جونسون تشيد ببرنامجها الناجح لطرح اللقاحات، كان هناك كثير من الحديث عما ينوي رئيس الوزراء القيام به مع السنوات العشر في السلطة التي بدت في انتظاره. لكن الآن، وبينما تطارده قصص فساد، واتهامات بتجاهل مبادئه التوجيهية الخاصة بـ"كوفيد-19"، ونواب متمردين، ومنافسين محتملين وقحين على نحو متزايد، واقتصاد مختل التوازن [به شوائب]، يبدو موقف رئيس الوزراء فجأة غير مستقر إلى حد كبير.

ليس من السهل تمييز ما يعنيه ذلك لجهة مستقبله أو العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن في الوضع الراهن، تشير المؤشرات إلى أن الحكومة البريطانية خففت من نهجها في شأن بروتوكول إيرلندا الشمالية إلى حد ما، وهذا يعني ضمناً أن الحكومة ليست لديها القدرة على إضافة مواجهة صريحة مع الاتحاد الأوروبي إلى قائمتها الطويلة من المشكلات ولا الرغبة في ذلك.

لا يعني أي مما ذُكِر أن التقارب مع الاتحاد الأوروبي وارد. فبريكست حوّل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى متنافسين، مع مسارعة جونسون ووزرائه إلى اقتناص أي إشارات إلى أداء أفضل للمملكة المتحدة باعتبارها دليلاً على منافع بريكست. وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، يبدو أن التردد الملحوظ في الحديث عن التعاون مع الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن التفكير فيه، سيستمر.

وحتى لو حسمت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي خلافاتهما المعلقة في شأن بروتوكول إيرلندا الشمالية، ربما تكون الهدنة الحذرة أفضل السيناريوهات. وما دام المحافظون في السلطة في المملكة المتحدة، ستوفر اتفاقية التجارة والتعاون الموقعة العام الماضي الأساس للعلاقات الثنائية، مع احتمال ضئيل لتعميق التعاون بما يتجاوز الشروط المحدودة إلى حد ما الواردة في الاتفاقية. وقد لا يكون بريكست ورقة رابحة سياسية بالنسبة إلى جونسون: بدلاً من ذلك، قد تبدأ عواقبه، محلياً ودولياً، في مطاردته قريباً.

*أناند مينون مدير مركز "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة" وأستاذ السياسة والشؤون الخارجية الأوروبية في كينغز كولدج لندن.

مترجم عن فورين أفيرز، ديسمبر (كانون الأول) 2021

المزيد من تحلیل