Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يبدو المشهد في السودان بعد استقالة حمدوك؟

الخطوة قد تزيد من تعقيد الأزمة في البلاد منذ إعلان قائد الجيش حالة الطوارئ وفض الشراكة مع المدنيين

متظاهرون سودانيون في الخرطوم خلال احتجاجات 2 يناير 2022 (أ ف ب)

 تباينت رؤية القوى السياسية السودانية حول مآلات استقالة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك من منصبه التي أعلنها الأحد 2 يناير (كانون الثاني)، ما قد يؤدي إلى تعقيد الأزمة المستفحلة منذ إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حالة الطوارئ وفض الشراكة مع المدنيين، والاحتجاجات في الشارع لاستعادة الحكم المدني. 

لكن تتفق غالبية القوى السياسية على أن تجاوز السودان لأزمته الحالية يتطلب احتكام أطراف الصراع إلى الحكمة، والعودة إلى الشراكة السابقة بين المكونين العسكري والمدني بموجب الوثيقة الدستورية التي وقعها الجانبان في 17 أغسطس (أب) 2019 تفادياً للانزلاق نحو اتجاهات لا تحمد عقباها. 

إعادة الثقة 

في هذا السياق، قال نائب رئيس حزب الأمة القومي السوداني ابراهيم الأمين، "في الحقيقة أن استقالة حمدوك كانت متوقعة لأنه لم يتمكن بعد الاتفاق الذي أبرمه مع قائد الجيش غبد الفتاح البرهان في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من ممارسة نشاطه بالصورة التي كانت قبل 25 أكتوبر الماضي، بل إن اتفاق حمدوك - البرهان الثنائي كان بمثابة الطامة الكبرى من ناحية أنه زاد من تعقيدات المشهد السياسي وإضعاف القوة الشعبية التي كانت تمثل سنداً شعبياً وسياسياً له، لذلك أصبح الجو غير مهيئ تماماً للقيام بأي خطوة من شأنها تتيح له العمل ولو بالحد الأدنى". 

وأضاف الأمين "في رأيي أن الاستقالة تتطلب من الجميع التفكير بعمق لمرحلة ما بعدها، وأن لا تكون سبباً في تعقيد المشهد السياسي وتأزمه وشق أطراف الأزمة من المكونين المدني والعسكري، ومن المهم أن نرى عملاً مكثفاً لتوحيد الجبهة الداخلية، وإيجاد معادلة جديدة تستعيد الثقة بين الأطراف المعنية بالحكم في البلاد". مؤكداً أن أي محاولة تسعى لتجاوز قوى الثورة والوثيقة الدستورية لن يكتب لها النجاح والاستمرار واستقرار السودان والوصول إلى التحول الديمقراطي المنشود من كافة أبناء الشعب السوداني. 

"شرعنة الانقلاب"

وفي السياق، أشار الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني نور الدين بابكر إلى أن "استقالة حمدوك تأخرت كثيراً، لأن وجوده في مشهد الحكم بموجب اتفاقه الثنائي مع البرهان ساهم في شرعنة انقلاب الأخير على السلطة الشرعية التي كانت قائمة بموجب شراكة أقرتها الوثيقة الدستورية الموقعة بين المكونين بحضور دولي وإقليمي"، مبيناً أن "الاستقالة ستضعف السلطة الانقلابية بقيادة المكون العسكري وستكشف حقيقته أمام المجتمع الدولي الذي بدأ يفقد ثقته في العسكريين، وتحفز الشارع السوداني لمزيد من الضغوط، بالتالي من المتوقع أن يتجه هذا المكون لتشكيل حكومة عسكرية كاملة".

ورأى بابكر أن "استقالة حمدوك ستكون فرصة لتوحد المكون المدني الذي شهد حالة من التصدع والانشقاق بسبب وجود حمدوك في السلطة بعد الانقلاب، بالتالي أن المعادلة ستكون واضحة بوجود معسكرين هما معسكر الثورة ومعسكر الانقلابيين".

متلازمة الفشل 

وأفاد الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي في السودان كمال عمر، أن "استقالة حمدوك تصب في خانة تعقيد الأزمة السودانية، ويخطئ من يستبشر خيراً بهذه الاستقالة من ناحية أنها ستؤدي إلى انفراج هذه الأزمة، فالمشهد سيكون قاتماً جداً لأن غالبية الشارع السوداني ضد العسكر وأن أي مبادرة لاختيار رئيس وزراء جديد ستقابل بالرفض الشعبي". 

وأشاد عمر، بما حققه حمدوك من إنجازات واضحة ومعلومة للكل، مؤكداً أن ما حدث من إخفاقات في عهده لا يتحملها بتاتاً، بل ناتجة من الواقع السياسي والدستوري المحيط بالمشهد السوداني، فالفشل هو متلازمة سلطة تشريعية وحاضنة سياسية ومحكمة دستورية، فضلاً عن تحكم المكون العسكري بالجانب الاقتصادي. 

انزلاق ومهددات

وكان حمدوك ذكر في خطاب نقله التلفزيون الحكومي "قد قررت أن أرد إليكم أمانتكم، وأعلن استقالتي من منصب رئيس الوزراء، وأفسح المجال أمام أبناء وبنات هذا الوطن المعطاء، لاستكمال قيادة وطننا العزيز للعبور به نحو الدولة الديمقراطية". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "أيها الشعب الكريم إن الحل لهذه المعضلة المستمرة، هو الركون إلى الحوار في مائدة مستديرة تُمثَّل فيها كل فعاليات المجتمع السوداني والدولة... للتوافق على ميثاق وطني، ولرسم خريطة طريق لإكمال التحول المدنيّ الديمقراطي لخلاص الوطن على هدى الوثيقة". 

وتابع "حاولت بقدر استطاعتي أن أجنب بلادنا خطر الانزلاق نحو الكارثة، والآن تمر بلادنا في منعطف خطير قد يهدد بقاءها كلياً، إن لم يتم تداركه".  ومضى قائلاً "في ظل هذا الشتات داخل القوات السياسية، والصراعات العدمية، وعلى رغم كل ما بذلت ليحدث التوافق المنشود والضروري للإيفاء بما وعدنا به المواطن من أمن وسلام وعدالة وحقن للدماء، لكن ذلك لم يحدث". 

واستطرد بالقول، "أريد أن أطلعكم بأنني خلال الأيام الماضية، قد التقيت بكل المكونات الانتقالية من المكون السياسي والعسكري، وشركاء السلام، للشرح والإحاطة، ووضع المسؤولية التاريخية والوطنية أمامهم". 

وأكد رئيس الوزراء المستقيل، أن الأزمة الكبرى في الوطن اليوم، هي أزمة سياسية في المقام الأول، لكنها تتحور تدريجاً لتشمل كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفي طريقها لتصبح أزمة شاملة، مشدداً على أن مشكلة الوطن الكبرى، هيكلية، بين مكوناتنا السياسية والعسكرية، وهي من نوع المشكلات التي تظهر بعد سقوط الأنظمة الشمولية، وما بعد توقف الحروب الأهلية، وهذا التوصيف ينطبق تماماً على الواقع السوداني الماثل والمتفرد. 

احتجاجات مستمرة 

وشهدت مدن العاصمة المثلثة (الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان) يوم الأحد خروج آلاف السودانيين في تظاهرات سارت باتجاه القصر الرئاسي في الخرطوم أطلق عليها "مليونية الشهداء"، متحدين الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الأمن، وسط انقطاع كامل جديد للاتصالات وانتشار كثيف للجنود المسلحين. 

وقتل متظاهران على الأقل كانا يشاركان في تظاهرات بأم درمان الضاحية الشمالية الغربية للخرطوم، بحسب ما أفادت لجنة الأطباء المركزية المناهضة للانقلاب، لافتة إلى أن أحدهما قضى برصاصة في صدره، وأن الثاني تعرض لضربة شديدة في الرأس تسببت بتحطيم جمجمته.

وتعد هذه الاحتجاجات أول مسيرة في العام الجديد، لكنها غير معلنة في الجدول المعد لشهر يناير الحالي، حيث تم تنظيمها "وفاء" للقتلى الخمسة الذين سقطوا في احتجاجات 30 ديسمبر في مدينة أم درمان. 

مسيرات يناير 

وكان المكتب الميداني لتنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم أعلن الجمعة 31 ديسمبر الجدول التصعيدي لاحتجاجات شهر يناير والتي تشمل أيام 6 و12 و17 و24 و30 من هذا الشهر، تحت شعار "لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية مع العسكر"، مؤكداً في بيان له أن التصعيد سيتواصل ولن يتوقف إلا برحيل المكون العسكري من المشهد السياسي وتسليم السلطة للمدنيين. 

وسير الشارع السوداني حتى الآن 13 مسيرة احتجاجية منذ إعلان البرهان في 25 أكتوبر حالة الطوارئ في البلاد وفض الشراكة مع المكون المدني سقط فيها 55 قتيلاً بحسب لجنة أطباء السودان، وذلك اعتراضاً على تلك القرارات التي اعتبرتها قوى سياسية ومدنية انقلاباً عسكرياً مقابل نفي من الجيش.

وفي 21 نوفمبر الماضي، وقع البرهان وحمدوك اتفاقاً سياسياً يتضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفان بالعمل سوياً لاستكمال المسار الديمقراطي، حيث رحبت دول ومنظمات إقليمية ودولية، بينها الأمم المتحدة، بهذا الاتفاق، بينما رفضته قوى سياسية ومدنية سودانية، معتبرة إياه "محاولة لشرعنة الانقلاب".

المزيد من تقارير