Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البولندية "النوبلية" أولغا توكارتشوك تروي اضطرابات عصر التنوير

"كتب يعقوب" رواية أوروبية في 7 أجزاء تحصد نجاحاً مستمراً

الروائية البولندية أولغا توكارتشوك حائزة نوبل (صفحة الكاتبة على فيسبوك)

حازت الرواية التاسعة للكاتبة البولندية الحائزة "نوبل"، أولغا توكارتشوك، "كتب يعقوب" على إعجاب القراء والنقاد بمجرد نشرها عام 2014، وتصدّرت قوائم الأكثر مبيعاً، ووصل توزيعها إلى مئة ألف نسخة. وبحلول عام 2015 فازت بجائزتين من جوائز "نايك"، الأكثر شهرة في بولندا، على مستوى التحكيم والجمهور، وأدرجت في القائمة القصيرة لجائزة أنجليس. وفي عام 2016 منحت الترجمة السويدية لجان هينريك سوهن جائزة دولية من مؤسسة ستوكهولم، كما حصلت الترجمة الفرنسية لمريلا لوران على جائزة جان ميشالسكي للآداب، لكن قرّاء الإنجليزية الذين تعرّفوا على كتابتها في روايتين سابقتين: "انطلق بمحراثك فوق عظام الموتى"، و"الرحلات الجوية"، التي فازت بجائزة "بوكر" الدولية، لم يتسنَّ لهم الاطلاع على هذه البانوراما الواسعة لأوائل عصر التنوير في أوروبا، إلا مع نهاية 2021، وذلك بصدور الترجمة الإنجليزية للكاتبة والناقدة والمترجمة جينيفر كروفت في نوفمبر (تشرين الثاني)، والتي اعتبرت بمثابة عمل بحثي خالص من حيث الأصوات المتعددة والأساليب والمناظر الطبيعية والعوالم النابضة بالحياة.

أشيد بـرواية "كتب يعقوب" فور صدور ترجمتها في بريطانيا. كتب الروائي مارسيل ثيرو، "إنها رواية آسرة وغريبة، يختلف نطاقها عن أعمال الكاتبة السابقة المترجمة إلى الإنجليزية". ومن المقرر أن تصدر نسخة في الولايات المتحدة في 1 فبراير (شباط) 2022.

كتاب الكتب

قسّمت أولغا روايتها الموسوعية إلى سبعة كتب، تبدأ عام 1752 في روهاتين، وتنتهي في عصر الهولوكوست. وتقوم على حادثة حقيقية من القرن الثامن عشر، حين ظهرت حركة دينية على الحدود بين أوكرانيا وبولندا الحالية، صنفت كبدعة من اختراع اليهودي العثماني المدعو يعقوب فرانك، "أسوأ شخصية في تاريخ المسيحية - اليهودية بالكامل"، وفقاً للباحث الإسرائيلي غيرشوم شوليم.

ادّعى فرانك أننا في آخر الزمان، ولا بد من تغيير القيم القديمة تغييراً شاملاً، مشجعاً أتباعه على كسر جميع أنواع التابوهات. ونظراً إلى تأثيره البالغ في عصره، فقد عدّه الكثيرون من تلاميذه معلماً مرسلاً، ودوّنوا رُؤاه وأقواله في كتاب يحمل اسم "كلام الرب". لقد مكّنته كاريزميته الهائلة تلك، من اجتذاب عشرات الآلاف من اليهود إلى "إيمانه بالثالوث"، فخرج عليهم بمزيج انتقائي من اليهودية والمسيحية والإسلام، في نوع من الاستغلال لموقفهم غير المستقر دائماً في بولندا الكاثوليكية، وإمكانية حصولهم على الحقوق المدنية من خلال تعميدهم في الكنيسة، لكن مسار حياته المضطربة التي استمرت 80 عاماً تزامن مع تغييرات سياسية وفلسفية ضخمة في أوروبا.

سبق لتوكارتشوك في "الرحلات الجوية" أن تناولت المفهوم اللاهوتي للتواصل، والقدرة على استشفاف الوحدة الإلهية في الأشياء المتباينة، وهو المنطق الفني نفسه الذي اتبعته في هذه الرواية، غير أنها، بعد بحث مكثف في كتب التاريخ، استغرق منها سبع سنوات كاملة، خرجت برؤية جريئة تتصدى لأكبر المواضيع الفلسفية: مغزى الحياة على الأرض، وطبيعة الدين، وإمكانية التضحية، والتاريخ المشحون والمروع ليهود أوروبا الشرقية. وعلى الرغم من أن يعقوب هو الشخصية المحورية في السرد، فإنه لا يظهر عبر صفحاتها التي تصل إلى نحو 1000 صفحة إلا في ما ندر، بينما تتناوب الحكايات عنه عبر عشرات الرؤى المختلفة لأولئك الذين عرفوه عن كثب.

التوسع العامودي والأفقي

أولغا من هؤلاء الكتاب الذين لا يتحرك الزمن في سردهم في اتجاهه الخطي المرغوم عليه. في "كتب يعقوب" كان بوسعها أن تشظيه تماماً في خليط من المشاهد والأصوات واللوحات والاستقراءات، علاوة على الصور والخرائط من الوثائق المعاصرة.

صوت الرواي العليم هو الصوت المهيمن في الرواية، ويأتي على الصيغة المضارعة ليتحدث عن الأزمات الروحية لشخصياتها: "في هذه اللحظة، أدرك أنطوني كوساكوفسكي أن دمدمة البحر المحتج ليست إلا نوعاً من الرثاء، وأن الطبيعة بأكملها تشارك في طقوس الحداد على هذه الآلهة التي كان العالم في أمسّ الحاجة إليها. ثمّة لا أحد هنا. وكان على كوساكوفسكي أن يأتي إلى هنا كي يدرك هذا".

لكن ضمير المتكلم لا يلبث أن يتخلل السرد بين الحين والآخر، مفسحاً للشخصيات قدراً من الحميمية المعقولة، كما في ذكريات ناحمان، أحد أتباع فرانك، الذي ينتهي به الأمر إلى تجسيد دور يهوذا بالنسبة لمسيحه الجديد. وعلى مدار الحكاية بأكملها، تهيم روح يينت، جدة يعقوب، المحاصرة بين الحياة والموت بسبب تعويذة كاباليستية، لتشهد على التاريخ الدموي الطويل لليهود في بولندا حتى القرن العشرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إنها قصة ملحمية عن حياة فرانك وأتباعه، التي ذهب النقد إلى مقارنتها بـ"فردوس" ميلتون المفقود، و"الحرب والسلام" لتولستوي، لما تحتشد به من تواريخ وأحداث، متنقلة من القرى الجاليكية المليئة بالطين إلى الأديرة اليونانية، ووارسو في القرن الثامن عشر، وبرنو، وفيينا، والمناطق المحيطة الفاخرة لمحكمة هابسبورغ. وهي تخوض في الحجج اللاهوتية الباطنية، والتاريخ الدبلوماسي، والكيمياء، والقبالة، ومعاداة السامية البولندية والجذور الفلسفية للتنوير، كاشفة عن مدى الجهد والمثابرة التي بذلته الكاتبة في بناء مثل هذا العمل البانورامي.

لم تشأ أولغا أن تطرح البطل الرئيس بوصفه مجرد دجال وانتهازي، على الرغم من سيطرته المزعجة على تلاميذه وسلوكه الجنسي الاستغلالي. إنما سمحت له ببعض الكاريزما ومستوى من الصدق، يظهر في افتتانه الحقيقي برحلات أتباعه الروحية والدنيوية، وقد انتهى الأمر ببعضهم إلى جمع ثروات كبيرة ولعب أدوار مهمة في التاريخ الأوروبي. هذه الشخصيات، على مدار الثلاثين عاماً، أو نحو ذلك التي يغطيها الجزء الأكبر من الأحداث، تتقدم في العمر، بينما يخضع العالم من حولهم لتغييرات هائلة.

حين فازت توكارتشوك بجائزة نوبل في الأدب عام 2018، أعربت اللجنة المانحة للجائزة عن تأثرها البالغ بـ"كتب" يعقوب، على الرغم من أن الرواية نفسها استقبلت بمنتهى العداء لدى بعض الدوائر القومية في بولندا. فلم يكن تركيزها على التمييز الكاثوليكي ضد اليهود موضع تقدير الحكومة اليمينية المحافظة التي تتولى السلطة حالياً في وارسو. كما أن الصورة التي ترسمها لأمة شديدة التنوع، مع خليط من الأعراق والحركات الدينية التي عاشت معاً، تتناقض مع الهوية البولندية المتجانسة التي نشأت منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما جعل توكارتشوك هدفاً لحملة كراهية ومضايقات عبر الإنترنت.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة