Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مشاكل سلاسل التوريد المستمرة في العام الجديد؟

الاختناقات لم تنتهِ... والشركات الكبرى تغير استراتيجياتها

أدى توقف الملاحة في قناة السويس لمدة أسبوع إلى خسائر فاقت 10 مليارات دولار للتجارة العالمية (رويترز)

توقعت مجموعة "آي بي سي" الاستشارية الأميركية استمرار مشاكل سلاسل التوريد واختناقاتها حول العالم، في العام الجديد 2022، على الرغم من التحسن الطفيف في بعض جوانبها خلال 2021. وفي تقرير توقعاتها الشهرية ليناير (كانون الثاني) 2022 قدرت أن تبدأ مشاكل سلاسل التوريد في الانفراج في النصف الثاني من العام الجديد.

وعلى الرغم من تأثير اختناقات وأعطال مشاكل التوريد على الصناعات التي تستخدم الرقائق الإلكترونية (الشرائح)، مثل صناعة السيارات والأجهزة الإلكترونية المختلفة، فإن الاقتصاد العالمي برمته لم ينجُ من انعكاسات مشاكل سلاسل التوريد. ولا تقتصر المشكلة على نقص سفن الشحن الكبرى وتوفر حاويات النقل البحري أو الشحن الجوي أيضاً، وإنما تطاول جوانب التجارة العالمية كلها من توفر مساحات التخزين وشبكات التوزيع للسلع والبضائع نتيجة كثير من العراقيل التي تصاعدت منذ بدء وباء "كوفيد-19".

ومما زاد من التأثير السلبي لمشاكل سلاسل التوريد التغير في نمط الحياة في ظل إجراءات مواجهة انتشار فيروس كورونا حول العالم. وهو ما أدى إلى ضغط جديد على بعض نقاط سلاسل التوريد حول العالم، في ظل القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي عموماً لمكافحة الوباء.

وعلى الرغم من التحسن في بعض الجوانب خلال 2021، مع إعادة فتح الاقتصاد وتخفيف القيود على النشاط حتى في مواجهة متحورة "أوميكرون"، فإن الاختناقات لم تنتهِ، بل ربما زادت في جوانب أخرى. وأسهم ذلك بشكل كبير في ارتفاع معدلات التضخم حول العالم بشكل غير مسبوق، إضافة إلى دفع الشركات الكبرى، خصوصاً المتعددة الجنسيات منها، إلى تغيير استراتيجياتها بالكامل.

ما سلاسل التوريد؟

هناك تعريفات عدة لسلاسل التوريد، لكن أبسطها وأكثرها دقة ربما كان تعريف "المعهد المعتمد للتوريد والمشتريات" الذي يوجزها "تشمل سلسلة التوريد كل النشاطات المطلوبة لأي مؤسسة كي تنتج سلعة أو خدمة وتوصلها إلى المستهلك". أي ببساطة كل ما يتطلبه ذلك من شراء المواد الخام أو مكونات السلعة إلى ما تحتاج إليه المصانع للعمل ومستودعات التخزين وشبكة التوزيع وصولاً إلى المستهلك النهائي.

ومنذ تطورت العولمة الاقتصادية بشدة في النصف الثاني من القرن الماضي، لم تعد الشركات حول العالم تركز عملياتها في منطقتها الجغرافية، بل أصبح هدف تقليل الكلفة زيادة الربح هو العامل الرئيس لتحديد سياسة الإنتاج. بالتالي، تجد شركة دنماركية أو سويدية في أوروبا تنتج بعض أنواع بضاعتها في دولة في أميركا اللاتينية ليتم تسويقها في الولايات المتحدة الأميركية.

ليس ذلك فحسب، بل إن الشركات أصبحت تعتمد التوفير بتعاقدات قصيرة الأمد لشراء مدخلات ومكونات إنتاجها من الموردين من أي مكان في العالم أقل سعراً، ولا ترتبط بتعاقدات طويلة الأمد تضمن استدامة التوريد لا يمكن تغييرها في حال وجدت أسعاراً منخفضة لدى مورد آخر في مكان آخر من العالم.

وساعد النمو الهائل في قطاع النقل البحري والجوي في تسهيل نشاط سلاسل التوريد، بما يلبي توجهات الشركات حول العالم في تقليل تكاليف الإنتاج. وتبعاً لتلك السياسات للشركات لم تعد هناك حاجة كبيرة إلى زيادة المستودعات، إذ إنها تنتج أقل كمية من المخزون حسب الطلب المتوقع في المدى القصير. وأصبحت استراتيجية الشركات الكبرى تعتمد نقل عملياتها إلى أماكن قليلة الكلفة من حيث توفر العوامل الرخيصة ومكونات صناعة منتجاتها بأسعار أقل.

ذلك كله جعل من سلاسل التوريد عصب الإنتاج والتجارة في السلع والخدمات حول العالم. وأصبح مدى الاعتماد عليها سبباً في أن أي خلل فيها يكون تأثيره هائلاً حول العالم كله. وكان المثال الصارخ على ذلك جنوح سفينة الشحن العملاقة "إيفر غيفن" في قناة السويس في مصر في مارس (آذار) 2021، وقد أدى ذلك إلى توقف الملاحة التجارية في الممر المائي الاستراتيجي لمدة أسبوع بخسائر فاقت 10 مليارات دولار للتجارة العالمية التي يمر 18 في المئة منها عبر القناة.

الاختناقات والمشاكل

لا تقتصر مشاكل سلاسل التوريد على الاختناقات في خطوط النقل البحري أو تعطل خطوط الشحن الجوي، بل إن سياسات بعض الدول التي تبدأ فيها سلاسل التوريد أو تكون في منتصفها تؤدي إلى ردود فعل في مناطق أخرى من العالم. على سبيل المثال، تنتج شركة "هاينكن" الهولندية 300 نوع من المشروبات توزع في 190 بلداً حول العالم. وبعض تلك الأنواع، الذي يعتبر سوقه الرئيس في الولايات المتحدة، تنتجه في مصانع لها في جامايكا والمكسيك. وضمن إجراءات المكسيك للحد من انتشار وباء كورونا، اعتبرت تلك المشروبات "غير أساسية"، فأوقفت الشركة العمل في مصانعها بما فيها مصنع "هاينكن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالطبع، تظل اختناقات الشحن والنقل عاملاً أساسياً في زيادة الكلفة، ما يدفع الشركات إلى تغيير سياستها لأنه يخفض أرباحها فضلاً عن تغذية التضخم وارتفاع الأسعار للمستهلك النهائي. فمثلاً، يحتاج زوج من الأحذية ينتج في الصين إلى ما بين 28 و52 يوماً لشحنه من شنغهاي إلى لوس أنجليس. بينما كانت مدة الشحن قبل وباء كورونا ما بين 17 و28 أسبوعاً على الأكثر. وأدى ذلك إلى زيادة في سعر زوج الأحذية بقرابة دولارين فقط نتيجة التأخير في الشحن.

هذا التأخير ليس بسبب نقص عدد الحاويات المتاحة مع زيادة الطلب عليها، أو عدم توفر مستودعات للتخزين أو حتى نقص توفر السفن للشحن فحسب، لكن سياسة الصين المتشددة في مواجهة وباء كورونا، والمعروفة بوصف "صفر كوفيد" تؤدي إلى إغلاق مواني الشحن لفترات متباينة في حال ظهور إصابة. وتكون النتيجة تأخر شحن بضائع أو مكونات تصنيع إلى أوروبا وأميركا الشمالية فينخفض إنتاج المصانع. وفي ظل زيادة الطلب وعدم كفاية العرض ترتفع الأسعار.

تعديل استراتيجيات

مع بداية حدة وباء كورونا، نشرت شركة "ماكينزي" للاستشارات مسحاً استطلعت فيه آراء المديرين التنفيذيين في سلاسل التوريد حول العالم. وكانت النتيجة أن 73 في المئة من هؤلاء اشتكوا من أزمة إما في تعطل الشحن وتأخيره أو عدم توفر المواد والمكونات. وتعهدت نسبة 93 في المئة من الشركات بتعديل سياساتها لتقليل تأثير مشاكل سلاسل التوريد في نشاطها.

ذلك التعديل يتضمن استراتيجية "الإنتاج للمحيط"، أي ترك الشركة كل عمليات إنتاجها وتوزيعها في نطاق وجودها الجغرافي، وذلك لخفض تأثير مشاكل سلاسل التوريد واختناقاتها على أعمالها وعائداتها وربحيتها. ويتضمن أيضاً العودة إلى التعاقدات الطويلة الأمد، أي إلى عام أو اثنين، مع الموردين لتقليل مخاطر النقص في مدخلات الإنتاج، وذلك بدلاً من التعاقدات القصيرة الأمد أو الشراء الفوري بأسعار أرخص.

ومن ضمن تعديل الاستراتيجيات العودة إلى إنتاج مخزون كبير باستمرار لمواجهة أي تغيرات في منحنى الطلب. وبالطبع، سيزيد ذلك من الطلب على مساحات المستودعات، التي تقلصت في العقود الأخيرة مع سياسات خفض المخزون.

لكن مسحاً مماثلاً من شركة "ماكينزي"، خلال 2021، بشأن مشاكل سلاسل التوريد، يكشف عن أن 15 في المئة من الشركات التي تعهدت في مسح عام 2020 بتغيير استراتيجياتها هي التي بدأت عمليات إعادة هيكلة لهذا الغرض. لذا، استمرت مشاكل سلاسل التوريد خلال عام 2021، ويتوقع استمرارها وإن بدرجة أقل حدة في العالم الجديد.