بعد يوم من اجتماع وزاري فلسطيني - أردني - مصري في القاهرة "لكسر الجمود في عملية السلام"، جاء لقاء "الفرصة الأخيرة" بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في "محاولة جريئة لفتح مسار سياسي".
ولم يكد حسين الشيخ، رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية الذي يتولى العلاقة مع إسرائيل، يعود من اللقاء الوزاري في القاهرة، حتى رافق عباس إلى منزل غانتس قرب تل أبيب في الزيارة الأولى من نوعها منذ عشرة أعوام.
وكان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي غاب عن اجتماع القاهرة الدوري بين وزراء خارجية فلسطين والأردن ومصر، إضافة إلى رؤساء أجهزة الاستخبارات في تلك الدول، وشارك بدلاً منه حسين الشيخ، ما أثار الاستغراب.
فتح مسار
ورداً على موجة الرفض الشعبية الفلسطينية للقاء عباس - غانتس، شدد الشيخ على أنه "محاولة جدّية وجريئة لفتح مسار سياسي يرتكز على الشرعية الدولية، ويضع حداً للممارسات التصعيدية ضد الشعب الفلسطيني".
ومع أن رام الله تحاول تسويق اللقاء على أنه لكسر جمود العملية السياسية المتوقفة، إلا أن غانتس أشار إلى أن اجتماعه مع عباس ناقش "الإجراءات الاقتصادية والمدنية، وتعميق التنسيق الأمني ومنع الإرهاب والعنف من أجل رفاه الإسرائيليين والفلسطينيين".
ويأتي عدم ذكر غانتس أن الاجتماع تطرق إلى الملف السياسي، في ظل رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت فتح حوار مع السلطة الفلسطينية كونها ترفع قضايا ضد إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية.
ورفض عباس خلال اللقاء، التراجع عن محاكمة إسرائيل في المحكمة الجنائية، ووقف دفع رواتب الأسرى، رابطاً ذلك بحدوث تقدم كبير في عملية السلام.
لا اختراق
وتصرّ تل أبيب على حصر علاقاتها مع رام الله بالتنسيق الأمني، وتحسين الوضعين الحياتي والاقتصادي للفلسطينيين.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إن الحكومة الحالية "لن تشهد اختراقاً سياسياً مع الفلسطينيين".
ويسود اقتناع لدى عباس والإدارة الأميركية بأن الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الذي يقوده بينيت لن يقوم بأي خطوة جدّية لاستئناف عملية سياسية جديدة.
وتعمل إدارة بايدن منذ مجيئها على دفع إسرائيل إلى اتخاذ "إجراءات لبناء الثقة" مع السلطة الفلسطينية عبر تقويتها وتقديم تسهيلات اقتصادية وإنسانية للفلسطينيين.
رفض "حماس" و"الشعبية"
في المقابل، رفضت حركة "حماس" اللقاء، واعتبرته "طعنة في ظهر الانتفاضة الفلسطينية ويُعمّق الانقسام السياسي الفلسطيني ويشجّع بعض الأطراف في المنطقة التي تريد أن تطبّع مع الاحتلال، ويضعف الموقف الفلسطيني الرافض للتطبيع".
ورأت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أن اللقاء بمثابة "إمعان في الوهم والرهان على السراب".
وشدّدت على أنه "يؤكد أن رأس السلطة ما زال يراهن على استجداء المفاوضات سبيلاً وحيداً لحل الصراع، ويستمر في تجاوز القرارات الوطنية بالانفكاك من الاتفاقيات الموقّعة مع الاحتلال ووقف أشكال العلاقة السياسية والأمنية والاقتصادية معه".
وقالت الجبهة إن "مثل هذه اللقاءات تضرب صدقيّة أي تهديدات يطلقها عباس بشأن مستقبل الاتفاقيات والعلاقة مع دولة الكيان".
مواقف إسرائيلية
ومن داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، قال وزير الإسكان زئيف إلكين إنه ما كان ليدعو إلى منزله "شخصاً يدفع رواتب لقتلة الإسرائيليين، ويريد أن يضع ضباطاً كباراً في الجيش الإسرائيلي في السجن في لاهاي، بما في ذلك المضيف نفسه".
وأضاف إلكين أن غانتس لا يمتلك تفويضاً من الحكومة لإجراء مفاوضات سلام، وهو يعرف ذلك".
لكن "حزب ميرتس" اليساري المشارك في الائتلاف الحكومي أشاد باللقاء. واعتبر وزير الصحة الإسرائيلي نيتسان هوروفيتس أن "في تعزيز العلاقات والسعي لحل دبلوماسي، مصلحة عليا لكلا الشعبين".
محاولة "ذكية"
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في "جامعة القدس" عبد المجيد سويلم أن لقاء عباس وغانتس محاولة فلسطينية "ذكية لكسر استراتيجية اليمين الإسرائيلي، وتقريب وزراء في الحكومة الإسرائيلية، وفتح آفاق جدية لعملية السلام"، مضيفاً أن اللقاء "خطوة تكتيكية ضمن الرؤية الفلسطينية لتحقيق السلام وفق قرارات الشرعية الدولية".
ومع أن سويلم أقرّ بالرفض الشعبي للقاء، لكنه شدد على أنه "ليس من الخطأ جسّ نبض بعض مكونات الائتلاف الحكومي الاسرائيلي"، مضيفاً أن توقيتت اللقاء ورفض بينيت الحوار مع عباس أسهما في الرفض الشعبي له".
واستبعد أن يكون اللقاء اقتصر على المسائل الخدمية، مشيراً إلى أنه "أحدث بلبلة بين الإسرائيليين".
تهرب حكومة بينيت
لكن رئيس "معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية" عصام مخول اعتبر أن اللقاء "جري وراء السراب وبيع للوهم"، مبدياً استغرابه من جلوس عباس مع "ذراع الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية".
وأشار إلى أن حكومة بينيت "لا تريد السلام ويرأسها أحد مشجعي الاستيطان في الضفة الغربية"، مضيفاً أن "بينيت يترك لغانتس مساحة للتحرك في القضايا الحياتية للفلسطينيين، بعيداً من الحل السياسي".
وشدد مخول على أن "حصول اللقاء في منزل غانتس قرب تل أبيب دلالة على رفض إسرئيل منحه صفة رسمية، ولكي تتهرب حكومة بينيت منه"، مردفاً أنه "ما كان يجب على عباس بموقعه رئيساً للشعب الفلسطيني أن يهدر كرامة شعبه بهذا اللقاء".