في 21 يوليو (تموز) 2013 هاجم تنظيم داعش "سجن التاجي" و"سجن أبو غريب" في العاصمة بغداد، ضمن "خطّة هدم الأسوار"، التي أعلن عنها أبو بكر البغدادي قبل سنة من تاريخ التنفيذ. حيث وصف ذلك الاقتحام بأنه "الغزوة"، وإن الخطّة انتهت. ولقد نجحت هذه العملية في تهريب نحو 1000 معتقل بتهمة الإرهاب، بينهم ما يزيد على 500 من القياديين في التنظيم. وسرعان ما نشر التنظيم بيانًا جاء في مطلعه: "استجابة لنداء أبي بكر البغدادي أن تُختم خطّة هدم الأسوار التي بدأت قبل عام من اليوم بغزوة نوعيّة بعد التهيئة والتخطيط لأشهر، مستهدفة اثنين من أكبر سجون الحكومة".
وفي 1 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 بمؤتمر لوزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو مع نظيره العراقي هوشيار زيباري، قال: إن "النظام السوري هو الذي سمح لهذه الجماعات بالوجود على الأراضي السورية، وقد التحق بهم عدد من الفارين من سجن أبو غريب في العراق".
إن ماتحدث به أوغلو، قد أيده قول وزير العدل العراقي حسن الشمري في 6 يناير (كانون الثاني) 2014. فقد أشار الشمري إلى: إن رؤوساً كبيرة في الدولة سهلت هروب سجناء تنظيم القاعدة من سجنيَّ "أبو غريب" و"التاجي" في بغداد يوليو الماضي. وإن "الغرض من تسهيل عملية الهروب هذه كانت تقوية النظام السوري من خلال تقوية تنظيم ’داعش‘، وتخويف الولايات المتحدة من أن البديل القادم لنظام بشار الأسد هو ذلك التنظيم".
وتابع الشمري قائلاً: "إن قوات حماية السجنين انسحبت قبيل أقتحام عناصر القاعدة لهما وإطلاق رفاقهم". وأوضح: "إن تسهيل عملية الهروب جاءت قبل إتخاذ الكونغرس الأميركي قراراً بإعطاء التخويل للرئيس الأميركي باراك أوباما بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا في حينه والتي تم الغاؤها لاحقًا".
لقد أثبتت الأحداث، فيما بعد، أن داعش مرتبطة بالنظام السوري، وأن الأخير مرتبط بإيران، لذلك كانت داعش تُعتبر حلقة الوصل في سلسلة المشروع الصفوي الإيراني في المنطقة العربية ليس إلا. فكما تؤدي الميليشيات الطائفية دورها من: "حزب الله" في لبنان، و"قوات الحشد الشعبي" في العراق، و"حركة أنصار الله" في اليمن، فإن داعش كانت تسير على هذا المنوال فحسب.
أمَّا بيان التنظيم الذي وصف الهجوم على السجنين، بأنه "نقض على البوابات الرئيسة والجدران الخارجية للسجنين بموجات من السيارات المفخّخة بلغت 12 سيارة مخخة بمختلف الأحجام". وأنه تم "قطع الطُرق المؤدية لكلا السجنين وهما طريق بغداد – أبي غريب، وطريق بغداد – الموصل بعد القضاء على نقاط التفتيش المنتشرة وإبادة أو تشتيت عناصرها، ترافق ذلك مع استهداف قوات الجيش القريبة من الموقعين يصواريخ غراد ورشقات متتالية من قنابل الهاون، لتبدأ مرحلة الاقتحام عن طريق مجاميع الانغماسيين".
ويشير البيان إلى إن "الاشتباكات استمرت مع حراس السجن وقوات الحماية داخلها وعلى الأبراج وقتل وإصابة من فيها، وتمشيط الأبنية من الداخل مع المفارز التي تحررت داخل السجن، والتي سبق تسليحها بالبنادق والمسدسات والأحزمة الناسفة بعد اختراق المنظومة الأمنية للسجنين في وقت سابق". ويؤكد إنه "تم خلال العملية قتل ما يزيد على 120 وإصابة العشرات من القوات الحكومية المكلفة بحماية السجنين".
فكل ذلك السرد القتالي، كان مجرد استعراض سينمائي هوليودي، لا حقيقة واقعية فيه غير الإثارة الزائفة، والتصادمات البهلوانية الكاذبة. وكان هذا الاستعراض الميداني من إخراج ملالي طهران، وإنتاج نوري المالكي، وتنفيذ عناصر تنظيم داعش.
توسع داعش
في 10 يونيو (حزيران) 2014 دخلت بضع مئات من مقاتلي تنظيم داعش في شرق سوريا إلى محافظة نينوى، وسيطرت على مدينة الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية بعد بغداد، وتمددت إلى محافظات الأنبار وكركوك وديالى وصلاح الدين، وسط انهيار مفاجىء للمنظومات العسكرية والشرطية والأمنية والإدارية! في الثالث عشر من ذلك الشهر أعلن المرجع الشيعي الأعلى في العراق الإيراني علي السيستاني (1930-) "الجهاد الكفائي" لمجابهة الدواعش.
ولقد رد المرجع العراقي العربي آية الله محمود الصرخي الحسني (1964-)، داحضًا فتوى السيستاني، إذ في خطبة الجمعة، أشار الصرخي قائلاً: اقسم بالله العلي العظيم إنني مستعد أن أحمل السلاح وأن أذهب لمقاتلة "داعش" شريطة أن يدلني صاحب الفتوى على مكانهم ولو كانوا 10%. وبما إنهم أختلطوا مع الناس، لذا لا يجوز الإفتاء بالقتل.
ونيجة لذلك، لم يمض على فتوى الصرخي إلا أيامًا قليلة حتى تعرض في 1 يوليو 2014، هو وأتباعه وأنصاره في منطقة "سيف سعد" بمحافظة كربلاء إلى هجوم عسكري بري وجوي عنيف، شنته قوات نوري المالكي "سوات"، بعد أن رخص له السيستاني بفعل ذلك. الهجوم أسفر عن سقوط 150 قتيلاً، واعتقال نحو ألف شخص من مقليدي الصرخي في عدة محافظات، مع مشاهد بربرية وحشية مريعة، حيث تم سحل جثث القتلى جهارًا نهاراً في شوارع كربلاء.
وقامت داعش، على مدى أربع سنوات ما بين (2014-2018)، بارتكاب أبشع الأعمال الإجرامية من قطع الرؤوس والإعدامات الجماعية، والتفنن بعمليات القتل: حرق وغرق وشنق، وسبي النساء والتشريد والتهجير، صورة صفوية بأيدي تكفيرية ذات جذور إخوانية.
وكان أبو بكر البغدادي بكل صلافة يدعو في تسجيلاته الصوتية جميع المسلمين للهجرة إلى "أرض الخلافة"، لأنها "حرب المسلمين ضد الكفار". ولقد وصلت قوة داعش أن سيطرت على نصف مساحة سوريا، وثلث مساحة العراق، أي أكثر من 200.000 كيلومتر مربع، ويزيد عن 15 مليون نسمة، وفيها مناطق زراعية وثروات معدنية من نفط وغاز.
وفي العراق غنمت داعش بسهولة ويُسر أسلحة بمختلف الأحجام والأنواع، وآليات ومدرعات ودبابات، وراجمات صواريخ ومدفعية ثقيلة، وذخائر ومعدات بأعداد هائلة، بعد أن تركتها عمدًا أربع فرق عسكرية، انسحبت من دون قتال بأوآمر من نوري المالكي؛ علاوة على إبقاء 500 مليون دولار في البنك المركزي في الموصل نهبتها داعش. كل ذلك جرى وفق مخطط مرسوم مسبقاً في طهران، وليونة واضحة من الرئيس الأميركي باراك أوباما.
ومن المجازر التي ارتكبتها داعش في بداية وخلال مرحلة خلافتها، نذكر بعضاٍ منها، ففي العراق قتلت 800 جندي في الموصل، وقتلت أيضاً 1700 طالب عسكري في قاعدة بلد الجوية، وفي الصقلاوية قتلت 600 جندي. أمَّا في سوريا، فقتل 2000 جندي في مطار الطبقة، و300 جندي في تدمر، و300 جندي آخر قتلهم داعش في معركة القريتين. علاوة على مذابح عسكرية ومدنية عديدة تمت على أيدي الدواعش، وغالباً مّا يتم تصوير وبث هذه المجازر الشنيعة عبر وسائل الإعلام الداعشية.
ومن بين ما بثه التنظيم في مقاطع الذبح للأجانب، قطع رأس الصحفي الأميركي جيمس فولي بطريقة تقشعر منها الأبدان. ونفس الأمر جرى مع ستيفن سوتلف وديفيد هينز وألن هينينغ وبيتر كاسيغ وغيرهم من الأميركيين والبريطانيين العاملين في الإغاثة أو صحافيين.
إن مسألة قطع الرؤوس، تستمدها داعش من كتاب: "مسائل من فقه الجهاد" الذي وضعه عبد الرحمن العلي المكنى أبو عبد الله المُهاجر، ولقد ذهب إلى إيران مطلع 2002، جراء سقوط دولة طالبان، ثم عاد إلى بلده مصر عند وصول الإخوان للسلطة عام 2011، بعدها أتجه إلى سوريا ملتحقاً بجبهة النصرة، وتم قتله في غارة أميركية، حيث استهدفت سيارته في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 بالقرب من بلدة باتبو في ريف حلب الغربي.
كان أبو عبد الله المُهاجر ضمن شرعيي جبهة النصرة، وهو أحد أهم مُنظّري ومتشددي تنظيم القاعدة، والذي يُشار إلى كتابه: "مسائل من فقه الجهاد" باسم "فقه الدماء" كمرجع شرعي مهم عند الإسلاميين المتطرفين في إباحة إراقة الدماء، إذ يقول: "إن قطع الرؤوس بوحشية أمر مقصود، بل محبب إلى الله ورسوله"!
وكذلك تعتمد داعش على مصدر فقهي آخر في عملية الذبح البشري، وهو كتاب: "إدارة التوحش"، عبارة عن مجموعة من المقالات كتبها محمد خليل الحكايمة المُلقب أبو بكر ناجي، عن تجربة الحرب في أفغانستان (1979-1989).
ويشرح في تلك المقالات، فكر وعقيدة تنظيم القاعدة، ومما يقول فيه: "نحتاج إلى القتل ونحتاج لأن نفعل كما حدث مع بني قريظة، فلا بدَّ من اتباع سياسة الشدة بحيث إذا لم يتم تنفيذ المطالب يتم تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب".
ومن القتل والذبح إلى التخريب والتهديم، حيث دمرت داعش مواقع وأماكن التراث الأثري والتاريخي والثقافي، منها مدينة تدمُر في سوريا، ومدينتا الحضر والنمورد الآشوريتان في العراق. وكذلك طالت أيادي داعش المساجد والكنائس والأديرة والأضرحة. وما صمد بوجه المغول والصفويين، قامت داعش بتدميره، منها تفجير مأذنة الحدباء التاريخية في الموصل، التي كانت شامخة منذ أنشائها عام (565 ه/1170 م)، وغيرها الكثير.
وفي الجانب الاجتماعي، بعد أن أحكمت داعش قبضتها، أجبرت الرجال على إطلاق اللحى، وارتداء السروايل القصيرة، وحظرت عليهم التدخين والنرجيلة وسماع الموسيقى، ومشاهدة التلفاز واستخدام الهواتف المحمولة، وتم إغلاق المقاهي ومحلات الحلاقة. ويُجلد 70 جلدة كلُّ مَنْ يتداول كلمة "داعش"، إذ عليه أن يقول: "الدولة الإسلامية في العراق والشام".
وكذلك أجبرت النساء على ارتداء "الحجاب الشرعي" والنقاب الأسود الثخين عند الخروج. ومنع الفتيات من لبس بناطيل الجينز والكنزة. وعدم مخالطة الرجال والنساء في الأماكن العامة ودوائر العمل. ومنع النساء من الخروج مساءً، أو صعودهن في سيارات الأجرة، إلا مع محرم. وكانت مفارز "الحسبة" تجوب الشوارع والطرقات لرصد المخالفين والمخالفات.
وفي خصوص حجاب المرأة، أصدرت داعش بياناً تقول فيه: "إن الشروط التي فرضت عليها في ملبسها وزينتها لم تكن إلا لسد الفساد الناتج عن التبرج بالزينة وهذا ليس تقييداً لحريتها، بل هو وقاية لها أن تسقط في درك المهانة ووحل الابتذال، وأن تكون مسرحاً لأعين الناظرين". وأضاف البيان: "كل من لم يلتزم بهذه الفريضة وكان مدعاة للفتنة والسفور سيكون تحت طائلة المسائلة والحساب، ومعرضاً للعقوبة التعزيرية المغلظة صوناً للمجتمع المسلم من الأذى وحفظاً لضرورة الدين وسلامته من الفتنة والفساد".
وكانت لدى داعش محاكم وقُضاة وإداريون وموظفون، وسجلات وملفات وعقوبات بحسب الجرم. وكانت أحكامهم وفقاً لمفاهيم الدين، فالزُناة يُرجَمون حتى الموت، والسُراق تقطع أيديهم، واللواط يُرمَون من مكان شاهق، والوشاة يُعدمون رمياً بالرصاص، أمَّا السجناء من المرتدين والروافض الشيعة فتُقطع رؤوسهم.
وتدير داعش إداراتها المحلية بكل ما يتعلق بمرافق الحياة المدنية، مالياً وتجارياً وزراعياً وتعليمياً وصحياً. فعن الجانب التعليمي، تمَّ وضع المناهج التي تتماشى مع تعاليم ومعتقدات داعش، وتعديل مضامين الكُتب الدراسية، فلا صور ولا رسوم، ولا لغة أجنبية. وتم إغلاق كلية الفنون الجميلة، وهدم تماثيل الشعراء والأدباء وغيرهم.
بالنسبة إلى المسيحيين، فقد أجبروا على الاختيار، إمَّا الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو مواجهة الموت. ويقضي دفع الجزية بحسب الوضع المالي للمسيحي، فإذا كان ثرياً، فتبدأ من 13 غراماً من الذهب، وربعها إذا كان فقيراً. كما منعوا من رسم الصليب أو استخدام مكبر الصوت في صلواتهم، وكذلك منعوا من امتلاك أو حمل السلاح، ولا حتى للدفاع عن النفس.