تبدأ الخلافات تنافساً وتنقلب تنافراً، وتلجأ إلى المبررات، والقضية الإثيوبية في نفق أزمة تيغراي تتحول إلى توازن (تباري سلام)، بعد فشل الجبهة في تحقيق هدفها العسكري بدخول العاصمة أديس أبابا، ونجاح الحكومة في صد المخاطر الأمنية وإحساسها بتملك زمام المبادرة.
في هذه الأجواء رفعت الحكومة شعار سلام لخلق ظروف منسجمة مع الواقع في ظل ما حققته، ومن جهتها دعت جبهة تحرير تيغراي إلى رعاية أممية لأي اتفاق سلام محتمل مع الحكومة. طريقان متوازيان... فما معالم المرحلة المقبلة؟
دعوة سلام سابقة
وافق مجلس الوزراء الإثيوبي على تشكيل لجنة للحوار الوطني كمؤسسة مستقلة بشأن إجراء حوار وطني شامل. وتشمل لجنة الحوار النخب السياسية والاجتماعية المتنوعة تجاه القضايا الوطنية الرئيسة، ووفق بيان لمكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أقر المجلس مشروع إعلان إنشاء اللجنة الوطنية للحوار كلجنة معترف بها.
وشهدت جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي عقدت في أغسطس (آب) الماضي لمناقشة الأوضاع في إثيوبيا، دعوات أممية للأطراف المتحاربة لوقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة الحوار. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأطراف المسلحة في إثيوبيا إلى وقف إطلاق النار فوراً وبدء التفاوض.
وربطت الحكومة دعوتها الحالية بوعد سابق إبان إجرائها الانتخابات البرلمانية في يوليو (تموز) الماضي حين وعدت بإطلاق حوار سلام شامل لخلق توافق لمختلف الفعاليات المجتمعية والسياسية، من أجل اتخاذ موقف مشترك نحو القضايا الوطنية الإثيوبية.
وقال آدم فرح، الأمين العام لحزب الازدهار، إن اللجنة التنفيذية للحزب أقرت عملية إجراء الحوار الوطني السياسي الشامل حول مجمل القضايا الوطنية في البلاد، موضحاً أن اللجنة التنفيذية أجرت مناقشات حول القضايا الوطنية الحالية ضمن اجتماعها العادي، وأكدت الحاجة الملحة إلى مشاورات وطنية شاملة في البلاد.
مناخ متباين
الدعوة الحكومية للحوار الوطني الإثيوبي ارتبطت بمناخ الانتخابات السابقة في يوليو الماضي، وحينها لم يصدر من الحكومة أي خطوة جديدة في متابعة دعوتها للحوار، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تجدد الحديث عن الحوار الوطني مرتبطاً هذه المرة بالظروف التي أعقبت نجاح الحكومة في فك الحصار العسكري، الذي كان مفروضاً على العديد من المناطق في أمهرة وعفر، وإزالتها الخطر الذي كان مهدداً العاصمة من قبل جبهة تحرير تيغراي بعد الانتصارات التي حققتها وأجبرت بموجبها الجبهة على التراجع.
ضمن هذه الحيثيات، يرى بعض المراقبين أن دعوة الحوار الوطني، الذي من المفترض أن يحمل سلاماً للساحة الإثيوبية، هو توجه سياسي أكثر من كونه فعلاً ملموساً بشأن السلام المنشود.
لكن رؤى أخرى مناصرة للسلام من وجهة النظر الحكومية تشير إلى أن التأجيل في عملية السلام وما تحمله الدعوة الحكومية ارتبط ببناء أسس ثابتة لسلام تعطي ثماراً واستقراراً حقيقياً للساحة المحلية، إلى جانب مراعاة المتغيرات السياسية والعسكرية الطارئة.
أزمة تصور
وكان وزير الدولة بمكتب الاتصال الحكومي، كبدي ديسيسا، أوضح أن "هناك خلطاً في فهم عملية الحوار الوطني الشامل"، مشيراً إلى أن الحوار الشامل المرتقب سيكون بين كل مكونات وأطياف الشعب الإثيوبي، وليس تفاوضاً مع جبهة تحرير تيغراي. وأضاف "أن عملية الحوار الوطني تهدف إلى ضمان التوافق الوطني بما يتماشى مع تعزيز بناء الأمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تبارٍ مع هذا التوجه، أطلقت جبهة تحرير تيغراي تصوراً لما تراه في مجمل قضية السلام ضمن حيثيات الواقع الذي ينادى بشعاره بعد فشلها في تحقيق نصر عسكري، وعقب تصريحات الحكومة. وأوضحت أنها تشترط لأي سلام مستقبلي مع الحكومة أن يكون برعاية دولية. ودعا المتحدث باسم جبهة تيغراي "إلى بدء مفاوضات جادة مع الحكومة الإثيوبية تحت نظر المجتمع الدولي، من أجل السلام وإعادة بناء تيغراي".
يدل الموقفان على أزمة سلام تضيع معالمه سواء في حيثيات الدعوات المرتبطة بالظروف السياسية، أو التصورات الحقيقية له.
ويفسر المؤرخ الإثيوبي آدم كامل الواقع بقوله "السلام الذي ترفع الحكومة الإثيوبية دعوته هو سلام حقيقي يأتي الآن من منطلق القوة، بعد المتغيرات السياسية والعسكرية التي شهدتها إثيوبيا".
ويضيف "لم يعد الواقع كما كان سابقاً، ولذلك ينبغي النظر للمشهد السياسي وفق تطوراته الحالية، فعلى كل القوى السياسية الآن أن تعمل مجتمعة لتحقيق سلام يقود إلى استقرار، والحكومة الإثيوبية وضمن الواقع الذي حققت فيه العديد من الانتصارات على الجانب العسكري والاقتصادي الذي لم يتأثر، يجب أن تعمل جادة للسلام وتحقيق الاستقرار الاجتماعي بكل أشكاله".
وعما تمثله جبهة تحرير تيغراي من تحدٍّ في قضية السلام، وإهمال الحكومة الدعوة المباشرة لمشاركتها، يوضح كامل "أن الجبهة بعد التغيرات السياسية والعسكرية ليست عنصراً أساسياً، ولذلك فالمقصود بالسلام في كلياته هو مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية في الداخل والخارج وليس الجبهة وحدها".
العرف الإثيوبي
وعن السلام في العرف الإثيوبي، يقول المحلل السياسي زاهد زيدان الهرري "هناك عادات وتقاليد عديدة يتميز بها الشعب الإثيوبي، ومن ضمن هذه العادات (الشمقلينا) أو (البهراوي إرق) بمعنى الدعوات للسلام بين المتخاصمين من الأفراد أو الجماعات أو القبائل أو حتى المجتمعات".
ويضيف "السلام بالنسبة إلى إثيوبيا غاية سامية، ولذلك كانت دعوة وجهود رئيس الوزراء آبي أحمد للسلام بين إثيوبيا وإريتريا، وبين إريتريا وجيبوتي، وبين جيبوتي والصومال، كما كان توسطه سبباً للتوافق بين المكونين المدني والعسكري في السودان".
ويتابع "أما عن دعوات السلام بين الشعوب الإثيوبية فقد دعت حكومة آبي أحمد إلى مثل هذه الدعوات كثيراً في الثلاث سنوات الماضية، ولم تكن هذه الخطوة الأخيرة مرتبطة بالانتصارات التي تحققت في إقليمي عفر وأمهرة. لكن الحكومة تريد ترسيخ السلام بالطريقة التي يؤمن بها كثير من الإثيوبيين وفق خطة مدروسة، ولا تريد أن تكون المسألة عبارة عن قوانين خاصة بالوضع الراهن وتطوراته". ويشير إلى "أن الاستجابة من قبل التيارات السياسية المعارضة لنظام آبي أحمد ستكون كبيرة نسبة إلى صدق الدعوة ونتيجة للضغوط الشعبية عليها".