ينتظر التونسيون في عام 2022 إجراءات موجعة ستزيد من مصاعبهم ومتاعبهم المعيشية التي تدهورت بشكل لافت وسط ارتفاع جنوني لأسعار معظم المنتوجات التي لم تهدأ وتيرتها بالمرة، ومن المنتظر أن تتخذ حكومة نجلاء بودن عبر ما تضمنه مشروع قانون المالية الذي تحصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه جملة من الإجراءات الجديدة في علاقة بميادين عدة، منها بخاصة الترفيع في أسعار المحروقات والكهرباء والاتجاه التدريجي إلى اعتماد الأسعار الحقيقية في تعرفة المحروقات، مع إمكانية رفع مرحلي لأسعار المواد المدعمة للمواد الأساسية.
ولجأت حكومة بودن التي عيّنها الرئيس التونسي قيس سعيد رئيسة للحكومة يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2021 إلى إقرار هكذا إجراءات من أجل التخفيف من حدة المالية العمومية المنخرمة، وإيقاف نزيف المديونية المرتفعة إلى جانب تعبئة موارد مالية إضافية للموازنة الجديدة، لا سيما أن اللجوء إلى الاقتراض الخارجي أضحى تقريباً منعدماً في ظل توقف المحادثات مع صندوق النقد الدولي.
وتعرف تونس أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخها بتسجيل مؤشرات سلبية في العديد من القطاعات الحيوية على غرار الفوسفات والنفط وجذب الاستثمارات الخارجية والصناعة، وتتوقع الحكومة أن تعزز الإجراءات المزمع تطبيقها في العام المقبل إيراداتها بنحو 3.5 مليار دينار (1.22 مليار دولار).
ويتذمر التونسيون منذ أشهر عدة من الغلاء المتواصل لأسعار العديد من المنتوجات الفلاحية الطازجة، وافتعال عدد من الأزمات مع المنتجين والموزعين من أجل الضغط على وزارة التجارة لأجل الترفيع في أسعار عدد من المواد، وبلغت نسبة التضخم عند الاستهلاك، الشهر الماضي 6.4 في المئة.
رفع أسعار الكهرباء والتبغ
وتخطط الحكومة التونسية لرفع أسعار الكهرباء وفرض ضرائب جديدة العام المقبل، بهدف خفض العجز المالي، وفقاً لوثيقة مشروع قانون المالية، إذ تهدف الإجراءات إلى معالجة أزمة قد تحدث في المالية العمومية مع تزايد العجز والديون التي عمقتها أزمة جائحة كورونا، وتنوي الحكومة زيادة الموارد الجبائية بقيمة 1.8 مليار دينار (620 مليون دولار) عبر الزيادة في أسعار التبغ، بما يمكّن من توفير 300 مليون دينار (103.86 مليون دولار) إضافية لخزينة الدولة، وذلك إلى جانب فرض أحكام ضريبية توفر 781 مليون دينار (270.38 مليون دولار) وجمع إيرادات غير ضريبية بقيمة 300 مليون دينار (103.86 مليون دولار)، وتعبئة موارد ضريبية بـ 500 مليون دينار (173.1 مليون دولار) لم يُحدد مصدرها.
زيادة أسعار المحروقات
وطرحت الوثيقة التي حددت الأهداف الاقتصادية للحكومة على الفترة الممتدة بين 2022 و2026، توفير 1.6 مليار دينار (551 مليون دولار) عبر تطبيق خطة الرفع التدريجي للدعم على مواد الطاقة، من خلال الزيادة في أسعار المحروقات والكهرباء والغاز الموجهين للاستهلاك الصناعي والأسري، عبر آلية التعديل الآلي لأسعار المنتجات (ديزل عادي، ديزل عادي وبنزين)، وتتوقع الحكومة توفير 1043 مليون دينار (361.09 مليون دولار) خلال العام المقبل، عبر التعديل الآلي لأسعار المحروقات حتى سبتمبر 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُنتظر أيضاً توفير مبلغ بقيمة 204 ملايين دينار (70.62 مليون دولار) من زيادة تعرفة الكهرباء ذات الجهد العالي والمتوسط المزودة للمصانع والشركات، في وقت سيكون للزيادة في التعرفة المطبقة على الأسر أثر إجمالي قدره 212 مليون دينار (73.39 مليون دولار).
خفض العجز المالي
وتخطط الحكومة التونسية إلى خفض العجز المالي إلى 7.7 في المئة العام المقبل، مقابل 8.3 في المئة (متوقع هذا العام)، بينما تتوقع أن يكون النمو الاقتصادي 2.6 في المئة عام 2022، مقابل 2.8 في المئة العام الحالي، ومن المتوقع أيضاً أن يقفز التضخم إلى 7 في المئة العام المقبل، مقابل توقعات بأن يستقر عند 5.7 في المئة بنهاية 2021.
تونس أمام إرث ثقيل
وفي تعليقه على مقتضيات مشروع قانون المالية للعام المقبل، أقرّ الرئيس التونسي قيس سعيد لدى إشرافه على آخر مجلس وزراء والمصادقة على مشروع مرسوم يتعلّق بقانون المالية لسنة 2022، أنه تم وضع مشروع قانون المالية لسنة 2022 على ما فيه من إكراهات، لا سيّما أن تونس أمام إرث ثقيل لا يمكن تجاوزه إلا بقرارات جريئة لعلّ من أهمها التوزيع العادل للثروة ووضع حد لشبكات الفساد التي تُنهك المالية العمومية وتضرب النمو والاقتصاد، وبيّن رئيس الدولة أنه لم تكن هناك اختيارات كثيرة لإدخال الإصلاحات المطلوبة من الشعب بالنظر إلى الأوضاع المتراكمة، مشدداً على أن هناك قناعة بأن الإصلاح يجب أن يستمر وفق إرادة الشعب صاحب السيادة.
زيادات هامة
وعلّق محسن حسن وزير التجارة الأسبق أنه من المنتظر أن يشهد قانون المالية الجديد لسنة 2022 زيادات هامة في أسعار المحروقات ومعاليم الكهرباء والغاز الطبيعي وفق وثيقة تحصل عليها في علاقة بقانون المالية 2022، وأشار إلى أن هذا الإجراء يعكس توجه الحكومة الحالية الى إقرار مثل هذه الإجراءات في ظل تقلص هامش تحركها بخاصة على مستوى اللجوء إلى التمويل الخارجي، مضيفاً أن الحكومة الحالية ستسعى إلى الترفيع في أسعار المحروقات عبر آلية التعديل الآلي والرفع في نسبته من 3 إلى 5 في المئة، كما ستقرر الحكومة وفق الوزير حسن إقرار زيادة في تعرفة الغاز الطبيعي ما يمكّنها من تعبئة عائدات بقيمة 134 مليون دينار بالنسبة إلى الشركات و350 مليون دولار للأسر، مشيراً إلى التقليص من حجم دعم الطاقة ليصل إلى مستوى 1646 مليون دينار في 2022 .
وثيقة لإرضاء صندوق النقد الدولي
من جانبه، أفاد سليم بسباس الخبير في المسائل الضريبية ووزير المالية الأسبق بأن وثيقة قانون المالية لسنة 2022، تعدّ وثيقة لأجل إرضاء صندوق النقد الدولي، لأن معظم الإشكاليات التي كانت معلقة في التفاوض مع الصندوق تمت الاستجابة لها في هذا المشروع الجديد، وأضاف أنه سيتم الضغط على كتلة الأجور، عبر إجراءات عدة قادرة على تعبئة 1500 مليون دينار (517 مليون دولار) في خزينة الدولة، إضافة إلى إجراء تجميد الأجور الذي سيمكن من تعبئة أكثر من 1000 مليون دينار (344 مليون دولار)، وتحدث بسباس عن إجراءات أخرى تهم تجميد انتدابات الموظفين والتشجيع على المغادرة الطوعية للموظفين العاملين في القطاع العمومي، والذي سيمكن من توفير مداخيل قدرها 500 مليون دينار (172 مليون دولار) لخزينة الدولة.
وأشار إلى أن الأحكام الجديدة في المشروع ستمكّن الحكومة من تعبئة موارد جديدة قدرها 1800 مليون دينار، منها 800 مليون دينار (275 مليون دولار) من موارد جبائية جديدة ناتجة من الترفيع في معلوم الجولان بنسبة 30 في المئة على أصناف السيارات ومعاليم جبائية أخرى. وأوضح، بالمقابل، أن الضرائب الكبرى على غرار الضريبة على الدخل وعلى القيمة المضافة وعلى الشركات لن تشهد أي تغيير، وتابع أنه على الرغم من الاقتصاد في النفقات وتعبئة موارد جديدة بقيمة تعادل 5000 دينار (1724 مليون دولار)، إلا أن هناك حاجة لتعبئة موارد خارجية والاقتراض بحوالى 23 مليار دينار (7.9 مليار دولار)، والذي اعتبره رقماً قياسياً.
إجراءات للتقليص من العجز التجاري
ومن ضمن الإجراءات المقترحة في مشروع قانون المالية، للعام المقبل، التقليص من عجز الميزان التجاري وترشيد الواردات وتعبئة موارد إضافية لفائدة ميزانية الدولة بالترفيع في المعاليم الديوانية المستوجبة على قائمة من المنتوجات الاستهلاكية غير الأساسية.
يشار في هذا الصدد إلى أن وزارة التجارة تعتزم الترفيع في المعاليم الديوانية على حوالى 1500 منتوج الأمر الذي رفضته منظمة الأعراف لكونه يمسّ مباشرة بحركة الاستثمار والتصدير بعدد من المؤسسات التونسية.
ويقترح المشروع أيضاً الترفيع في المبلغ السنوي المستوجب على تعاطي تجارة المشروبات الكحولية المعدة للحمل، وسيقع تفعيل التشريع الجاري به العمل المتعلق باسترجاع الجولة للأموال الممسوكة من طرف البنوك والديوان الوطني للبريد ومؤسسات التأمين والراجعة لحرفائها، بإلزام هذه المؤسسات بتحويل، لفائدة الدولة، الأموال المذكورة التي شملها التقادم أو التي لم يطالب بها مستحقوها لمدة تفوق 15 عاماً بعد أن كانت هذه المدة في السابق 30 عاماً.
ومن ضمن القرارات الواردة بالمشروع تعبئة موارد جبائية إضافية لخزينة الدولة بإحداث إتاوة توظف على تذاكر البيع التي تصدرها المغازات التجارية الكبرى ويحتسب بمقدار 100 مليم على كل شراءات بقيمة 50 ديناراً (17 دولاراً).
صدام مع النقابات
ورجح عدد من المتابعين للشأن الاجتماعي في تونس أن تساهم الإجراءات المنتظر تفعيلها في تأزم العلاقة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية القوية في تونس) الرافض مثل هذه القرارات التي يعتبرها ستزيد من اهتراء القدرة الشرائية للتونسيين، ويُعلَل الاتحاد العام التونسي للشغل رفضه عبر التصريحات الإعلامية لأمينه العام نور الدين الطبوبي إلى افتقار الحكومة إلى الحلول العملية والبحث الجدي عن مصادر تمويل أخرى واللجوء إلى المواطن التونسي، الحلقة الضعيفة، لأجل فرض ضرائب وإتاوات جديدة ستزيد من متاعبه.