Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاستمطار يزداد شيوعا فيما تتفاقم موجات الجفاف في أميركا

تضرب غرب الولايات المتحدة واحدة من أسوأ فترات الجفاف في التاريخ الحديث

رمت الطائرة مشاعل حرارية احترقت خلال هبوطها مطلقة أعمدة من يوديد الفضة تسببت في تشكل بلورات جليدية وتساقط كميات من الثلوج  (غيتي )

يشهد العالم موجات مناخية حادة وثيقة الصلة بالتغير المناخي. وتسعى الدول إلى سبل مختلفة للحد من آثارها، من حرائق الغابات المطيرة في الأمازون مروراً بموجات الجفاف في بعض الولايات المتحدة وصولاً إلى الفيضانات في جنوب شرقي آسيا وغيرها من المناطق. وتناولت "واشنطن بوست" في ما يلي سبل مواجهة الجفاف من طريق "الاستمطار" في غرب الولايات المتحدة ومضاعفة الولايات هذه من جهودها المبذولة في مشاريع تلقيح السحب:

مع هبوب العواصف الشتوية الأولى، حلقت طائرة نفاثة من طراز "كينغ إير سي 90" مستأجرة من "أيداهو باور"، الشركة المتخصصة في الطاقة الكهرومائية، في سماء جنوب ولاية أيداهو الأميركية علها تحث الغيوم على إسقاط ثلوجها فوق المنطقة.

أثناء تحليقها عبر قمم السحاب، رمت الطائرة مشاعل حرارية أخذت تحترق في طريقها نحو الأسفل، مطلقة أعمدة من يوديد الفضةsilver iodide  تسببت في تشكل بلورات جليدية وتساقط كميات من الثلوج فوق الجبال. في الربيع، سيذوب الثلج فتتدفق المياه في اتجاه مجرى النهر، لتملأ أحواض تخزين الماء، وتروي الحقول، وربما تمد ولاية أيداهو بساعات إضافية من الطاقة الكهرومائية الخالية من الكربون تصل حتى مئات الآلاف من الميغا وات.

"أيداهو باور" منشأة خاصة تقدم خدماتها لأكثر من نصف مليون عميل في جنوب أيداهو وشرق أوريغون، استخدمت تكنولوجيا الاستمطار الصناعي أو تلقيح السحب cloud seeding، كما تسمى، لتغطية إنتاجها من الطاقة الكهرومائية طوال نحو عقدين من الزمن. لكنها على مدى السنوات القليلة الماضية، كثفت جهودها في صنع الثلج بناءً على طلب مسؤولين حكوميين اعتراهم قلق بشأن شح مصادر المياه في الولاية.

في 2021 شهدت ولايات غرب الولايات المتحدة إحدى أسوأ موجات الجفاف في التاريخ الحديث. وتكابد ثلث المنطقة تقريباً، لا سيما غرب جبال روكي، جفافاً تتراوح حدته بين الشديد إلى الاستثنائي [أقصى درجات الجفاف]. أيداهو برمتها تقريباً تعاني جفافاً شديداً على أقل تقدير.

اليوم، تشارك أيداهو في تكاليف برنامج الاستمطار الصناعي الذي ينتج، وفق التقديرات، مليون دونم قدم [متري] من المياه الإضافية سنوياً، بأموال تصل قيمتها حتى مليوني دولار تقريباً (ما يساوي نحو 1.5 مليون جنيه إسترليني) في السنة. في أبريل (نيسان) الماضي، أقرت الولاية مشروع قانون لتوسعة أعمال تلقيح السحب.

سكان أيداهو ليسوا وحدهم في تأييد الاستمطار من طريق تلقيح السحب الصناعي، على الرغم من أن ابتكار هذه التقنية يعود إلى 75 عاماً مضت وما زال كثير من العلماء ينظرون إليها بعين الشك. ولكن بوجود تجربة حديثة تقدم الدليل الأول القاطع على أن تلقيح السحب يرفع مستويات كتل الجليد، تشهد البحوث في مجال الاستمطار الصناعي نهضة وإن كانت متواضعة بعض الشيء.

تقول جولي غوندزار، مديرة برنامج تلقيح السحب في ولاية وايومنغ الواقعة في الغرب الأميركي، إن الاستمطار في اعتقادها "واحد من الأمور (الحلول) التي لا يمكننا تجاهلها، فيما يتصل بتخفيف وطأة الجفاف". صحيح أن تلقيح السحب لن ينهي الجفاف، كما تقول غوندزار، غير أنه يؤدي "ببطء وبشكل تدريجي" إلى زيادة في كثافة الثلج بمرور الوقت. راهناً، حتى أصغر الخطوات من شأنها أن تساعد في مواجهة هذا الظرف المناخي.

يقوم استمطار السحب على أساس بسيط. تحتوي بعض الغيوم على كميات كبيرة من الماء "السائل فائق البرودة"، أو الماء في حالته السائلة تحت درجات التجمد. عند مستوى من الحرارة دون خمس درجات مئوية تحت الصفر (23 فهرنهايت)، تعزز إضافة جزيئات يوديد الفضة إلى تلك المياه تكوين بلورات من الجليد، ما يترتب عنه في النتيجة تساقط كميات إضافية من الثلوج.

ولكن على الرغم من أن المبادئ الأساسية لاستمطار السحب قد وضعت في أربعينيات القرن العشرين، وأن أكثر من 50 بلداً قد أخذت في تنفيذ مشاريع تلقيح السحب اعتباراً من 2017، واجه العلماء فترة طويلة من الصعوبات البالغة قبل أن يتبينوا مدى فاعلية هذه التقنية، أو ما إذا كانت تجدي نفعاً أصلاً.

وفق تقديرات خلصت إليها دراسة استمرت ست سنوات بين 2008 و2013 اضطلعت بها ولاية وايومنغ في الغرب الأميركي، وتندرج ضمن أكثر الدراسات طموحاً حتى الآن، يعزز تلقيح السحب هطول الأمطار داخل السحب المطواعة لعمليات الاستمطار بنحو 3.3 في المئة خلال فصل الشتاء. بيد أن تلك النتائج لم تفِ بالعتبات [المعايير أو الشروط] الأساسية لما يسمى "الدلالة الإحصائية" statistical significance، ما يعني أن العلماء لم يجزموا أن تساقط الثلوج الإضافي الناتج عن السحب الملقحة لم يأت مصادفة.

في دراسات أخرى قاست أثر الاستمطار، وصلت كمية الأمطار المكتسبة إلى 10 في المئة، لكنها شأن دراسة وايومنغ لم تثبت أن تلك المكاسب من المياه كانت في الواقع ناتجة عن تلقيح السحب، وفق ما قالت سارة تيسيندورف، عالمة في "المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي" (NCAR) تبحث في التكوين الصناعي للسحب.

وفق تيسندورف، "معظم البرامج الإحصائية"، الدراسات التي تقارن كمية هطول الأمطار من سحب اختيرت عشوائياً كي تخضع للتلقيح مع أخرى نظيرة لها غير ملقحة (مجموعة الضبط)، "لم تصل إلى مستوى الدلالة الإحصائية. وكان التغلب على تلك العقبة صعباً. غالباً ما يكون المؤشر الإحصائي للسحب الملقحة ضئيلاً جداً وضمن نطاق التباين الطبيعي".

 في 2017، تعاون "المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي" مع كونسورتيوم من الجامعات وشركة "أيداهو باور" لإطلاق تجربة هي الأولى من نوعها باسم "سنوي" SNOWIE  (الأحرف الأولى من العبارة الإنجليزية Seeded and Natural Orographic Wintertime Clouds: The Idaho Experiment "السحب الشتوية الأوروغرافية الملقحة والطبيعية: تجربة أيداهو"). من يناير (كانون الثاني) إلى مارس (آذار)، استخدم الباحثون طائرات متخصصة لحقن يوديد الفضة في السحب فوق حوض نهر باييت شمال بويز، وأجروا عمليات قياس للتأثير على الثلج باستخدام مجموعة من الرادارات الأرضية والجوية، وأجهزة قياس الثلوج ونماذج ثلجية.

النتائج، التي نُشرت العام الماضي في "بروسيدينغز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس" Proceedings of the National Academies of Sciences (سجلات الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم)، كانت واضحة: الاستمطار أجدى نفعاً. في ثلاث حالات، رأى الباحثون بلورات الجليد تتشكل داخل السحب الملقحة على طول النسق المتعرج الدقيق الذي حلقت به الطائرة.

قالت تيسيندورف، الباحثة المشاركة في الإشراف على تجربة "سنوي"، إنها وزملاءها تمكنوا من تبيان الجليد والثلج إذ تشكلا في السحب، ثم تعقبوهما حتى وصلا إلى الأرض كي يحددوا كمية الثلوج الإضافية التي تساقطت من تلك السحب. كان حجمها كبيراً، ما أعاد بريق الاستمطار [أبرز أهميتها] فعلاً".

كثير من التساؤلات البحثية ما زال متروكاً من دون إجابات. لم تؤد 18 محاولة إضافية لاستمطار السحب نهض بها فريق "سنوي" إلى تأثير واضح في تساقط الثلوج. البرنامج، الذي حصل على تمويل يسمح باستمراره مدة سنتين إلى ثلاث سنوات أخرى، يصب تركيزه حالياً على أي تأثيرات غير ملحوظة لتلقيح السحب ربما خلفتها وراءها تلك المحاولات، ويستعين بنماذج حاسوبية عالية الدقة تعمل على تحديد كمية الاستمطار بشكل أفضل، وسط مجموعة من الظروف. مثلاً، تؤدي درجة حرارة السحب وكمية المياه السائلة الفائقة التبريد التي تختزنها وأحوال جوية من قبيل اتجاه الرياح، دوراً في مدى كفاءة [جدوى] استمطار السحب.

في الواقع، على هذا الفريق البحثي "أن يدرس بطريقة متعمقة أكثر كمية المياه التي يمكن أن ينتجها فعلاً (عبر الاستمطار الصناعي)، ومعرفة متى تؤتي هذه التقنية ثمارها ومتى تخفق"، كما قالت كاتيا فريدريك، عالمة في "جامعة كولورادو بولدر" وباحثة مشاركة في الإشراف على تجربة "سنوي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيما يتابع علم الاستمطار السحابي تقدمه، تلجأ ولايات أميركية عدة واقعة خارج الغرب الأميركي، نفذ بعضها برامج تشغيلية لاستمطار السحب طوال عقود من الزمن، إلى توسعة نطاق برامجها في مواجهة الشح المستمر في المياه.

مجلس موارد المياه في أيداهو، الذي يساعد في تمويل برنامج تلقيح السحب لشركة "أيداهو باور" في أحواض "بويز"Boise  و"وود" Wood و"أبر سنايك ريفر" Upper Snake River (الجزء العلوي من نهر الأفعى)، يعكف حالياً على إجراء تقييم للمناخ على مستوى الولاية من أجل تحديد الأحواض الأخرى التي ربما تستفيد من الاستمطار.

في سبتمبر (أيلول) الماضي، أذن مجلس موارد المياه في أيداهو بتمويل مشروع استمطار تجريبي في "حوض نهر "بير"Bear River  (نهر الدب) في جنوب شرقي ولاية أيداهو هذا الشتاء. أوضح المدير التنفيذي للمجلس، برايان باتون، أن الأحواض المصنفة قد شهدت "زيادة رائعة إلى حد ما في إمدادات المياه"، وصلت حتى 15 في المئة في بعض السنوات. "ينظر السكان الذين يعيشون بالقرب من نهر بير إلى تلك (الزيادة في المياه) ولسان حالهم، نحن نريد ذلك أيضاً"، وفق تعبيره.

وتأمل ولاية كولورادو، التي تنفذ عمليات استمطار صناعي منذ خمسينيات القرن العشرين، في تركيب مولدات أرضية في حوض "نهر نورث بلات" North Platte River  (نهر بلات الشمالي) المتاخم لولاية وايومنغ لحقن السحب بيوديد الفضة. على مدار فصلين شتويين، كانت كل واحدة من الولايتين تمد الجانب الخاص بها من الحوض بمياه الاستمطار الصناعي مستخدمة الطائرات.

يعود الإقبال على الاستمطار السحاب في ولايات الغرب الأميركية ، على الرغم من الشكوك المستمرة حول فوائده، إلى تكلفته الزهيدة. مثلاً، ولاية يوتا التي يقدر أن شبكتها للاستمطار على مستوى الولاية المكونة من 165 مولداً لنثر يوديد الفضة تعزز كتلة الثلج بنسبة 5 إلى 15 في المئة، تكشف أن تكلفة البرنامج تصل إلى 2.18 دولار فقط (ما يساوي 1.63 جنيه إسترليني) لكل هكتار قدم من المياه المنتجة.

حتى أن منسق مشاريع الاستمطار في ولاية "يوتا" جيك سيراغو ذكر أن تكلفة برنامج الاستمطار "تعتبر مجانية"، مشيراً إلى أنه في المناطق الحضرية خارج الغرب الأميركي، تكلف المياه مئات الدولارات لكل قدم هكتار.

وأمام مثل هذه السنوات العجاف لا يملك العالم سوى إعداد العدة لتفادي الأسوأ ولو اقتضى الأمر "زرع السحاب" واللجوء إلى حلول مهما اقتضى الأمر.

المزيد من بيئة