Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نواب الجزائر الجدد يباشرون مهمة إعادة الاعتبار إلى الحياة البرلمانية

تقف المؤسسة التشريعية الحالية في مواجهة حتمية إصلاح صورتها في المخيال الاجتماعي

أظهر النواب الجزائريون الجدد إشارات تدل على تغييرات مرتقبة في نشاط ودور الهيئة التشريعية (أ ف ب)

يبدو أن البرلمان في الجزائر يستهدف محو الصورة السوداوية التي لازمته خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، إذ يسارع النواب الجدد إلى النشاط وفق ما يسمح به الدستور الجديد الذي منحهم صلاحيات واسعة، بخاصة في ما تعلق بالمراقبة والتحقيق.

خطوة وتفاؤل

وجاء إعلان لجنة المالية والميزانية البرلمانية عن الاستعداد للتحقق من أسباب التهرب الضريبي الذي أفقد الخزينة العمومية حوالى 100 مليار دولار أميركي، على مستوى 8 محافظات، ليبعث رسائل طمأنة إلى الشعب بأن عهد مشاركة البرلمان في الفساد قد ولى، وأن الهيئة التشريعية الجديدة عازمة على القيام بنشاطها وأداء مهماتها كاملة.
وأبرز أعضاء لجنة المالية والميزانية في البرلمان أنه بداية من مطلع فبراير (شباط) المقبل، سينزلون إلى الميدان لمعاينة مقرات الضرائب ومراكز التحصيل الجبائي والجمركي بهدف بحث أسباب التهرب الضريبي وضعف التحصيل الذي بلغ أعلى مستوياته وفق مشروع قانون تسوية الميزانية لعام 2019، المُرتقب طرحه للنقاش على البرلمان منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، حيث بلغت قيمة الأموال غير المحصلة جبائياً، أكثر من 13 ألف مليار دينار جزائري، أي ما يعادل 100 مليار دولار.

مهمة صعبة؟

ويُرتقب أيضاً أن ترفع اللجنة البرلمانية تقاريرها إلى مديري الضرائب والجمارك، ووزير المالية، وستتضمن ملاحظات حول الجولات الميدانية، وأسباب ضعف التحصيل الجبائي والجمركي، والعوائق التي تمنع الحصول على أموال الضرائب، وقائمة بأسماء الأشخاص المتهربين والذين يرفضون السداد.
وتُعد الخطوة البرلمانية في نظر المتابعين إيجابية وتدفع إلى تغيير الواقع على الرغم من صعوبة المأمورية، بعدما دأب نواب البرلمانات السابقة على الاكتفاء بالبقاء في المكاتب ورفع الأيادي للمصادقة على مختلف القوانين والمشاريع المطروحة، بعيداً عن الضمير المهني الذي يفرض بحكم أنهم ممثلو الشعب، الاهتمام بالمال العام ومراقبة المشاريع والتحقيق في التجاوزات، غير أن هناك مَن يرى أن المهمة صعبة في ظل استمرار بعض ممارسات "العصابة"، وهي التسمية المستخدَمة في الجزائر للدلالة على أزلام النظام السابق.

دلالة مزدوجة

في السياق، اعتبر الأستاذ الباحث في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة مستغانم، غرب الجزائر، دحو بن مصطفى، أن "لتلك الخطوة دلالة مزدوجة، فمن جهة تشكل إقراراً بالحق الدستوري للبرلمان في ممارسة الرقابة، ومن جهة أخرى تمثل رسالة سياسية بأن محاربة الفساد تشكل أولوية وتعبيراً عن الإرادة الشعبية بعيداً عن تصفية الحسابات، لأن إشراك البرلمان يمنح العملية مشروعية سياسية وشرعية قانونية". وأضاف بن مصطفى أن "التحقيق في قضايا المال والفساد عملية تقنية تحتاج إلى خبراء وعارفين بالمسائل المالية والاقتصادية، والقانون يسمح للبرلمانين بالاستعانة بالخبراء وتشكيل لجان تحقيق، لكن ما هو جوهري في هذا الإجراء، أن البرلمان يشكّل الواجهة السياسية والشعبية لإجراءات ستتخذها السلطة باستعمال آليات وأدوات يتم إنشاؤها ومنها لجنة مكافحة الفساد والوقاية منه، التي أقرها الدستور الجديد"، مبرزاً أن "ما أقدم عليه النواب يندرج في سياق خطاب سياسي يحاول أن يعبر عن المطالب الحقيقية للحراك الشعبي الأصيل وهو تسويق لمصطلح الجزائر الجديدة، وفي الوقت نفسه تسويق سياسي للبرلمان الجديد كتعبير عن الإرادة الشعبية". وزاد "قد يشكل البرلمان القاطرة لعملية هي في طور التشكُّل باعتبار أن المحافظة على المال العام ومحاربة التهرب الضريبي، هي أمور تقع ضمن اختصاص مجلس المحاسبة"، مشدداً على أن "البرلمان يريد أن يمارس مهماته الرقابية باعتباره مؤسسة سيادية، لكن إرادة محاربة الفساد وتصويب ممارسات الإدارة تعبر عن سلطة أكثر تجذراً وإرادة صادرة عن مؤسسة الرئاسة".
ورأى الأستاذ الجامعي الجزائري أن "البرلمان الحالي أمام حتمية إصلاح صورة المؤسسة التشريعية في المخيال الاجتماعي بعدما ترسخت صورة لا أخلاقية عن البرلمان السابق كمركز للفساد وشراء الذمم"، موضحاً أن "رد الاعتبار لهذه المؤسسة يقتضي قيام البرلمان بممارسة صلاحياته ومهماته كاملة كما هو منصوص عليها دستورياً، بين ما هو تشريعي ورقابي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وختم قائلاً، إن "هناك تحولات سياسية قد تكون هيكلية وذات دلالة ستصاحبها تغييرات في آليات السلطة ومواقعها تنتهي بتغيير موازين القوة والخريطة السياسية، وهذه التحولات ستكون في شكل انتقال سلس من نموذج حكم إلى آخر من دون هدم النظام القائم ومن دون الإخلال بالتوازنات الأساسية".

بعض الإشارات

وأظهر النواب الجدد الذين غلب عليهم المستوى التعليمي الرفيع مقارنة مع البرلمان السابق، بعض الإشارات التي تدل على تغييرات مرتقبة في نشاط ودور الهيئة التشريعية، بعدما حوّلوا جلسة مناقشة مخطط عمل الحكومة إلى مرافعة لصالح التنمية المحلية في بلدياتهم، والتساؤل حول مصير القدرة الشرائية للمواطن الجزائري في ظل استمرار انهيار قيمة الدينار وارتفاع الأسعار بشكل مخيف، داعين إلى اتخاذ إجراءات سريعة لاحتواء الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. وانتقد النواب خلو مخطط عمل الحكومة من أرقام صريحة وواقعية حول الوضع العام، إضافة إلى عدم تقديم آجال زمنية واضحة بخصوص تسليم المشاريع، مطالبين الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، بإنشاء لجنة وزارية تفتيشية على مستوى كل محافظة، للإشراف على مدى تطبيق مخطط عمل الحكومة على أرض الواقع.
كما عمل النواب خلال الحرائق التي عرفتها مختلف مناطق البلاد، على تشكيل لجان تحقيق برلمانية للوقوف على أسباب الكارثة، على الرغم من أن الهيئة التشريعية كانت في عطلة برلمانية، وأبرزوا ضرورة فتح تحقيق جدي وفوري حول الملابسات الكامنة وراء الحرائق المتكررة وإطلاع الرأي العام على نتائجها مع أخذ إجراءات صارمة ضد المتسببين فيها.

رقابة شديدة

من ناحية ثانية، صرح أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، أن "الجزائر الجديدة لن تتراجع عن فرض الاحترام عبر مختلف مؤسسات الدولة ورد الاعتبار لمكافحة الفساد والضرب بيد من حديد كل مَن تسول له نفسه المساس بالمال العام أو التهرب من دفع الحق العام". وقال إن "سياسة الدولة في بناء المؤسسات التشريعية الحالية لم تكن أمراً اعتباطياً بل كانت تحت رقابة شديدة من السلطة التي فرضت كل معايير النزاهة والمصداقية في انتخابات أعضاء البرلمان، وهو ما نلاحظه حالياً في ممارسة الرقابة البعدية والآنية من خلال اللجان المختصة بالبرلمان، ما يدعو إلى التفاؤل"، مضيفاً أن ممارسة هذا النوع من الرقابة سيعيد للبرلمان الاعتبار ويفرض سياسة الاحترام في ظل غيابها لعقود من الزمن سادتها الرداءة والغوغائية في التسيير والتشريع".

المزيد من العالم العربي