Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل وتساؤلات حول جدية وجدوى استقالة حمدوك

تفاعلات تلك الأنباء تربك القوى السياسية والشارع السوداني يردد: من البديل؟

باتت أنباء وتسريبات استقالة حمدوك محل جدل وغموض في ظل غياب المعلومات الرسمية (أ ف ب)

على الرغم مما راج على نطاق واسع عن اعتزام رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الاستقالة في غضون ساعات قليلة، الثلاثاء 21 ديسمبر (كانون الأول)، فإن المؤكد أن الرجل لا يزال يباشر مهامه المعتادة في رئاسة الوزراء، بينما لم يصدر حتى الآن عن حمدوك أي نفي أو تأكيد رسمي منه حول نيته تقديم استقالته.

وباتت أنباء وتسريبات الاستقالة محل جدل وغموض في ظل غياب المعلومات الرسمية، ما خلف حالة من الإرباك في الأوساط السياسية والإعلامية. فقد اعتبر بعض المحللين تسريب الاستقالة مناورة سياسية وواحدة من وسائل الضغط في اتجاه إطلاق يد رئيس مجلس الوزراء، حول تشكيل حكومة الكفاءات المستقلة، وحريته في اختيار القيادات التنفيذية كافة.

وتقاطعت آراء الشارع السوداني ما بين مستغرب وحائر أو مستبعد ومحبط لسماعه نبأ استقالة حمدوك على الرغم من عدم ترحيب كثيرين بتوقيعه على الاتفاق السياسي مع الفريق البرهان، لكن معظم من تحدثوا إلينا من موظفين وطلاب كانوا يسألون عمن سيكون البديل في حال صدقت أنباء الاستقالة، في حين يرى البعض أنها ستكون الطريق إلى انتخابات مبكرة، فيما، ويعتبر آخرون أن مغادرة حمدوك لرئاسة الوزراء والمشهد السياسي تعني بكل بساطة الانهيار الكامل لاتفاق 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، ما سيدخل البلاد في فراغ سياسي خطير.

أجواء الاستقالة

ولم يجزم مصدر مطلع ضمن فريق الوساطة السابقة بين البرهان وحمدوك تحدث لـ"اندبندنت عربية" بعدم تفكير حمدوك في الاستقالة نتيجة ما وصفه بالأجواء الضبابية التي يعمل في ظلها، خصوصاً بعد تعثر ميلاد الميثاق أو الإعلان السياسي كما هو مشار إليه في اتفاقه مع البرهان في 21 نوفمبر الماضي، وفي ظل القيود التي يشعر بأنها لا تزال تكبله في المضي قدماً باتجاه تشكيل حكومة الكفاءات المستقلة التي نص عليها الاتفاق، في وقت تستمر فيه التظاهرات الرافضة للاتفاق نفسه.

أوضح المصدر أن كثيراً من القوى السياسية التي تناهض حمدوك الآن، وكانت نصيرته بالأمس القريب من مجموعة قوى "إعلان الحرية والتغيير"، "لا تدرك حساسية الموقف الراهن أو حجم الأخطار التي تحيط بالبلاد في مثل هذه الظروف الدقيقة، التي تستوجب تقديم تنازلات وطنية تدفع بالأجواء الداخلية نحو قدر من الاستقرار السياسي، الذي تحتاجه البلاد لتمضي خطوة إلى الأمام في طريق التحول الديمقراطي".

الإعفاءات والتعيينات

وفي سياق متصل، أرجعت بعض المصادر بعضاً من دوافع حمدوك للاستقالة إلى التوتر والخلافات حول تعيينات قيادات عدة في الخدمة المدنية، تم إبعادهم بعد الانقلاب الأخير، ويمضي حمدوك في إعادتهم إلى الخدمة في مواقعهم مجدداً، مستدلة بحديث سابق لرئيس الوزراء بقوله، إنه لن يبقى على رأس الجهاز التنفيذي إذا عجز عن حمايته من التدخلات.

أوضحت المصادر أن الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك الذي عاد بموجبه الأخير رئيساً لمجلس الوزراء الانتقالي بكامل اختصاصاته، منحه مطلق الصلاحيات في إدارة العمل التنفيذي في كل أنحاء البلاد من دون تدخلات أو عراقيل، سواء من حاضنة سياسية أو حتى مجلس السيادة الانتقالي، وفق دوره الإشرافي على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية.

ويشير عدد من المختصين إلى ما أثارته توجيهات رئيس الوزراء وخطواته تجاه مراجعة الإعفاءات والتحولات، التي تمت في مرافق تنفيذية مهمة في الخدمة المدنية، كالسفراء ومديري عدد من البنوك وأجهزة الإعلام الرسمية وغيرها من المؤسسات والوحدات الحكومية، كما شملت الإعفاءات والتغييرات كثيراً من أمناء حكومات الولايات تم تغييرهم بل وكلفوا بمهام الولاة، والذين أعاد حمدوك معظمهم إلى الخدمة. وكانت آخر قرارات في هذا الخصوص إعفاء المدير الذي عينه البرهان، وإعادة لقمان أحمد المدير العام السابق للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

مراجعات حمدوك

كان أول قرار لرئيس الوزراء يمضي في اتجاه إعادة الأمور إلى طبيعتها، فور عودته لمباشرة مهامه رسمياً بعد نحو شهر من قرارات 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو توجيهاته بإيقاف كافة الإعفاءات والتعيينات والتنقلات بالخدمة المدنية على المستويين القومي والولائي حتى إشعار آخر. وتضمنت التوجيهات إخضاع التعيينات والإعفاءات كافة التي تمت خلال الفترة الماضية للدراسة والتقييم والمراجعة.

وعلى الرغم من الارتياح الكبير الذي وجدته توجيهات رئيس مجلس الوزراء وسط العاملين في مؤسسات الخدمة المدنية، خصوصاً بعد أن فقد عدد كبير من كوادر الخدمة المدنية في مختلف الوظائف الحكومية بالدولة وظائفهم بالإعفاء، إما نتيجة مواقفهم من الإجراءات الأخيرة التي اعتبروها انقلاباً على الحكومة الشرعية أو لتقديرات سياسية أو لأسباب أخرى ترتبط بتلك الفترة، واجهت تلك الإجراءات اتهامات بأنها جاءت بعدد كبير من كوادر (الفلول) من "حزب المؤتمر الوطني" المحلول، لا سيما بعد أن أعادت المحكمة الإدارية العليا بعضاً منهم ممن أعفتهم لجنة التفكيك وإزالة التمكين.

وفي السياق، يلاحظ أمير المأمون، أستاذ العلوم الإدارية والتخطيط الاستراتيجي في الجامعات السودانية، أن توجيهات رئيس الوزراء لم تأت في صيغة قرار ما جعلها فضفاضة بدرجة ما، إذ تحدثت عن الفترة الماضية من دون تحديد تاريخ قاطع لذلك سواء اعتباراً من 25 أكتوبر، تاريخ (استيلاء الجيش على السلطة) أو أي تاريخ سابق لذلك. أما بالنسبة لآليات تنفيذ إيقاف التعيين والإعفاء اعتباراً من 23 نوفمبر الحالي، فهي من اختصاص وزارة العمل بالمركزية ممثلة في (ديوان شؤون الخدمة المدنية القومية)، بينما يتم التنفيذ بواسطة أجهزة الخدمة العامة بكل ولاية، بالنسبة للولايات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صلاحيات رئيس الوزراء

ويرجح المأمون أن تمتد المراجعة لتشمل حالات الإعفاء والتعيين التي تمت حتى قبل سبتمبر (أيلول) 2019، وكذلك المعينين بعد 25 أكتوبر الماضي، ويرى أن توجيهات رئيس الوزراء هي محاولة لوقف تعيين كوادر "المؤتمر الوطني" المحلول، كما يمنح المعفيين من كوادر انتفاضة ديسمبر أملاً بإمكانية عودة البعض منهم على الأقل. وأوضح أن كل قوانين الخدمة السارية وغيرها، تمنح رئيس الوزراء صلاحيات وسلطات تعيين في قيادات الخدمة المدنية في كل السودان، مشيراً إلى أنه عرفياً وأدبياً ستجد كل القرارات الجديدة لحمدوك طريقها إلى التنفيذ، بحكم الاختصاص.

في المنحى نفسه، يقول أبو العباس فضل المولي كجوك، المتخصص في شؤون الخدمة ومدير ديوان الخدمة القومي الأسبق، إن تعيين قيادات الخدمة المدنية، من سلطات واختصاصات مجلس الوزراء تظل من حق وصلاحيات رئيسه، بموجب كل القوانين واللوائح.

يتابع "رئيس الوزراء هو أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، وهو صاحب الحق في وقف كل التعيينات والتنقلات والترقيات في الخدمة المدنية بكل مؤسسات الدولة".

وأشار كجوك إلى أن توجيهات مجلس الوزراء بشأن التعيينات والترقي والتنقلات وإنشاء الوظائف والتعديل فيها، تتم وفق آلية في قانون الخدمة العامة، وتقع الوظائف القيادية العليا من الدرجة الأولى وما فوق ضمن اختصاصات مجلس الوزراء بناء على ترشيح من الوزير المختص وتوصية وزير العمل، ويصدر القرار النهائي بشأنها من مجلس الوزراء.

أما الوظائف العليا من الدرجة الأولى وما دون، فبتوصية من الوزير المختص وقرار من وزير العمل. أما ما دون ذلك من الدرجات فبتوصية أو ترشيح من الوكيل المختص، وقرار وكيل وزارة العمل، مشيراً إلى أن قانون الخدمة المدنية تضمن 14 سبباً لإخلاء الوظائف منها الاستقالة والتقاعد الإجباري أو الاختياري وأخرى.

مائدة سياسية مستديرة

وفي الأثناء، دعا رئيس "حزب الأمة القومي" فضل الله برمه، المدنيين والعسكريين لعقد مؤتمر مائدة مستديرة لمناقشة قضايا السودان، وصولاً إلى رؤية مشتركة حول كيف يحكم البلاد بدل الصراع على من يحكم، معرباً في تصريحات لوسائل إعلام محلية، عن أمله أن تجد هذه الدعوة قبولاً من جميع القطاعات للخروج برؤية واضحة لمعالجة قضايا البلاد.

بدوره، كتب خالد عمر يوسف الأمين العام لـ"حزب المؤتمر السوداني"، وزير شؤون مجلس الوزراء السابق، على "فيسبوك"، "الأزمة الحالية هي نتاج مباشر للانقلاب العسكري"، مشيراً إلى أن "الواجب الآن هو التوافق على جبهة شعبية موحدة لهزيمة الانقلاب وتأسيس سلطة مدنية ديمقراطية حقيقية تستكمل مهام انتفاضة ديسمبر المجيدة".

وشدد يوسف على أهمية البناء على ما تحقق من تقدم في العامين الماضيين وتجاوز العثرات التي واجهت قوى الانتفاضة وأوجه قصورها العديدة، مشيراً إلى أن ذلك مطلوب بشكل عاجل ولا يحتمل التأخير.

بدوره، كشف وزير الصناعة السابق إبراهيم الشيخ القيادي في "الحرية والتغيير" المجلس المركزي، أن استقالة حمدوك وفق معلوماته غير مؤكدة حتى الآن، ووصف المشهد السياسي بـ"المعقد للغاية بسبب عدم توفر إرادة سياسية من النخب الحاكمة والمعارضة".

وأوضح أن "الأزمة التي تعيشها البلاد حالياً سببها الانقلاب العسكري الأخير"، وأن "رئيس الوزراء أصبح ما بين المطرقة والسندان".

اللاعب المحبط

أما جيفري فيلتمان، المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي، فقد وصف حمدوك بأنه لاعب مهم جداً، ويمثل ثقل الجانب المدني في ترتيبات الانتقال في السودان، وأن واشنطن على اتصال به، وهو يشعر بالإحباط لردعه عن محاولته التحرك للأمام في العديد من القضايا والترويج لانتقال يؤدي لحكومة مدنية.

وأضاف الدبلوماسي الأميركي، في مقابلة مع إحدى القنوات، أن واشنطن "اتجهت لتطوير العلاقات مع السودان، ما سمح لنا بلعب دور من ناحية النفوذ والانخراط مع السودانيين، وهو ما لم نفعله لعقود، واستعدنا دورنا في المؤسسات الدولية للإفراج عن أموال يحتاجها الشعب السوداني، وقدمنا المساعدات الإنسانية".

وكانت مصادر مقربة من حمدوك قالت لوكالة "رويترز"، إنه يعتزم الاستقالة خلال ساعات، وفق مصدرين مقربين منه، معلنة أنه أبلغ مجموعة من الشخصيات القومية والمفكرين اجتمعت به عزمه التقدم باستقالته من منصبه.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي