Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سيكون 2022 عام التحول في سياسات البنوك المركزية؟

يرى مراقبون أن كل السيناريوهات واردة والمصارف تتسلح بالخبرة والمرونة بمواجهة التضخم والمتحورات

سجل التضخم في منطقة اليورو مستوىً قياسياً بلغ 4.9 في المئة في نوفمبر الماضي (أ ب)

توقعت "نورثرن ترست"، الشركة العالمية لإدارة الأصول، التي تدير أصولاً بقيمة 1.5 تريليون دولار، في تقرير حديث، أن يشهد عام 2022 نقلة نوعية في سياسات البنوك المركزية والإنفاق المالي والتضخم وإدارة الأوبئة، وأن تصبح السياسات المالية للبنوك المركزية أقل ملاءمة أو تحفيزية من خلال تخفيض مشتريات السندات. وقالت "نورثرن ترست" إنه "وبعد سنوات من عدم وجود تضخم فعلي، أصبح المستثمرون أكثر وعياً بأهمية التحوّط ضده، نظراً إلى ظهوره الحاد أخيراً". وتوقع تقرير الشركة أن يكون الارتفاع الحالي في التضخم عابراً. 

التقليل من طباعة الأموال لشراء الأصول

يقول الكاتب الكويتي والباحث في الشؤون الاقتصادية محمد رمضان لـ"اندبندنت عربية"، "إذا وضعنا عام الأزمة 2021 وراءنا، سيكون 2022 عام التحولات الكبرى بالفعل في سياسات البنوك المركزية وفي السياسات الاقتصادية بشكل عام". ويضيف "نشهد اليوم موجة تفشٍّ لمتحورة أوميكرون من كورونا وسنشهد على الأرجح ولادة مزيد من متحورات فيروس كورونا الجديدة وهذا أمر وارد. كما أن هناك حاجة إلى تكثيف التطعيمات بسبب المتحورة الجديدة، وأتوقع أن يكون هناك تطعيم سنوي حتى زوال الجائحة". ويتابع رمضان "برأيي أن السياسة المثالية تكمن في التعامل مع كورونا كمرض وبالتالي هناك حاجة إلى زيادة سعة القطاع الطبي وتعزيز القدرات العلاجية، وأن يكون القطاع الصحي جاهزاً للتعامل مع الإصابات بالفيروس بشكل مستمر. وهي السياسة التي انتهجتها سنغافورة في التعامل مع الوباء وهي الأنجع. أما بالنسبة إلى البنوك المركزية، فبرأيي أنها لم تخطُ خطوات كبيرة، باستثناء بنك إنجلترا المركزي الذي رفع معدل الفائدة بشكل مميز، لكننا نشهد اليوم موجة كبيرة من الإصابات بالمُتحورة الجديدة وبالتالي نشهد عودة إلى ملامح العام الماضي، مثل الإغلاقات وتأجيل الفعاليات الرياضية الكبرى وبالتالي هناك إشكاليات كبيرة، والخيار المتاح لنا في العالم هو، إما أن نعود إلى الوراء بسبب عدم القدرة على السيطرة على المتحورات وإما أن نسير إلى الأمام عبر انتهاج سياسة من شأنها التقليل من طباعة الأموال لشراء الأصول وتقلل من التضخم المتوقع. وبالتالي كل هذه السيناريوهات لا تزال واردة".

مرونة البنوك المركزية  

وكان البنك المركزي الأوروبي خفّض مشترياته من السندات يوم الخميس الماضي، لكنه تعهد بمواصلة دعم السياسة النقدية غير المسبوق لاقتصاد منطقة اليورو حتى عام 2022. 

وترك البنك المركزي الأوروبي سعر إعادة التمويل القياسي من دون تغيير عند صفر في المئة، في حين ظل سعر الفائدة على تسهيل الإقراض الهامشي عند 0.25 في المئة، وظل سعر الفائدة على تسهيلات الودائع عند 0.5- في المئة، تماشياً مع التوقعات. وسيتم إلغاء شراء السندات في إطار برنامج شراء الطوارئ الوبائي البالغ 1.85 تريليون يورو (2.19 تريليون دولار)، الذي من المقرر أن ينتهي في مارس (آذار) 2022، في الربع المقبل مع انتهاء الخطة. 

ولا تزال هناك حاجة للتكيّف النقدي حتى يستقر التضخم عند هدف نسبة اثنين في المئة على المدى المتوسط. وقال البنك المركزي الأوروبي إن قراراته ستُمكن مجلس الإدارة من الحفاظ على المرونة والاختيارية في قرارات السياسة النقدية في ضوء حالة عدم اليقين الاقتصادي الحالية التي تواجه كتلة العملة المشتركة المكوّنة من 19 دولة. 

وسجل التضخم في منطقة اليورو مستوىً قياسياً بلغ 4.9 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بينما تنتشر متحورة أوميكرون الجديدة عبر القارة، في حين أجبرت سلالة "دلتا" بالفعل العديد من الاقتصادات الأوروبية على الإغلاق الجزئي. 

ويتجه "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي" (البنك المركزي) إلى تقليص أسرع لمشتريات الأصول التي كانت تدعم النمو الاقتصادي، ليكون قادراً على البدء برفع أسعار الفائدة القصيرة الأجل بمجرد أن يُثبت شهر مارس (آذار) ضرورة ذلك. 

أما بالنسبة إلى عام 2022، فيُفترَض رؤية متوسط ​​التوقُّعات عند نسبة 0.8 في المئة، وقد يشير ذلك إلى ثلاث زيادات بمقدار 0.25 نقطة مئوية في العام المقبل، لكنه ليس بالقدر الذي يتطلب رفع سعر الفائدة في مارس، إلا أنه يكفي ليكون متسقاً مع التناقص التدريجي الأسرع، وتوقُّعات البطالة والتضخم. 

كما رفع "بنك إنجلترا المركزي" الخميس الماضي، سعر الفائدة إلى 0.25 في المئة من 0.1 في المئة، بشكل مفاجئ، بسبب ضغوط التضخم. وبذلك يصبح بنك إنجلترا أول بنك مركزي بين الاقتصادات الرائدة في العالم يفعل ذلك منذ بدء جائحة كورونا.
من جهة أخرى، خفض البنك المركزي الصيني سعر الإقراض القياسي الاثنين الماضي، لأول مرة منذ أبريل (نيسان) 2020، في ذروة جائحة كورونا في البلاد.
وجدد البنك المركزي الصيني القروض المتوسطة الأجل المستحَقة جزئياً يوم الأربعاء، حين سعى إلى تعزيز السيولة، بينما توقع المشاركون في السوق أن ينفذ البنك المركزي مزيداً من إجراءات التيسير للمساعدة في وقف التباطؤ الاقتصادي. 

وترك بنك اليابان سعر الفائدة الرئيس قصير الأجل من دون تغيير عند 0.1- في المئة، وعائدات السندات لأجل عشر سنوات عند نحو صفر في المئة خلال اجتماعه الأخير لهذا العام، وذلك بأغلبية 8:1. في الوقت ذاته، قرر صنّاع السياسة تقليص مشترياتهم من ديون الشركات إلى مستويات ما قبل الوباء، مع تمديد تمويل الأوبئة الطارئة ستة أشهر حتى نهاية سبتمبر (أيلول) 2022، وسط جهود لدعم تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وأشار بنك اليابان إلى أن الاقتصاد الياباني انتعش على الرغم من بقائه في وضع صعب بسبب تأثير كورونا. واستمر نمو الصادرات والناتج الصناعي وسط مشاكل في جانب العرض. في حين انتعش الإنفاق الخاص تدريجاً، مع تراجع الضغط على استهلاك الخدمات. في غضون ذلك، يُرجَّح أن يرتفع المعدل السنوي لمؤشر أسعار المستهلكين على المدى القصير، بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة. وأكد المجلس حسب "بنك اليابان" أنه لن يتردد في اتخاذ تدابير تخفيف إضافية إذا لزم الأمر مع توقع بقاء الأسعار، قصيرة وطويلة الأجل، عند مستوياتها الحالية أو المنخفضة. 

عزل أسواق المال عن التأثيرات السلبية 

من جانبه، قال وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، إن "الأزمة التي بدأت في الربع الأول من عام 2020 واستمرت بشدة متجاوزةً منتصف عام 2021، أثبتت وجود سياسة مرنة ومتساهلة بشكل كبير لدى البنوك المركزية في العالم وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، لاحتواء الأثر السلبي في الاقتصادات بخاصة خلال موجة الإغلاقات الأخيرة التي تسببت بها متحورة أوميكرون من كورونا". وأضاف أن "البنوك المركزية وعلى رأسها الفيدرالي الأميركي، تمكنت من عزل أسواق المال عن التأثيرات السلبية التي عاناها الاقتصاد بشكل كبير، وبالتالي لم تحصل انهيارات في أسواق الأسهم نتيجة السياسات النقدية المتساهلة والمتمثلة في استمرار ضخ النفط وشراء السندات والإبقاء على الفائدة الصفرية أو القريبة من الصفر، التي تتيح سيولة رخيصة في السوق أدت إلى استمرار عمليات الشراء وتعزيز الإنفاق". 

البنوك والسياسات النقدية 

وتحدث الطه عن ارتفاعات في مستويات الادخار على الرغم من تغير السلوك الاستهلاكي خلال الجائحة. وأضاف "بشكل عام، إحدى سلوكيات البنوك المركزية حدت من الآثار السلبية المترتبة على الإغلاقات سواء كانت الكلية أو الجزئية. وعلى هذا الأساس، فإن الإشارات الواضحة التي رأيناها خلال العامين الماضيين ستستمر، إذ أصبحت البنوك بمثابة المنظِّم للسياسات النقدية للدول وأصبحت تلك البنوك تمتلك المرونة والخبرة في هذا المجال وصولاً إلى حد التساهل المُفرط وهو ما نراه حاصلاً اليوم، إذ إن البنوك المركزية وعلى رأسها الفيدرالي الأميركي لم تتخذ إجراءات سريعة في مواجهة ظاهرة التضخم التي ارتفعت إلى مستويات لم نشهدها خلال الـ40 عاماً الماضية في الولايات المتحدة".
ويرى الطه أن معدل التضخم المُستهدف من قبل الفيدرالي الأميركي هو اثنين في المئة، قائلاً "لقد تجاوز ذلك بنحو ثلاثة أضعاف النسبة المستهدفة لتصل النسبة اليوم إلى 6.8 في المئة وهو معدل التضخم الحالي في الولايات المتحدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف "كان من المفترض أن يكون هناك رفع تدريجي للفائدة استجابة لهذه الارتفاعات وكان يُعتقد أن يكون معدل التضخم مؤقتاً ولكن هذه ليست الحقيقة، وقد نشهد في عام 2022 تشدداً بسبب معدلات التضخم". وأشار إلى أن "البنوك المركزية تولدت لها خبرة كبيرة في التعامل مع الأزمة الحاصلة، والأهم أن تكون قادرة على إرساء وتقديم سياسات مرنة تحتوي الأزمة قدر الإمكان". 

مفاتيح اللعبة وسلوك الأفراد 

في السياق، قال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، إن "الاقتصاد يعتمد على سلوك الناس ومدى الالتزام بالقواعد الصحية الموضوعة في كل دولة، وهناك أعداد كبيرة من الناس في العديد من المجتمعات الغربية ترى أن هذا الالتزام يتنافى مع الحريات الشخصية وهو كلام سلبي للغاية أثر في المجتمعات بشكل كبير جداً"، متوقعاً أن "نشهد تداعيات هذا السلوك خصوصاً في بعض الدول الأوروبية بخاصة مع موجة الإغلاقات التي تسببت بها متحورة أوميكرون"، وهي قضية وصفها الطه بكونها "خارجة عن يد السلطات النقدية في تلك البلدان".
وختم الطه بالقول إن "عام 2022 سيكون أفضل، من حيث الأداء، من العام الحالي، نظراً إلى امتلاك البنوك المركزية خبرات جيدة وأدوات مرنة وهي قادرة على مراقبة الأمور بشكل جيد. ولكن مفاتيح اللعبة في ما يتعلق بالاقتصاد ليست كلها في يد البنوك المركزية وإنما أيضاً في سلوك الأفراد الذي كان سلبياً وأثّر في الأداء الاقتصادي بشكل إجباري".
وتوقعت "نورثرن ترست" في تقريرها الذي بنته على افتراضات سوق رأس المال الطويل الأجل للشركة، وهو عبارة عن توقعات استشرافية مدروسة لمدة خمس سنوات، أن يتكيّف الاقتصاد العالمي مع جائحة كورونا ومتحوراتها. وأضافت أن "استمرار نمو الأرباح القوي والفائدة الراسخة الطويلة الأجل ستدعم أسعار الأسهم والسندات".
وقال أنجيلو مانيوداكيس، كبير مسؤولي الاستثمار في "نورثرن ترست"، إنه "نظراً إلى توقعاتنا المواتية للنمو الاقتصادي لعام 2022، فإننا نعتمد على الأصول الخطرة في نموذج السياسة العالمية لدينا". وقال مانيوداكيس "وسط تقلبات السوق الأخيرة والمخاوف المتزايدة بشأن التضخم، من المهم للمستثمرين أن يدركوا أن أرباح الشركات وأسعار الفائدة هي الركائز الأساسية لأسعار الأسهم والسندات". وأضاف "تشير الدلائل إلى استمرار نمو الأرباح القوي جنباً إلى جنب مع أسعار الفائدة المستقرة، وإن كانت أعلى قليلاً على المدى الطويل". 

الحكومات ستحتفظ بسياسة مرنة  

من جانبه، توقع طارق قاقيش، المدير التنفيذي لشركة "سولت" للاستشارات المالية، أن تستمر السياسة النقدية في النهج ذاته في العام المقبل قائلاً إن "مشكلة التضخم لا تزال تؤرق صانعي القرار، بالإضافة إلى ظهور الوباء وبشكل متحور سيرغم الحكومات على التعامل بشكل حذر". وتوقع قاقيش أن يقوم الفيدرالي الأميركي بزيادات متعددة في أسعار الفائدة في عام 2022 وتخفيف برنامج التحفيز بشكل أسرع نتيجة ارتفاعات معدلات التضخم. ورأى أن "الصورة مختلفة في الاتحاد الأوروبي، فمن غير المرجح أن يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة العام المقبل، حيث تظل معدلات التضخم تُعتبر منخفضة نسبياً". وعبّر قاقيش عن اعتقاده أن "ظهور متحورة أوميكرون سيزيد من حالة عدم اليقين، ما سيؤدي إلى إغلاقات جديدة وزيادة مستويات البطالة ومعدلات التضخم ويطيل فترة الاضطرابات في سلسلة التوريد".
وتوقع المدير التنفيذي لشركة "سولت" للاستشارات المالية أن تحتفظ الحكومات بسياسة مرنة تتأقلم مع الأوضاع المتسارعة، قائلاً إن "الاقتصاد العالمي تعافى هذا العام بسرعة أكبر وأقوى مما كان متوقعاً نتيجة التدخل القوي في دعم الاقتصاد".