Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"اللعبة الغاضبة" ابدعت شكلا روائيا مختلفا في أميركا اللاتينية

الأرجنتيني روبرتو أرلت استفاد من الحركات التجديدية في أوروبا

الروائي الأرجنتيني روبرتو أرلت المجهول عربيا (الدار المصرية اللبنانية)

لم تكتفِ أستاذة اللغة الإسبانية وآدابها في جامعة القاهرة، عبير عبدالحافظ، بترجمة رواية "اللعبة الغاضبة" للأرجنتيني روبرتو أرلت Roberto Arlt (1900–1942) إلى العربية (الدار المصرية اللبنانية)، فعززت الترجمة بدراسة عنوانها "مئة عام من الرواية الأرجنتينية". وانطلقت عبدالحافظ في تلك الدراسة من كون أرلت، "مهّد الطريق مع آخرين نحو صياغة جديدة للشكل الروائي والقصصي في مطلع القرن العشرين في الأرجنتين بشكل خاص، وأميركا اللاتينية عامة".

وعلى الرغم من قصر عمره، فإن روبرتو أرلت أثرى المكتبة اللاتينية بعشرات النصوص بين الرواية والقصة والمسرح وأدب الرحلات. وارتكزت تجربته على الاستفادة من مدارس الطليعة المنبثقة من الحركات التجديدية في أوروبا، بدءاً من التعبيرية الألمانية، والمستقبلية الروسية، والإيطالية، والتكعيبية، والسوريالية، وغيرها، وما تلاها من تلاقح التيارات المذكورة بالتاريخ الفني والأدبي للقارة الفتية التي لم يمضِ آنذاك سوى خمسة قرون على اكتشافها، فإذا برموزها الفنية في الشعر والرواية والقصة والفنون التشكيلية والمسرح، وغيرها، يصوغون معادلتهم الإبداعية المستحدثة، مبتعدين قلباً وقالباً عن حركة "المودرنزم" التي رسّخ لها الشاعر النيكاراغوي روبن داريو (1867–1919)، حتى إن القطيعة بين التوجهين أضحت مثل حرب معلنة، بتعبير عبدالحافظ، وهو ما جعل الأرجنتيني بورخيس (1899–1986) يصف أتباع مدرسته بأنهم مثل الجِرَاء "ما زالوا يهزّون ذيولهم"، في إشارة إلى جمود الحركة، وعدم ملاءمتها للمناخ الأدبي في تلك الحقبة، والذي أفرزته أحداث الحرب العالمية الأولى والأزمات الاقتصادية، وغيرها من العوامل التي غيّرت المشهد العالمي، ومعه سيكولوجية الإنسان من جهة، وأولويات الكتابة والهدف منها من جهة أخرى.

تغيير العنوان

قدّم روبرتو أرلت رواية "اللعبة الغاضبة" في اسمها الأول "الحياة القذرة"، غير أن لجنة النشر استبعدت العنوان لوقعه الثقيل، فصدرت على النحو المذكور. واعتُبرت الرواية تجسيداً لثورة الفن الجديد، واشتملت، بحسب دراسة عبير عبدالحافظ، على سمات الخطاب المجدد والمقاوم للمدرسة التقليدية في شكل ومضمون الرواية وصورة البطل وتقنيات الحكي وغيرها من مقومات البنية الروائية المتعارف عليها، على الرغم من الإبقاء على مركزية صورة البطل الذي بدا امتداداً لروايات الصعاليك، لكن في صورتها الجديدة التي حلّ فيها البطل المهمش محل البطل التاريخي المتعارف عليه.

وبحسب تقديم عبير عبدالحافظ، فإن أرلت يستهل روايته "اللعبة الغامضة"، بإبراز وجود البطل قبالة المجتمع "الخاطئ" غير المكافئ لتكوينه العقلي والنفسي، مستحضراً فلسفة نيتشه، وتأثير الأدب الروسي، وتحديداً ديستوفسكي عبر شخصيتي "راسكولينكوف" في "الجريمة والعقاب"، و"دولجوروكي" في "المراهق".

والسرد بضمير الأنا في رواية أرلت يجعل البطل مركز الحكي ومراقب حراك الأحداث التي تتواتر في صوت "أوتوبيوغرافي" للصبي "سيلفيو أستيير" الألماني من ناحية والده، الإيطالي من ناحية والدته، والذي هاجرت عائلته إلى بوينس آيرس، مثله مثل أرلت نفسه.

بوابة الرواية الحديثة

وتُعد "اللعبة الغاضبة" الصادرة في 1926، "بوابة الرواية الحديثة في أميركا اللاتينية". ومن ثم، فإن المترجمة ترى أنه ليس بوسع أكاديمي أو قارئ مطلع أو مؤرخ أدبي، الوقوف على تطور الأدب في دول أميركا اللاتينية من دون العبور من صفحات تلك الرواية "إلى هذا العالم القصيّ، والذاتي في الوقت نفسه".

وقد أحدثت تلك الرواية التي تُعد العمل الروائي الأول لصاحبها، تحولاً تجلّى في أنه للمرة الأولى تتحول مدينة بوينس آيرس إلى مركز الحكي متخلية عن الصورة النمطية التي اعتادت الظهور بها في أعمال أخرى، بحسب تقديم الكاتب الأورغواني خوان كارلوس أونيتي (1900–1994). وفي هذه الرواية - يقول أونيتي - يدشن روبرتو أرلت فضاءً سردياً جديداً مستوحياً موتيفة أدب المهمشين لدى ديستوفسكي، موثقاً ملامح البشر الخاضعين للفقر والخسران والضياع المتواصل، فيهيمون بلا توقف في شوارع المدن الكبيرة في محاولة للبقاء.

"سيلفيو أستيير"، هو البطل المُدان بحياة الفقر والبؤس والعوز، يقول أورنيتي، غير أنه يحلم بمستقبل يخوض فيه المغامرات، ويصبح مشهوراً. وعلى الرغم من تقديم شخصية "سيلفيو" في بداية العمل كسارق، فإنه مغاير لنموذج اللص التقليدي، فهو صعلوك، لكنه نابغة يكتنفه الفضول للمعرفة، مهووس بالعلوم، ويقرأ شعر بودلير.

مسيرة وجودية

من جهة أخرى – بحسب أونيتي – فإن المستقبل المرسوم لـ"سيلفيو" محفوف بالاضطرابات واليأس، "إنه مقفر وقبيح كأنه عقدة تقف في سبيل روحي"، بحسب تعبير بطل الرواية. ومن هنا يتضح التحول في الشخصية، فاليقين بديمومة العوز واليأس هو ما يسِمُ المسيرة الوجودية لهذا الصبي.

في نهاية الأمر - كما يؤكد أونيتي – فإن "اللعبة الغاضبة" تدلل على عجز الضحية، فعلى الرغم من كونه جلاداً، فإنه لا يملك وسيلة للنجاة، مشيراً إلى أن أي قارئ لحياة روبرتو أرلت، لن يكون بوسعه تجاهل عناصر التشابه البارزة بين الكاتب وبطل عمله: "لقد وُلد ليكتب عن شقاء طفولته وصباه وشبابه، فعل ذلك بغضب بما أنها أشياء فاضت، وكفت"، بحسب سارد الرواية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القسم الأول من الرواية التي جاءت ترجمتها في 254 صفحة من القطع المتوسط، حمل عنوان "اللصوص"، فيما كان عنوان القسم الثاني "العمل والأيام"، واختار الكاتب "اللعبة الغاضبة" عنواناً للقسم الثالث، وللرواية ككل، أما القسم الرابع والأخير، فحمل عنوان "يهوذا الأسخريوطي".  

وهدفت دراسة عبدالحافظ إلى استجلاء مشهد الرواية الأرجنتينية في أميركا اللاتينية منذ قرابة مئة عام من خلال إلقاء الضوء على النتاج الأدبي لروبرتو آرلت.

طليعية موازية

وفي مطلع القرن العشرين – تقول عبير عبدالحافظ – بدأ التمازج والتلاقح بين أدب أميركا اللاتينية الحديث وتوجهات مدارس الطليعة الأوروبية وبزوغ "طليعية موازية" في بلاد القارة الناطقة بالإسبانية والبرتغالية.

وفي رواية "اللعبة الغاضبة" يسرد البطل سيرته الموجزة وهو في الخامسة عشرة من عمره، ومنشأه البائس، وفقر عائلته المهاجرة، وغياب الأب الذي يكشف لاحقاً عن أنه قتل نفسه، وعوزه وعوز أسرته المؤلفة منه وأمه الهزيلة التعسة وأخته "ليلا" التلميذة النابهة التي لا تملك ثمن الكتب، فتقرأ في المكتبة. ويحكي "سيلفيو" كذلك عن أصدقائه المماثلين له في الفقر والتعاسة والعوز، والذين يقررون تأسيس "نادي منتصف الليل"، للسرقات والاختراعات العلمية وقراءة كتب الشعر والرياضيات والميكانيكا. تدفعه أمه للعمل ليعول الأسرة، فيعمل في متجر لبيع الكتب، فيتعرف على نقائص النفس البشرية لعالم الكبار عن قرب، ثم يلتحق بمدرسة الطيران العسكرية، لكن سرعان ما يُطرد منها ليحل محله شخص آخر بحكم المحسوبية. ويستقر به المقام بائعاً لأفرخ الأوراق للمتاجر والصيدليات، فيتمكن من تحقيق نجاحات متواضعة.

في القسم الأخير من الرواية يستلهم الراوي المقنع شخصية يهوذا الأسخريوطي، غير أنه – كما تقول عبير عبدالحافظ – يطوعها لتلائم شخصية الصبي الفقير في الحي البائس، مقر المهاجرين والفقراء والبروليتاريا المطحونة. نهاية النص - بحسب عبدالحافظ - قابلة لتأويلات متناقضة، يحددها المكان الذي سيذهب إليه "سيلفيو": الجنوب مثلما طلب من المهندس الذي أنقذه من خطة محكمة لسرقة منزله، أو بقاؤه مستسلماً لمصيره ومصير أقرانه من أبناء المهاجرين الصعاليك في أرضهم، فينغلق النص على دائرة التوثيق غير المباشر والحيرة لكل من الكاتب والراوي والمتلقي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة