Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يشعل "الأحمر الصغير" أزمة جديدة بين الشرعية والانتقالي؟

الاصطفاف السياسي الحاد يلقي بظلاله على الإنجاز الكروي الأول من نوعه للبلد الغارق في الحرب

لحظة استقبال الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور بعثة المنتخب اليمني للناشئين الحائز على بطولة غرب آسيا (وكالة سبأ)

يبدو أن آثار الاستقطاب السياسي الحاد في اليمن طالت كل نواحي الحياة، وكان آخرها المجال الرياضي، وهو الذي كان يعوَّل عليه دائماً بأنه قد "يصلح ما أفسده الساسة"، وذلك بعدما ظهرت بوادر أزمة جديدة بين "المجلس الانتقالي" و"الحكومة الشرعية"، عقب فوز المنتخب اليمني للناشئين ببطولة غرب آسيا، للمرة الأولى في تاريخ البلد الذي أنكهته الحروب والمجاعات منذ سبعة أعوام عجاف.

الفوز الذي حققه منتخب "الحمر"، وهاجت لأجله الشوارع والطرقات اليمنية بالفرح الغائب منذ زمن بعيد، كان يُعتقد أنه سيسهم في تقريب وجهات نظر فرقاء السياسة وإصلاح ما أفسدته تبايناتهم، مثلما حدث مع طيف كبير من اليمنيين الذين لم يجدوا من راية للاحتفال سوى راية النسر الذي يعتلي شعار اليمن بألوانه الحمراء والبيضاء والسوداء، إلا أن بوادر صدامات جديدة بدت حول مسألة "لمن يُنسب الفوز، لأي من الفريقين، الشمالي أم الجنوبي؟".

وجاء الفوز وسط ظروف سيئة أحاطت باللاعبين الذين التحقوا بالمنتخب اليمني من المدراس والأزقة والحارات والملاعب الترابية، وكانوا بعيدين كل البعد من الشعارات السياسية، وهدفهم زراعة أمل وفرحة للبسطاء من الناس، وهو ما تحقق، قبل أن تبدأ أزمة كلامية اتخذت أبعاداً سياسية تهدد بإفساد ترتيبات الاستقبال الجماهيري والتكريم الرسمي والشعبي الموعود للنجوم الصغار.

 

وما إن هنّأ الرئيس الذي يقود الحكومة الشرعية عبد ربه منصور هادي، أعضاء بعثة المنتخب، قائلاً إن "هذا الإنجاز رسم البهجة على وجوه البسطاء في اليمن الذين وحّدتهم الرياضة"، حتى انطلقت شرارة جنوبية من قيادات "المجلس الانتقالي" هنّأت المنتخب أيضاً، لكنها أثارت عبر قيادات وناشطين مطالب أخرى قديمة كالانفصال والاستقلال.

اختلاف الشعارات

وترى "الشرعية" أن الإنجاز يمثل اليمنيين جميعهم، واعتبر عدد من المسؤولين والمحسوبين عليها أن خروج الجماهير إلى الشارع، خصوصاً في مدينة عدن والمدن الجنوبية والهتاف بشعارات اعتاد الشارع اليمني ترديدها في مختلف المناسبات الوطنية هي بمثابة استفتاء شعبي ضد "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يسيطر على عدن وعدد من المحافظات الجنوبية التي يحمل أفرادها شعارات لدولة تُسمّى بـ"الجنوب العربي".

وأشعل ذلك جدلاً بين اليمنيين الذين يرون أن الفرصة مؤاتية وسط هذا الفرح العارم لتجاوز الخلافات، لكن وعيد واشتراطات نشطاء المجلس الانتقالي بمنع رفع علم الدولة الرسمي الذي يعتبرونه "علم دولة الاحتلال اليمني"، سبّبا الخلاف. وبعد أن اشترط "المجلس الانتقالي" الترحيب بالفريق الكروي تحت شعار علم "جمهورية اليمن الديمقراطية" الجنوبية التي دخلت في وحدة مع "الجمهورية اليمنية العربية" الشمالية، في مايو (أيار) 1990 وحملت اسم الجمهورية اليمنية. كما هدد "المجلس الانتقالي الجنوبي" بمعاقبة كل من يحاول رفع العلم الرسمي للدولة اليمنية.

اعتقالات 

وزاد من المخاوف، تواتر أنباء عن اتهام مواطنين في عدن لسلطات الانتقالي، باعتقال أبنائهم أثناء احتفالهم بفوز المنتخب اليمني للناشئين ببطولة غرب آسيا، ما ينذر بحدوث صدامات عنيفة في حال سُمح للجماهير استقبال بعثة الفريق التي من المقرر أن تعود إلى اليمن خلال الساعات المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويسيطر "المجلس الانتقالي الجنوبي" منذ أغسطس (آب) 2019، على مفاصل عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وعدد من المحافظات الجنوبية بعد طرده الحكومة الشرعية بقوة السلاح.

وتوسطت السعودية في أكثر من مناسبة لفرض تهدئة وإبرام اتفاق يهدف إلى إنهاء الأزمة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بما يشمل تشكيل حكومة جديدة بمشاركة "الانتقالي"، وتسخير كل الجهود لمواجهة الانقلاب الحوثي، لكن كثيراً من البنود لم تجد طريقها للتنفيذ حتى الآن، بسبب الخلاف القائم حول عملية إعادة نشر القوات المسلحة التابعة للطرفين.

ويُلاحظ انتشار "الأعلام الشطرية" في عدن وعدد من المحافظات الجنوبية، خصوصاً عقب سيطرة "المجلس الانتقالي" على العاصمة المؤقتة للبلاد، بعد معارك عنيفة خاضها ضد قوات ألوية الحماية الرئاسية انتهت بطرد الحكومة الشرعية، لتسارع السعودية إلى تهدئة التوترات وإبرام "اتفاق الرياض" الموقّع بين الطرفين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، والذي قضى بتشكيل حكومة كفاءات سياسية مشكّلة من الطرفين وبقية القوى اليمنية.

عودة بلا شعار 

ومن المقرر أن يقام استقبال رسمي وشعبي لمنتخب الناشئين في عدن، فيما ذكرت مصادر أن اتحاد الكرة اليمني قد يغيّر وجهة الوصول من مطار عدن إلى حضرموت ومنها إلى شبوة ومأرب في حال استمرار المخاطر الأمنية، لكن مصادر أخرى ذكرت أن هناك نقاشاً واسعاً لا يزال دائراً بين قيادات "الانتقالي" بشأن السماح للمنتخب بالعودة عبر مطار عدن، وأن القيادات التي تقترح السماح للمنتخب بالعودة عبر مطار عدن شددت على منع رفع علم الجمهورية اليمنية.

 


إنجاز رياضي

وقال وكيل وزارة الشباب والرياضة شفيع العبد إن "الفرحة بإنجاز منتخب الناشئين عمّت كل الجغرافيا اليمنية، بالتالي يجب علينا التعاطي معه كمنجز رياضي غير مسبوق في تاريخنا، من دون توظيفه لخدمة تطلعات سياسية معينة".

وحول التداعيات المثارة بشأن المنتخب وترتيبات وصوله، أضاف وكيل الوزارة أن "الرياضة ترمم ما أفسدته السياسة، وتمنح النسيج الاجتماعي والعقل الجمعي استراحة مما علق فيهما من شتات وتمزق".

وعلّق شفيع العبد على بوادر النزاع بشأن الشعارات الخاصة بكل فريق المزمع رفعها، قائلاً إن "منتخب الناشئين يستحق أن تستقبله كل المدن اليمنية وتحتفي به تحت راية واحدة هي راية كرة القدم، على أن السؤال الأهم هو، ما مصير المنتخب بعد الاحتفاء الرسمي والشعبي؟ وهل سيمنح هذا الإنجاز، الرياضة اليمنية شيئاً من الاهتمام بعد إهمال عانته طويلاً؟".

خلاف سياسي

وأثارت تصريحات المسؤولين الحكوميين حفيظة "الانتقالي الجنوبي" الذي يتبنّى علناً خيار فصل جنوب اليمن عن شماله، ويدّعي التمثيل الحصري لخيارات أبناء المحافظات الجنوبية، على خلفية ترديدهم أن "لا شعار ولا راية إلا راية اليمن الواحد"، كما جاء في كلمة وزير الشباب والرياضة اليمني نايف البكري في حفل التكريم الذي أقامه الرئيس عبد ربه منصور هادي في مقر إقامته بالرياض.

وقال مستشار رئيس المجلس الانتقالي، رئيس دائرة الشباب والرياضة في المجلس الانتقالي مؤمن السقاف إن "الخلاف بيننا والأخوة في الشمال، خلاف سياسي جغرافي وليس خلافاً رياضياً أو اجتماعياً، لذلك نستقبل جميع الرياضيين". وأضاف "منتخب الناشئين قبل انطلاق البطولة كان موجوداً في عدن للاستعداد، وقبل ذلك منتخب الشباب واستقبلنا أيضاً أندية أهلي تعز وأهلي صنعاء ووحدة صنعاء".

في تعليقه على رفض "الانتقالي" أعلام الدولة الرسمية، أكد السقاف أن "في ما يخص موضوع رفع العلم (اليمني)، فالوزارات في حكومة المناصفة الموجودة في عدن ترفع علم الجنوب ولا يمكن أن نقبل بالإساءة للشهداء واستفزاز أسرهم بالسماح برفع راية الغزو (في إشارة إلى حرب صيف 1994 عقب اجتياح قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح المحافظات الجنوبية في أعقاب خلافات حادة مع قادة الدولة الجنوبية) التي سُفكت تحتها دماء زكية كثيرة منذ عام 1994 وحتى اللحظة. وهناك توجه وإرادة شعبية في الجنوب ترفض هذا العلم منذ عام 2007".

وختم "لا يمكن لأحد الوقوف في وجه إرادة شعب".

"الأمور على ما يرام"

من جهة أخرى، وفي تعليق مقتضب لـ"اندبندنت عربية"، استبعد مدرب منتخب الناشئين اليمني قيس محمد، وجود أي مخاوف على وصول المنتخب إلى عدن جراء التجاذبات السياسية، مكتفياً بالقول، "الأمور على ما يرام، لا داعي للقلق".

أبعاد سياسية

وفيما سارعت جهات عدة إلى تكريم المنتخب، اعتبر مراقبون ذلك استغلالاً للإنجاز الرياضي، لا يخلو من المزايدة السياسية في إطار محاولة كل طرف تجيير الإنجاز الكروي الأول من نوعه لمصلحته أمام الشعب الذي يشهد استقطابات سياسية حادة تنذر بتقسيم البلد.

وعلى الرغم من الجهود السعودية الساعية إلى رأب صدع الخلاف داخل صف الشرعية، فإنه منذ توقيع "اتفاق الرياض" في نوفمبر 2019 برعاية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وحضور ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وقائد "المجلس الانتقالي" عيدروس الزبيدي، ظل السجال السياسي والإعلامي هو السائد في العلاقة بين الطرفين، مع اتهام كل طرف الآخر بعرقلة الاتفاق وتنفيذ بنوده السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات