Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القدود الحلبية... من فولكلور شعبي إلى تراث إنساني عالمي

شكل من أشكال الموسيقى التي نشأت في مدينة حلب ذات لحن ثابت

اشتهرت حلب وأهلها باهتمامهم بالموسيقى والفن والطرب وإسهاماتهم واضحة في هذا المجال (الأمانة السورية للتنمية)

حلب والموسيقى، حكاية شغف يجول شوارع المدينة، إذ تكاد لا تنفصل الموسيقى عن أهل "الشهباء". سمة نشروها حول العالم وكان عرابها وأحد أبرز رموزها، المغني الشهير الراحل صباح فخري، الذي يروى عنه غناءه المتواصل لمدة تجاوزت عشر ساعات متواصلة، ومن خلاله استحقت أبرز سماتها الموسيقية، القدود الحلبية، الإدراج بجدارة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني في اليونسكو، وجاء الإعلان خلال اجتماع الدورة السادسة عشرة للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي في العاصمة الفرنسية باريس، في الفترة من 13 إلى 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

حلب والموسيقى

اشتهرت حلب وأهلها باهتمامهم بالموسيقى والفن والطرب وإسهاماتهم واضحة في هذا المجال، وخرجت منها ألوان موسيقية عدة، وفيها أنجز الفارابي كتاب الموسيقى الكبير، الذي يُعد من أهم خمسة مؤلفات موسيقية كُتبت بين القرنين العاشر والخامس عشر الميلاديين، ويتناول تعريف اللحن وأقسامه وأصل الموسيقى ونشأة الآلات الموسيقية وأصول صناعة الموسيقى والآلات الموسيقية المشهورة عند العرب، وتأليف النغم وطرائق الألحان وصناعة الألحان الجزئية.
كما كان لحلب حصة الأسد ضمن إحدى أغنى الموسوعات الأدبية التي أُلفت في القرن الرابع الهجري، كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، الذي جمع الأغاني المتميزة في عصره والعصور السابقة مع طرائق الغناء في كل منها، وبعد أن انتهى منه أهداه إلى أمير حلب آنذاك، سيف الدولة الحمداني.
وكانت حلب مركز اختبار لكبار رواد الموسيقى والغناء في العالم العربي مثل سيد درويش، ومحمد عبد الوهاب، وكارم محمود، ونور الهدى، وسعاد محمد، وغيرهم.

ما "القد"؟

والقد هو قالب غنائي موسيقي شرقي اشتهرت به مدينة حلب، نشأ بداية في الأندلس ثم انتقل إلى بلاد الشام مع القوافل التجارية. وبُنيت القدود على ألحان دينية أو مدنية، بمعنى أنها بُنيت على "قد"، أي على قدر أغنية شائعة. ومن أنواعه، "القد الشعبي" الذي يأتي على شكل منظومات غنائية متوارثة طُمس في أغلبها اسم كاتبها وملحنها مع الزمن، و"القد الموشح" المبني على نظام الموشح القديم، وله ثلاثة مصادر، الموشحات والأناشيد الدينية المتداولة في الموالد والأذكار، والأغاني الشعبية والفولكلورية والتراثية، والأغاني والموشحات الأعجمية التركية والفارسية على وجه الخصوص.

التراث الثقافي اللا مادي

يمكننا التراث الثقافي غير المادي من تبادل أشكال التعبير الثقافي التي توارثتها الأجيال وتطورت استجابة لبيئاتهم، وتسهم في تزويدنا بالإحساس بالهوية والاستمرارية. ويشكل ذلك التراث عاملاً مهماً في الحفاظ على التنوع الثقافي في مواجهة العولمة المتزايدة، إذ إن فهم التراث الثقافي غير المادي للمجتمعات المحلية المختلفة يساعد على الحوار بين الثقافات ويشجع على الاحترام المتبادل لطريقة عيش الآخر.
وبحسب تعريف اليونسكو، يشير التراث الثقافي غير المادي، المعروف أيضاً باسم "التراث الحي"، إلى الممارسات والتمثيلات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات التي تنقلها المجتمعات من جيل إلى جيل، وتبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز بالتالي احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية.
وعادة ما يتم التعبير عنه بأحد الأشكال التالية: التقاليد وأشكال التعبير الشفوي، والفنون التمثيلية، والممارسات الاجتماعية والطقوس والمناسبات والاحتفالات، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، والفنون الحرفية التقليدية.

دعم بناء السلام

وقالت رئيسة هيئة التقييم في اليونسكو في شرحها إن، "القدود الحلبية شكل من أشكال الموسيقى الشعبية الحلبية ذات لحن ثابت، والمغناة لأغراض دينية وترفيهية، وتختلف الكلمات فيها وفقاً للموضوع". وأضافت، "أخذت هيئة التقييم في الاعتبار أن الترشيح يحقق المعايير الخمسة كلها، وهي تثمن على وجه الخصوص كيف أن الحفاظ على التراث الثقافي اللا مادي يمكن أن يقدم للمجتمعات مصدراً للمرونة في حالات النزاع وما بعد النزاع، ويدعم بناء السلام والحوار بين المجتمعات".
كما شددت هيئة التقييم على أن هذا الملف يمكن أن يقدم مثالاً جيداً على أن إدراج عنصر معين ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللا مادي يمكنه المساهمة في ضمان الترويج والتوعية بأهمية التراث الثقافي اللا مادي بشكل عام، وبالنتيجة فإن هيئة التقييم توصي بإدراج القدود الحلبية على القائمة التمثيلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت السفيرة لمياء شكور، المندوب الدائم لسوريا لدى اليونسكو، عقب إعلان نتيجة التسجيل، إنه "من خلال تسجيل القدود الحلبية، تقدم سوريا رسالة كونية عن الأخوة والتناغم والصداقة مع العالم أجمع، هذا النوع الموسيقي التقليدي السوري المصاحب للغناء باللغة العربية والمعروف كمصدر للهوية الثقافية الوطنية الجامعة التي تُعد تعبيراً عن المعنى التاريخي العالي لإنتاج الخُلق الثقافي وثمرة تنوع وتماسك المجتمعات على الأرض السورية".

مرآة لعمق الهوية

في السياق، اعتبرت وزارة الثقافة السورية في بيان، أن "تسجيل القدود يشكل خطوة إضافية لحماية وصون الهوية الوطنية". ووصفت القدود الحلبية بأنها، "مرآة لعمق وأصالة الهوية الفنية السورية". وباركت الوزارة لسوريا وجميع السوريين وشكرت "أبناء سوريا المحبّين لقدودهم الحلبية لدعمهم تسجيل هذه القدود على لائحة التراث الإنساني"، كما شكرت "الأمانة السورية للتنمية على جهودها الكبيرة في إعداد ملف القدود ومتابعته في منظمة اليونسكو".
وأوضحت وزيرة الثقافة السورية لبانة مشوّح، أن "إدراج اليونسكو القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني يرتب على سوريا تقديم تقرير مفصل كل ست سنوات عن الإجراءات المتَّخذة للحفاظ على عنصر التراث اللا مادي ونشره، وفي حال التقصير في ذلك توضَع القدود على قائمة أخرى هي قائمة التراث الإنساني المهدد بالخطر"، لافتة إلى وجود "أنشطة وفعاليات وإجراءات للحفاظ على هذا العنصر بالتعاون مع كل الجهات ومنها المجتمعات المحلية".

صون الهوية الوطنية

وكانت الأمانة السورية للتنمية، وهي مؤسسة سورية غير حكومية وغير ربحية تعمل في تمكين الأفراد وإشراكهم ومساعدتهم في أداء دورهم المجتمعي، أعدت الملف، الذي أشرف الفنان الراحل صباح فخري على إنجازه، وتابعته في اليونسكو.
وعملت الأمانة عبر برنامجها، "التراث الحي"، الذي يعمل على توظيف التراث الثقافي السوري ويشرف على إعادة إحياء المعالم التاريخية والأثرية والمواقع التراثية، وبالتعاون مع المجتمع المحلي الممارِس للقدود الحلبية منذ عام 2018، على رفع الوعي بأهمية الإدراج على قوائم اليونسكو، وجمع المعلومات الأساسية والداعمة لملف الترشيح عبر اجتماعات وورش عمل مع باحثين ومختصين موسيقيين ومطربي حلب وصولاً إلى إرسال ملف الترشيح في عام 2019، وتقييمه من قبل خبراء مختصين بالتراث اللا مادي من أكثر من 12 دولة عربية وأجنبية، ليستحق الملف قرار الإدراج، حيث جاء فيه "إن لجنة التقييم تثني على ملف القدود الحلبية وما قدمه من إبراز لأهمية التراث اللا مادي، وقدرته على تزويد المجتمعات بمصادر الصمود في حالات النزاع وما بعد الصراع وتعزيز بناء السلام والحوار بين المجتمعات".
وأكدت الأمانة في بيان لها أن تسجيل القدود يشكل "خطوة إضافية لحماية وصون الهوية الوطنية، تضيف إلى التراث الإنساني العالمي جزءاً من ثقافة وتراث المجتمع السوري العريق". وأشارت الأمانة إلى أن "راية القدود الحلبية والطرب الأصيل بما يحمله من ألحان وكلمات، أمانة ووسام سيُحافظ عليه من كل محبي القدود".
ويأتي قرار منظمة اليونسكو لهذه السنة بإدراج القدود الحلبية، بعد تسجيل سوريا عنصر "الحرف والممارسات المرتبطة بالوردة الشامية" أيضاً ضمن القائمة التمثيلية لعام 2019. وتزامناً مع الفترة التي تشهد فيها مدينة حلب إعادة إعمار لأسواقها التراثية وخاناتها الأثرية، وإعادة بث الحياة فيها.
وبمجرد إعلان الخبر تتابعت تصريحات شخصيات رسمية وفنية أثنت على دور مطربي وموسيقيي مدينة حلب وإخلاصهم في تطوير ونشر هذا الفن حول العالم، وأكدوا أهمية القرار وتأثيره المستقبلي في الحفاظ على هذا الفن من الاندثار.

المزيد من ثقافة