Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الزغرودة" سر اشتعال الثورة السودانية

تقدمت السيدات الصفوف وساهمن في إسقاط الأنظمة التي أجحفت في حقهنّ

اختصت المرأة السودانية في الثورة بتقديم التشجيع لبنات جنسها والشباب (رويترز)

كانت المرأة السودانية من أهم المؤثرين في ثورة ديسمبر (كانون الأول)، وكان وجودها لا يقتصر فقط على المشاركة في التظاهرات بصورة عادية، بل في نشر الحماسة بين صفوف الثوار، وهو من أهم ما قامت به المرأة السودانية التي عرفت منذ قديم الزمان بدورها الفاعل في الحروب ومشاركتها في الحكم.

واختصت المرأة في الثورة بتقديم التشجيع لبنات جنسها والشباب، وظلت "الزغرودة" السودانية، حاضرة في كل المنابر والأفراح، والأهم أنه كانت لها رمزية في ثورة ديسمبر، حيث لا يبدأ الموكب من دون "زغرودة" البداية من المشاركات في الموكب، وأصبحت "الزغرودة" حتى يومنا هذا سرّ إشعال المواكب ودفعها للأمام.

أهداف وطنية

ومن المعلوم أن السيدة السودانية شاركت في المواكب بنسبة فاقت الرجال، لأهداف وطنية وشخصية، وعانت المرأة السودانية طوال حياتها من التمييز والإقصاء والتقاليد والعادات التي يتضمّن بعضها إنزال عقوبات قاسية بحق السيدات، في ظل إجحاف كبير وعدم وجود قوانين تحفظ حقهنّ في ما يتعلق بأحوالهنّ الشخصية في ما خصّ قوانين النظام العام والأحوال الشخصية، التي فرضت على البلاد منذ عام 1991، وعدم حرية النساء في ارتداء ما يردن، أو ممارسة حقهنّ في العمل في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة، مع وجود قواعد صعبة عليهنّ كقوامة الرجل وطاعة الزوج.

ولأن معاناتهنّ كانت الأكبر، كنّ الأكثر مشاركة في الثورة، والأكثر مناداة بتحسين أوضاعهنّ وتعديل القوانين، وعلى الرغم من وضعهنّ في مجتمع يمنع معظمهنّ من المشاركة في التظاهرات، إذ ترى بعض الأسر أنه تجمع رجالي لا يحق للنساء المشاركة فيه، إلا أننا تعرفنا على مئات السيدات اللواتي كنّ يخرجن عنوة ويشارك بعضهنّ من دون علم أسرهنّ التي استسلمت للأمر الواقع في النهاية وآمنت بدورهنّ العظيم في تغيير الأنظمة.

سر "الزغرودة"

عرفت السيدة السودانية بمشاركتها في الحروب ليس بالقتال وحسب، بل بتشجيع المقاتلين الرجال بالزغاريد والغناء الذي سُمي بغناء الحماسة، وظل منذ مئات السنين حتى يومنا هذا يُغنّى في بيوت الأعراس، وكان دعم الرجال أثناء الحروب بواسطة النساء ثقافة سودانية عريقة.

وقال الباحث في التراث السوداني عوض محمد أن "الزغرودة عادة سودانية يتم استخدامها في الأفراح والمناسبات، أما استخدامها في المواجهات العسكرية والتظاهرات والمناسبات الوطنية ليس جديداً، فمنذ قديم الزمن، تقوم السيدة باستخدام الزغاريد في ساحات المعركة جنباً إلى جنب مع الغناء الحماسي، وتعتبر أداة من أدوات تحفيز المحاربين وجعلهم يتقدمون نحو العدو، وتضفي في المكان أجواء حماسية وترفع من الروح المعنوية للمقاتل الذي يشعر بالقوة والاندفاع والحماسة للفوز بالمعركة ليثبت للطرف الآخر (الأنثى)، أنه قادر على الكسب وأن غناءها كان فعالاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف محمد، "انتقلت الزغرودة من أداة تعبير تستخدم لإلهام الرجال وتشجيعهم لنقطة انطلاق المواكب التي نادت بإسقاط نظام عمر البشير، ومن ثم قيادة الموكب بواسطة السيدات والفتيات اللواتي أطلقن تلك الزغرودة، وهذا تحول إيجابي يؤكد دور المرأة الكبير في الوصول إلى قمة مستويات الوعي، خصوصاً أن السيدات تعرضن لتمييز وحصار معنوي جعلهنّ أولى المنتفضات في وجه النظام السابق، ليس ذلك فحسب، بل ما زلن يحرسن الثورة وينادين بضرورة التحول الديمقراطي حتى يصلن لقوانين عادلة تضمن حقوقهنّ المسلوبة".

مشاركة واسعة

شاركت السيدة السودانية في الحكومة الانتقالية وأصرت على حجز مقاعد مهمة فيها، وما زالت تحرس ثورتها التي سُميت بثورة البنات، وهذا بسبب تفوق عدد الفتيات المشاركات، ولا أحد يستطيع إنكار مساهمة النساء في وضع المتاريس ومعالجة الجرحى والمشاركة في الاعتصامات والتظاهرات ووقوع قتيلات بارزات بينهنّ "ست النفور" التي قتلت أثناء الاحتجاجات، والتي خرجت عقب انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وقد أثرت وفاتها بملايين السودانيين الذين أكدوا حرص "ست النفور" على المشاركة في كل التظاهرات التي خرجت منذ ديسمبر 2018 حتى تاريخ مقتلها.

وعن تأثير مشاركة النساء في الثورة يقول الثائر محمد علي إن "مشاركة النساء تلهمنا وتشجعنا، ووجودهنّ في الصفوف الأولى يطمئن الشباب الذين يتعاملون معهنّ كإخوتهنّ، ومشاركة النساء في التظاهرات عموماً، وبدء التظاهرة بزغرودة البداية من أبرز الأفعال التي تشجعنا على الزحف والانطلاق للأمام والمناداة بالحقوق. وكانت المرأة المشاركة في الثورة منذ بدايتها، تقدم ما لديها من مشاركة الثوار في كل الأعمال الثورية كتتريس الشوارع وإعداد الطعام للمتظاهرين ومعالجة الجرحى، إضافة للزغرودة التي تحمسنا وتزيد من روحنا المعنوية وتقوى رغبتنا في النصر".

على الرغم من أن السودانيات عانين من الإقصاء سنوات طويلة، وانتصرن الآن في حجز مقاعد مهمة في الحكومة الانتقالية، وغيّرن قوانين مجحفة في حقهنّ، وعدلن قانون الأحوال الشخصية، إلا أنهنّ لم يستسلمن بعد، وما زلن في مقدم الصفوف بزغاريدهنّ الحماسية يلهبن الثورة السودانية ويدفعنها للأمام ويمهرن تراب وطنهنّ بدمائهنّ الطاهرة.

المزيد من متابعات