Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توجه جزائري نحو مراجعة العلاقة مع فرنسا... مزايدة باسم الحراك أم مسار يدعمه الجيش؟

تسريبات عن تورط باريس في "التشويش" على حركة الاحتجاج الشعبية

قوات مكافحة الشغب تقطع الطريق أمام الطلاب المتظاهرين في العاصمة الجزائرية (رويترز)

في غمرة من الشحن الجماهيري، أقدم مشاركون في مسيرة الجمعة الماضية، على حرق العلم الفرنسي وسط ساحة اعتاد المحتجون التجمع فيها في محافظة برج بوعريريج، في حادثة عكست انتشار أخبار لم يتم التحقق من صدقيتها، عن توجّه جزائري نحو مراجعة العلاقة مع فرنسا، الدولة المستعمرة السابقة، التي اتهمها رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح في خطاب سابق، من دون أن يسميها، بمحاولة "التشويش" على الحراك السلمي.
تدور حرب "اقتصادية" باردة في الخفاء بين السلطات الجزائرية والفرنسية، بعد إعلان الحكومة الجزائرية، التدخل لإبطال مفاوضات بين العملاق النفطي الفرنسي "توتال" والعملاق الأميركي "أناداركو"، إذ تحاول "توتال" الاستحواذ على أصول الشركة الأميركية في الجزائر.
ولوّحت الجزائر بقاعدة "الشفعة" التجارية التي تعطي الحكومة الجزائرية، الأحقية في عقد أي صفقة مع شريك أجنبي في حال قرر التنازل عن حصصه. وأكد وزير الطاقة محمد عرقاب أن السلطات الجزائرية ستمنع انتقال استثمارات "أناداركو" إلى "توتال"، متسلحة بـ"حق الشفعة" الذي يخولها عرقلة أي صفقة خاضعة للقانون الجزائري.
أصول "أناداركو" في الجزائر تُقدّر بنحو 260 ألف برميل يومياً، أي ما يزيد على 25 في المئة من إنتاج البلاد من الخام الذي يُقدَر بنحو مليون برميل يومياً. وأوضح عرقاب أن السلطات المعنية "تواصلت مع أناداركو للحصول على توضيحات بشأن هذه المعلومات، لكن لم يصلنا أي رد حتى الآن".

العلاقات مع فرنسا... ملف للمزايدة

ربط بعض المراقبين بين الخيار الجزائري ومعلومات غير مؤكدة رسمياً، عن مراجعة شاملة تجريها السلطات الجزائرية لعلاقاتها مع باريس. ومنذ بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) الماضي، برزت شعارات "عفوية" منددة بالتدخل الفرنسي في الجزائر، كما نُعت أعضاء الحكومة وغيرهم من كبار المسؤولين ممّن عملوا إلى جانب الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة بـ"أبناء فرنسا".
بين الجزائر وباريس علاقات معقدة وعلى قدر من الحساسية، نتيجة تبعات الحقبة الاستعمارية التي استمرت لـ 132 سنة، وعلى الرغم من فتور العلاقات بين الدولتين في ظل حكم بوتفليقة، بسبب ملف "الذاكرة" إلا أن العارفين بالعلاقات السرية الثنائية في العقدين الأخيرين، يقولون إن فرنسا لم تكن مطمئنة على مصالحها في الجزائر بقدر ما اطمأنت في السنوات الـ 20 الأخيرة إبان حكم بوتفليقة.
في السياق، رأى الأستاذ في كلية الإعلام رضوان بوهيدل أنه "من الصعب اليوم القول إن العلاقة بين فرنسا والجزائر قابلة لإعادة النظر بهذه البساطة"، مضيفاً "فرنسا لا تزال تعتبر الجزائر مستعمرة، ومنطقة نفوذ استراتيجية وهي غير مستعدة للتنازل عن مصالحها في الجزائر". بوهيدل دعم رأيه، قائلاً إن "انسحاب فرنسا يعني دخول قوى كبرى أخرى لتعويض الدور الفرنسي في المنطقة كالولايات المتحدة... لكن هذا لا يعني أن بوادر القطيعة مع الجيل الجديد من السلطة الحالية والمرتقبة، التي تحاول إرضاء الحراك الشعبي من خلال الترويج لخطاب غير واقعي، لأن منطق العلاقات الدولية يقوم على المصالح المتبادلة والمشتركة".

هل تورطت باريس مع جماعة السعيد بوتفليقة؟

في سياق متصل، نشرت صحف جزائرية تسريبات لم يؤكدها القضاء، عن تورط فرنسي مباشر في محاولات "للتشويش" على الحراك. وتحدثت معلومات نقلتها تلك الصحف عن "تواطؤ" جهات فرنسية رسمية في ما سُمي "اللقاءات المشبوهة" للسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، وجنرالات في الاستخبارات وسياسيين، ما سرّع اعتقالهم ومثولهم أمام القضاء العسكري، على الرغم من أن ما نُقل رسمياً، كان أنهم "شاركوا في اجتماعات تستهدف نظام الجيش ونظام الدولة".
ويغذي أصحاب الرأي القائل بوجود توجه جزائري نحو التقليل من الحضور الفرنسي في البلاد، موقفهم، بتلميحات وردت على لسان رئيس أركان الجيش، حين وصف جهات تشوش على المسيرات بأنها "قوى تتملكها عقدة تاريخية"، وهو تلميح رائج في الجزائر يعني فرنسا دون غيرها.
وانتقل النقاش حول الدور الفرنسي في الجزائر من مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أطروحات متقابلة تبناها أكاديميون. وتسبب مقال لمحلل جزائري في إحدى الصحف المحلية، بردود فعل غاضبة اتهمت الكاتب بـ"التطرف"، إذ جاء في ذلك المقال أن "الرافضين للانتخابات هم باستمرار غير القادرين على الفوز فيها. إما يُزوّرونها أو لا يجرونها أصلاً... هم أبناء فرنسا وأذنابها الذين ما زالوا يريدون الاستمرار في التحكم برقابنا بعد كل ما عرفناه من مآسٍ على أيديهم". وتابع "أما أبناء الجزائر، فهم من يقبلون بالانتخابات وينتصرون فيها حتى ولو نظمها أبناء فرنسا وأذناب حزب فرنسا في الجزائر بشرط واحد، أن يكونوا واعين مُنظَّمِين ومجندين".
الكاتب الشريف رزقي ردّ على ذلك المقال، فكتب أن "فرنسا تحولت إلى مزاد للمتاجرين من قبل مَن تورطوا بصفة أو بأخرى مع نظام بوتفليقة ويريدون الآن ركوب قطار الحراك"، مضيفاً " نعم لا بأس… أنتم تكرهون فرنسا، لكن ماذا تقدمون لبلدكم حين تذكرون صبحة وعشية أنكم تكرهون هذا البلد".

باريس لا ترغب في قايد صالح

يتفق محللون كثر في الرأي حول أن السلطات الفرنسية لم تكن يوماً من الراغبين في استمرار رئيس الأركان الحالي، الفريق أحمد قايد صالح في منصبه. واعتادت صحف في باريس على مهاجمة هذا العسكري الذي بدأ تدرجه في صفوف الجيش، "مجاهداً في جيش التحرير" في فترة الثورة ضد فرنسا.
وتُنسَج روايات كثيرة حول علاقة قايد صالح بباريس، وعلى أساسها يجري تقدير مواقفه وقراراته من دون تأكيدات رسمية. ويُعرف أن المؤسسة العسكرية في فترة قيادة قايد صالح لها، انحازت إلى الروس، كما فتح علاقات مع الصناعة العسكرية الألمانية بدعم إماراتي، ما دعم معطيات عن "نفور" في المؤسسة العسكرية من الجانب الفرنسي، غذاها تعميم الجيش الجزائري لاستعمال اللغة الإنجليزية إلى جانب العربية، على عكس باقي المؤسسات الرسمية الأخرى التي تعتمد الفرنسية.
ويعوّل جزء كبير من الجزائريين على أن يمكنهم الحراك الشعبي من مراجعة أسس العلاقة مع الدولة المستعمرة السابقة، نظراً إلى عدم وضوح الرؤية في الموقف الرسمي الجزائري، المتناقض في فترة بوتفليقة بين اعتماد خطاب يهاجم فرنسا بسبب "ملف الاعتراف بالجرائم الاستعمارية"، وفي الوقت نفسه يتودد إليها ويمنحها امتيازات اقتصادية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي