أثارت دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شباب الجالية الجزائرية في فرنسا إلى توخي الحذر والابتعاد عن التطرف استفهامات عدة، إذ أتت بعد ساعات على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى العاصمة الجزائرية، بينما ذهبت جهات إلى ربط الدعوة بالانتخابات الفرنسية، في حين رأت جهات أخرى أن هناك مخاوف من جر المهاجرين إلى العنف.
رسالة تجلب الانتباه
وجلب الرئيس الجزائري انتباه المتابعين بعد استقباله عميد مسجد باريس، شمس الدين حفيز، حين وجه رسالة إلى شباب الجالية الجزائرية في فرنسا، يدعوهم فيها إلى توخي الحذر والابتعاد عن التطرف. وألح تبون على "أن يكون الشباب الجزائري المقيم في فرنسا وباقي المسلمين، حذرين جداً من الراديكالية والتطرف الذي حرف الرسالة الإسلامية".
من جهته، قال عميد مسجد باريس، إن الرئيس تبون حمّله "رسالة أخوة إلى أبناء الجزائر وباقي الجاليات المسلمة في فرنسا، دعاهم فيها إلى الابتعاد عن التطرف وتجنب التوتر داخل المجتمع الفرنسي"، مضيفاً "نحن في الجزائر ندين بإسلام الوسطية والتسامح والأخوة ويجب أن نكون دائماً هكذا، حتى في فرنسا". وتابع "أوكلني الرئيس أن أحمل عالياً رسالة الأخوّة من أجل إسلام مستنير معتدل، وألا يكون الشباب الجزائري سبباً في أي توتر داخل المجتمع الفرنسي".
من جانبها، أشارت الرئاسة الجزائرية إلى أن تبون، استقبل عميد مسجد باريس، وأكد دعم الجزائر له في تسيير هذا المعلم الروحي، وطلب منه مواصلة جهوده والارتقاء بأداء هذه المؤسسة، من خلال انتهاج الوسطية والاعتدال ومحاربة الغلو والتطرف.
الانتخابات الرئاسية الفرنسية
وتعليقاً على تلك الدعوة، استبعد الدبلوماسي الجزائري، مدير منظمة "صوت حر"، محمد خذير، أن تكون مرتبطة بزيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان إلى الجزائر، معتبراً أنها "مرتبطة بالانتخابات الرئاسية الفرنسية حيث تشير الدعوة إلى ضرورة الابتعاد عن اليمين أو اليسار المتطرفَين خلال الانتخابات، والبقاء في الوسط، وهو ما يعني السير في اتجاه الرئيس إيمانويل ماكرون، وعليه فالدعوة عبارة عن رسالة إلى ماكرون بأن طلبه المساعدة قد تم أخذه بعين الاعتبار".
وتابع خذير أنه "لا يمكن الحديث عن طي ملف التوتر بين الجزائر وفرنسا بمجرد زيارة، لكن يمكن القول إن مجيء لودريان شكل بداية تلطيف الأجواء"، مضيفاً أن "الكشف عما تم تبادله من ملفات بين الجزائر وفرنسا لإحياء العلاقات الثنائية وتجاوز الانسداد، سابق لأوانه، ويجب انتظار تحركات ماكرون خلال الأيام المقبلة لمعرفة بعض الحقائق". وختم قائلاً إنه "يمكن تصنيف دعوة تبون في سياق حملة انتخابية".
تمويل بمليوني يورو
ويحظى مسجد باريس بمكانة رفيعة لدى الجزائر، سياسياً ودينياً، إذ سعت السلطات الجزائرية إلى الحصول على ملكيته. وكشف وزير الشؤون الدينية الجزائري السابق، يوسف بلمهدي، أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، عن الشروع بصفة رسمية عبر سفارة الجزائر في باريس، في الإجراءات الرامية إلى جعل المسجد الكبير لباريس ملكاً للدولة الجزائرية. وشدد بلمهدي على أن هذه المبادرة تأتي استناداً إلى "قانون فرنسي ينص على أنه في حال مرور 15 سنة تمول خلالها دولة أجنبية جمعية تقع تحت طائلة القانون الفرنسي، فإنه يصبح بإمكان تلك الدولة تملك هذه الجمعية، وهي الحال بالنسبة إلى المسجد الكبير لباريس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتمول الجزائر بمليونَي يورو مسجد باريس، الذي كان أول جامع يُبنى على الأراضي الفرنسية تكريماً لعشرات آلاف الجنود المسلمين الذين ماتوا من أجل فرنسا.
رفض تأميم المسجد
لكن تبقى جهات في فرنسا رافضةً عملية تأميم الجزائر للمسجد، وهو ما حصل مع تحرك 44 نائباً في الجمعية الوطنية الفرنسية من حزب "الجمهورية إلى الأمام" الموالي للرئيس ماكرون، لمنع نقل ملكية مسجد باريس الكبير إلى الجزائر، وذلك من خلال مقترح قدموه للحكومة يقضي بإخضاع تحويل ملكية دور العبادة على التراب الفرنسي إلى جهات أجنبية، لإعلان وموافقة من السلطات الإدارية الفرنسية.
ولفت التعديل الذي دونت عليه ملاحظة "قيد المعالجة"، إلى أنه "دون الإخلال بأحكام المادة 190 من القانون المدني، فإن نقل ملكية دور العبادة التي تُستخدم عادة للممارسة العامة للدين، بشكل مباشر أو غير مباشر، لدولة أجنبية أو شخص طبيعي أو معنوي غير مقيم في فرنسا، يجب أن تصبح خاضعة لإعلان السلطة الإدارية"، مشيراً إلى أن "دور عبادة يتم التنازل عنها باليورو الرمزي لدول أجنبية دون أن يتم إخطار السلطات الإدارية الفرنسية".
وبالنظر إلى محتوى مقترح التعديل، لا يمكن للجزائر إتمام إجراءات نقل ملكية مسجد باريس الكبير إلا إذا وافقت السلطة الإدارية الفرنسية عليه، وحتى لو استكملت الإجراءات المعمول بها، وذلك لكون المقترح ينص على أن للسلطة الإدارية أن تعترض على التفويض بعد تنفيذ إجراء الخصومة.
كما قدم 15 نائباً عن "الجمهوريين" (يمين) مقترح تعديل بمنع التمويل الأجنبي للجمعيات الدينية الإسلامية من طرف دول أجنبية أو أشخاص طبيعيين أو معنويين من خارج فرنسا.
سابقة من نوعها
في السياق، يعتبر الباحث في العلاقات الدولية، باديس خنيسة، أن "دعوة تبون تشكل سابقة وتؤكد مدى الأهمية التي يوليها الرئيس للجالية في المهجر عامة وفرنسا بخاصةً، نظراً إلى حجمها الذي يفوق 7 ملايين جزائري، بينهم مليون و200 ألف لهم حق الانتخاب والتأثير على الحياة السياسية الفرنسية، وهو ما يمكن وصفه بالقوة الناعمة التي لم تحظ سابقاً بالمكانة التي تستحقها، وتكون امتداداً فعلياً للوطن".
ويواصل خنيسة، أنه "يمكن قراءة رسالة تبون في شقين، الأول ديني، بأن الاسلام دين أخوّة وسلام بعيداً عن التطرف والراديكالية الفتاكة التي لا تخدم الجالية الجزائرية بخاصة، والمسلمة عامة في مجتمع فرنسي يميل شيئاً فشيئاً نحو الإسلاموفوبيا، والثاني جيوسياسي، حيث تأسس منذ أسبوعين المجلس الفرنسي للأئمة، في سياق المخطط الحكومي الفرنسي لمكافحة الانفصالية والراديكالية، هدفه تكوين الأئمة وفق الاستراتيجية الفرنسية، وهو ما يؤكد دور الجزائر عبر مسجد العاصمة الفرنسية في بناء "إسلام فرنسا" الذي أصبح أولوية بالنسبة إلى باريس".