Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اشتعل غضب الشارع فانطفأ فيلم "أميرة"

صنّاع الفيلم أوضحوا أن فكرته خيالية ولا يوثق واقع الأسرى الفلسطينيين و"الملكية للأفلام" لم تجد مبرراً لسحبه من الترشح للأوسكار

مشهد من فيلم "أميرة" (صفحة الفيلم على الفيسبوك)

توقف عرض الفيلم، وجلس المصفقون له بحماسة، ليحل محلهم محتجون ومُغردون غاضبون، وانطلقت موجة من الغضب العارم اجتاحت الشارعَين الفلسطيني والأردني خلال اليومين الماضيين، إثر ترشح الفيلم الأردني "أميرة" للتنافس على جائزة الأوسكار عن فئة الأفلام الطويلة الدولية لعام 2022، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب شرسة، انصبت على مخرج الفيلم محمد دياب، الذي أعلن عبر صفحته على "فيسبوك"، فجر اليوم الخميس، "وقف أي عروض للفيلم". فالعمل السينمائي المشترك (مصري، أردني، فلسطيني) الذي حاز على ثلاث جوائز من مهرجان البندقية في سبتمبر (أيلول) الماضي، اعتُبر بمثابة "طعنة" في خاصرة القضية الفلسطينية، لما يحمله من إساءة للسجناء الفلسطينيين وزوجاتهم، إذ تدور أحداثه حول نطفة جرى تهريبها من سجن إسرائيلي لزوجة سجين فلسطيني، لتنجب الأخيرة طفلة اكتشفت لاحقاً أنها إبنة ضابط إسرائيلي.

صورة ضبابية

واعتبر المخرج المصري محمد دياب في البيان أن "الحبكة الدرامية الخاصة بالفيلم بتغيير النطف (بين الأسير الفلسطيني والجندي الإسرائيلي) جاءت لتطرح سؤالاً وجودياً فلسفياً حول جوهر معتقد الإنسان، وهل سيختار نفس اختياراته لو ولِد كشخص آخر. والفيلم ينحاز إلى فلسطين، فالبطلة أميرة تختار أن تكون فلسطينية وأن تنحاز للقضية العادلة، والفيلم يشجب ويدين ممارسات الاحتلال المشار إليها بشكل صريح في الجريمة التي يتناولها الفيلم".

وأكد أن أسرة الفيلم "تتفهم الغضب الذي اعترى الكثيرين على ما يظنونه إساءة للأسرى وذويهم"، متمنياً "أن تتم مشاهدة الفيلم قبل الحكم عليه نقلاً أو اجتزاءً". وفي نهاية البيان، أعلن دياب وقف كل العروض المجدولة للفيلم نظراً إلى أن "الهدف السامي الذي صُنع من أجله العمل لا يمكن أن يأتي على حساب مشاعر الأسرى وذويهم الذين تأذوا بسبب الصورة الضبابية التي نُسجت حول الفيلم". كما طالب دياب بتأسيس لجنة مختصة من قبل الأسرى وعائلاتهم لمشاهدة ومناقشة الفيلم.


إدانات واسعة

موقف دياب وتبريراته حول وقف فيلم "أميرة"، استُبق بإدانات فلسطينية واسعة شعبية ورسمية، شجبت فكرة الفيلم، واتهمت القائمين عليه بتزيف الحقائق وتحريف القصة الحقيقية "للنطف المهربة" التي تلاقي استحساناً فلسطينياً واسعاً منذ أن بدأ السجناء الفلسطينيون الإقدام عليها أول مرة في عام 2012.
وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين قدري أبو بكر لـ "اندبندنت عربية" إن قضية "النطف المحررة" شكّلت "على مدى 10 سنوات أبرز الإنجازات التي تمكّن الأسرى من خلالها كسر السجن، وصناعة الأمل بالإرادة، في ملحمة أسطورية استثنائية تعدّت الأغلال والقيود والحواجز ومنظومة الحراسة الإسرائيلية الفاشلة عبر نطف مهربة بحب وإيمان وثقة، بأن لا شيء سيغيظ الاحتلال أكثر من أن ينجب الفلسطينيون سفراء للحرية. وأصبحت قضية النطف المهربة محط اهتمام عالمي وحديث رأي عام، ومن المؤسف أن الطاقم القائم على الفيلم لم يتتبع حقيقة القصة من أصحابها الأصليين، وكان الأجدر بدل اختراع الأكاذيب، أن يسلطوا الضوء على إبداع الأسير الفلسطيني وتحديه الجدران والأسلاك الشائكة ليكوّن عائلة حتى وهو خلف القضبان".
واعتبر بيان "الحركة الأسيرة في السجون الإسرائيلية" أن "مَن شارك في إنتاج وإخراج وتمثيل وتسويق الفيلم، شخصيات غير مرغوب بها في فلسطين"، مطالبين بملاحقتهم أخلاقياً وقانونياً ومعاقبة جميع مَن شارك في "الجريمة" من منتجين ومخرجين وممثلين، الذين عليهم بحسب البيان "إعلان التوبة والاعتذار العلني للأسرى وسفراء الحرية وعوائلهم، وللشعب الفلسطيني ومحبيه في الأماكن التي توازي بشهرتها أماكن عرض الفيلم".
وحذرت وزارة الثقافة الفلسطينية بدورها من تداول فيلم "أميرة" لما ستكون له من "انعكاسات خطيرة على قضية الأسرى، وبخاصة أنه يسيء لأُسَرِهم بعدَ إنجابهم الأطفال من خلال عملية تهريب النُطف التي أساء لها الفيلم بكل وضوح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف لـ "اندبندنت عربية"، "قبل أكثر من ثلاثة أسابيع خاطبنا وزارة الثقافة الأردنية بشأن الفيلم، بعدما تم فحصة وتدقيق ما فيه من معلومات من قبل لجنة مختصة، وبعد ذلك تم التواصل مع الهيئة المَلَكية للأفلام وتوضيح ما يشكله الفيلم من إساءة بالغة ومساس بقضية حساسة فلسطينياً. كما طالبنا وزارة الثقافة الأردنية والجهات الرسمية أن تنظر بجدية إلى تداعيات نتائج هذا الفيلم المسيء".

فيلم خيالي

من جهة أخرى، طالبت "اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين الأردنيين في المعتقلات الصهيونية"، نقابة الفنانين الأردنيين، بعد عرض فيلم "أميرة" في مهرجان كرامة السينمائي "لأفلام حقوق الإنسان" مطلع الأسبوع الحالي، باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف عرض الفيلم ومنعه في دور السينما وسحبه من كافة المنصات، ومحاسبة المسؤولين القائمين على إنتاج الفيلم "الذي يسيء للأسرى والأردن".
وتفاعل مغردون فلسطينيون وأردنيون مع الفيلم، بإطلاق وسم "اسحبوا_فيلم_أميرة"، فيما أعلن آخرون عن تنظيم وقفة احتجاجية مساء الخميس 9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أمام الهيئة الملَكية للأفلام في عمّان لسحب الفيلم من تمثيل الأردن في جائزة الأوسكار لعام 2022.
وقال مدير هيئة الإعلام الأردنية، طارق أبو الراغب وفي إطار رده على وقف الفيلم رسمياً، إن "الهيئة لم يصلها أي طلب عرض تجاري للفيلم في عمان، وإنها ستنظر في الفيلم وتصدر بياناً مفصلاً بحال وصول طلب لعرضه".
من جهتها، اعتبرت وزارة الثقافة الأردنية وعلى لسان أمينها العام هزاع البراري، أن "الوزارة ليست جهة الاختصاص بالموافقة أو منع عرض أي مادة فيلمية أو سمعية في الأردن". وأضاف البراري في تصريحات لوسائل إعلام أردنية أن "لا معلومات لدى الوزارة أو معرفة بفيلم أميرة من حيث إتاحة عرضه أو الموافقة على إنتاجه"، مؤكداً أن "هيئة الإعلام هي صاحبة الاختصاص والولاية القانونية في هذا الشأن، في حين أن لا علاقة للوزارة بهذا الخصوص، فصانع الفيلم لا يأخذ موافقة الوزارة على الإنتاج والتصوير والعرض". وأشار البراري إلى أن الوزارة "لن تتخذ أي إجراءات بحق هذا الفيلم نظراً لأنها وبموجب القانون غير مسؤولة عن الأفلام"، مبيناً أن إنتاج فيلم "أميرة" تم بالتعاون مع جهات عدة، من بينها الهيئة الملَكية للأفلام التي أصدرت ترخيصاً بتصوير الفيلم.
ومع تصاعد الانتقادات والاتهامات، أصدرت "الهيئة الملَكية للأفلام" بياناً قالت فيه، إن "الفيلم خيالي روائي وليس وثائقياً، واختيار أسلوب رواية القصة وسرد الأحداث يعود إلى طاقم العمل، من الإخراج والتأليف والإنتاج. ولا مبرر للمطالبة بسحبه، لأن صنّاعه أوضحوا أن قصة الفيلم خيالية ولا يوثق واقعاً".


عكس التوقعات

وسبق أن تحدث أبطال الفيلم، عن العمل، بخاصة بعد تقديمه لمسابقات الأوسكار، كونه سينقل معاناة السجناء الفلسطينيين وعائلاتهم إلى العالم من منظور مختلف، فقالت الممثلة الأردنية صبا مبارك في مقابلة سابقة، "فلسطين جزء مني، فأنا أمي فلسطينية، والقضية الفلسطينية هي أهم القضايا التي أتبناها فنياً، ومهما أقدم لها من أعمال لن يكون كافياً بحقها".
وفي مقابلة سابقة مع وكالة "رويترز"، أكد مخرج الفيلم محمد دياب أن فيلمه مأخوذ من الواقع، وأنه استوحى فكرة الفيلم من الأخبار التي تُنشر في الصحف. وتساءل دياب "كيف يفكر هؤلاء الأسرى الذين يعيشون حياة منعزلة في السجون ولا يلمسون أطفالهم على الإطلاق أو زوجاتهم، ولماذا يريدون الإنجاب بهذه الطريقة؟ لقد عرفت أن هؤلاء الأطفال يُطلق عليهم اسم أطفال الحرية، ويُنظر إليهم باعتبارهم المستقبل ورمز البقاء والاستمرارية".
ردود الفعل الغاضبة لدى الفلسطينيين والأردنيين على حد سواء، أظهرت عكس ما تأملت به مبارك وطمح به دياب، ونُشرت ملايين التغريدات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي التي حَطت من قدر الفيلم الذي بحسب كثير من المعارضين والمنتقدين، أحاط قضية السجناء الفلسطينيين بـ"شوائب" قد تنزع عنها قدسيتها في مخيلة البعض.
يُذكر أن المتحدثة باسم مصلحة السجون الإسرائيلية هانا هيربست، كانت أشارت لوكالة الصحافة الفرنسية في وقت سابق أن عمليات تهريب النطف من داخل السجون "محض إشاعات"، وقالت "ليست لدينا معلومات أو أدلة تدعم هذا الإدعاء. لا نعرف كيف يمكن إخراج كمية كافية من السائل المنوي واستخدامها في إجراء طبي".

المزيد من سينما