أعلنت الرئاسة التونسية اليوم الأحد، إقالة قنصلي البلاد في كل من باريس وميلانو وإجراء "تدقيق مالي وآخر إداري معمقين" في القنصليتين.
وقرر الرئيس قيس سعيّد إقالة القنصل العام التونسي في باريس طاهر العرباوي واستبداله برضا غرسلاوي المقرب منه، والذي تولى إدارة وزارة الداخلية بعد إعلان "التدابير الاستثنائية" في 25 يوليو (تموز) الماضي، وإلى حين تشكيل الحكومة الجديدة.
وأنهيت أيضاً مهام القنصل العام التونسي في ميلانو عادل بن عبد الله الذي حل محله خليل الجندوبي، وفق بيان نشرته الرئاسة على صفحتها الرسمية على فيسبوك.
وأضاف البيان أن الرئيس أمر وزارة الخارجية "بإجراء تدقيق مالي وآخر إداري معمقين" في القنصليتين.
وكان سعيّد قد ارتكز على تأويله لفصل دستوري يخوله اتخاذ "تدابير استثنائية" في حالة وجود "خطر داهم" على البلاد، ليعلن في 25 يوليو (تموز) 2021 إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد نشاط البرلمان.
وفي سياق متصل، نشرت الجريدة الرسمية أخيراً أوامر رئاسية تعود إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أنهت تكليف عشرة سفراء، أبرزهم تولى تمثيل البلاد في برلين وأنقرة وبكين والدوحة، وستة قناصل أبرزهم عمل في روما وباليرمو وليون وغرونوبل.
في المقابل، فتح قرار قيس سعيد، إبدال تاريخ الرابع عشر من يناير (كانون الثاني)، بالسابع عشر من ديسمبر (كانون الأول)، كتاريخ لإحياء ذكرى "الثورة" التونسية التي انطلقت قبل نحو 11 سنة، باب النقاش في البلاد على مصراعيه بعدما اعتاد التونسيون إحياء هذه الذكرى في 14 يناير من كل عام.
وعلل سعيد قراره خلال ترؤسه مجلس وزاري بالقول، إن "الانفجار الثوري انطلق من سيدي بوزيد ولكن للأسف احتويت الثورة حتى يتم إقصاء الشعب عن التعبير عن إرادته وعن الشعارات التي رفعها".
واستهل رئيس الجمهورية أشغال المجلس الوزاري بالإشارة إلى إدراج نقطة إضافية ضمن جدول الأعمال تتعلق بمشروع أمر رئاسي لتنقيح الأمر المتعلق بضبط المناسبات التي تخول تمتع موظفي الدولة بيوم عطلة، واعتبار تاريخ 17 ديسمبر من كل سنة هو يوم عيد الثورة بدلاً من 14 يناير.
جرحى الثورة
من جهة ثانية، صدرت مواقف وتعليقات عدة على قرارات سعيد، إذ اعتبرت الناشطة الحقوقية مريم بريبري أن "تاريخ 14 يناير هو تتويج أو جزء من مسار كامل". وأوضحت، "الثورة بالنسة لي هي مسار كامل وليست لحظة تاريخية". وعبرت البريبري عن اعتقادها بأن "يوم 17 ديسمبر هو اليوم الحقيقي لانطلاق شرارة الثورة، اليوم الذي استشهد فيه البوعزيزي وشباب آخرون من سيدي بوزيد والقصرين وتالة وتوزر وقرقنة، وغيرها من المناطق التي انطلقت فيه شرارة الثورة الأولى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت البريبري "شخصياً عايشت هذه الانتفاضة في بعض المناطق، ولا أستطيع نسيان كل هذا وأقف فقط عند 14 يناير"، مبديةً الأسف على "الجدل الحاصل حول التواريخ، وتناسي ما تعانيه عائلات ضحايا الثورة وجرحاها"، مستشهدة بتدوينة كتبها أحد الجرحى، الشاب وليد كسراوي، روى فيها تفاصيل معاناته بعد بتر ساقه أيام الثورة، منتقداً السياسيين والمسؤولين الذين "لم يكلف أحد منهم نفسه متابعة معاناة الضحايا اليومية".
في هذا الصدد، ذكر الصحافي التونسي المختص في الشأن البرلماني، سرحان الشيخاوي، أن "الجدل حول تسمية الثورة التونسية بثورة 17 ديسمبر 2010 أو ثورة 14 يناير 2011، انطلق في عام 2011 في أروقة المجلس الوطني التأسيسي وفي لجانه وانحصر الخلاف بين مقاربتين، الأولى تعتبر أن التأريخ للثورات يكون في يوم انطلاقها، واستعرضت أمثلة عدة، لكن هذه المقاربة تطرفت إلى حد القول بأن تاريخ 14 يناير كان تاريخاً للانقلاب على الثورة من أجهزة مخابراتية". وأضاف "المقاربة الثانية، تعتبر أن الثورات تسمى بالتاريخ المفصلي فيها، ويوم 14 يناير هو يوم الحسم الذي غادر فيه (الرئيس السابق زين العابدين) بن علي وبالتالي فهو جدير بأن يكون عنواناً للثورة".
وأفاد الشيخاوي بأنه "وسط هذا الصراع بين المقاربتين، ظهرت مقاربة ثالثة تعتبر أن الذاكرة الوطنية لا تبنى بالتقسيم، ودفعت إلى تسمية الثورة دستورياً بثورة 17 ديسمبر 2010 - 14 يناير 2011، وهو ما حصل وانتهى النزاع. وورد في توطئة الدستور لحسم الموقف عبارة: تحقيقاً لأهداف ثورة الحرية والكرامة، ثورة 17 ديسمبر 2010-14 جانفي (يناير) 2011".
وقال الشيخاوي "حسمت المعركة وطويت الصفحة التي كانت مصدراً للفتنة الجهوية، بين سيدي بوزيد شرارة الثورة وباقي الجهات التي حملت المشعل وواصلت المسيرة. وأنهت معركة المركز الذي يمثله تاريخ 14 والداخل الذي يمثله تاريخ 17، واليوم نعود إلى هذه المعركة لنعمق جراح المجتمع".
لحظة فارقة
من جهة أخرى، رأى الصحافي زياد الهاني أن "اعتزام قيس سعيد إصدار أمر لإلغاء الاحتفال بموعد 14 يناير عيداً للثورة واعتباره انقلاباً عليها يمثل حلقة أخرى من حلقات تقسيمه للتونسيين وضرب وحدتهم".
وأضاف الهاني أن "موعد 14 يناير 2011 مثل لحظة فارقة كسر فيها آلاف التونسيين حاجز الخوف وتجمعوا أمام وزارة الداخلية الرمز الأول للترهيب في المخيال الجماعي، مطالبين بإسقاط النظام، وهو ما نتج عنه مغادرة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي".