Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يكتب نظام "البناء القاعدي" نهاية الأحزاب التونسية؟

أجمع مراقبون على أن مشروع قيس سعيد يهدد التجربة الديمقراطية في تونس برمتها

مخاوف من أن ينسف نظام البناء القاعدي الذي تدعو إليه الرئاسة مقومات الدولة التونسية (أ ف ب)

لم يعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، رسمياً عن تبنيه أي مشروع لتعديل الدستور، يفضي إلى تغيير منظومة الحكم برمتها. لكن ما هو معروف أنه تداول مشروعه المعروف بـ "البناء القاعدي" مع أنصاره أو ما يعرفون بـ "حملته التفسيرية"، الذين يعملون منذ أشهر على تفسير هذا النظام إلى عامة الشعب عبر حملات توضيحية في مناطق عدة من البلاد.

ولئن قوبل هذا النظام بالرفض من داعمي الرئيس التونسي قبل معارضيه، فإن قيس لم يحسم بعد هذا النقاش، ما جعل الغموض سيد الموقف، في ظل إمساكه منذ إجراءات 25 يوليو (تموز) الماضي بزمام الأمور في البلاد، بعد تجميد مجلس الشعب.

الحكم الانتقائي

تقول سنية الشرايطي، قائدة حملة قيس سعيد الانتخابية، "فكرة البناء القاعدي صمدت من 2011 إلى اليوم، وأساسها الحديث حول الحكم الديمقراطي". موضحة، خلال فيديو تفسيري لمشروعهم منشور على "يوتيوب"، "الحكم الديمقراطي كما هو معلوم في العالم هو أساس بناء الدولة الحديثة، التي نشاهدها في العالم، وقد جاء لإنقاذ حكم التوريث والحكم الفردي".

وتضيف الشرايطي، "هذا الحكم جاء بوسيلة الاقتراع العام، الذي يرتكز على مقومات وشروط وأشكال عدة، والمقوم الأساسي للاقتراع العام هو أنه وجوبي، ولا نستطيع الحديث عن حكم ديمقراطي لأي دولة ما، إلا متى كان الاقتراع العام وجوبياً والإرادة الشعبية يقع التعبير عنها".

ولذلك في البناء الديمقراطي القاعدي، كما تقول الشرايطي، "لا نموّه ولا نبيع وهماً"، موضحة "اخترنا الحكم الديمقراطي ولم نختر دولة الخلافة والدولة العمالية ولا الدولة القومية، بل اخترنا الحكم الديمقراطي بشروطه الحقيقية، وهي أن يكون الاقتراع العام وجوبياً". معتقدة أن "هذا المقوم الأساسي لم يكن موجوداً في عشر سنوات مضت، وأن أصوات أغلب التونسيين غير مسموعة وغير ممثلة في صناديق الاقتراع". مستنتجة بأن تونس لم تكن في حكم ديمقراطي، بل "في حكم انتقائي"، حسب تعبيرها.

وحسب الإحصاءات الرسمية يبلغ الجسم الانتخابي في تونس نحو ثمانية ملايين ونصف نسمة، لكن أعلى نسبة وصلت إلى الصندوق لم تتجاوز ثلاثة ملايين ونصف ناخب.

وتتساءل الشرايطي عن الخمسة ملايين تونسي الذين لم يصوتوا قائلة "اليوم، نريد القول كفى تمويهاً، وانتقائية، وإقصاء. هذا الشعب له كلمته التي سجلها بتضحياته لا بالمراسيم ولا بالقوانين ولا بالدساتير". معتقدة أن "الشعوب التي لا يفسح لها المجال لكتابة دساتيرها لن تحترمها، لأنها دساتير مكتوبة على قياس المساومات للأطراف القائمة على السلطة". مؤكدة أن "إرادة الشعب والنهوض به تتحقق بالاقتراع العام الوجوبي الذي يتحقق بالبناء القاعدي من خلال تحفيز وتأطير المواطنين، بخاصة في الجهات المحرومة".

مشروع جديد

ومشروع سعيد الذي يبشر به أنصاره يفتح الباب للديمقراطية المباشرة من خلال "البناء القاعدي" الذي ينطلق من المحلي نحو المركز، حيث يتم التصعيد من المجالس المحلية إلى الجهوية، ثم إلى المجلس الوطني أي في البرلمان، فتحذف بذلك الانتخابات التشريعيّة، ليتشكل المجلس النيابي ممن يقع تصعيدهم من المجالس المحلية ثم الجهوية بالقرعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهة أخرى يرى القيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني، في تصريح خاص، أن البناء القاعدي "قد ينسف مقومات الدولة برمتها". موضحاً أنه "نظام غير موجود في أي دولة من العالم". مستدركاً "وُجد من خلال التجربة الليبية في حكم معمر القذافي. وكلنا نعرف أين أوصل هذا النظام ليبيا اليوم".

وينتقد العجبوني أنصار قيس سعيد الذين لا يعترفون بالأحزاب، لكنهم يتحركون بآليات حزبية من خلال التنظيم الذين ينشطون ضمنه لمناصرة قيس سعيد، والعمل على نشر مشروعه الجديد، معتبراً أن ما يفعلونه، بخاصة استغلال الأحزاب في حملتهم التفسيرية مخالف للقانون التونسي.

ترذيل دور الأحزاب

ويذهب المحلل السياسي مراد علالة إلى أبعد من ذلك، إذ يعتقد أن "البناء القاعدي لا يهدد وجود الأحزاب فقط، إنما التجربة الديمقراطية في تونس برمتها".

يقول علالة، في حديث خاص، "المؤسف أن الرئيس التونسي لم يشرح خلال حملته الانتخابية وحتى بعدها أسباب هذا الاختيار، خصوصاً أهميته في بناء الدولة الديمقراطية الاجتماعية التي تتحقق فيها أهداف ثورة الحرية والكرامة في التشغيل والعدالة وتغيير منوال التنمية وغيره."

ويتحفظ علالة على ممارسات أنصار سعيد، واصفاً إياها بـ "النهي عن الأمر والإتيان بمثله. حتى الآن ينتصرون للرئيس قيس سعيد في الموقف من الأحزاب، وينتقدون المنظومة الحزبية، ويعملون على ترذيل دور الأحزاب، وتحميلهم مسؤولية ما حل بالمشهد السياسي من خراب، والحال أن تجربتهم التنظيمية هي حزبية بامتياز، ولسنا نبالغ حين نقول، إن التنسيقيات المنخرطة في ما سمي بالحملات التفسيرية هي في المحصلة منظمات أو كيانات ينطبق عليها التعريف العلمي والاصطلاحي للحزب، سواء في علاقة بالتشبيك والحركة الأفقية والعمودية للأعضاء والانتشار الترابي في ربوع الوطن، أو في التمثيل والمسؤوليات وتصعيد القادة المتحدثين باسم المحليات أو الجهات، وهم غالباً ما يحتفظون بعلاقة مباشرة بالرئيس ويمثلون خزاناً للتعيينات أيضاً لديه".

ويضيف، "يؤكد الأنصار أن البناء القاعدي نهج ديمقراطي يسمح بتصعيد ممثلي الشعب من العمادات والمحليات، ويتغاضون عن حقيقة أنه يؤسس لحكم رئاسي، يبررونه للأسف بالشرعية الانتخابية الواسعة للرئيس، ويظل السؤال مطروحاً حول الرابط بين مكونات هذا البناء الهلامي، بما أن القرعة هي الفيصل في اختيار النواب المنتخبين، الذين قد لا يجتمعون على أمر سواء كما يقال، والأرجح أن ينتصروا لمحلياتهم وعماداتهم بدل الاجتماع على برنامج وطني".

ويتأسف علالة "في ظل ضعف الثقافة الديمقراطية بأن هذا النهج سيسيء للحياة السياسية والحزبية بشكل خاص، وسيجد له صدى في الشارع التونسي، تحت تأثير الشعبوية والخطاب الشعبوي". مستدركاً، "لكن ثمة أحزاباً وتنظيمات سياسية عريقة وجديدة قادرة على الصمود والتأقلم مع المتغيرات دون أن ننسى أن انتماء تونس إلى نادي الديمقراطية سيفضي بالضرورة إما إلى البقاء في هذا النادي بمقوماته ومكوناته، أو التعثر والخروج منه".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي