Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا وراء تصريحات لافروف عن "أوكرانيا الميؤوس منها"؟

واشنطن تهدد بعقوبات "جهنمية" وزيلينسكي يقول إن "لديه أقوى جيش في العالم"

جندي أوكراني في خندق قرب منطقة دونيتسك (أ ب)

تتعالى التحذيرات من مغبة الدفع بالحشود العسكرية إلى المناطق الحدودية بين روسيا وأوكرانيا، على وقع تصاعد التهديدات بضم كييف إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في وقت تصدر تصريحات هي خليط بين الجنوح صوب التسويات السلمية، والرغبة في المفاوضات سبيلاً إلى نزع فتيل المواجهة، بما يضفي على الموقف برمته ما هو أقرب إلى طابع "العبثية" و"اللامعقول". فها هو أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي يستبق مباحثاته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بتأكيد "أن الدبلوماسية تمثل أفضل طريقة لتجاوز الأزمة بين روسيا وأوكرانيا"، فيما يحذر روسيا من "عواقب جهنمية" إذا انزلقت إلى مواجهة مع أوكرانيا. أما عن الجانب الآخر، فقد أوجز سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، المواقف التي نقلها عن رئيسه فلاديمير بوتين حول "أن موسكو لا تريد صراعاً جديداً في شأن أوكرانيا، على الرغم من التوترات المتصاعدة في المنطقة". وكان بوتين استبق مشاركة لافروف في لقاء وزراء خارجية منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في ستوكهولم بتصريحات طالب فيها الناتو بتعهدات مكتوبة حول الضمانات الأمنية في المنطقة في شأن عدم توسع الناتو شرقاً. ولم تقتصر "المتناقضات" و"التناقضات" على هذه التصريحات، حيث عاد بلينكين ليطالب روسيا بالالتزام بما تعهدت بتنفيذه بموجب "اتفاقيات مينسك"، بينما تؤكد موسكو أن هذه الاتفاقيات لا تنص على شيء يتعلق بتعهدات من جانب روسيا لأنها ليست طرفاً في هذا الصراع، وأن هذه الاتفاقيات تتناول التزامات طرفَي النزاع المتواصل بين السلطات الأوكرانية وجمهوريتي "دونيتسك" و"لوغانسك" غير المعترف بهما، منذ إعلان انفصالهما من طرف واحد عن أوكرانيا في عام 2014. وفي هذا الصدد، علق لافروف على تصريحات نظيره الأميركي بلينكين، فقال إنه "سيكون من الممتع للغاية بالنسبة لي أن أسمع توضيحات توني (بلينكن) للتصريحات التي أدلى بها في الجلسة العامة (لمؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي في ستوكهولم)، والتي حددت نقاط اتفاقيات مينسك التي يجب على روسيا الامتثال لها. إنني أتطلع إلى توضيحات، وآمل أن يساعدني هذا في التعرف على الأساليب التي ستتبعها الولايات المتحدة في التسوية في أوكرانيا". غير أنه عاد ليقول، "إن أوكرانيا حالة ميؤوس منها"، وكأنما يريد تذكير الرأي العام، المحلي والعالمي بما سبق وذكره الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف في مقاله الشهير الذي قال فيه، "إن المباحثات مع الرئيس الأوكراني (فولوديمير) زيلينسكي لا طائل من ورائها"، وهو ما يخلص إليه مراقبون كُثر داخل روسيا وخارجها.

حشود عسكرية

وكان وزراء خارجية الدول أعضاء حلف الناتو استبقوا اجتماعات ستوكهولم باجتماع عقدوه في ريغا عاصمة لاتفيا، حضره في اليوم التالي وزيرا خارجية أوكرانيا وجورجيا في إطار احتمالات ضمهما إلى عضوية الحلف. هناك تعالت أيضاً التهديدات والتحذيرات من مغبة استمرار روسيا في حشد قواتها على الحدود المتاخمة لأوكرانيا، في وقت تؤكد فيه موسكو أن تحركات قواتها المسلحة تتم داخل أراضيها، ولا أحد يملك الحق في تحديد صلاحياتها وحقوقها، معربةً في الوقت ذاته عن رفضها وانتقاداتها لما تفعله بلدان الناتو، وما تدفع به الولايات المتحدة من مقاتلات وبوارج تشارك بها في مناوراتها العسكرية في حوض البحر الأسود على مقربة مباشرة من الحدود الروسية، وبعيداً آلاف الأميال من الأراضي الأميركية.
وعلى صعيد معاكس، تواصلت تهديدات وانتقادات موسكو ضد تحركات الناتو واستمرار تقديم معوناته العسكرية واللوجستية إلى أوكرانيا وجورجيا، تحت ستار التعاون العسكري الذي تحولت بموجبه معسكرات ومراكز التدريب إلى قواعد عسكرية صارت تعج في حقيقة الأمر بالأسلحة والمعدات الحديثة التي تقدمها الولايات المتحدة والناتو إلى هاتين الدولتين. وذلك فضلاً عما يتردد منذ الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى جورجيا وأوكرانيا، بشأن احتمالات اتخاذ قرار ضم الدولتين إلى الناتو قريباً. وكان الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، انتقد تحفظات موسكو تجاه احتمالات انضمام أوكرانيا إلى الناتو بالقول "إن أوكرانيا و30 دولة أخرى فقط (أعضاء الحلف) هي التي ستقرر متى تكون أوكرانيا مستعدة للانضمام إلى الناتو. ليس لروسيا حق النقض أو التصويت على هذه القضية، وليس لها الحق في إنشاء مجال نفوذ من خلال محاولة السيطرة على جيرانها. إن اعتبار دعم الناتو للدول ذات السيادة، بمثابة استفزاز، فكرة خاطئة".
وكان بوتين توقف طويلاً عند هذه القضايا في أكثر من مناسبة ومنها اجتماعه مع قيادات وزارة الخارجية الروسية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وفيما كانت موسكو الرسمية أعلنت عن استعداد الرئيس بوتين لإجراء مباحثات في العاصمة الروسية مع الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي شريطة عدم التطرق إلى مسألة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، على اعتبار أن القرم أرض روسية لا يجوز بموجب التعديلات الدستورية الروسية التي جرى الاستفتاء عليها في عام 2020 التفاوض في شأنها، إلا أنها عادت لتعلن عبر تصريحات ومقالات عدة ومنها ما أشرنا إليه آنفاً حول ما كتبه الرئيس الروسي السابق ميدفيديف في مقال له في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بشأن "أن المباحثات مع زيلينسكي لا طائل من ورائها" وهو ما تناولناه بكثير من التفاصيل في تقرير سابق من موسكو. كما كشفت موسكو عما وصفته بـ "عبثية" التوقف طويلاً عند مدى مشروعية الاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم ومحاولة التشكيك في قانونية ذلك، والتعليقات التي صدرت حول احتمالات اعتراف بيلاروس بضم القرم.


اعتراف بيلاروسي مرجح

وكشفت مصادر الكرملين أن "اعتراف مينسك المحتمل بشبه جزيرة القرم على أنها روسية ليس بحاجة إلى فعل أي شيء. فلا حاجة لتمرير أي قوانين. بيلاروس ليست لديها فقط علاقات دبلوماسية مع روسيا، ولكنها ترتبط معها أيضاً بعلاقات تحالف. وحتى بالنسبة إلى البلدان التي ليس لديها مثل هذا الشكل من العلاقات مع روسيا الاتحادية، فإنها ليست في حاجة إلى اتخاذ أي إجراءات تشريعية خاصة. وإذا تعاملت معنا أي دولة، فعليها أن تدرك تلقائياً أن لروسيا أراضيها الخاصة، التي تخضع لسلطات الحكومة الموجودة في موسكو. وإذا لم يفهم شخص ما هذا الأمر تماماً، فقد قال الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بوضوح، إن القرم جزء من روسيا بحكم الواقع والقانون. بحكم الواقع لأنه كان كذلك دائماً، وبحكم القانون لأنه أصبح كذلك أيضاً بعد الاستفتاء في عام 2014". وذلك ما سبق وقاله لافروف حين أكد في تصريحات في هذا الشأن "إن بيلاروس ليست في حاجة إلى اعتراف خاص بتبعية القرم لروسيا، إذ إن التعامل مع روسيا يعني بالتبعية، الاعتراف بسيادة روسيا على كل أراضيها بموجب نصوص الدستور الروسي".
وبالعودة إلى المباحثات بين الرئيسين بوتين وزيلينسكي، نقلت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" عن فلاديمير جاريخين، نائب رئيس معهد بلدان رابطة الكومنولث (الاتحاد السوفياتي السابق) تصريحات حول "أنه لا يرى الآن جدوى من محادثات بين رئيسي روسيا وأوكرانيا". وقال في حديث أدلى به إلى الصحيفة الروسية "إن كل شيء يصطدم بالاختلاف المبدئي في مواقف روسيا، من جهة، وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا (مجموعة نورماندي التي تضم روسيا أيضاً)، من جهة أخرى. فموسكو ترى أن إعادة توحيد جزء من دونباس مع أوكرانيا ممكن فقط إذا تغيرت أوكرانيا نفسها، لتصبح دولة فيدرالية، وتعود إلى سياسة الحياد، وما إلى ذلك. في المقابل، تعتقد كييف وبرلين وباريس ضرورة عودة اتحاد دونباس مع أوكرانيا الحالية على وضعها. وما لم يتم تجاوز هذا الاختلاف الجوهري، فإن أي مفاوضات لا معنى لها، لأنه لا مجال للتسويات". وتوقف الخبير الروسي عند محاذير مثل هذه "المفاوضات المحتملة" بالقول "إنه من الخطر على الكرملين إجراء محادثات في ظل الظروف الحالية. فإذا ما ناقش زيلينسكي مسألتي، دونباس وشبه جزيرة القرم مع بوتين، فهناك خطر أن يفسر كلام الرئيس الروسي بالطريقة التي تخدمه. ومع الأخذ في الاعتبار أنهما سيتباحثان خلف أبواب مغلقة، فسيكون بإمكان الزعيم الأوكراني نشر أي كذبة يريد. على سبيل المثال، القول إن روسيا اعترفت بكونها طرفاً في النزاع. وبهذا المعنى، يحتاج زيلينسكي إلى إجراء محادثة مع بوتين لمواصلة استفزازاته".

احتمال المواجهة

وعلى الرغم من انخراط الرئيس زيلينسكي ومعه دوائر الناتو والقيادات الأميركية في التلويح باحتمالات نشوب الحرب وتورط روسيا في غزو أوكرانيا، تشير شواهد كثيرة إلى أن زيلينسكي والداخل الأوكراني، ولربما دوائر الناتو والولايات المتحدة أيضاً، تبدو على قناعة بأن الرئيس بوتين غير عازم على التورط في أي مواجهة عسكرية مع أوكرانيا، إلا في حال تورط الأخيرة في تجاوز حدودها الحالية وتجاوز ما يسمونها بـ "خطوط الفصل" التي ترسم هذه الحدود بين الأراضي الأوكرانية، وأراضي الجمهوريتين غير المعترف فيهما "حتى الآن"، وفق ما صار الإعلام الروسي يتداوله منذ تصاعد التوتر بين الجانبين خلال الأشهر القليلة الماضية. ويحمل ذلك في طياته تهديداً مبطناً بأن موسكو ستعلن عن هذا الاعتراف فور تعرض الجمهوريتين لأي غزو محتمل من جانب القوات الأوكرانية. وفي هذا الصدد يتداول المراقبون في روسيا وخارجها ما سبق واندلع من مواجهات عسكرية بين روسيا وجورجيا في أعقاب تورط الأخيرة في قتل عدد من أفراد قوات حفظ السلام الروسية وغزو "أوسيتيا الجنوبية" التي سبق وأعلنت انفصالها عن جورجيا من جانب واحد في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ما أعطى إشارة البداية للحرب بين روسيا وجورجيا في أغسطس (آب) 2008، التي أسفرت عن هزيمة ماحقة لا تزال جورجيا تعيش عواقبها حتى اليوم، فضلاً عن تحالف روسيا مع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا ونشرها قواعد عسكرية على أراضيهما. وذلك ما عكسته تصريحات دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الكرملين، الذي لم يستبعد احتمالات اندلاع أعمال قتالية في جنوب شرقي أوكرانيا، وهو أمر قال إنه "يثير مخاوف روسيا وقلقها". أما عن تحركات القوات الروسية فقال بيسكوف "إنها تتم داخل الأراضي الروسية ووفقاً لتقديراتنا الخاصة، وذلك لا يهدد أحداً ولا يجب أن يُقلق أحداً". لكنه عاد وأعرب عن قلق بلاده من استمرار حشد قوات الناتو في أوروبا.
وفي وقت تواصل فيه موسكو تحركاتها داخل الأراضي الروسية سواء على مبعدة أو مقربة من خطوط "التماس" مع أوكرانيا، يجنح كثير من القادة الروس إلى تبني تصريحات مهادِنة تعكس ضمناً ما قد تتخذه السلطات الروسية من إجراءات لردع من تسول له نفسه التطاول على أمنها وسلامة مواطنيها أينما كانوا، في إشارة إلى "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك اللتين كانت موسكو منحت كثيراً من مواطنيهما الجنسية الروسية ممَن يواصلون العيش والعمل داخل أراضي هاتين الجمهوريتين". وفي حديثه إلى صحيفة "روسيسكايا غازيتا" (الصحيفة الروسية الرسمية) أكد سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، أن روسيا ستتابع مراقبة تحركات الناتو وأوكرانيا على حدودها، وذكر أن موسكو أبلغت واشنطن بأنها لا تتبع أي خطط عدوانية تجاه كييف. ونقلت الصحيفة عن باتروشيف قوله "إن خطاب الإعلام الغربي ومسؤولين رفيعي المستوى في الولايات المتحدة حول اتباع روسيا خططاً عدوانية لا يستند إلى أي أساس. روسيا الاتحادية لم تبد أبداً عدوانية تجاه أي دولة وعلى وجه الخصوص أوكرانيا، التي يقطنها شعب مقرب لنا من حيث الدم واللغة والتاريخ". وفيما أكد المسؤول الأمني الروسي "عدم إجراء أي عمليات انتقال غير مبررة للقوات الروسية، أو تدريبات غير مخطط لها بالقرب من الحدود مع أوكرانيا"، أعاد إلى الأذهان ما سبق وصدر عن مسؤولين أوكرانيين، ومنهم ألكسي دانيلوف، سكرتير مجلس الدفاع والأمن القومي، حول "عدم صحة تقارير الصحف الأميركية التي تحدثت عن حشد روسيا لقواتها المسلحة على الحدود، ليعودوا إلى الالتزام لاحقاً، بما يبدو أنه استجابةً لتعليمات قد تكون صدرت في شأن التحول صوب موقف مختلف تماماً يسهم في زيادة كييف إنفاقها العسكري وتبرير تصعيد التوتر في شرق البلاد (أوكرانيا)، وتنفيذ عمليات استهداف دورية، لأراضي سيطرة جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، خرقاً لاتفاقات مينسك، بما في ذلك بواسطة طائرات مسيرة ضاربة ومدفعية وأنواع أخرى من الأسلحة الثقيلة". ولم يغفل باتروشيف بما يشغله من موقع متميز في هرم القيادة الروسية، الإشارة إلى سلبية وخطورة الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة مع حلفائها، في تأجيج الأوضاع في المنطقة وخارجها بما يسمى بـ "التهديد الروسي المزعوم"، وما يتبع ذلك من "خلق أجواء إعلامية مفيدة لهم لتعزيز مجموعة قواتهم العسكرية وزيادة الأنشطة الاستطلاعية وكذلك توريد الأسلحة الحديثة والذخائر والموارد المادية للقوات الأوكرانية والتشكيلات القومية". وتأكيداً لذلك، قال باتروشيف، إن موسكو أبلغت واشنطن بالمعلومات حول هذا الأمر، وحول عدم وجود أي خطط عدوانية لدى روسيا تجاه أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعاد ليؤكد أنه على الرغم من مناشدة الجانب الأميركي التوقف عن نشر المعلومات المضللة سواء في وسائل الإعلام أو خلال الاتصالات مع الشركاء الأوروبيين، فإن تغيراً لم يطرأ في هذا الشأن. وكشف المسؤول الأمني الكبير النقاب عما عادت واشنطن لتعلن عنه في توقيت مواكب لانعقاد مؤتمر وزراء خارجية أعضاء حلف الناتو، وما أعقبه من مناسبات، بما يعني "أن الهدف من نشر هذه المعلومات المضللة، هو تبرير فرض عقوبات إضافية في حق روسيا"، في توقيت قال فيه، إن بلاده تواصل مراقبة تحركات قوات الناتو وأوكرانيا وما يجرى من أنشطة عسكرية مكثفة لواشنطن وحلفائها في المنطقة تجري قرب الحدود الروسية.

تهديدات وعقوبات

أما عن التهديدات التي عادت إليها واشنطن ودوائر الناتو، فلم تخرج عن سابق ما فرضته هذه الدوائر ضد روسيا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. وعلى الرغم مما قد يبدو أنه يقين وقناعة لدى هذه الأطراف بعدم جدوى هذه الإجراءات، وأنها لن تسفر بأي حال من الأحوال عن استعادة شبه جزيرة القرم، فإنها تعود إلى التلويح بها مصحوبة برفع درجة وتيرة ما قد تتسم به من "قسوة وتشدد". ولعلها في ذلك تريد طمس ما كشفت عنه روسيا وما اعترفت به قيادات أوكرانية، حول أن موسكو حالت دون مخططاتها تجاه الاستيلاء على شبه جزيرة القرم وميناء سيفاستوبول، القاعدة الرئيسة للأسطول الروسي في البحر الأسود، وهو ما كان الرئيس بوتين أعلن عنه "في الذكرى الأولى لاستعادة القرم" في شريط وثائقي تليفزيوني أذاعته القناة الروسية الإخبارية الرسمية.
أما عن العقوبات المحتملة التي قالت مصادر البيت الأبيض "إنها ستكون أكثر قسوة" رداً على ما وصفته بـ "خطواتها العدائية" على خلفية الوضع في أوكرانيا"، قالت جين بساكي المتحدثة الرسمية باسم مقر الرئاسة الأميركية، "إنه ليس بوسعها أن تكشف عن أي إجراءات الآن". وأضافت أن الجانب الأميركي "على اتصال مباشر" مع المسؤولين الأوكرانيين والروس على حد سواء، وإن "وزير الخارجية أكد بوضوح أننا لن نتردد في ذلك، وأن واشنطن ستقوم بذلك بالتعاون مع حلفائها وشركائها". وكان بلينكن تحدث على هامش اجتماع وزراء خارجية الناتو في لاتفيا عن عقوبات "غير مسبوقة" على روسيا في حال "هجومها" على أوكرانيا.
ومن جانبه توعد الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، روسيا بأن "تدفع ثمناً باهظاً" في حال "شن أي عدوان" على أوكرانيا، موضحاً أن اتخاذ هذه الخطوة سيؤدي إلى "تبعات اقتصادية وسياسية وخيمة". ونقلت وكالة "تاس" عنه ما قاله خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماع وزراء خارجية دول الحلف في ريغا، "لدينا دائرة واسعة من الخيارات للتأكد من أن روسيا ستواجه تبعات وخيمة في حال استخدامها من جديد القوة ضد الدولة الأوكرانية ذات السيادة". وكشف ستولتنبرغ عما لم تكشف عنه المتحدثة باسم البيت الأبيض بقوله "إن الحديث يدور عن كل شيء، بدءاً من العقوبات الاقتصادية والمالية والإجراءات التقييدية السياسية، وكذلك تكرار ما رأيناه عام 2014 حينما قاموا بضم القرم... ما تسبب عملياً في أقوى عملية لتعزيز دفاعنا الجماعي منذ زمن الحرب الباردة". واستطرد المسؤول الأمني الغربي دون اعتبار لقرب موعد رحيله عن منصبه ليقول "إن دعم الناتو لوحدة أراضي أوكرانيا لا يزال ثابتاً"، واصفاً كييف بأنها "الشريك القريب والثمين جداً" بالنسبة إلى الناتو، مؤكداً أن العقوبات "أحد الخيارات المطروحة"، في محاولة للإيهام بوجود ما قد يذهب المرء إلى توقعه، الذي لن يخرج عن "العقوبات العسكرية"، التي لا يمكن أن يفكر فيها مسؤول عسكري يدرك مغبة نتائجها على الصعد كافة، الإقليمية منها والدولية. ومن ذات منظور التهديدات الكلامية وتصعيد الخطاب الإعلامي، تناقلت وسائل الإعلام الغربية ما قاله سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، حول "أن كييف أصبحت أكثر وقاحة، بعدوانيتها تجاه اتفاقيات مينسك، وتجاه روسيا الاتحادية، ومحاولاتها استفزاز الغرب لدعم تطلعاتها العسكرية". وقال لافروف أيضاً، إن الغرب صار يفتقد ثقافة الحوار، وثقافة التفاوض والبحث عن حلول وسط. ولعل ذلك ما دفع الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى العودة ثانيةً بحثاً عن سبيل للتفاوض مع موسكو. وقال في خطابه الأخير في مجلس الرادا، "إن الوقت حان لبدء حوار مباشر مع الكرملين في شأن الصراع في شرق البلاد، لثماني سنوات متتالية نخشى أن نعترف لأنفسنا، لن نوقف الحرب دون مفاوضات مباشرة مع روسيا... يجب أن نتكلم ونحن نعلم أن لدينا جيشاً قوياً"، في محاولة لإيهام سامعيه من أعضاء البرلمان الأوكراني بقدرات الجيش الذي سبق ووصفه بأنه "الأقوى في العالم". ولعله من الغريب بعد كل ما سبق من تهديدات، أن يستمر بلينكن في محاولات إيهام القيادة الروسية بأن الناتو تحالف دفاعي لا يجب أن تخشى روسيا اقترابه من حدودها، وكأنما لا علاقة له بقصف يوغوسلافيا وليبيا وغير ذلك من مشاهد الأمس القريب. فهل يمكن أن تصدق موسكو مثل هذه الوعود وهي التي اكتوت بنيران الوعود الغربية منذ ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وما بعده طيلة حقبة التسعينيات؟ ذلك ما يمكن العثور على إجابة له بين طيات ما سبق وأشرنا إليه من تصريحات الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف. أما مَن قد لا يقنع بمثل هذه التصريحات، فيمكن دعوته إلى انتظار ما قد يصدر عن سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي من قرارات وتعليمات. هكذا يقولون في موسكو "دون تورية أو جناس".

المزيد من تقارير