Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قائد "طالبان" رجل "غير مرئي" فهل هو حي؟

يُقال إنه "مات منذ فترة طويلة ولم يكن له دور في السيطرة على كابول"

فر أخوند زاده خلال الغزو الأميركي لأفغانستان في 2001 إلى كويتا وأصبح مسؤول قضاء "طالبان" (أ ف ب)

ما زال القائد الأعلى لحركة "طالبانالملا هبة الله أخوند زادة، أبرز أسرارها، فحاكم أفغانستان منذ نحو ثلاثة أشهر رجل "غير مرئي". وهناك متابعون كثيرون يطرحون السؤال عما إذا كان حيّاً.

في وقت مبكر من مساء 30 أكتوبر (تشرين الأول)، في قندهار "عاصمة الظل" للنظام الجديد في جنوب البلاد، سَرَت إشاعات بأن "القائد الأعلى" سيلقي كلمة في مدرسة لتحفيظ القرآن في المدينة، في ظهوره العلني الرسمي الأول منذ تعيينه عام 2016.

وأكد عناصر "طالبان" في كابول الخبر، ونشروا تسجيلاً صوتياً له مدته 10 دقائق و30 ثانية.

برز في التسجيل صوت رجل مسن وسط صدى التهاليل قائلاً "بارك الله في أهل أفغانستان الذين قاتلوا الكفار والطغيان طيلة عشرين عاماً".

لم يشهد على وجود "أمير المؤمنين" الذي بايعه تنظيم "القاعدة" حتى ذلك الحين سوى الرسائل المكتوبة النادرة المنسوبة إليه خلال الأعياد الإسلامية.

إلى أن استولى المتشددون على السلطة في منتصف أغسطس (آب)، لم يعرف أحد من خارج الدوائر الضيقة في "طالبان" مكان وجوده.

نشرت صورة واحدة فقط له عام 2016، ويعود تاريخها إلى حوالى 20 عاماً، وفق "طالبان". وتظهره الصورة بلحية بدأ يغطيها الشيب وأنف عريض ونظرة قاتمة. يبلغ أخوند زاده الآن بين 60 و70 سنة، وفق شهادات متطابقة.

ويؤكد مقربون منه أنه "حي وبصحة جيدة، وهو في قندهار التي يقود منها حركة طالبان".

تأثر

في إحدى أفقر ضواحي قندهار، بين جبل من القمامة وممر ترابي، يقف عنصران من "طالبان" في حراسة أمام البوابة الزرقاء والبيضاء لمدرسة دار العلوم الحكيمية، حيث يتجمع بعض الفضوليين من بعيد منذ زيارة زعيم الحركة في 30 أكتوبر.

في ذلك اليوم، رافق القائد الأعلى "ثلاثة حراس" و"كان هو نفسه مسلحاً"، بحسب ما أفاد مدير الأمن في مركز الدراسات القرآنية معصوم شكر الله وكالة الصحافة الفرنسية.

وأكد مدير المركز الذي يدرس فيه 600 فتى وشاب الملا سعيد أحمد أنه "اختار مدرسة في حي فقير" مدّ "طالبان" على مدى 20 عاماً بعدد من المقاتلين الشباب الذين لقوا حتفهم "شهداء".

هل القائد الأعلى لـ "طالبان" هو الذي تحدث ذلك المساء؟ أجاب محمد (19 سنة) بعد شهر قائلاً "كنا جميعاً ننظر إليه ونبكي"، مضيفاً أنه كان متأثراً في ذلك الوقت فلم "أطل النظر في وجهه".

أما محمد موسى (13 سنة) الذي كان وقت الخطاب على بعد "100 أو 200 متر" من القائد الأعلى، فأكد أن الأخير "يشبه تماماً" الصورة المتداولة له منذ عام 2016.

قالوا جميعاً إنه كان يرتدي ثياباً بيضاء ويضع عمامة سوداء، وبعضهم قال إنها بيضاء.

لم ينشر أي مقطع فيديو أو صورة للزيارة غير المسبوقة التي صادرت قبلها "طالبان" الهواتف المحمولة لمئات الحاضرين.

ويشدد مدير المدرسة على أن هذا الظهور "أسكت الإشاعات والدعاية عنه".

قتل في هجوم انتحاري

لكن الأمر سيتطلب مزيداً لإقناع بعض المسؤولين التنفيذيين في النظام الأفغاني السابق الذين يشتبهون في أن أخوند زاده مات منذ عام أو حتى سنوات عدة.

ويرى هؤلاء في قصة المدرسة مسرحية تذكر بأخرى: وفاة المؤسس الأسطوري لحركة "طالبان" الملا عمر عام 2013. أخفت الحركة الأمر مدة عامين، قبل أن تؤكده عام 2015 بعدما كشفه أعداؤهم من أجهزة الاستخبارات التابعة للحكومة في ذلك الوقت.

وصرح مسؤول في إدارة الأمن الوطني لوكالة الصحافة الفرنسية "لقد مات منذ فترة طويلة ولم يكن له دور في السيطرة على كابول"، مؤكداً أن أخوند زاده قتل في أغسطس 2019 في هجوم انتحاري في مدينة كويتا التي تعد معقلاً لحركة "طالبان" في باكستان.

وعلمت وكالة الصحافة الفرنسية أن أجهزة استخبارات أجنبية تعتبر هذا السيناريو موثوقاً.

يقر مصدر أمني إقليمي أن إشاعات الوفاة "لم يتم تفنيدها أو تأكيدها"، لكنه يميل إلى تصديق رواية إدارة الأمن الوطني، معتبراً أن الأمير غائب عن شؤون النظام الجديد.

ورفضت وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الرد على السؤال عن هذا الموضوع.

"شيخ حديث"

في منطقة بانجواي القاحلة والشاسعة خارج قندهار، يعرف الجميع قرية أخوند زاده التي خرجت منها مجموعة علماء دين يحظون بالتقدير.

ويمتطي مقاتلان دراجتيهما الناريتين ويتفقان على إرشادنا عبر الكثبان الرملية إلى سبروان، مسقط رأس القائد الأبرز في طالبان.

وقال المقاتل الشاب من المنطقة نعمة الله الذي تابع تعليمه في باكستان "وقت الغزو السوفياتي (أواخر عام 1979)، اندلع القتال في القرية وغادر هبة الله إلى باكستان".

ثم حصل أخوند زاده على لقب "شيخ حديث"، وهو مخصص لأبرز المتخصصين في الأحاديث المنقولة عن النبي محمد.

في مطلع التسعينيات، عندما برز التمرد الإسلامي من تحت أنقاض الاحتلال السوفياتي، عاد أخوند زاده إلى بلدته وهو في الثلاثينيات من عمره.

في مسجد سبروان، حيث استقر "بين خمس وست سنوات" بحسب شهادات، "جاء العلماء من المدينة ومن باكستان لمقابلته واستشارته"، وفق عبد القيوم (65 سنة).

وبحسب مقتطفات من سيرته الذاتية الرسمية، عندما وصلت "طالبان" إلى السلطة للمرة الأولى عام 1996، صار الشاب اللامع ضليعاً في علوم الشريعة، وصار عام 2001 رئيس المحكمة العسكرية في كابول.

وخلال الغزو الأميركي نهاية عام 2001، فر أخوند زاده إلى كويتا وأصبح مسؤول قضاء "طالبان" ومدرّساً أشاد به الجيل الجديد من المتشددين.

ضوء أخضر

وقال مسؤول في حركة "طالبان" يعيش في باكستان، إنه منذ وفاة الملا عمر ثم الملا منصور خليفته عام 2016، صار أخوند زاده "مركز ثقل حركة طالبان، وقد تمكن من صون الجماعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقال إن الملا هبة الله لعب في السنوات الماضية دوراً دبلوماسياً حاسماً، كما دعا عام 2017 كل أفغاني إلى "زراعة الأشجار" من أجل "حماية البيئة والتنمية الاقتصادية".

ووفق القيادي في "طالبان" المقيم في باكستان الذي يقول إنه التقى أخوند زاده ثلاث مرات آخرها عام 2020، فإن القائد الأعلى الذي يقوم ببعض التمارين البدنية بين الصلاة وخطبه وجلسات الاستشارة الصباحية، معروف برفضه استخدام التكنولوجيا الحديثة ويفضل المكالمات الهاتفية أو "مراسلة" أعضاء حكومة "طالبان" الذين تربطه بهم علاقة أخوية وطيدة.

ويتحدث أخوند زاده أربع لغات، وطوله 1.75 متر، يرتدي السلوار وهو القميص التقليدي وصدرية، وغالباً ما يضع شالاً.

في الصيف الماضي، أفادت تقارير بأنه أعطى الضوء الأخضر للهجوم الأخير وتابع العمليات من قندهار حيث كان متخفياً منذ أشهر عدة، وفق ما أفاد المسؤول في "طالبان".

وصار أي تعيين رسمي في الحكومة الجديدة يحمل توقيعه الآن.

يضحك المسؤول في "طالبان" قائلاً "أترى، الرجل الذي لم يظهر في العلن أبداً غزا دولة".

مصلحة "طالبان"

وتؤكد العديد من المصادر في "طالبان" أن تواريه عن الأنظار يعود في المقام الأول إلى الخوف من تصفيته.

فعلى الرغم من مغادرة الأميركيين أفغانستان في نهاية أغسطس، إلا أن "طالبان" ما زالت تخشى ضربات الطائرات المسيّرة وهجمات تنظيم "داعش" المتزايدة.

وتستغرب الباحثة كيت كلارك من شبكة المحللين الأفغان قلة ظهور أخوند زاده، وتقول "حتى الملا عمر الذي لم يسمح بتصويره، أدلى بتصريحات ومقابلات عبر الإذاعة والتقى مسؤولين أجانب".

ولكن، على عكس الأعوام ما بين 2013-2015، عندما أقر العديد من عناصر "طالبان" سراً أنهم لا يعرفون مكان الملا عمر وإذا ما كان ما زال على قيد الحياة، يؤكدون جميعهم الآن أن هبة الله حيّ وبصحة جيدة.

بالنسبة إلى المسؤول الأمني الإقليمي، إذا مات أمير "طالبان" فلا مصلحة للحركة في إعلان ذلك والمخاطرة ببدء حرب الخلافة "التي ستزيد من انقسام طالبان" ويمكن أن "يستغلها تنظيم الدولة الإسلامية".

وإن كان الأمر كذلك، يرى المسؤول الأمني الأفغاني السابق أن "طالبان" لن تكشف عن وفاته "حتى تصبح الأمور أكثر استقراراً" ويكون لديها "شكل من أشكال الاعتراف الدولي"، و"لا أحد يعرف متى سيحدث ذلك".

متى يظهر القائد الأعلى على مرأى من العالم؟ يشير الرد الرسمي لـ "طالبان" إلى أن الأمر لن يكون بتلك السرعة.

ويجيب نائب المتحدث باسم الحكومة أحمد الله وثيق، "ليس من الضروري أن يظهر الشيخ صاحب (وهو لقب آخر لأخوند زاده)، لأنه حتى بهذه الطريقة (التواري) قادر على القيادة بطريقة منظمة وفعالة"، وإن وعد بأنه سيظهر "عندما يكون ذلك ممكناً".

المزيد من دوليات