Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خوف على الحريات في تونس إثر التعرض للمقاهي خلال رمضان

يزداد القلق من تكرار هذه الاعتداءات خصوصاً مع نفي وزارة الداخلية الخلفية التكفيرية للمهاجمين

مقهى في إحدى ضواحي تونس العاصمة (أ.ف.ب)

هجوم نفذته مجموعة تتألف من اثني عشر شخصاً بعد ظهر يوم السبت 25 مايو (أيار) 2019، على مقهى يرتاده مواطنون عزّل، حين اعتدى مهاجمون على روّاد المقهى بالضرب وقاموا بتكسير محتوياته وحرقه قبل أن يغادروا على متن سيارات كانوا قد وصلوا بها إلى مكان الحادث.

العملية أثارت غضب واستياء الكثيرين في تونس، خصوصاً أنها تعيد إلى الأذهان ذكريات مؤلمة عاشتها تونس بعد فوز حركة النهضة في الانتخابات عام 2011 وانتشار الجماعات السلفية، خصوصاً تنظيم أنصار الشريعة، قبل أن يُصنف "جماعة إرهابية"، الذي حاول فرض رؤيته وفكره باستخدام العنف ضد المناطق التي نجح في التغلغل فيها خلال تلك الفترة، وما تبعه من جرائم واغتيالات وعمليات إرهابية نُفذت إثر ذلك.

الدستور يضمن حرية المعتقد

بعد مرحلة اتسمت بذكريات أليمة وخروج جماهيري للشوارع بمسيرات واحتجاجات ضخمة، نجحت تونس في إيجاد دستور 2014، الذي أقر بحرية المعتقد وضمن الحريات الفردية لكل المواطنين، والذي اعتُبر مكسباً مهماً للقوى الديمقراطية، بعد نضال مرير خاضته الهيئات والمنظمات الحقوقية على امتداد عشرات السنين، للوصول لإقرار هذه الحقوق في الدستور ومنع المساس بها.

المنظمات والهيئات الحقوقية تحمّل وزارة الداخلية مسؤولية عدم احترام ما جاء في الدستور، والإصرار على استعمال منشور يُطلق عليه "منشور مزالي" نسبة لرئيس الحكومة التونسية الذي أجبر في عام 1981 بموجب المنشور، المطاعم والمقاهي على إغلاق أبوابها طوال شهر رمضان المبارك، علماً أن هذه المنظمات والهيئات الحقوقية تعتبر أنه بعد سقوط نظام حكم الرئيس السابق بن علي ألغيت كل المناشير التي تتنافي وحرية المعتقد والضمير، ومنها المنشور الذي منع النساء من ارتداء الحجاب، لكن هذا المنشور المخالف للدستور لا يزال يطبق في تونس.

وزارة الداخلية توضح

النّاطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني العميد وليد حكيمة، قال في تصريح لوسائل الإعلام إن "مناوشات عنيفة حدثت بين مجموعة من الأشخاص داخل مقهى في أحد الأحياء الشعبية في إحدى ضواحي العاصمة تونس، على خلفية "التّجاهر بالإفطار".

وأضاف حكيمة أن "المجموعة المهاجمة اعتدت بالعنف على الموجودين داخل المقهى الذي تعرض للتكسير، في هجوم أدى إلى سقوط عدد من الجرحى نُقلوا إلى المستشفيات القريبة. وأكد حكيمة أن البحث متواصل عن المهاجمين، بعد الاستماع إلى أقوال صاحب المقهى.

تضارب في التصريحات

من جهته، روى منير بوعتور، محامي صاحب المقهى المعتدى عليه، ما حدث قائلاً "تعمد عدد من السلفيين الهجوم على المقهى المفتوح في نهار رمضان للمفطرين تحت صيحات الله أكبر، وسارع صاحب المقهى إلى إغلاق ستار المقهى الحديدي، فتعمد السلفيون سكب مادة البنزين من تحت الباب وإشعال النار قصد حرق المقهى بمن فيه من عملة وحرفاء، ما أجبر صاحب المقهى على فتح الستار لإخراج من فيه، حينها اعتدوا عليهم بالعصي وحرق جزء كبير من المقهى.

إيقاف المعتدين يزيد من غموض الحادث

وزارة الداخلية أعلنت يوم الأحد 26 مايو في بيان رسمي، عن تمكن الوحدات الأمنية، إثر القيام بالتحريات اللازمة وإجراء حملات تمشيط، من إلقاء القبض على المتهم الرئيسي في عملية الاعتداء على أحد المقاهي.

وأفادت الوزارة أن المشتبه به من ذوي السوابق وهو ملاحق منذ عام 2018 من قبل الأجهزة الأمنية. كما ألقي القبض على مُرافقيه اللذين تعرف إليهما صاحب المقهى المتضرر، عند عرضهما عليه.

المجتمع المدني يتحرك

وطبيعة الحال أثار الاعتداء ردود فعل عنيفة وغاضبة، ودفع بالمنظمات الحقوقية إلى التحرك بسرعة لكشف ملابسات الحادث. ونشرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بياناً بشأن حادث الاعتداء أوضحت فيه أن "وفداً من قبلها توجه إلى مكان الحادث، وتبين من خلال تحقيق ميداني أجراه مع الشهود الذين حضروا الواقعة، أن المجموعة التي استهدفت المقهى رفعت شعارات الجماعات التكفيرية، وتوجه أفرادها بأبشع النعوت ذات خلفيات عقائدية متشددة، لمن كانوا في المقهى، قبل أن يباشروا بتكسير واجهته وإشعال النار فيه".

ودانت الرابطة في بيان صدر عن فرعها في ولاية بن عروس التي وقع فيها الاعتداء، "العنف الذي مارسته هذه الجماعة، مذكّرة بضرورة احترام الحقوق المكفولة في الدستور للمواطنين، ومحمّلة الدولة مسؤولية ضمان الحريات العامة والفردية وحمايتها".

عود على بدء

الإعلامي والمثقف الهادي يحمد، المختص في الجماعات التكفيرية، أوضح معلّقاً على الاعتداء، قائلاً إن "مرتكبي غزوة المقهى منحرفون وأصحاب سوابق، والكل يعرف أن الدافع الديني قوي عند هذه الجماعة". 

وأضاف يحمد "صحيح أنهم قد لا يكونوا سلفيين ولا متشددين، بمعنى أنهم ملتزمون دينياً، لكن لديهم كل القابلية ليكونوا دواعش عندما تعود الخيم الدعوية التي أقامتها الجماعات التكفيرية في تونس (جماعة أنصار الشريعة الإرهابية)".

وأوضح أن "العيش في بيئة انفصامية ومصطلحات ترتكز على مفهوم الحلال والحرام (وإذا عصيتم فاستتروا)، ومع تساهل أجهزة الدولة وقوانينها، فمن الطبيعي أن تهاجم جماعة مثل هذه، مقهى في رمضان"، وأضاف "هذه تسمى الثقافة الرجعية السائدة في المجتمع، من الطبيعي أن يرفع المنحرفون شعارات التكبير ويحاولوا حرق المقهى".

صمت الأحزاب السياسية

حساسية القضية، بين الدفاع عن حق المواطنين بحرية المعتقد وضمان الحريات الفردية لكل المواطنين، كما جاء في الدستور، والتخوف من التعبير عن موقف واضح تجاه الحادث، خوفاً من اتهامها من قبل شرائح مجتمعية بالتشجيع على الابتعاد عن الدين، وعدم احترام مشاعر الصائمين والعادات والشعائر الإسلامية، كل هذه العوامل ألقت بظلالها على مواقف الأحزاب السياسية التي فضّلت تحاشي الحديث عن الموضوع أو التطرق إليه في فترة يصفها الجميع بـ "الحساسة"، مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

المزيد من العالم العربي