في ظل الانقسام الحاد بين القوى السياسية اللبنانية، باتت لنتائج الانتخابات الطلابية والنقابية أبعاد تعكس تغير مزاج الرأي العام ضد المنظومة السياسية التي تحكم البلاد، وباتت الأحزاب السياسية تخشى الخسارة في النقابات والجامعات، لما لها من أثر معنوي سلبي على مؤيديها، ولذلك أصبح كل منها يتبع تكتيكاً خاصاً يجنبها إحراج الخسارة من ناحية، ويعطيها في المقابل المفاعيل المعنوية في حالة الفوز من ناحية أخرى.
وتكشف تجارب معظم الانتخابات النقابية في الأسابيع الماضية، عن أن معظم الأحزاب تتجنب خوض تلك الانتخابات بأسماء حزبية واضحة، واستبدلتها بدعم "مستقلين" مقربين منها، في حين اعتمد "التيار الوطني الحر" تكتيك عدم المشاركة بالانتخابات تحت شعار "عدم تحويل النقابات إلى ساحة صراع سياسي"، إلا أن خصوم التيار يعتبرون أن عدم المشاركة نوع من التمويه لتغطية تراجع شعبيته، وأن التيار يقول علناً إنه غير مشارك في حين يقوم بدعم لوائح ومرشحين، غير أن مصادر التيار الوطني الحر أكدت حرصها على الحفاظ على العمل النقابي وعدم الزج به في الصراعات السياسية التي تضرب النقابات، وتؤدي إلى شرذمتها وضعفها، مطالبةً باقي القوى السياسية عدم استخدام الطلاب والنقابيين كمسرح لـ"ألاعيبهم السياسية"، معتبرة أن نتائج الانتخابات النقابية والطلابية لا تعكس حقيقة ما ستؤول إليه الانتخابات النيابية المقبلة.
وكانت لافتة الإشكالات التي طبعت انتخابات نقابة أطباء الأسنان خلال عملية فرز الأصوات، والتي أشعلت فوضى عارمة وسط تضارب بالأيدي وتحطيم صناديق الاقتراع على خلفية شكاوى من عدم شفافية الفرز، ما أدى إلى إلغائها، الأمر الذي أشاع توتراً جدياً في الواقع النقابي عموماً، وفي مختلف النقابات التي ستشهد انتخابات في المرحلة المقبلة. وفتحت المجال للتخوف من تكرار المشهد في المرحلة التي تسبق الانتخابات النيابية، ويكون مؤشراً جدياً إلى إمكانية تطييرها، لا سيما أن الأحزاب الحاكمة مأزومة بشكل كبير، وقد تلجأ إلى تأجيل الانتخابات النيابية بأقل تقدير لحماية وجودها في المجلس النيابي.
محاكاة المشهد النيابي
وفي هذا السياق، يرى رئيس جهاز الإعلام في "حزب الكتائب" اللبناني، باتريك ريشا، أن الانتخابات الطلابية والنقابية تشكل معياراً لقياس مزاج الرأي العام وأهوائه، موضحاً أن "هذا الأمر برز في عام 2005 حين أظهرت الانتخابات الطلابية حينها النفس السيادي الرافض للاحتلال السوري، أما اليوم فإن النتائج تعكس معياراً للجو الطامح للتغيير في البلد". أضاف أن "استرداد النقابات من يد المنظومة هو أحد المطالب والخطط التي تضعها المجموعات التغييرية والكتائب أيضاً، لأن الحركة الشعبية موجودة دائماً بيد النقابات التي هيمنت عليها بعض أحزاب المنظومة، وهذا ما نسعى إلى تغييره".
وحول أهمية هذه الانتخابات بالنسبة للأحزاب، شدد ريشا على أنها جزء من المجتمع ونسيجه، بالتالي تعتبر الأحزاب الانتخابات النقابية وسيلة لاستقطاب مناصرين ومنضوين جدد، كما أنها مناسبة لتحقيق مشاريعها الاجتماعية والسياسية، خصوصاً النقابات ذات الطابع السياسي، حيث تطمح الأحزاب أن تكون هذه النقابات رأس حربة للدفاع عن الحريات ولترسيخ سياسات اجتماعية.
تزوير وفوضى
وحول ما حدث في انتخابات نقابة الأسنان من فوضى واعتداءات على صناديق الاقتراع ما أدى إلى إلغاء نتائجها، يقول ريشا، "كنت موجوداً في مقر اقتراع أطباء الأسنان، وشاهدت ما حدث بأم العين"، وهناك أسباب كثيرة أدت إلى حدوث ذلك، منها سوء التنظيم من قبل النقابة الحالية التي تولت عملية الفرز في القاعة الكبيرة أمام مئات الأشخاص، ولم يتم التدقيق بهوية الذين يدخلون القاعة وإن كانت لديهم صفة تسمح لهم بذلك، كما حدث تأخير كبير بالفرز التقني، فخلال ساعة تم فرز ثلاثة صناديق فقط. وتابع، "شهدت عملية الفرز تخبطاً، إذ تم فتح ملفات، ومن ثم إغلاقها، وإجراء تعديلات في الخانات، عن سوء أو حسن نية لا نعرف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح أن عملية الفرز توقفت عند الصندوق الرابع نهائياً، كما تم تسجيل أخطاء عدة، مثلاً في أحد الصناديق صوت 79 طبيباً، إلا أن النتيجة أظهرت قرابة 40 صوتاً فقط، الأمر الذي خلق عدداً من التساؤلات، وعلت الأصوات التي تتهم بحصول تزوير، وتطالب بإلغاء الانتخابات. وبالتزامن، سادت أجواء من الهرج والمرج، واعتدى عدد من الأشخاص على صناديق الاقتراع وعلى الموظفين المكلفين القيام بعملية الفرز على مرأى من شاشات التلفزة، كما أن وجوه المخربين وتصرفاتهم ظاهرة بوضوح من خلال الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيونات.
الاحتساب اليدوي
وفي تفاصيل أعمال الشغب وتكسير صناديق الاقتراع، تؤكد معلومات أنه بعد الانتهاء من عملية التصويت وبدء الفرز في الصندوق الخامس من أصل عشرين، اعترض بعض الأطباء على إجراءات الفرز، وحدث تلاسن بين الموجودين في القاعة، ثم عرضت إحدى الطبيبات أن تتم عملية الفرز عبر الاحتساب اليدوي للأصوات، ما زاد حدة التوتر ودفع بثلاثة أشخاص تبين لاحقاً أنهم من غير الأطباء لاستغلال الموقف والهجوم عليها ورمي الأوراق منها.
وعندها قرر النقيب المنتهية ولايته روجيه ربيز، إلغاء نتائج التصويت، مؤكداً أنه سيناقش في أسرع وقت ممكن مع مجلس النقابة تحديد موعد جديد للانتخابات بحسب نظامها الداخلي، كاشفاً عن أنه سيدعي على مجهول بسبب ما حصل، آملاً أن تكون كاميرات المراقبة قد وثقت ذلك، وباستطاعتها كشف المعتدين.
وعن الحديث عن وجود أشخاص لا ينتمون إلى مهنة طب الأسنان في قاعة الفرز، قال، "لا يمكن ضبط هذا العدد الكبير من الأشخاص في القاعة"، إلا أنه من ناحية ثانية انتقد عديد من الأطباء ما اعتبروه "سوء إدارة النقابة للعملية الانتخابية" من البداية واختيار فريق تقني غير كفء، ما أدى إلى هذه النتيجة غير المستحبة.
اتهامات متبادلة
وعلق رئيس "حزب الكتائب"، سامي الجميل، على الحدث عبر "تويتر"، قائلاً، إن "ما حدث في انتخابات نقابة أطباء الأسنان معيب ومُخزٍ"، كاشفاً عن أن "عناصر مسلحة من "حزب الله" من خارج الأطباء يعتدون على موظفي الفرز، ويحطمون الصناديق في مشهد لا يبشر بالخير للانتخابات النيابية المقبلة".
اتهام الجميل دفع الحزب إلى الرد سريعاً عبر بيان لتجمع أطباء الأسنان في "حزب الله"، متهماً المرشحة المدعومة من الجميل بالتسبب بالفوضى، بعد أن أتت نتائجها متأخرة وليست من بين العشرة الأوائل، فحدث هرج ومرج، واقتحم البعض صناديق الاقتراع وقاموا بتكسيرها بشكل مؤسف وغير مقبول بتاتاً ومرفوض.
وذكر البيان، "بدلاً من أن يخجل السيد سامي الجميل وحلفاؤه من هذا الفعل، توجه كعادته بإلباس التهمة لطرف "حزب الله" الذي ترك الحرية لمناصريه منذ الصباح لانتخاب من يرونه مناسباً، ولم يكن معنياً كغيره بالنتائج".
بدوره، علق "التيار الوطني الحر" في بيان له قائلاً، "الانتخابات امتحان ديمقراطي يتخطى الربح والخسارة، وقد رسب اليوم من سمح ليده بتكسير صناديق الاقتراع وهدر أصوات زملائه، خوفاً من خسارة كانت واضحة ومحتمة".
نتائج سليمة
بالتوازي، كانت نقابة الصيادلة تنهي العملية الانتخابية بنجاح، حيث أكد النقيب المنتخب جو سلوم، أن المعركة كانت ديمقراطية بامتياز، وشهدت على مشاركة 4000 صيدلي من أصل 7000 ممن سددوا رسوم اشتراكاتهم، مشيراً إلى "أنها النسبة الأكبر منذ سنوات على الرغم من كل الظروف الاقتصادية المحيطة"، والسبب، وفقاً لسلوم، أن "الصيادلة اليوم يسعون للتغيير بعد كل ما لحقهم من غبن".
وعن قراره خوض المعركة الانتخابية، أوضح سلوم أنه علق انتسابه لـ"حزب الكتائب" ليكون مستقلاً، كما أشار إلى أنه حصل على أصوات صيادلة من مختلف الانتماءات السياسية "لأنه كان معهم على الأرض، وشاركهم همومهم".