Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد طرزي يروي مواجهات الإستعمار في جزرالقمر وزنجبار

  "عروس القمر" رواية الحلم الأفريقي وخيباته في القرن 19

مشهد من "جزر القمر" (صفحة الجزر على فيسبوك)

بعد ست روايات تتخذ معظمها من الشرق الأفريقي عالماً مرجعياًّ لها، وترد كلمة "أفريقيا" في العنوان الأصلي لإحداها، وتشكل عبارة "حكاية الحلم الأفريقي" العنوان الفرعي لاثنتين منها، يصدر الكاتب محمد طرزي روايته السابعة، "عروس القمر– حكاية الحلم الأفريقي"، عن "الدار العربية للعلوم ناشرون"، لتحيل إلى العالم المرجعي نفسه، ويتفرع عنوانها إلى العبارة نفسها. ومحمد طرزي كاتب لبناني حائز جائزة غسان كنفاني للرواية عن روايته "جزر القرنفل"، وجائزة توفيق بكّار للرواية العربية عن روايته "نوستالجيا"، ووصلت أربع من رواياته إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، في دورات مختلفة. ولعل اهتمامه بالقارة الأفريقية يعود إلى إقامته الطويلة في موزمبيق التي جاءها تاجراً وغادرها كاتباً.

تدور معظم الأحداث في "عروس القمر" في جزيرة موهيلي التابعة لجزر القمر، ويدور بعضها في أنغوجا عاصمة جزيرة زنجبار، خلال القرن التاسع عشر. والجزيرتان تتبعان الإمبراطورية العمانية التي كانت تمتد من مضيق هرمز حتى رأس دلغادو في موزمبيق. وتتناول الصراع على السلطة في موهيلي، من جهة، والصراع على الجزيرة بين العرب والفرنسيين، من جهة ثانية. والصراعان يتداخلان ويتقاطعان، وتُستخدم فيهما شتى أنواع الأسلحة، الدبلوماسية والسياسية والعسكرية، ويتمخضان عن نتائج محددة.

تبدأ الأحداث في الرواية بانقلاب على السلطان عثمان حاكم موهيلي المدعوم من سلطان زنجبار العربي سعيد بن سلطان، وتنتهي بانقلاب على سلطانة موهيلي فاطمة الملغاشية. وبين البداية والنهاية سلسلة من الأحداث المتعاقبة. تُشكل فاطمة موضوعها المباشر، ويُشكل الصراع الداخلي على السلطة والصراع الخارجي على الجزيرة موضوعها غير المباشر. وللوصول إلى الأخير، لا بد من المرور بالأول. على أن بعض الأحداث، في مواقع متفرقة من الرواية، هي نقاط تحول تكون لها تداعياتها ونتائجها في توجيه مجرى الأحداث.

عرب وفرنسيون

لعل الانقلاب الذي يقوم به عبد الرحمن رامانتيكا ومستشاره بكّاري المتحدران من الأقلية الملغاشية في موهيلي على السلطان عثمان المتحدر من الأكثرية العربية، وهو الذي كان قد آواهما حين فرا من ملكة مدغشقر الملغاشية نزولاً عند طلب حليفة سلطان زنجبار العربي، هو نقطة التحول الأولى في الرواية التي يترتب عليها تجدد الصراع على المدينة العربية بين   العرب الذين يمثلون غالبية سكانها ويتعاقبون على حكمها، والفرنسيين الراغبين في بسط هيمنتهم عليها واستغلال مواردها، في إطار المشاريع الغربية الاستعمارية. وبذلك، تطرح الرواية سؤالي السلطة والاستعمار في تجادلهما العلائقي. وفي غمرة هذا الصراع، يضع كل من الفريقين الخطط اللازمة، ويستخدم الأدوات المتاحة له لتحقيق أهدافه. ويجمع بينهما تطلع كل منهما إلى استمالة فاطمة، ولية العهد الجديدة، للتحكم بمستقبل الجزيرة.

من جهة أولى، ما إن يضع الانقلاب أوزاره، ويتسلم عبد الرحمن رامانتيكا السلطة بمساعدة مستشاره بكّاري، حتى يبادر الفرنسيون إلى الاتصال به وفرض شروطهم عليه، وتتمظهر هذه المبادرة المشروطة  التي يحملها آمر الفرقاطة الفرنسية مسيو باسو نظرياًّ في، اعتماد النموذج الفرنسي في إدارة البلاد، الحد من نفوذ إمام زنجبار العربي، تكليف المربية الفرنسية درواة تربية ابنتي الحاكم الجديد فاطمة وسلمى، إقامتها في القصر، إشرافها على تنفيذ الاتفاق بين الطرفين. وتتمظهر عملياًّ في قيام المربية المزعومة بتعليم البنتين اللغة الفرنسية والعزف، وتربيتهما على الطريقة الفرنسية، ومراقبة سير الحكم بالعيون والآذان، والتأثير في فاطمة وخياراتها وعلاقاتها، وتشريع الباب أمام جوزف ابن القنصل الفرنسي ومشاريعه الاستثمارية، واستخدام من يدس السم لسفير زنجبار العربي، والحؤول دون استعادة العلاقات الطبيعية بين حاكمي مدغشقر وموهيلي، وهما أبناء عمومة، بتسميم السلطان عبد الرحمن، وتولية فاطمة مقاليد الحكم. وذلك، في إطار السعي إلى فرنسة الجزيرة. غير أن الرياح لا تجري بما تشتهي الفرقاطة الفرنسية.

  أدوات عديدة

 من جهة ثانية، وفور حصول الانقلاب، يستدعي الإمام سعيد بن سلطان حاكم زنجبار العربية وزراءه للتشاور في آخر المستجدات وكيفية مواجهتها. غير أنه، على عادة العرب، يتأخر في المواجهة إلى أن يزوره مستشار السلطان الجديد ملتمساً المغفرة، بعد ثلاث سنوات من الانقلاب، في خفية من البحرية الفرنسية، فيشترط عليه إطلاق السلطان المخلوع وابنه، وإقامة سفيره في القصر السلطاني، حتى إذا ما تحقق له ذلك، يوعز إلى السفير ناصر التقرب من فاطمة والارتباط بها لاستعادة موهيلي إلى الحضن العربي، الأمر الذي يتحقق بنهاية الرواية. ولا تقتصر الأسلحة التي يستخدمها الإمام على السلاح الدبلوماسي، بل يتعداه إلى توظيف تيمور ابن المستشار لحرق مزارع  يستثمرها الفرنسيون في صناعة العطور، وتحريض الناس على الثورة والتخلص من السلطانة فاطمة بعد ارتمائها في أحضان الفرنسيين ونزع العلم العماني عن القصر السلطاني تنفيذاً لطلبهم.

خلال الصراع على موهيلي، ثمة أثمان غالية تدفع، على المستويين الفردي والجماعي. ومنها، موت السلطان عبد الرحمن مسموماً، محاكمة المستشار بكّاري بتهمة تسميمه، وإقصاء ابنه تيمور عن المدينة، وإحراق مزارع الأشجار المنتجة للعطور، وثورة مالكي الأراضي على المستثمر الفرنسي لعدم تنفيذ وعوده لهم، ومحاصرة الثوار القصر السلطاني، وهرب السلطانة، وانسحاب الفرنسيين، وتخليهم عنها ورفضهم إجلاءها على الفرقاطة باعتبارها غير فرنسية، ما يبرز الوجه الحقيقي للمستعمر الذي يتخلى عن أدواته فور استنفاد أدوارها. على أن الثمن الأغلى، في هذا الصراع، تدفعه فاطمة بخسارة والدها، وعدم الارتباط بمن تحب، والتخلي عن عرشها، ومحاولة الهرب إلى فرنسا، ما يمنح هذه الشخصية محوريتها في الرواية.

زواج المصالح

 تشكل فاطمة محور الأحداث، ونقطة الاهتمام المشترك بين العرب والفرنسيين، فالزواج منها يحدد هوية الجزيرة في المستقبل. وتتحول مسألة الزواج من مسألة عاطفية شخصية خاصة  إلى شأن سياسي عام، وطني ودولي، ما يعبر عنه السلطان في معرض إقناعه  ابنته وولية عهده بالزواج من ابن عمومتها ملك مدغشقر الجديد لينقذ خزينته من الإفلاس، بالقول،     "نحن، معشر الحكام، أولويتنا مصالح الشعوب، لا العواطف النبيلة التي تتحدثين عنها" (ص 97). وبذلك، يصبح الزواج في منظوره صفقة سياسية. وفي هذا السياق، يرغب الإمام سعيد بن سلطان إلى سفيره وابن عمه ناصر الارتباط بفاطمة لاستعادة عروبة الجزيرة. ويرغب الرئيس الفرنسي نابليون وآمر الفرقاطة مسيو باسو في تزويج فاطمة من جوزف ابن القنصل الفرنسي لفرنسة الجزيرة. ويرغب المستشار بكّاري في تزويجها من ملك مدغشقر لمعالجة عجز الخزينة. أما رغبات فاطمة العاطفية فَيُضرب بها عرض الحائط. ومن المفارق أنها بعد أن تتبوأ العرش تختار الارتباط بالسفير، في نهاية الرواية، إنقاذاً للعرش والجزيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى نقطة التحول الأولى التي تبدأ بها الرواية، ثمة نقاط تحول أخرى تؤثر في مجرى الأحداث، ويترتب على كل منها نتائج معينة، وهي أشبه بالوقائع المفيدة في النزاع، باللغة القانونية، فإفلاس الخزينة يدفع السلطان بوحي من مستشاره إلى التفكير في ترميم العلاقة مع ابن عمه ملك مدغشقر الجديد، وهذا التفكير يدفع بالمتربصين بالجزيرة إلى قتله بالسم، وقتله يجعل ابنته فاطمة تتبوأ العرش، وعدم تقاضي أصحاب الأرض بدلات استثمارها يدفعهم إلى النقمة على المستثمر الفرنسي واستطراداً السلطانة الجديدة، والرغبة المشتركة في الانتقام بين الإمام سعيد وابن المستشار تيمور تدفع إلى حرق المزارع. على أن نقطة التحول الأهم تشكل القشة التي قصمت ظهر البعير، وتتمثل في إنزال العلم العماني عن القصر السلطاني، ما يؤدي إلى اندلاع الثورة وإسقاط السلطانة، وانسحاب الفرنسيين. ويأتي قبول فاطمة العرض الذي تتلقاه بالزواج من السفير العربي، وهي في غمرة هزيمتها، ليشكل خشبة خلاص لها، وتسوية عادلة للفريقين، تستعيد فيها عرشها، من جهة،  ويستعيد العرب حكم الجزيرة بانتقال السلطة إلى أبنائها من السفير العربي، من جهة ثانية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة