من دون سابق إشعار، وصلت رئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، إلى الجزائر، في أول زيارة عمل لها خارج بلادها منذ تعيينها في منصبها، وإن كان التنقل مفهوماً، ويصنف في إطار التقاليد الدبلوماسية التي تجمع البلدين، تبقى مدة الزيارة ليوم واحد ومحدودية الوفد المرافق لها وقلة اللقاءات والاجتماعات تطرح استفهامات عدة.
زيارة مفاجئة
وكان في استقبال بودن نظيرها الجزائري، أيمن بن عبدالرحمن، مع وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة. وبحسب الحكومة الجزائرية، فإن الزيارة تندرج في سياق تأكيد جودة العلاقات الثنائية التي تجمع البلدين الشقيقين، والإرادة المشتركة لدى الجانبين لتعزيز التعاون وتنويعه، لا سيما التحضير للاستحقاقات الثنائية الهامة المقبلة.
الدفع إلى أفضل المراتب
في المقابل، قالت الحكومة التونسية، إنه بتكليف من الرئيس قيس سعيد، تؤدي نجلاء بودن، رئيسة الحكومة زيار ة أخوة وعمل إلى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. وأضافت في بيان، أنه "سيرافق رئيسة الحكومة، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، عثمان الجرندي"، موضحة، "تأتي هذه الزيارة بوصفها أول زيارة عمل ثنائية تقوم بها رئيسة الحكومة، تأكيداً للعلاقات التونسية - الجزائرية المتينة، وترجمة لإرادة قيادتي البلدين للارتقاء بهذه العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية المتضامنة والمستديمة، استجابة لتطلعات الشعبين الشقيقين".
تصريح يكشف عن الخفايا
وعلى قلة اللقاءات بين رئيسة الحكومة التونسية ونظرائها الجزائريين، تبقى تصريحات نجلاء بودن، عقب استقبالها من قبل الرئيس عبدالمجيد تبون، مثيرة للاهتمام لأنها بعثت بعض الاشارات حول موضوع الزيارة الخفيفة والسريعة، حين قالت، "نحن في بلدنا، وهذا اللقاء يندرج ضمن اللقاءات الدورية التي تجمعنا ببعضنا البعض، من أجل تعزيز علاقاتنا الثنائية لننتقل إلى الأهم من خلال الانطلاق في استراتيجية متكاملة بين الجزائر وتونس". أضافت، "كان لي الشرف العظيم بلقاء الرئيس عبدالمجيد تبون، وقد نقلت لسيادته تحيات رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعد التصريح في جملته "لننتقل إلى الأهم"، دعوة واضحة إلى ضرورة تجاوز الممارسات التقليدية إلى ما هو أهم، والذي يعد بالنسبة إلى تونس الخروج من الوضع المتأزم سياسياً اجتماعياً واقتصادياً، كما أنه طلب صريح بالمساعدة والدعم الجزائريين، الأمر الذي يكشف عن "معاناة" السلطة التونسية ووجودها تحت الضغط الداخلي والخارجي، بعد رفع جهات كانت قد وعدت بالمساعدة، أيديها عن الرئيس قيس سعيد.
اللجوء إلى الحضن الدافئ
وفي السياق ذاته، يقول القيادي في الحزب الجمهوري التونسي، مولدي الفاهم، إن بلاده تمر بمصاعب جمة سياسية واجتماعية، وبخاصة اقتصادية، تتمثل في عجز الحكومة عن مواجهة الميزانية التكميلية لعام 2021، إضافة إلى ميزانية 2022، موضحاً أنه كانت آمال الحكومة معلقة على بعض دول الخليج في إطار الصراع المعلوم بين الأحلاف والاقطاب، فإن هذه الآمال خابت بعد التراجع عن تقديم الدعم، و"في اعتقادي ما كان للحكومة التونسية إلا اللجوء إلى الحضن الدافئ ممثلاً في الجزائر".
ويواصل الفاهم، أن التقارب التونسي الجزائري بات ضرورة للبلدين أمام المصاعب والمخاطر التي تهدد المنطقة، بخاصة بعد التطورات الأخيرة بخصوص العلاقة بين المغرب وإسرائيل، والأوضاع المتأزمة في ليبيا، لذلك "أعتقد أن على البلدين زيادة التعاقد والتعاون وتوحيد الرؤى في مجمل القضايا الداخلية والإقليمية والدولية".
زيارة متأخرة
من جانبه، يعتقد رئيس حزب جبهة الإصلاح التونسي، رشيد الترخاني، أن هذه الزيارة تندرج ضمن التعاون والتشاور المشترك بين البلدين، وتكريساً لتقليد سياسي قائم يدفع رؤساء الحكومات التونسية إلى أن تكون أول زيارة عمل رسمية لهم باتجاه الجزائر.
ويضيف، "تأتي ملفات التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي والتحضير للاستحقاقات الثنائية المهمة المقبلة على رأس قائمة المواضيع التي سيتم التطرق اليها، بخاصة اجتماع اللجنة العليا المشتركة التونسية - الجزائرية المزمع عقده في المنظور القريب، إضافة إلى بقية اللجان القطاعية الثنائية المشتركة"، مشدداً أن القضايا الاقتصادية ستكون ذات أولوية، إذ تبحث تونس عن مساعدة مالية ظرفية من الجزائر لفك الاختناق العصيب الذي تمر به البلاد"، إضافة إلى دعوة الجزائر فتح الحدود البرية المغلقة بما يسمح بتنفس اقتصادي لسكان المدن والبلدات الحدودية التونسية التي ضاقت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
ويعتبر الترخاني أن هناك ركوداً تشهده السياسة الخارجية التونسية في التعاطي مع المتغيرات الدولية والإقليمية، مما جعل البلاد رهينة التدخلات الخارجية بعد أن كانت في منأى عن لعبة المحاور.
ويضيف، "أعتبر أن زيارة رئيسة الحكومة متأخرة جداً، وقد غاب عنها الشق السياسي والقضايا الإقليمية، وعلى رأسها الملف الليبي، بسبب صلاحياتها المحدودة الممركزة بيد الرئيس قيس سعيد"، مشيراً إلى أن الجانب الجزائري لا يبدو أنه في عجلة من أمره، إذ إن المعلومات توضح أن تأخير الجزائر فتح الحدود وتنقل الرئيس تبون إلى تونس، مرتبط بإعادة التقييم السياسي للتوجهات التي ينتهجها الرئيس قيس سعيد.
ويقول الترخاني، "يبدو جلياً أن الجزائر ترفض إقصاء أي طرف سياسي في تونس، حرصاً منها على الاستقرار، ومنعاً لاستنساخ تجارب حدثت في بلدان أخرى، كما تبدو الجزائر متحفظة نسبياً على ملامح انخراط تونس ضمن تحالفات مع فرنسا ومصر".
توقيت شديد الحساسية
في السياق ذاته، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، الجزائري عثمان منادي، أن الزيارة تأتي في سياق وفاء الدولة التونسية للحفاظ على عادة أن تكون أول زيارة رسمية لكبار مسؤوليها نحو الجزائر التي يصفها الإعلام الرسمي وغير الرسمي بالشقيقة الكبرى، موضحاً أن توقيتها شديد الحساسية من جوانب عدة، حيث إن تونس تعاني الوضع الداخلي وتجاذبات الشارع بين داعم لقرارات الرئيس سعيد ومن يصفه بالديكتاتور، بينما لا تزال الأزمة المالية وعجز الميزانية تؤرق المسؤولين قبل المواطنين، وفي انتظار دعم البنوك الخارجية يظل الشعب التونسي ينتظر كرم الأصدقاء من العرب قبل صندوق النقد الدولي.
ويضيف منادي، "أما الجانب الثاني، فيخص استغلال انسجام وتطابق وجهات النظر بين الرئيسين الجزائري والتونسي للمسائل الاستراتيجية ذات البعد الإقليمي، ففي ليبيا يعمل الطرفان على دعم الشرعية والذهاب إلى توافق ليبي - ليبي يضمن إبعاد القوى الخارجية، كما أن الجزائر تسعى بخصوص ما يجري مع المغرب، إلى توضيح رؤيتها واتخاذ تونس نموذج لحسن الجوار والتعاون، وأبرز أن هذه الزيارة، وبقدر من كونها بروتوكولية بعد تنصيب حكومة بودن، إلا أن رسالتها في هذه الظروف ذات طابع استراتيجي".