Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الركود يضرب سوق العقارات في تونس وسط ارتفاع الأسعار

غياب التمويل المصرفي وغلاء مواد البناء يهددان الاستقرار

البنك المركزي التونسي (رويترز)

تواصل ارتفاع سعر العقارات في تونس التي شهدت في الثلاثية الثالثة من هذه السنة تصاعداً يؤشر إلى انعكاس للزيادة المسجلة في أسعار المواد الأولية للبناء على السوق العقارية، وتسببت التكاليف الباهظة للبناء في ركود السوق وعدم توفر زبائن، لكنها تؤشر من جهة أخرى إلى أزمة مترامية الأطراف تمس قطاعات متنوعة أهمها الصناعة ومواد البناء ومكاتب الدراسات والمهندسين المعماريين، كما ينبئ بعدم انتهاء الأزمة التي يمر بها العقاريون التونسيون الذين يطالبون بتطبيق إصلاحات لإنعاش القطاع، وتتم هذه الإصلاحات بالتشارك مع  القطاع البنكي.

ويعجز التونسيون عن امتلاك مسكن في غياب سياسة متكاملة لدعم السكن من قبل الدولة، وفي ظل رفض البنك المركزي التونسي جملة من الإصلاحات المالية المطروحة لدعم المسكن الخاص.

تراجع المبادلات العقارية

وانخفض سعر العقارات بنسبة 3.7 في المئة خلال الثلاثية الثالثة من السنة مقارنة بالثانية من سنة 2021، ويعود ذلك من ناحية أخرى إلى الانخفاض المسجل في أسعار الشقق بنسبة سبعة في المئة، وأسعار المنازل بنسبة 12.4، واقتصر ذلك على قياس التغير الثلاثي، وارتفعت في المقابل أسعار العقارات بنسبة تسعة في المئة خلال الثلاثية الثالثة من سنة 2021 بحساب الانزلاق السنوي، مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2020، بينما تراجع  النسق بنسبة 15.4 في المئة في الثلاثية المنقضية، وعرفت أسعار الشقق ارتفاعاً بنسبة 5.4 في المئة، علماً أن معدل ارتفاع أسعار الشقق بلغ 7.7 في المئة   خلال السنوات الست الماضية، أي الفترة الممتدة بين 2015 و2020.

أما الأراضي المعدة للسكن، فقد زاد سعرها بنسبة 12.6 في المئة، ويبلغ معدل ارتفاع أسعار الأراضي في تونس 5.7 في المئة في السنوات الست الماضية، وسارت أسعار المنازل في نسق معاكس، فقد شهدت انخفاضاً طفيفاً بنسبة 0.5 في المئة في الثلاثية الثالثة من 2021 و5.1 في المئة كمعدل انخفاض للفترة الفاصلة بين 2015 و2020، في مؤشر واضح على انخفاض المقدرة الشرائية للتونسيين الراغبين في امتلاك منزل خاص.

وقد انخفض، بناء على ذلك، حجم المبادلات العقارية بنسبة 11.9 في المئة خلال الثلاثية الثالثة لسنة 2021 مقارنة بالثلاثية الثانية من السنة نفسها، ويواصل حجم المبادلات العقارية للثلاثية الثانية على التوالي تدحرجه، وانخفض 11.1 في المئة في الثلاثية المنقضية، كما تراجعت المبادلات العقارية بالنسبة للأراضي المعدة للبناء والسكن بنسبة 12.7 في المئة، والشقق بنسبة 8.8 في المئة، والمنازل بنسبة 9.7 في المئة.

وينتج عن هذا النسق السائر في اتجاه واحد، وهو التصاعد، أسعار باهظة للمساكن يعجز الزبون عن تسديدها، وبالتالي العزوف عن الشراء، وركود تام في القطاع والقطاعات الشريكة المتداخلة في مشاريعه.

الركود

واعتبر جلال مزيو نائب رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين، أن عوامل عدة أسهمت في شطط الأسعار والركود الناتج عنه، وأتت بالفعل التراكمي للزيادات في أسعار المواد الأولية ومكونات عملية إنشاء العقارات الجديدة في المجمل، ومن أهمها ارتفاع أسعار المحروقات التي تؤثر بطريقة مباشرة على مشاريع البناء، علاوة على المواد الأولية الأساسية مثل مادة الحديد الذي تضاعف سعرها ثلاث مرات منذ انطلاق السنة الحالية، وكذلك الإسمنت والمواد الصحية المحلية الصنع التي رفعت من أسعارها بحكم تكلفة الإنتاج الناتجة عن التضخم في سعر السلع الحاصل بالسوق الخارجية، وبخاصة بلدان الاتحاد الأوروبي، وهو انعكاس مباشر لتراجع قيمة الدينار التونسي مقابل اليورو، الأمر الذي دفع إلى الزيادات المتتالية لتكلفة البناء أثناء المشروع الواحد، إذ يخضع العقاري إلى هذه الزيادات بعد انطلاق إنجاز المشروع وتحديد التكلفة التي يضطر إلى مراجعتها، وبالتالي إلى رفع سعر الشقق والمنازل عند تسليمها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتخضع الأراضي المعدة للبناء إلى نسق الزيادة نفسه، ويقتصر توفيرها على الدولة التونسية الوحيدة المخولة لذلك عن طريق شركة متخصصة وهي "الوكالة العقارية للسكنى"، وتوفر الأراضي المجهزة للبناء بنسق بطيء لا يوفر التوازن المطلوب في السوق، إذ يعاني العقاريون من نقص في الأراضي المجهزة وبالتالي ندرتها، ويحدد سعر بيع هذه الأراضي من قبل الشركة ويبلغ أربعة آلاف دينار (1428 دولاراً) للمتر المربع، بينما تصل تكلفة بناء المتر المربع للشقق بالعمارات السكنية حوالى 714 دولاراً، وينتج عن الزيادات المذكورة في المواد الأولية والخدمات ارتفاع التكلفة بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة أثناء عملية إنجاز المشروع الواحد.

سعر الفائدة

وتراجع عدد الزبائن المتزودين بقروض بنكية سكنية في السنوات الأخيرة، بعد أن مثل هؤلاء 80 في المئة من العملاء في العقود الماضية، وانخفض عددهم إلى 20 في المئة من مجموع الزبائن، ويعود ذلك إلى سعر الفائدة الذي يصل إلى 11 في المئة، وقد طالب العقاريون بالتخفيض في هذه النسبة وتحديد نسبة فائدة لدى جميع البنوك، وهو ما استجاب له وزير المالية السابق ونص عليه قانون الإنعاش الاقتصادي بتحديد نسبة فائدة تبلغ ثلاثة في المئة، ما يمكن التونسيين من فرصة الحصول على المسكن الأول بتسهيلات تتمثل في قرض تصل قيمته إلى 500 ألف دينار (178.5 ألف دولار) مع مدة تسديد تمتد إلى 40 عاماً.

وقوبل القانون برمته برفض البنك المركزي التونسي على الرغم من المصادقة عليه من قبل البرلمان التونسي المجمد، ولم تتضح حتى اليوم إمكانية العمل به من قبل رئيس الجمهورية من عدمه، في غياب تام لسياسة دولة واضحة لدعم السكن ومساعدة التونسيين في الحصول على مسكن ودفع العقاريين لتطوير البنية التحتية والمشهد الحضري.

التدخل العاجل

ويعاني القطاع من عوائق إضافية أبرزها البيروقراطية الإدارية في علاقة  بالتزود بالرخص ثم بخدمات شركات الكهرباء والغاز وتركيب خدمات المياه، التي تتسبب في تأخير إنجاز المشاريع وبالتالي خسائر مالية ضخمة، وفق المحلل أنيس بن عبد الله، بينما تظل القوانين الجديدة التي انطلق العمل بها بداية من سنة 2018 من أبرز الإجراءات التي أضرت بالعقاريين، وقد تم فرض ضريبة الأداء على القيمة المضافة وتحديدها بـ13 في المئة، ما أدى إلى الرفع من كلفة العقارات بنسبة سبعة في المئة، علاوة على الترفيع في تسجيل العقارات الذي تراوح بين واحد وتسعة  في المئة بالنظر إلى قيمة العقار انطلاقاً من 300 ألف دينار (107 آلاف دولار)، وصولاً إلى مليون دينار (357 ألف دولار) أو أكثر، الأمر الذي أثقل كاهل العميل والعقاري على حد سواء في غياب المرافقة البنكية، إذ لا تتوفر بنوك مختصة في السكن بعد أن تحول البنك الوحيد المختص في تونس إلى بنك تجاري.

وتتجمع هذه العوامل لضرب المقدرة الشرائية للتونسيين غير القادرين على شراء مساكن في الوقت الراهن، فالإشكال تحول إلى تفاوت بين العرض والطلب، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى سلسلة من الأزمات بحكم ارتباط القطاع بمتدخلين وأهمهم المهندسون والمقاولون والمصنعون ومكاتب الدراسات، كما تمس الأزمة القطاع البنكي الممول الأول للعقاريين، والركود لن يقتصر على مجال بعينه، والمخاطر ممتدة وتستدعي التدخل العاجل من الدولة.