Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحيل معشوق ليبيا

"أعاد رضوان بوشويشة كتابة المدينة المحاصرة بين بحرين من رمل وماء أجاج"

رضوان بوشويشة (مواقع التواصل)

وفي الليلة الظلماء يُفتقد رضوان بوشويشة، من افتقدته ليبيا هذا العام، كما افتقدت خلال عام كورونا محمود جبريل، في الحالتين افتُقد البدر، أو هكذا تبيّن، حين ضجّت بالمراثي الميديا، بخاصة السوشيال ميديا، ما أدمع وفجع قلب ليبيا المكلوم، حين ظهر فجأة أنها افتقدت البدر.
في عام 2020، ذهب محمود جبريل، الذي تفتقده ليبيا في ساعتها هذه، أيام الانتخابات، يوم تنتخب، أول رئيس في تاريخها، تنتحب، لأنه رحل. محمود جبريل، السياسي الحكيم، رجل التوازن، من يعرف قدر الاختلاف، وحتى الخصومة، الرجل الرصين المتعقل، نقيضه من رحل هذه الأيام في عام 2021.
رضوان بوشويشة، جنون العشق، تمرد الفنان، ريبة الكاتب، شرود المتصوف، فداحة البساطة، المنسي في الطين، لوحات تاسيلي، "ديك الجن الطرابلسي". من يكتب بميزان الذهب، فيكتب القليل، الرسام من الألوان دمه، من يهدر الوقت والجهد والمال ليحيا، الصديق الصدوق. لم يعُد نفسه كاتباً ولا رساماً، ولا من غير هؤلاء، اكتفى بأنه عاشق كل ذلك، وتُعشق لذلك طرابلس الغرب، كمدينة لا يراها غيره، باعتبار أنه مبدعها، سرابها فيه وجعلها السراب، الذي يعني الوجود، هي الضرورة، التي لا لون ولا رائحة لها.
رضوان بوشويشة، أعاد كتابة المدينة، المحاصرة بين بحرين، من رمل وماء أجاج، نزل عن ركاب بلدته "العزيزية"، في طفولة طائشة، متغرضاً ما لا يُعرف وما يُحدس، متخذاً من الأحرف قوساً، ومن اللون قزحاً. ومثل كل العاشقين البلهاء، أهدر قواه من أجلها، طرابلس الغرب، التي ما كانت لولا جنونه بها. في طفولة غير مدركة، أدرك المدينة غير المتمدنة، كما أدرك الصبح الليل. في المدينة القديمة سكناه، حيث حدس أن غرناطة هربت من ليلها، ودسّت روحها بين الجدران، كما دسّ روح طفولته بين النصوص، نصوصه التي هي كشاف، معمار مدينة مذهولة عن نفسها. سوّد الورق مرة، ومرة حفظ المزدلفة، ومرة فرّ من ظله. دسّ روحه في ظلال أبواب بوخوخة، وعرصات الجوامع، ومظلات الدكاكين، بين سوق الترك وسوق "القزارة" وقوس ماركوس ونافورة الغزالة، لم تعرف ظلال المدينة مثيلاً له، في محاربة سيوط الشمس المخبولة، من أثر جنون الصحراء الليبية.

شمس منتصف الليل

الديك الطرابلسي

قصة: رضوان أبوشويشة

الكدوة- العزيزية القديمة - شتاء 2005

بعد أن تكاثر لصوص المال العام والخاص في ليبيا، كغوغاء الجراد في السماء... وانتشروا كجفاء السيل في الأرض، أعلن عن عطاء لبناء، قرية نموذجية للصوص الليبيين، غرب مدينة طرابلس، وشرق واحة جنزور- لإصلاح النفس، وتعليمهم العناية بالوطن الظامئ، منذ مطلع عصر الجفاف... حين بدأت الصحراء تتعرى، على مهل قبل عشرة آلاف سنة تقريباً، والذي لا يزال مستمراً حتى الآن ...
... بعد اثني عشر شهراً من رسو العطاء... اكتُشف الغش في المواصفات، اعتُقل الجناة، وأعلن عن عطاء ثانٍ...

 ... بعد ستة أشهر اكتُشف الغش في المواصفات، اعتُقل الجناة، وأُعلن عن عطاء ثالث ...

 ... بعد شهرين اكتُشف الغش في المواصفات، اعتُقل الجناة، وأُعلن عن عطاء رابع.

وهكذا، وهكذا... انتشرت قرية اللصوص النموذجية... وانتشرت وانتشرت... ومع الاتساع صار بإمكان الديك الهارب من مطاردة اللصوص أن يقفز على السطوح من طرابلس ليصل إلى جنزور ...وهكذا تحققت في حكاية "الديك الطرابلسي" واحدة من وصايا سيدي عبد السلام الأسمر قدس سرّه، المتوفى قبل أربعة قرون ونصف عن عمر جاوز مئة سنة والقائل، "يجيكم وقت ينقز الفروج من اطرابلس ويوصل في جنزور".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


محاكمة رضوان بوشويشة

كنا في الأقفاص، ساعة جاء يسعى، برفقته امرأة، ذات وجه أحمر بنمش مستتر، تبدو قصيرة ولهذا يبدو طويلاً. في القفص حيث كنا، دار بيننا همس وتخمين، إنها زوجته الإيرلندية. لماذا أحضروه ولم يقبضوا عليه مثلنا؟، كان سؤال الغيرة والحسد قد ألمّ بنا، كنا نعرف أنه موجود خارج البلاد، عند القبض علينا، كما الجيلاني طريبشان. ولكن لماذا عاد؟ طرق رؤوسنا هذا من باب الغيظ. إنه يرتدي سروالاً أميركياً، وقميصاً مزركشاً، وكانوا ألبسونا بزة عسكرية، زرقاء فوسفورية مخافة هربنا، لاحظنا هذا من زاوية نظر منكسرة. جلس على كرسي في القاعة، قلنا في دواخلنا "هذا ليس عدلاً". هو أيضاً متهم مثلنا، هو أحد الكتّاب بجريدة الأسبوع الثقافي، قُبض على كُتّاب الصحيفة جميعاً، ساعتها لم يكُن في البلاد، هذا مبرر معقول، لكنه الآن هنا. لم يكتمل مشهد هواجسنا هذا، لأن جلبة حدثت عند إدخال رضوان بوشويشة القفص، حيث اكتمل المشهد بإعلان أحمد الأمين، قاضي محكمة الجنايات، ابتداء الجلسة.            

اقرأ المزيد

المزيد من آراء