Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هواوي" ترد الضربة

للتغلب على الصين في مجال التكنولوجيا، يجب على أميركا أن تستثمر في البلدان النامية

تجمع في معرض للإلكترونيات الاستهلاكية، شنغهاي، يونيو (حزيران) 2019 (رويترز)

شركة "هواوي" تتألم. منذ أن فرضت الولايات المتحدة قيوداً على صادرات الشركة العام الماضي، قُطعت عن شركة الاتصالات الصينية العملاقة مكونات رئيسة في سلسلة الإمداد المتعلقة بأشباه الموصلات. وكذلك، أقنع الدبلوماسيون الأميركيون عدداً متزايداً من القادة الأجانب، من بينهم كثيرون يعيشون في ديمقراطيات متقدمة، بإبقاء "هواوي" خارج شبكات "الجيل الخامس للخليوي" في بلدانهم.  وأثرت هذه الإجراءات العقابية في الشركة، فانخفضت عائداتها على مدى أربعة فصول متتالية.

لكن "هواوي" تتكيّف أيضاً. في الواقع، سبق أن بدأ أكبر مورّد لمعدات الاتصالات في العالم ينتقل من تجهيزات الشبكة والهواتف، إلى "حوسبة السحاب" Cloud Computing وخدمات الحكومة الإلكترونية ومنتجات أخرى أقل اعتماداً على أشباه الموصلات المتقدمة. وفي الوقت ذاته، تواصل "هواوي" تسويق تقنياتها بقوة في البلدان النامية، حيث يجري تبنّيها على نطاق واسع. ومن خلال تعميق وجودها في الأسواق الناشئة الكبيرة كالبرازيل وإندونيسيا ونيجيريا، تهيّئ "هواوي" نفسها للنهوض مرة أخرى.

والجدير بالذكر أن توجه الشركة نحو توصيل شبكات الإنترنت في العالم النامي أدّى إلى خلق تحديات أمنية جديدة، إذ إن الخوادم الحكومية في إثيوبيا وكاميرات المراقبة في باكستان ومركز البيانات في بابوا غينيا الجديدة، وقد قدّمتها "هواوي" جميعها، سرّبت بيانات أو تركتها مكشوفة بشكل فاضح. ونظراً إلى أن الشركة ملزمة بموجب القانون بأن تتعاون مع عمليات الاستخبارات الصينية إذا طُلب منها ذلك، كونها استفادت فترة طويلة من دعم الدولة، تتعرّض الدول التي تعتمد على الشركة لضغوط من بكين. وفي الحقيقة، يعتبر احتمال حدوث تجسس صيني واضطرابات مؤقتة في الشبكة أكبر من احتمال وقوع أضرار كارثية فيها، ولكن لا يمكن استبعاد الهجمات الشديدة ومحاولات الإكراه السيبراني، إذ أصبحت الأنظمة الحيوية التي تتضمن الاتصالات والتمويل والنقل والطاقة والصحة رقمية بشكل متزايد.

وإذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها جادين في التنافس مع الصين اقتصادياً وتقنياً واستراتيجياً، سيتعيّن عليهم تكثيف وصولهم الرقمي إلى العالم النامي. منذ 2017، زادت الإيرادات الرقمية في البلدان النامية بمعدل يتجاوز ضعفي ذلك المسجل في الدول المتقدمة، وفقاً لروشير شارما، كبير الاستراتيجيين العالميين في بنك "مورغان ستانلي لإدارة الاستثمار". في الواقع، من بين ثلاثين دولة تحقق أعلى إيرادات رقمية كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، توجد 16 دولة منها الآن في العالم النامي. وبالنظر أيضاً إلى أن نصف البشرية لا تزال قدرتها على الوصول إلى الإنترنت محدودة أو معدومة، فإن إمكانية تحقيق مزيد من النمو هائلة. والجدير بالذكر أن صعود شركة "هواوي" من شركة مقلّدة إلى قوة عالمية هائلة، ترافق مع مزاعم متسلسلة بالكذب والغش والسرقة (ثمة سلسلة من الدعاوى القضائية التي تجرجرها الشركة خلفها)، غير أن نجاحها لم يكُن مدعوماً بنشاط مشبوه فحسب، إذ اعتمدت استراتيجية "هواوي" على خدمة الأسواق السريعة النمو وذات الدخل المنخفض التي تشكل أماكن مرتفعة الخطورة، وغالباً ما تردّدت شركات التكنولوجيا الأميركية والأوروبية في الاستثمار فيها.  

وفي العالم النامي، تتفوق التكلفة على الأمن في كثير من الأحيان. ومن أجل تحقيق النجاح، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تقديم بدائل عن التكنولوجيا الصينية تكون ميسورة التكلفة.

الذهاب نحو الجنوب

بدأت جهود "هواوي" بالدخول إلى الأسواق المهملة، من داخل الصين. وحينما أسّس رن تشانغ فاي الشركة في 1987، أعطى الموظفين الجدد كتيّباً يوعز إليهم بـ"الذهاب إلى الريف"، حيث "ينتظرهم عالم شاسع وعدد من الإنجازات". سرعان ما طبّق رن تشانغ فاي النهج ذاته في الخارج. وفيما ركّزت الشركات الأميركية والأوروبية على أسواق أكبر وأكثر ثراء في أواخر التسعينيات من القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، صبّت "هواوي" تركيزها على المناطق الريفية والأقل تطوراً. ومع مرور الوقت، اكتسبت الشركة موهبة في تقديم تكنولوجيا قليلة التكلفة إلى السكان ذوي الدخل المنخفض في جميع أنحاء العالم، من المدن والبلدات في أفريقيا إلى المناطق الريفية في الولايات المتحدة.

فضلاً عن ذلك، تعلّمت شركة "هواوي" كيف تكوّن صداقات مع المناصب العليا. وتودّدت إلى المسؤولين الحكوميين، وفازت بالعقود في منافسات المناقصات المفتوحة، وكذلك في الأسواق المغلقة كإثيوبيا حيث رحّبت الحكومة بالشركة قبل عقد من الزمن، لكنها بدأت أخيراً بتخفيف احتكارها لقطاع الاتصالات. في صربيا، تشير الوثائق المسرّبة أخيراً إلى أن "هواوي" دفعت أموالاً بشكل غامض للحصول على عقود مع شركة اتصالات مملوكة من الدولة. غير أن تلك المزاعم وغيرها، إضافة إلى الحوادث الأمنية، فشلت إلى حد كبير في إبطاء تقدم الشركة.

في المقابل، قدمت الدولة الصينية دعماً أساسياً [لتلك الشركة]. بين عامي 1998 و2019، منحت بكين شركة "هواوي" ما يصل إلى 75 مليار دولار من الإعفاءات الضريبية والقروض والائتمانات والتمويلات الأخرى، وفقاً لتحقيق أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال". كذلك رفع المسؤولون الصينيون الحواجز أمام موردي الاتصالات الأجانب في البلاد، كي يحموا الشركة ومقدمي الخدمات المحليين الآخرين، وضغطوا على الحكومات الأجنبية بغية مساعدة الشركة في تأمين الصفقات في الخارج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على مدار أعوام عدة، إبّان اقتحام "هواوي" الأسواق الخارجية، تجاهلتها الولايات المتحدة في الغالب، وساعدتها في بعض الحالات. في 2003، وقّعت الحكومة الأفغانية عقداً مع شركتي "هواوي" و"زد تي إي" ZTE، وهي عملاق اتصالات صيني آخر، لإنشاء شبكة اتصالات خليوية. في العام التالي، حصلت شركة "روشان"، أبرز مزود لخدمات الهاتف المحمول في أفغانستان، على قرض من "بنك التنمية الآسيوي"، الذي تملك اليابان والولايات المتحدة الحصص الأكبر من الأسهم فيه. في البداية، اشترت "روشان" معدات من شركتي التصنيع الأوروبيتين "سيمنز" Siemens و"ألكاتل" Alcatel، لكن بعد مزيد من المراجعة، وافق "بنك التنمية الآسيوي" على استبدالها بمعدات من "هواوي"، مشيراً إلى أنها أقل تكلفة وأكثر مرونة.

وفي منحى مقابل، جاء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق بمثابة هدية لشركة "هواوي". في 2013، تحدث أحد موظفي الشركة عن السوق المربحة التي بنتها الشركة أثناء الغزو، مذكّراً "بسيارات الهامر القاتمة ودبابات الجيش الأميركي التي قامت بدوريات في الطرق والشوارع"، فيما نظّمت الشركة حفلاً "بمناسبة الإطلاق الناجح لشبكات جديدة والحصول على عقود جديدة". واندرجت بين تلك العقود صفقة بقيمة 275 مليون دولار لبناء شبكة لاسلكية على مستوى البلاد.

ووصلت "هواوي" إلى تحقيق نجاحات حتى في الولايات المتحدة. قبل عقد من الزمن، بدأت شركات الاتصالات اللاسلكية في عشرات الولايات التي يخدم كثير منها بلدات صغيرة، اللجوء إلى "هواوي" للحصول على معدات الاتصالات، بعد أن توقف منافسوها في أميركا الشمالية عن العمل. زرت إحدى تلك المدن في 2019، هي غلاسكو، في شمال شرقي ولاية مونتانا. وأخيراً، أوقفت الحكومة الأميركية تركيب معدات "هواوي" التي يجري استبدالها حاضراً. لكن معظم السكان الذين تحدثت إليهم بدوا أقل قلقاً بشأن التجسس الصيني من قلقهم بشأن فاتورة شهرية كبيرة، مردّدين صدى مشاعر نظرائهم في البلدان النامية.

وبطريقة موازية، يمكن أن تكون "هواوي" أيضاً جذابة بالنسبة إلى السياسيين الذين يبحثون عن التكنولوجيا بهدف حل المشكلات الملحة. وكي تفهم السبب، تخيّل أنك عمدة مدينة مهمة في دولة آسيوية نامية. إنك تواجه سلسلة من الأزمات التي يعزز بعضها بعضاً. وكادت جائحة كورونا تدمّر نظامك الصحي وتسبب فوضى اقتصادية. كذلك ارتفعت الديون بشكل خطير، فحدّت من قدرتك على الاقتراض وتمويل مشاريع التنمية. وهدّدت الجريمة بتخويف المستثمرين الأجانب. أنت مرشح لإعادة انتخابك في غضون عامين، وآفاقك السياسية غير مؤكدة تماماً كمستقبل المدينة.

تعلّمت شركة "هواوي" كيف تكوّن صداقات مع المناصب العليا

هكذا، قد يبدو الكلام الترويجي عن منصات "المدينة الآمنة" التي أطلقتها "هواوي" بمثابة الاستجابة لصلواتك، إذ تقدّم الشركة كاميرات استشعار تستعمل درجة حرارة الأجساد كي تحدّد الأشخاص المصابين بالحمى، وبرامج التعرف على الوجه للعثور على المجرمين المطلوبين، وحلول تحليلية لتنبيه الشرطة إلى السلوك غير المعتاد. ومن خلال قياس حركة المرور وتطبيق قوانين القيادة، تؤكد "هواوي" أن تقنيتها ستساعد في تحسين الازدحام. وتعمل أنظمة "المدن الذكية" تلك في الحفاظ على الأمن العام، وتثير مخاوف رئيسة بشأن الخصوصية، لكنها تعد أيضاً بفوائد كبيرة تستطيع تبديل وجهة الأمور. ولجعل الصفقة أفضل، ربما تقدّم بنوك الدولة في الصين قرضاً يمكن سداده على مدى عقدين من الزمن.

في سياق متصل، أدّت قدرة "هواوي" على الجمع بين البنية التحتية الصلبة والخدمات الرقمية والتمويل الحكومي، إلى الفوز بعقود من عشرات الحكومات عن تقديم خدمات البنية التحتية اللازمة لتقنية "حوسبة السحاب" والحكومة الإلكترونية. كذلك تمتد قائمة الخيارات التي تقدمها من تركيب مراكز معيارية صغيرة للبيانات لا يزيد حجمها على حاوية الشحن، إلى إنشاء مبانٍ متعددة الطوابق مكتظة بالخوادم. كذلك تؤمّن الشركة خدمات رقمنة المستندات وأنظمة تحديد الهوية الوطنية والخدمات الضريبية والاتصالات في حالات الأزمات ودعم الانتخابات وغيرها. وتَعدُ "هواوي" أيضاً بفوائد اقتصادية كبيرة وتوفّر التمويل اللازم لها، ما يدفع صانعي القرار إلى افتراض أن تلك الأنظمة ستغطّي تكلفتها الأساسية بنفسها.

غالباً ما يصرح القادة الأجانب بأن تلك الصفقات تعزز "السيادة الرقمية" في بلدانهم. لكنها في الواقع، قد تخلق حالة من الارتهان الرقمي. في يونيو (حزيران)، أعلنت السنغال أنها بصدد نقل جميع البيانات الحكومية، من بينها تلك الخاصة بالشركات المملوكة من الدولة كـ"شركة الكهرباء الوطنية"، إلى مركز بيانات وطني جديد. وقدّم "بنك الصين للاستيراد والتصدير" التمويل لتلك العملية، فيما عملت "هواوي" على تسليم المعدات والخبرة الفنية. في الحقيقة، تمهّد صفقات مماثلة الطريق أمام خدمات مستقبلية وعمليات ترقية المعدات، وربما تكون تكلفة التعامل مع مورّد آخر باهظة. نتيجة لذلك، يرجّح أن تبقى السنغال حبيسة التكنولوجيا الصينية لأعوام مقبلة.

ساحة المعركة الجديدة

تأتي جهود الصين الرامية إلى جعل نفسها مزوّد البنية التحتية الرقمية المهيمن عالمياً، مصحوبة بمخاطر كبيرة على البلدان النامية. في المقابل، لن تُكسب تلك المنافسة عبر التحذيرات الأمنية. ويمكن للولايات المتحدة حظر المعدات غير الموثوق بها في شبكاتها المحلية. وتستطيع الضغط على حلفائها لفعل الأمر ذاته. ولكن في بقية العالم، سيتعيّن عليها تقديم بدائل مقنعة.

والجدير بالذكر أن الطريقة التي يجب أن تتنافس بها الولايات المتحدة ستعتمد على التكنولوجيا المحددة المطروحة، وثمة فرص متعددة يمكن للدولة اغتنامها. في الواقع، تستطيع الاستثمارات المحلية في البنية التحتية والبحث والتطوير أن تساعد في توسيع نطاق التقنيات التي تنقل الملعب العالمي إلى مصلحتها. مثلاً، قد تساعد زيادة اعتماد الوصول المفتوح في شبكة الوصول إلى الراديو Open RAN التي تسمح للمشغلين بمزج البرامج والأجهزة ومطابقتها، الموردين الأميركيين على تقديم منتجات أكثر تنافسية وبأسعار معقولة في مجال شبكات "الجيل الخامس للخليوي". وقد يستغرق هذا النهج أعواماً عدة حتى ينضج، ولكن مع حلول 2025، من المتوقع أن يستعمل حوالى 15 في المئة من مستخدمي الهواتف المحمولة في العالم شبكات "الجيل الخامس". لقد بدأ "السباق" للتو.

جاء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق بمثابة هدية لعملاق التكنولوجيا الصيني

واستطراداً، نظراً إلى أن الولايات المتحدة تلحق بالركب في شبكات "الجيل الخامس"، فسيمكنها الترويج لتقنياتها في مناطق أخرى حيث تمتلك الشركات الأميركية اليد العليا بالفعل. فمثلاً، إن مزودي خدمات "حوسبة السحاب" في الولايات المتحدة هم الأكثر تقدماً في العالم. في المقابل، بغية تحقيق النجاح في الأسواق المنخفضة الدخل، ستحتاج تلك الشركات إلى تقديم حزمة تترافق فيها الخدمات مع البنية التحتية الصلبة وفرص التدريب والتمويل بهدف تقليل التكاليف الأولية.

كذلك، تتمتع الولايات المتحدة بمزايا الريادة في مجال الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية. وفي هذا الإطار، تبني شركات أميركية عدة، بما في ذلك "سبيس إكس" التي أسسها إيلون ماسك و"مشروع كويبر" الذي أطلقته شركة "أمازون"، مجموعات من الأقمار الاصطناعية في مدار أرضي منخفض لتوفير نطاق عريض سريع وموثوق على مستوى العالم. ويستخدم بعضها روابط الليزر بين الأقمار الاصطناعية، ما قد يقلل الحاجة إلى إرساء بنية تحتية أرضية باهظة الثمن ويحبط المحاولات الاستبدادية للسيطرة على الإنترنت. لكن جعل هذه الخدمات في متناول الناس في الأسواق المنخفضة الدخل، ربما يتطلب على الأرجح شكلاً من أشكال المساعدة المالية، إما من خلال بنوك التنمية المتعددة الأطراف أو عن طريق تحالف مؤلف من شركاء الولايات المتحدة وحلفائها.

 

"سباق" شبكات "الجيل الخامس للخليوي" بدأ للتو

هذا النوع من التعاون ضروري لجعل البدائل ذات الأسعار المعقولة متاحة أكثر، ويكتسب عدد من الجهود زخماً في هذا المجال. وكجزء من شراكة ثلاثية للاستثمار في البنية التحتية، تتشارك أستراليا واليابان والولايات المتحدة في تمويل كابل تحت سطح البحر إلى الدولة الجزيرة بالاو في المحيط الهادي. وأخيراً أعلن "التحالف الرباعي"، المؤلف من تلك التشكيلة ذاتها إضافة إلى الهند، عن مجموعة من المبادئ لحوكمة التكنولوجيا، وأنشأ فريقاً يعمل على تنسيق أنشطة البنية التحتية. خلال أول اجتماع له على الإطلاق في سبتمبر (أيلول)، أنشأ "مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي" فريق عمل سيساعد في تمويل الاتصال الرقمي في البلدان النامية. في نهاية المطاف، ستنجح هذه الجهود أو تفشل بحسب قدرتها في وضع المعايير وتعبئة الموارد كي تخدم مشاريع فعلية.

إذاً، توفر المدن الذكية التي يمكن أن تشمل كل شيء بدءًا من كاميرات المراقبة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي إلى صناديق القمامة التي ترسل تنبيهات عند الحاجة إلى إفراغها، فرصاً مهمة بشكل خاص للولايات المتحدة كي تحقق نتائج ملموسة. وبشكل مشجع، خلال القمة الأخيرة مع "رابطة دول جنوب شرق آسيا"، أعلنت الولايات المتحدة عن صندوق ابتكار مخصص لأعمال المدن الذكية، إضافة إلى برامج ذكية في الطاقة والنقل. يمكن أن تتعزّز هذه الجهود من خلال العمل مع حلفاء الولايات المتحدة في تقديم شهادة "المدينة المستدامة" التي تؤكد على الإشراف البيئي والمسؤولية الاجتماعية وأمن البيانات. كذلك يمكن أن تتلقى المدن عوناً فنياً بهدف مساعدتها في الحصول على الشهادة والحوافز المالية التي تسهم في تحقيق الأهداف الرئيسة وتقليل التكاليف. وإضافة إلى ذلك، يمكن أن تحظى الشركات التي تُعتبر مستدامة بالأولوية عند التنافس على المشاريع في المدن المشاركة. ومن شأن هذا النهج أن يظهر تناقضاً إيجابياً مع صادرات المدن الآمنة الصينية، التي غالباً ما تفتقر إلى الشفافية والضمانات وقد واجهت مشكلات في الأداء وخروقات للبيانات.

لن تكون هذه الخطوات وغيرها من خطوات الدعم سريعة أو سهلة أو رخيصة، إذ تواجه حكومة الولايات المتحدة تحديات بشأن تنسيقها مع بعضها بعضاً. وعلى الرغم من وجود إجماع متزايد بين حلفاء الولايات المتحدة وشركائها حول الحاجة إلى التنافس مع قيادة الصين في البنية التحتية الرقمية، إلا أن الأمر سيستغرق وقتاً في جعل الوكالات ذات الصلة ضمن كل دولة تعمل بشكل متضافر. في المقابل، يملك العالم حاجات تكنولوجية هائلة لا يمكن لأي دولة أو شركة أن تلبّيها. في ذلك الصدد، يجب أن يشكّل ماضي "هواوي" وقرارها مضاعفة الرهان في العالم النامي، تحذيراً بشأن التكاليف المترتبة على التراخي والتخاذل، إذ تتطلب الريادة في تقنيات الجيل التالي تنافساً في أسواق الجيل التالي.

 

• جوناثان هيلمان زميل مهم في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، حيث يدير "مشروع إعادة توصيل آسيا". ألّف كتاب "طريق الحرير الرقمي، سعي الصين إلى ربط العالم إلكترونياً والفوز بالمستقبل" (دار هاربر بيزنس، 2021) الذي اقتُبس هذا المقال منه.

 

فورين أفيرز، نوفمبر (تشرين الثاني) 2021

المزيد من آراء