Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح الفراغ في لبنان واحتمال التمديد يلوحان مع قرب نهاية عهد عون

أنباء عن تجهيز "فذلكة" دستورية تخول الرئيس المنتهية ولايته الاستمرار في موقعه

عون متوسطاً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري خلال العرض العسكري بمقر وزارة الدفاع شرق بيروت في ذكرى الاستقلال 22 نوفمبر الحالي (أ ف ب)

كأن التاريخ مرشح دائماً لأن يعيد نفسه في لبنان، ففي نهاية عهد الرئيس أمين الجميل عام 1988، كان رئيس الحكومة سليم الحص حينها مستقيلاً، وتطبيقاً للدستور اللبناني سلم الجميل قائد الجيش العماد ميشال عون حينها السلطة، وأنشأ حكومة عسكرية تُدير الفراغ حتى انتخاب رئيس جمهورية جديد، إلا أن الحص عاد عن استقالته، ما خلق اشتباكاً دستورياً حينها بين المسيحيين والمسلمين الذين أصروا على ضرورة تسليم الحكم لحكومة سليم الحص، وبذلك بات في لبنان رئيسان لحكومتين، الأولى عسكرية مسيحية في بيروت الشرقية، والثانية مدنية مسلمة في بيروت الغربية.
وفي عام 1990 وبعد ما يقارب السنتين من الفراغ الرئاسي، وقعت الأطراف اللبنانية على "اتفاق الطائف" الذي أرسى السلم الأهلي بعد سنوات من الاقتتال الداخلي، وانتُخب رينيه معوض رئيساً للبنان، لكنه اغتيل بعد أيام، ليتولى إلياس الهراوي الرئاسة من بعده. إلا أن عون الذي اتخذ من القصر الرئاسي، في بعبدا، مقراً له رفض تسليم السلطة للرئيس المنتخب كونه جاء نتيجة لـ"اتفاق الطائف" الذي رفض الاعتراف به، ما أدى إلى اجتياح القوات السورية المناطق الخاضعة لسلطة عون في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990، ووصولها إلى القصر الجمهوري، مما أجبره على الالتجاء إلى السفارة الفرنسية؛ تمهيداً لخروجه من البلاد.

مؤامرة كبيرة

أخيراً، أثار الموقف الذي أدلى به الرئيس ميشال عون في مقابلة صحافية ولمح فيه إلى أنه لن يسلم البلد للفراغ بعد نهاية ولايته في خريف عام 2022، مخاوف من تكرار سيناريو عام 1990 الذي أدخل لبنان في مرحلة طويلة من الوصاية السورية على القرار اللبناني، لا سيما أن لدى فئة كبيرة من اللبنانيين هواجس من إمكانية سيطرة "حزب الله" بشكل كامل على مفاصل السلطة.
في سياق متصل، اعتبر سياسي لبناني بارز (طلب عدم الكشف عن اسمه) أن "هناك مؤامرة كبيرة تُحاك في أروقة القصر الرئاسي تستهدف الإطاحة بالاستحقاقات الدستورية والوقوع في فراغ على مستوى المؤسسات الدستورية، هدفها إبقاء عون بالسلطة أو فرض قيود على انتخاب الرئيس المقبل"، مشيراً إلى أنها "ليست المرة الأولى التي تسرب فيها أوساط الرئاسة أنباءً حول عدم تسليم السلطة بنهاية العهد الحالي". وأوضح المتحدث أن "فريق عون القانوني جهز فذلكة دستورية تخول الرئيس المنتهية ولايته الاستمرار في موقعه تحت مبررات المصلحة الوطنية واستمرار عمل المرافق العامة، محذراً من تلك المغامرة التي قد تدخل البلاد في فوضى عارمة.

مجلس قضائي - عسكري

وأوضح المصدر ذاته أنه "في عام 1990 راهن عون، برفضه تسليم السلطة، على التوازنات الإقليمية التي اعتقد أنها تصب في صالحه، فأتت النتيجة معاكسة تماماً فتم إسقاطه عسكرياً". وأضاف "الآن يراهن في خياراته على قوة حزب الله الإقليمية والمحلية"، متوقعاً أن يخيب ظنه مجدداً، لا سيما أن المحور الإيراني ليس في أفضل أحواله على مستوى المنطقة.
ورأى أنه "في حال أراد عون إسقاط المرحلة السابقة على المعطيات الحالية، عليه العودة إلى عام 1988 حين وصلت البلاد إلى فراغ في رئاسة الجمهورية والحكومة في ظل مجلس نيابي ممدَد له، قام الرئيس حينها (أمين الجميل) بنقل السلطة إلى قائد الجيش، وبالتالي في حال الوصول إلى مشهد مماثل على عون نقل السلطة إلى قائد الجيش، العماد جوزيف عون أو إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود، أو إلى الاثنين معاً عبر تشكيل مجلس قضائي – عسكري يؤمن استمرارية السلطة مرحلياً".

جس نبض

منذ أشهر عدة، قال النائب ماريو عون، المنتمي إلى كتلة "لبنان القوي"، الموالية للرئيس، في معرض حديث صحافي، إنه "يحق لرئيس الجمهورية الاستمرار في موقعه في حالات دستورية معينة قد تنطبق على الرئيس عون عند انتهاء ولايته"، لكنه حينها وبعد موجة الانتقادات والمواقف التي اشتعلت بها مواقع التواصل الاجتماعي، أوضح أن كلامه أتى رداً على دعوات استقالة الرئيس أو تقصير ولايته.
وبعد كلام النائب عون، أوضحت رئاسة الجمهورية حينها أنه لا توجد أي طروحات أو نية لتمديد الولاية، مشيرة إلى أن "الكلام الذي يصدر عن بعض النواب ومنهم من حلفاء الرئيس لا يعكس الموقف الرسمي لرئاسة الجمهورية".

حيلة دستورية

من جهة أخرى، أوضح رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية، المحامي الدكتور بول مُرقص، أنه لا يوجد في الدستور اللبناني أي نص صريح يُجيز لرئيس الجمهورية عدم ترك سدة الرئاسة بعد انتهاء ‏ولايته، "إلا أن المادة 62 من الدستور ارتقبت هذه الحالة بأن أولت مجلس الوزراء صلاحيات ‏الرئيس وكالة عند شغور سدة الرئاسة"، لافتاً إلى أن "الاستثناء الوحيد هو صدور قانون عن مجلس النواب بتمديد ولاية رئيس ‏الجمهورية. وهو ولو صدر يكون قابلاً للطعن فيه أمام المجلس الدستوري لعلة عدم ‏دستوريته في ضوء الأسباب والظروف المرافقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت مرقص إلى أن "المراجع القانونية واضحة لناحية انتقال الصلاحيات عند شغور أحد المواقع الدستورية بطريقة تؤمن استمرارية العمل في المرافق الدستورية"، مشيراً إلى أن "هذا في المبدأ والأصول الدستورية"، متخوفاً من أن "تبتدع السلطة تصوراً قادماً للتمديد سواء للمجلس النيابي أو للرئيس". وقال "إنني أتحفظ عن ذكره راهناً لعدم التسويق لسيناريوهات مفترضة يُراد لها أن تؤسس لمخارج، لما لها من تأثير سلبي على مبدأ تداول السلطة".

احتلال الفراغ

إلا أن السيناريو الذي يتداوله مراقبون، ينبثق من تقرير كان وضعه القاضي بيتر جرمانوس في عام 2013 عند اقتراب نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، وتسلمته الرابطة المارونية آنذاك، ومبرراً وضعه أن الحكومة كانت في حالة تصريف أعمال، وأباح هذا الرأي، بالاستناد إلى الفقه، استمرار رئيس الجمهورية في القيام بمهماته الرئاسية بعد انتهاء ولايته باعتبار أن "الحكومة المستقيلة لا صفة لها لكي تُناط بها صلاحيات رئاسة الجمهورية، وكون أن تفريغ سدة الرئاسة يتعارض ومبدأ تسيير المرفق العام، وسيؤدي إلى تفريغ السلطة برمتها".
حينها، لم يأخذ الرئيس سليمان بهذا الرأي وعمل على تسهيل تشكيل حكومة رئيسها تمام سلام. إلا أن الرئيس السابق للمجلس الدستوري، الدكتور عصام سليمان يعترض على هذا الرأي، ويشير إلى أنه "وفق الدستور، على رئيس الجمهورية مغادرة القصر الجمهوري فوراً عند انتهاء ولايته، والحكومة وإن كانت مستقيلة وتقوم بمهمات تصريف الاعمال، تتسلم دستورياً مهمات رئيس الجمهورية".

طموح السلطة

إلا أن الباحث السياسي علي حمادة، رأى أنه "من المرجح أن تشهد نهاية عهد عون فراغاً رئاسياً ودستورياً"، مشيراً إلى أن "المسألة لا تتعلق، لا بصلاحيات ولا بدستور ولا باتفاق الطائف، إنما تتعلق بإدارة معركة الرئاسة المقبلة وإعادة تعويم النائب جبران باسيل بشتى السبل والإمكانات تحضيراً للانتخابات النيابية، إذا حصلت". ولفت حمادة إلى أن "هذا الفراغ يمكن أن يؤدي إلى أزمة كبرى في البلاد، خصوصاً إذا ما صدقت الروايات التي تشير إلى أن لدى عون طموح للبقاء في موقع الرئاسة، وسيحاول أن يبقى في قصر بعبدا، من خلال بعض السيناريوهات والفذلكات الدستورية"، مشيراً إلى أن "عون يستعيد تصرف عام 1990 بذات الطريقة والمنهجية والأسلوب، لكن من دون مدافع عسكرية، إنما بمدافع إعلامية وسياسية وسلطوية ودستورية مقارنة مع تلك الفترة".

فراغ لا متناهٍ

في المقابل، نفى عضو تكتل "لبنان القوي"، النائب أسعد درغام، أن يكون كلام عون هدفه خرق الدستور والتمديد لرئاسة الجمهورية، موضحاً أن "تاريخ الرئيس عون يشهد على أنه هو الذي يحترم الدستور والمؤسسات"، ومشيراً إلى أن "الهدف من هذا الكلام هو التشديد على إجراء الاستحقاقات الدستورية، بدءاً بالانتخابات النيابية مروراً بتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات، ووصولاً إلى انتخابات الرئاسة".
ولفت درغام إلى أن "هناك مَن يريد إغراق البلاد بسلسلة من الفراغات الدستورية لا تنتهي من أجل تفكيك الدولة اللبنانية"، معتبراً أن "قرار تحديد موعد الانتخابات النيابية المقبلة في 27 مارس (آذار) المقبل مشبوه وهدفه الإطاحة بالانتخابات النيابية". وشدد على أن "الرئيس عون مصمم أن تجرى الانتخابات في موعدها الطبيعي أي في النصف الأول من مايو (أيار) 2022".

المزيد من العالم العربي