Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هول "الأربعاء الدامي" يصعق الشارع السوداني وسط صمت السلطات

تأخر البرهان في تنفيذ التزاماته بتكوين حكومة من كفاءات وطنية غير حزبية يثير ريبة داعمي قرارات 25 أكتوبر

لا حديث في الشارع السوداني حالياً غير ما ارتُكب من "جرائم بحق الإنسانية والمواطنين العزّل" (اندبندنت عربية - حسن حامد)

أثارت عودة خدمة الإنترنت في السودان، يوم الجمعة 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بعد انقطاع دام قرابة الشهر، بسبب الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش السوداني في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بإعلان حالة الطوارئ في البلاد، مشاعر السودانيين، إذ سمحت بتداول فيديوهات القتل والعنف الذي مارسته الأجهزة الأمنية ضد المحتجين الذين خرجوا في "مليونية 17 نوفمبر" التي أُطلق عليها اسم "الأربعاء الدامي"، للمطالبة بإزالة حكم العسكر وعودة السلطة المدنية. ولا حديث في الشارع السوداني حالياً غير ما ارتُكب من "جرائم بحق الإنسانية والمواطنين العزّل أثناء ممارستهم حقهم المشروع في التظاهر السلمي".
وعلى الرغم من تفاعل المجتمع الدولي بكل مستوياته بإدانة هذه الأحداث التي راح ضحيتها وفق أحدث الإحصاءات، 40 قتيلاً وأكثر من 80 جريحاً إصاباتهم متفاوتة الخطورة، فضلاً عن الإدانة المحلية الصادرة عن كل مكونات المجتمع السياسية والمدنية والحقوقية، إلى جانب تواصل التظاهرات احتجاجاً على ما سُمّي بـ"المجزرة"، لكن ثمة تساؤلات أثارها كثيرون عن أسباب التزام القيادة السودانية، ممثلة برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه وأعضاء المجلس، الصمت عما يُرتكب من أعمال عنف مفرط ضد المواطنين بلغ حدّ القتل على أيدي عناصر الأجهزة الأمنية، فضلاً عن حالة الانسداد في المشهد السياسي، وما هو المخرج من هذه الدائرة الشريرة؟ 

استحالة الحوار 

وصرح مساعد رئيس "حزب الأمة القومي السوداني" للشؤون الولائية عبد الجليل الباشا أن "المجموعة التي قامت بانقلاب 25 أكتوبر أغلقت منذ البداية كل أبواب الحوار والتفاوض، بحيث قررت فضّ الشراكة مع المكون المدني والانفراد بالحكم والرأي، وهذا جعلها تتجه نحو العنف بحق كل من يخالفها الرأي، وذلك بارتكاب المجازر المخلّة بحقوق الإنسان، بالتالي لاذت بالصمت بعد مجزرة الأربعاء الدامي لأن لا مبرر لديها لقتل متظاهرين سلميين أبرياء لمجرد أنهم يطالبون بعودة الحكم المدني المغتصب من قبل العسكر، وهو حق مشروع وفق القانون والأعراف المتبعة في البلاد".
وتابع، "تاريخياً، معلوم أن العنف لا يولّد إلا العنف، وهذا ما حدث في مليونية 17 نوفمبر، التي تعرّضت للقمع منذ بداية انطلاقتها في مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان). فقبل ذلك، كان هناك حديث عن ضرورة تهيئة المناخ من خلال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بمن فيهم رئيس الوزراء عبدالله حمدوك المحتجز تحت الإقامة الجبرية واستعادة العمل بالوثيقة الدستورية ورفع حالة الطوارئ، لبدء الحوار لحل هذه الأزمة. لكن الآن، باتت هناك استحالة لأي عملية تفاوض مع العسكريين، بل بدأ المحتجون يهتفون في الشوارع بالشعارات القديمة: الشعب يريد إسقاط النظام، بالتالي يصعب التعامل مع أي اتجاه نحو الحوار". وأكد أن "البرهان بات أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يعود إلى صوابه وحينها لكل حدث حديث، إلا إذا غفر له الشعب، أو أن يذهب في ما هو ماضٍ فيه وسيكون مصيره سيئاً". 

المساءلة القانونية 

وأكد الباشا أن "الشارع السوداني قرر مقاومة الانقلاب وسيدفع الثمن من أجل إسقاط هذا الحكم، على الرغم من الممارسات الهوجاء وغير المنضبطة من القوات النظامية، لكن لا بد من المساءلة اليوم أو غداً عن كل جريمة ارتُكبت بحق متظاهر سلمي، ويتحمّل البرهان نتيجة ذلك وهي مسؤولية تاريخية. فالجريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن، والمجتمع الدولي سيتخذ إجراءات كثيرة لمعاقبة كل من خالف القانون الدولي وأجرم بحق شعبه".
وحول مدى التزام القوى السياسية قرارات الشارع، قال عبد الجليل الباشا إن "القوى السياسية لا خيار لديها إلا السير مع الشارع في كل خطواته، لأن ما حدث هو فرض حكم شمولي بالقوة، وتبعه قتل واعتقال وعنف مفرط بحق كل من خرج للتظاهر سلمياً، بالتالي لا خيار للجميع غير المقاومة، فحتى القوى السياسية المشاركة في مجلس السيادة مع المجموعة الانقلابية لها رأي واضح في ما يجري من تطورات سلبية في البلاد، فضلاً عن أن كل المبادرات الدولية والإقليمية والمحلية لم تجد الاستجابة حتى هذه اللحظة من قبل المكون العسكري. لذلك، نجد كقوى سياسية أن من حقنا الوقوف بجانب هذا الشعب الذي ابتكر ثورة سلمية عظيمة، وظل يدفع الأرواح في سبيل استعادة حكمه المدني والتمتع بالعيش الكريم في ظل الحرية".  

توحيد الحاضنة 

في المقابل، قال القيادي في "الجبهة الثورية" حذيفة محي الدين البلول إنهم دعموا قرارات البرهان التي أصدرها في 25 أكتوبر "نتيجة للأزمات والإخفاقات التي لازمت البلاد في تلك الفترة، وكنا نعتقد أنها ستفتح الباب لمعالجة الخلافات وتؤدي إلى توحيد الحاضنة السياسية، بخاصة أن البرهان كقائد للجيش التزم في بيانه تكوين حكومة من كفاءات وطنية غير حزبية، فضلاً عن التزامه الانتقال والتحول الديمقراطي". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "لكن الآن حصل تأخير غير مبرر في تنفيذ الالتزامات التي تم الاتفاق عليها مع قائد الجيش، وهذا مثير للقلق، بخاصة أننا ضد الانفراد بالسلطة والحكم الشمولي، فإذا لم يتم التزام ذلك سيكون هناك نقوص، وسيترتب عليه رد فعل مغاير من قبل الذين دعموا قرارات البرهان، وهذا من شأنه أن يقود البلاد إلى مزيد من الاقتتال، بالتالي مزيد من الضحايا، إلى جانب تفجر الأزمات الاقتصادية".  

فراغ قانوني 

وأرجع القيادي في "الجبهة الثورية" ما يحدث من مغالطات في الشارع السوداني بشأن العنف وضحايا الاحتجاجات، بخاصة مليونية 17 نوفمبر، إلى "الفراغ الأمني والعدلي، نتيجة للتأخير في تكوين الأجهزة العدلية كالمحكمة الدستورية والنيابة العامة ورئاسة القضاء. فكان بإمكان هذه الأجهزة أن تحافظ على الوضع القانوني المتأزم حالياً"، لافتاً إلى أنه "من المهم إجراء تحقيق حول ملابسات ما حدث من عنف راح ضحيته أبرياء، ولا بد من سد الفراغ القانوني بأسرع وقت ممكن، حتى لا يتعرّض المشهد السوداني لانتكاسة وانزلاق يصعب تداركه ومعالجته".
وعزا البلول "صمت القيادة السودانية ممثلة برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن تطورات الأحداث التي سقط فيها عدد مقدَّر من القتلى والجرحى"، إلى أن "الحقيقة المرّة هي أن القيادة ماضية في إجراءاتها من دون مشورة أحد من شركائها، وليست لديها مرجعية سياسية محددة لمعالجة ما يجري من أحداث دامية، وهذا الصمت يوحي بأن هناك انفراداً في القرارات. وإذا لم ينتبه الناس إلى هذه المخاطر الحاصلة الآن، سيتوسع العنف وتكون النتيجة صادمة للجميع". 


بلاغات وانتهاكات 

من جهة ثانية، اعتبر النائب العام الأسبق في السودان عمر عبد العاطي أن "ما جرى من عنف في الأيام الماضية ضد المتظاهرين العزّل في العاصمة المثلثة، يشبه تداعيات فضّ اعتصام القيادة العامة للجيش في الثالث من يوليو (تموز) 2019، الذي راح ضحيته 200 قتيل ومئات الجرحى، إذ تنصلت الأجهزة النظامية مما حدث، وسنظل نسير في هذا الاتجاه كل مرة، وهذا يؤكد حقيقة أن هناك نية مبيّتة لارتكاب مثل هذه الفظائع، وهو بلا شك عمل انتقامي، ولا علاقة له بتفريق التظاهرات التي عادة ما يُستخدم فيها الغاز المسيل للدموع فقط، وأحياناً العصي وخراطيم المياه". وأضاف، "المؤسف أن القتل الذي حدث في مليونية 17 نوفمبر كان واضحاً، وهو جريمة غير مبررة، بخاصة أن هناك عدداً من التقارير عن وفيات صدر من مستشفيات معروفة، والمؤلم أنه حتى الآن لم يصدر بيان رسمي، فضلاً عن الصمت من قبل القيادة، ما يُفسَّر بأنه ليس لديها التبرير أو الحجة المقنعة، لكن على أهل الضحايا فتح بلاغات في مراكز الشرطة، وبالتأكيد أن المجتمع الدولي سيتدخل في هذه الحوادث لأن فيها انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان". 

مسيرات حاشدة

ويشهد السودان منذ إعلان قائد الجيش قرارات 25 أكتوبر، موجة احتجاجات مستمرة للمطالبة بإزالة الحكم العسكري، إذ اعتبرت القوى السياسية التي كانت على رأس السلطة التنفيذية وقطاع عريض من الشارع السوداني تلك القرارات بمثابة "انقلاب عسكري على الحكومة الشرعية برئاسة عبدالله حمدوك". 
ونظمت لجان المقاومة حتى الآن، ثلاث مسيرات حاشدة، آخرها مليونية 17 نوفمبر، التي تعرضت منذ بداية انطلاقتها في الساعة الواحدة بعد الظهر إلى إطلاق الرصاص الحي والقنابل الصوتية، فضلاً عن الغاز المسيل للدموع، مما أدى وفق إحصاء "لجنة أطباء السودان المركزية" إلى سقوط 15 قتيلاً وعشرات الجرحى من المحتجين الذين تعرّضوا لإصابات متفاوتة ما بين خطيرة ومتوسطة وبسيطة.
ولم تفلح حتى الآن الوساطات المحلية والإقليمية والدولية التي قامت بها أطراف مختلفة من أبرزها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ودولة جنوب السودان، فضلاً عن شخصيات محلية، في إحداث اختراق يقرّب وجهات النظر بين المكونين المدني والعسكري وصولاً إلى حل يتوافق عليه الطرفان ويرضي الشارع السوداني.

المزيد من العالم العربي